إن كنت تنوي التقاعد.. عليك أن تراقب التضخم

ربما ليس هذا هو الوقت المناسب لبدء الرحلة
ربما ليس هذا هو الوقت المناسب لبدء الرحلة المصدر: بلومبرغ
Matthew Brooker
Matthew Brooker

Matthew Brooker is an editor with Bloomberg Opinion. He previously was a columnist, editor and bureau chief for Bloomberg News. Before joining Bloomberg, he worked for the South China Morning Post. He is a CFA charterholder.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

هناك نفحة من عام 1968 في الأجواء. تمتلك حركة "الاستلقاء" (lie flat)التي ظهرت في الصين مؤخراً (وهي تعني عدم القيام بأكثر من الحد الأدنى مما هو مطلوب)، مما يتجاوز الصدى المؤقت للحركات المناهضة للثقافة الأمريكية في حقبة الستينيات من القرن الماضي، وقد تردّد صداها في كل أنحاء العالم. ليس الشباب والغاضبون فقط من يختارون التقاعد؛ فبعد مرور سنتين على تفشي جائحة كورونا على مستوى العالم، زاد عدد الأمريكيين الذين يختارون التقاعد مبكراً، وهو توقيت حرج بالنسبة إليهم.

اقرأ أيضاً: من "الاستقالة العظيمة" إلى ظاهرة "الاستلقاء" عن العمل

زاد معدل تضخم أسعار المستهلك في الولايات المتحدة إلى مستوى هو الأعلى له خلال 4 عقود عند 7%. وجاء ارتفاع الأسعار على نطاق واسع تماماً وبشكل مستدام، لدرجة أنَّنا تجاوزنا فعلاً النقطة التي من الممكن أن نعتبرها ظاهرة مؤقتة ناجمة عن اضطرابات وباء كوفيد. هناك أسئلة مهمة لمن يريدون التقاعد، حول الاتجاه الذي سيسلكه معدل التضخم المرتفع، و إلى أي حد سيكون راسخاً. ففي حال كان هذا الاتجاه مستمراً، فمعنى ذلك أنَّه قد يقلب الفرضيات التي كانت سائدة على مدى عقود من الزمان.

اقرأ المزيد: أفضل وأسوأ أنظمة التقاعد العالمية في 2021

عوامل متزامنة

جاءت الفترة التي أعقبت الأزمة لطيفة بالنسبة إلى مالكي الأصول حتى بالنسبة إلى المتقاعدين. فقد أعطت أسعار الفائدة الأساسية القريبة من مستوى الصفر دفعة للعائدات الإجمالية لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، بما يصل إلى تسعة أضعاف، (تشمل توزيعات أرباح الأسهم المعاد استثمارها)، وذلك منذ المستوى الأدنى الذي سجلته عام 2009، ودعمت من قيم السندات. وفيما أسفر ذلك عن تسمين المحافظ الاستثمارية؛ فإنَّ الظروف بالنسبة إلى أولئك الذين يخططون لعوائد آجلة، خصوصاً في المستقبل، تختلف بطريقة جذرية في الوقت الراهن. فمعدلات التضخم تتزايد بطريقة متسارعة تماماً، فيما يجري قياس تقييمات الأسهم -بحسب نسبة السعر إلى الأرباح المعدلة دورياً، أو( CAPE)، التي طورها روبرت شيلر في جامعة ييل– لتقترب من أعلى مستوياتها على الإطلاق. هذه تعتبر أسوأ تركيبة ممكنة بالنسبة إلى الأفراد المتقاعدين الذين يخططون للعيش على عوائد استثماراتهم.

كان العالم عبارة عن مكان أكثر بساطة في آخر مرة بات فيها التضخم الخطير مترسخاً في الاقتصاد على مستوى العالم. قبل مرور 50 سنة؛ كانت المعاشات التقاعدية مخططات تتضمن مزايا محددة تُدفَع للموظفين مضاعفات الرواتب النهائية الخاصة بهم، مع ربطها بمعدلات التضخم. في غضون العقود القليلة السابقة؛ جرى استبدال تلك المعاشات بطريقة هائلة لتحل محلها خطط ما هي إلا عبارة عن مساهمات محددة تنقل مخاطر الاستثمار إلى الشخص القابض للمال. وأسفر ذلك عن حدوث عملية ملاحقة من أجل تحديد النسبة المئوية التي من الممكن عندها أن يسحب المتقاعدون بأمان من صندوق معاشاتهم التقاعدية سنوياً، دون أن تنفد الأموال. وجرى وضع هذه النسبة عند مستوى 4% كقياس تقريبي مقترح بات متبعاً بطريقة كبيرة في سنة 1994.

المتقاعدون يتحملون المخاطر

في بحث لاحق؛ جاء اقتراح يجعل من الممكن للمتقاعدين أن يتبنوا نهجاً يتمتع بليبرالية أكثر، ويقوم على تحمّل هم المخاطر. في دراسة صدرت سنة 2011، قدَّم باحثون في جامعة ترينيتي في ولاية تكساس جداول إكتوارية تعرض معدلات الفائدة اللازمة لاستمرار محفظة مكونة من خليط متنوع من الأسهم والسندات على مدى فترات زمنية تتراوح ما بين 15 سنة و30 سنة. ثبت لديهم أنَّ المحافظ الاستثمارية التي تضم 50% من الأسهم على أقل تقدير، من الممكن أن تعزز معدلات سحب تصل إلى 7%، مع وجود احتمالية مرتفعة لتحقيق النجاح (يعني ذلك وجود قيمة نهائية بالموجب في نهاية مدة التقاعد الزمنية). مثلاً؛ هناك فرص لمحفظة الاستثمار المقسمة بنسبة 50-50، ومعدل سحب 7% سنوياً لجعلها تستمر لمدة 30 سنة بنسبة 85%.

يجري ذلك مع عدم الأخذ في الاعتبار تأثير معدلات التضخم. كما يعني إدخال تعديل على معدلات السحب للحفاظ على القوة الشرائية الحقيقية ثابتة؛ صعود فرص حدوث نفاد للأموال. يتراجع ​​معدل النجاح في الاستمرار لنفس المحفظة 50-50، و7% للسحوبات السنوية إلى 22% لمدة 30 سنة فترة تقاعد، ومع معدل سحب 4% يصعد لنسبة 96%.

يجري استخدام بحث "ترينيتي" للبيانات على مدى فترات زمنية متدرجة من سنة 1926 إلى سنة 2009، وتشمل فترات الزلازل، والكساد الكبير، والأزمة المالية العالمية. بناء على ذلك؛ فإنَّ أساسه التجريبي يعتبر متيناً. لم تفرض عملية إدخال تعديلات حدوث تغييرات ضخمة على الفرضيات الأساسية، فربما نكون على مقربة من عملية تغيير غير مسبوقة داخل النظام المالي. لم يسبق لنا الدخول في فترة زمنية تضخمية في ظل تقييمات متطرفة تماماً لحقوق الملكية. كانت هناك مرة واحدة شهدت فيها نسبة السعر إلى الأرباح المعدلة دورياً ارتفاعاً بالمستوى نفسه في الوقت الحالي، وهو وقت حدوث فقاعة شركات التكنولوجيا بين عامي 1999، و2000.

توقيت غير مناسب

قال ويليام بنجن، المستشار المالي المتقاعد الذي وضع القياس التقريبي عند نسبة 4% (التي راجعها في وقت لاحق لترتفع إلى 4.7% عقب إضافة أصول أخرى)، إنَّ البيئة في الوقت الراهن تعتبر "بعيدة عن المتوسط العام"، ويعد ضرباً من المستحيل أن نعلم معدل السحب الآمن حالياً. جاء ذلك خلال بث عبر موقع "بودكاست" "ذي لونغ فيو" (The Long View) التابع لشركة "مورنينغ ستار" (Morningsta) خلال الشهر الماضي. فيما يتعلق بالأمريكيين الذين اتخذوا قراراً بأنَّ ذلك هو التوقيت الملائم لمغادرة القوى العاملة؛ كانت الأخبار لدى بنجن، سيئة. أوضح أنَّ التقاعد المبكر يعتبر خطيراً بصفة خاصة. ويعد الإنفاق كثيراً في وقت مبكر جداً، أمراً خطيراً، في حين تحدد الفترة ما بين السنوات الخمس إلى السبع الأولى المسار الكامل لفترة التقاعد.

الخبر السار هو أنَّ القياس التقريبي 4% من المفترض أن يصمد بشكل دائم؛ إذا كان التاريخ يعد دليلاً على ذلك. أوضح بنجن أنَّ ذلك القياس كان السيناريو الأكثر سوءاً، وجرى وضعه وفقاً لشخص تقاعد في أكثر توقيت بائس (يحدث ذلك حتى الوقت الحالي، مهما كان الأمر)، بمجرد أن وصل سوق الأسهم إلى ذروته، ومع بداية خروج التضخم عن السيطرة، وذلك في أكتوبر من عام 1968. لذا؛ وبكل الوسائل يمكن التقاعد، والاسترخاء، وسماع أغنية (Hey Jude)، أو أغنية (I Heard It Through the Grapevine) على قرص الأسطوانة الدوار؛ لكن لا تفرط في الإنفاق الخاص بك.