البراميل المفقودة.. أين ذهب النفط وما سبب ارتفاع أسعاره؟

الطلب على النفط يتواصل
الطلب على النفط يتواصل المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أين ذهب كل النفط؟ وفقاً لأحدث التقديرات، لابد أن العالم لا يزال غارقاً في مخزونات النفط التي تراكمت خلال الوباء. لكن هذا ليس ما تشير إليه البيانات الفعلية بشأن إمدادات النفط.

يُظهر أحدث تقرير لوكالة الطاقة الدولية، والذي نُشر الأربعاء الماضي، أنه إذا كانت أرقام العرض والطلب صحيحة، فإن مخزونات النفط العالمية أعلى بنحو 660 مليون برميل مما كانت عليه قبل الوباء، أي ما يعادل أكثر من شهر من إنتاج المملكة العربية السعودية وروسيا، بصفتهما أكبر عضوين في تحالف "أوبك+".

مع ذلك، فإن مخزونات النفط في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بما في ذلك المخزونات التجارية والمخزونات التي تسيطر عليها الحكومة، أنهت عام 2021 أقل بنحو 220 مليون برميل مما كانت عليه قبل عامين. إضافة إلى أشياء أخرى يمكن قياسها بدرجات متفاوتة من الدقة، مثل حجم النفط على الناقلات والمخزونات في الخزانات العائمة في أجزاء أخرى من العالم، تقلل الفجوة بين المخزونات النظرية والمرصودة إلى حوالي 200 مليون برميل.

مخزونات غير قابلة للقياس

هذا التباين يكفي وحده لتلبية احتياجات النفط في العالم بالكامل لمدة يومين، أو لتزويد الولايات المتحدة بالطاقة لمدة أسبوع ونصف.

ستكون هناك بالطبع دائماً بعض مخزونات النفط غير القابلة للقياس والتي يجب تخمينها، حتى يكون لأرصدة العرض والطلب العالمية جدوى. تشير وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الأخير إلى مواقع عدد من هذه الأماكن، والتي يمكن أن تكون، على سبيل المثال، كهوف التخزين تحت الأرض حيث لا يمكن قياس مستويات الملء عن بُعد، وفي خطوط الأنابيب الجديدة التي لابد أن تُملأ قبل استخدامها، أو في المنتجات المكررة في الدول (مثل الصين) التي لا تبلغ عن مستويات مخزوناتها.

على الرغم من ذلك، فإن فكرة "البراميل المفقودة" في الوقت الحاضر لم تعد جيدة بما فيه الكفاية. لدينا مراقبة عن بُعد لخطوط الأنابيب ومصافي التكرير، وتحليل صور الأقمار الصناعية لخزانات التخزين التي ترتفع وتنخفض أسقفها أثناء ملئها وتصريفها، وتتبع خوارزميات متقدمة للسفن وقدرة لا محدودة تقريباً للحوسبة.

واردات نفط سرية

تمثل الواردات الصينية السرية من النفط الإيراني والفنزويلي الخاضع للعقوبات تفسيراً لبعض، وربما للكثير، من البراميل المفقودة. فإذا أُخفيت في كهوف تحت الأرض والتي تشكل جزءاً من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي المتزايد في الصين، فلن تلقي بضغط كبير على أسواق النفط.

لكن القلق الأكبر هو أن النفط ليس مخفياً في أي مكان. وقد يشير الحجم الكبير للنفط المفقود إلى أن تقديرات العرض مفرطة في التفاؤل، أو أن الطلب قد تم التقليل من شأنه. أو مزيج من الاثنين، على الأرجح.

من الصعب تطبيق قياس العرض والطلب على النفط. ففي معظم الأماكن، يتم قياس إنتاج النفط بشكل روتيني ودقيق لتقييم الالتزامات الضريبية، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن هذه الأرقام متاحة لمؤسسات مثل وكالة الطاقة الدولية، وبالتأكيد ليس في الوقت المناسب، وأحياناً لا تكون متاحة على الإطلاق.

قد لا تكون أرقام إنتاج النفط المنشورة علناً دائماً انعكاساً دقيقاً لما يحدث بالفعل. ليس من قبيل الصدفة أن تستخدم مجموعة أوبك + منتجي النفط متوسط تقديرات الإنتاج من مجموعة من المصادر الثانوية لمراقبة الامتثال لأهداف الإنتاج، بدلاً من الاعتماد على الأرقام المقدمة من الدول الأعضاء.

يعد التعامل مع الطلب أمراً أكثر تعقيداً. وهناك العديد من الدول الأخرى التي يجب وضعها في الاعتبار، وبعضها يوفر معلومات بشكل بطيء للغاية. ليس من غير الطبيعي أن تُجري وكالة الطاقة الدولية والوكالات الأخرى مراجعات لأرقام الطلب التاريخية التي تعود إلى عدة سنوات.

مبالغة في التقدير

حتى عندما تتسم البيانات بالشفافية نسبياً، فهي ليست دقيقة دائماً، وهو ما اكتشفته إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في عام 1998، عندما بالغت في تقدير الإنتاج المحلي وقلّلت من تقدير الطلب والواردات. وفي ذلك العام، اعتبرت أرقام الإنتاج والاستهلاك والمخزون العالمية للنفط 300 مليون برميل في عِداد المفقودة.

في الوقت الذي اعتبرت المخزونات غير المسجّلة ربما تكون السبب في بعض التناقضات الأخيرة في الأرقام، فقد يكون الكثير منها أيضاً نتيجة لتقليل الطلب. وإذا تم التقليل من أهمية الطلب التاريخي، فمن المحتمل جداً أن تكون توقعات الطلب المستقبلي منخفضة للغاية أيضاً.

لا تعكس أسعار النفط المرتفعة، حيث شهد الأسبوع الماضي ارتفاع أسعار النفط الخام إلى أعلى مستوى لها في سبع سنوات، هذا السوق الذي يبلغ مخزونه الفائض 660 مليون برميل. وبالتأكيد قد تكون هذه المخزونات تلقت دفعة جراء المخاوف بشأن احتشاد القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا، وهجمات الطائرات المسيّرة على دولة الإمارات العربية المتحدة.

يتفق محللون على أن بلوغ سعر النفط الخام 100 دولار للبرميل في وقت لاحق من العام الجاري. وإذا تبيّن أن قدراً كبيراً من البراميل المفقودة قد استهلك بالفعل، فسيؤدي ذلك فقط إلى سكب الوقود على النار.