العودة إلى سياسة حماية الغذاء تثير غضب المزارعين في الأرجنتين

فلاحون يحصدون الذرة باستخدام الآلة في حقل بمنطقة اندارت الأرجنتينية. كانت الحكومة الأرجنتينية قد أوقفت شُحنات الذرة حتى فبراير لإجبار المُزارعين على البيع لقطّاع الماشية المحلي. الفكرة هي الحد من تكاليف العلف، وبالتالي أسعار لحوم البقر، ولحم الخنزير، والدجاج، والبيض، والحليب في بلد من المُتوقع أن يصل التضخم فيه إلى 50% هذا العام.
فلاحون يحصدون الذرة باستخدام الآلة في حقل بمنطقة اندارت الأرجنتينية. كانت الحكومة الأرجنتينية قد أوقفت شُحنات الذرة حتى فبراير لإجبار المُزارعين على البيع لقطّاع الماشية المحلي. الفكرة هي الحد من تكاليف العلف، وبالتالي أسعار لحوم البقر، ولحم الخنزير، والدجاج، والبيض، والحليب في بلد من المُتوقع أن يصل التضخم فيه إلى 50% هذا العام. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أدى فرض حظر على صادرات الذرة في الأرجنتين إلى زيادة الخوف بين المزارعين والتجار من عودة أحد أكبر موردي المواد الغذائية في العالم إلى عصر من التدخل القوي في أسواق المحاصيل.

ويخلق هذا الإجراء دافعاً آخر لارتفاع العقود الآجلة للحبوب العالمية، نظراً إلى أنَّ الأرجنتين هي ثالث أكبر مُصدِّر للذرة، ويثير أيضاً القلق من تأميم الأغذية في جميع أنحاء العالم، إذ يُعطل الوباء التجارة.

وكانت الحكومة الأرجنتينية قد أوقفت شُحنات الذرة حتى فبراير لإجبار المُزارعين على البيع لقطّاع الماشية المحلي. فالفكرة تكمن في الحدِّ من تكاليف العلف، وبالتالي أسعار لحوم البقر، ولحم الخنزير، والدجاج، والبيض، والحليب في بلد من المُتوقَّع أن يصل التضخم فيه إلى 50% في هذا العام.

معاناة متجددة

واحتجاجاً على ذلك، طلبت ثلاث من أصل أربع جمعيات زراعية رئيسية في الأرجنتين من أعضائها وقف التجارة بين 11 و13 يناير، مما زاد من الاضطرابات في هذه الصناعة في وقت يُضرب فيه عمال الموانئ بسبب الأجور. لكنَّ الرئيس "ألبرتو فيرنانديز" حافظ على ثباته، إذ قال في مقابلة أجريت معه يوم الأربعاء في الإذاعة، إنَّ أسعار المواد الغذائية في البلاد بحاجة إلى فصلها عن قيم الصادرات التي تُحقق نجاحاً.

ولقد عانى المزارعون الأرجنتينيون من هذا النوع من التدخل سابقاً، وفي النهاية، يقولون إنَّه يأتي بنتائج عكسية، مثل كبح الاستثمار، والزراعة، مما ينتُج عنه نقص. والمزارعون قلقون من توسيع الحظر من الناحية الزمنية، ومن إمكانية شموله لمنتجات أخرى، مثل القمح، ولحم البقر. وذلك لأنَّ آخر مرة كان فيها "الحزب العدلي" في السلطة -لفترة مُمتدة خلال العقدين الماضيين- كانت الصادرات مُقيَّدة بالعراقيل التجارية، أو الضرائب، أو الحظر التام. عندها تضاءل الإنتاج، ولم ينتعش إلا في عهد "ماوريسيو ماكري"، الرئيس المساند للسوق، الذي انتُخب العام الماضي.

يقول "لويس جارمنديا"، وهو مزارع في بلدة أنتندينته ألفيار، الذي زرع 95 هكتاراً (235 فداناً) من الذرة هذا الموسم: "إنَّ تراجع الإنتاج يُشكل آليتَنا الدفاعية".

حالة من عدم اليقين

ومنذ إعلان الحكومة عن تعليق التصدير في 30 ديسمبر، ارتفعت العقود الآجلة في شيكاغو إلى أكثر من 3%، لتوسع مكاسبها في الأشهر الستة الماضية إلى 43%. وتشهد أسعار المحاصيل العالمية ارتفاعاً في ظلِّ توجه المُستثمرين نحو السلع وسط ضعف الدولار. ويُسهم الطقس الجاف في أمريكا الجنوبية بتقليل الإمدادات الغذائية، في حين تعيد الصين بناء قطيع الخنازير الذي دمَّرته حمى الخنازير الأفريقية.

وفي الشهر الماضي، قامت روسيا بإضفاء الطابع الرسمي على خططها لفرض ضريبة تصدير القمح، وطرح حصة لحبوب في استجابة لدعوة الرئيس فلاديمير بوتين لتهدئة تضخم أسعار الغذاء.

وعند سؤال وزارة الزراعة الأرجنتينية حول إمكانية فرض قيود إضافية على الصادرات، امتنعت عن التعليق على الموضوع.

من المؤكَّد أنَّه عندما رفعت الحكومة الضرائب على الشحنات بعد أيام على توليها زمام القيادة في أواخر عام 2019، كانت الزيادات على الحبوب، ولحوم البقر أقل من المتوقَّع، وظلت المبيعات للخارج عند مستويات عصر "ماكري".

لكنَّ المُصدرين يُحذرون من أنَّ ذلك قد يتغيَّر بسرعة. إذ قالت مجموعة تصدير المحاصيل (Ciara-Cec)، التي تضمُّ في عضويتها قوى التجارة الزراعية، في بيان لها إنَّ "التدخل في أسواق تتسم بالشفافية يخلق حالة من عدم اليقين بين المُزارعين الذين يؤخِّرون المبيعات، ويقلِّصون الزراعة". ويُفكر المُزارع "جارمنديا" في التخلي عن زراعة القمح فعلياً في وقت لاحق من العام.

ويقول "بابلو أدرياني" وهو مُستشار الأعمال الزراعية في بوينس آيرس، إنَّ الصناعة الزراعية لديها كل حق، لأن تتعرض للاضطراب بعد أن توقَّعت "كريستينا كيرشنر" وهي الرئيسة السابقة، وعدوة المُزارعين التي تُمارس الآن نفوذها من منصب نائب الرئيس، إذ من المتوقَّع أنها هي التي كانت وراء تصريحات الرئيس في الإذاعة عند دعوته خلال الدعوة الشهر الماضي إلى "أسعار الغذاء معقولة".

لعبة قنص الخلد

إنَّه عمل موازنة للحكومة يشبه لعبة "قنص الخلد"، إذ يريد الرئيس "فرنانديز"، ونائب الرئيس السيدة "كيرشنر" كبح جماح التضخم الذي ظلَّ أعلى من 35% مدَّة تفوق العامين بهدف مُساعدة قاعدتهم من الفقراء. لكنَّ الحمائية الغذائية تعرض دولارات الصادرات الزراعية للخطر، وهي التي تحتاجها الأرجنتين بشدة لعُملتها، ولاستقرارها الاقتصادي.

إنَّ ثنائي القيادة الأرجنتينية على دراية أيضاً بمخاطر الدخول في معركة مع المزارعين بعد الاحتجاجات واسعة النطاق التي شهدتها البلاد في عام 2008 بسبب التحرك لرفع الضرائب، مما أدى إلى اهتزاز حكومة "كيرشنر" آنذاك. وكان عندها "ألبرتو فرنانديز" رئيساً لمجلس الوزراء.

من جانبه يقول "عبد الرضا عباسيان"، كبير الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، إنَّه بكل الأحوال ليس من الواضح، ما إذا كانت الإجراءات الحمائية ستعمل كأداة لوقف تضخم أسعار الغذاء.

وفي حقبة قيادة "فرنانديز"، كانت الحكومة الأرجنتينية تتدخل بالفعل في الأسواق الزراعية، وتُعدِّل الضرائب على فول الصويا في محاولة لتعزيز الصادرات، وتتلاعب بقيمة القمح لزيادة الإيرادات الضريبية؛ وتحدُّ أسعار لحوم البقر.

تدخل متواضع

وبحسب الوضع الحالي، فإنَّ أسواق الحبوب والماشية الأرجنتينية لا تواجه أي شيء يُشبه التدخل القاسي في فترة "كيرشنر". إذ يقول "أوجينيو إرازويغي" وهو رئيس الأبحاث في شركة سمسرة الحبوب إ"نريكي زيني" في روزاريو، إنَّه في حال تكرار ذاك السيناريو، سيجعل تجار المحاصيل يدونون مُلاحظة مضمونها أنَّ المُزارعين سيردون بالتخلي عن استراتيجيات التناوب لصالح ثقافة فول الصويا الأحادية.

وحتى في عهد "كيرشنر"، تمَّ تصدير فول الصويا بحُريّة؛ لأنَّ تأثيره ضئيل على أسعار المواد الغذائية المحلية، نظراً لأنَّ فول الصويا ليس عنصراً أساسياً في الأرجنتين، وتوفِّر شحنات البذور الزيتية تدفقاً من عائدات الضرائب لا غنى عنه.

ومن شأن التُوقعات بزيادة زراعة فول الصويا في الأرجنتين، التي تعدُّ أكبر مصدِّر في العالم لوجبة الصويا المُعالجة المُستخدمة كعلف للخنازير، أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار لسوق الأغذية العالمية الضيقة.