معارضة المساهمين تغالب مكافآت الموظفين

من الذي يجب أن يحصل على مزايا مكاسب الإنتاجية الموظفون أم المساهمون؟

ديفيد سولومون، رئيس "غولدمان ساكس" التنفيذي
ديفيد سولومون، رئيس "غولدمان ساكس" التنفيذي المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ساد التوتر علاقة العمالة ورأس المال منذ أن نشأت الرأسمالية وتتجلى مظاهره كل عام في وول ستريت في النقاش حول المكافآت، الذي استهلته الشركات الكبرى الأسبوع الماضي.

لم تتغير العملية كثيراً منذ وصفها مايكل لويس لأول مرة في كتابه "لايرز بوكر" (Liar’s Poker). حيث يُستدعى الموظفون لعقد اجتماعات مع مديريهم المباشرين ليسمعوا بضع كلمات حول أدائهم قبل إبلاغهم "بمبلغ" مكافأتهم عن العام. أتى وصفه كما يلي: "كانت مشاهدة وجوه الآخرين لدى خروجهم من اجتماعاتهم تساوي ألف محاضرة حول معنى المال في دائرتنا الضيقة. يستجيب واحدهم بطريقة من ثلاث لدى علمه بقدر الثراء الذي ستجلبه له المكافأة، فإما ارتياح أو فرح أو غضب".

مكافآت المصرفيين.. مبالغ ضخمة في السراء والضراء

يحضر في الغالب طرف ثالث غير مرئي في غرفة الاجتماعات هذه الأيام وهو المساهمون. كان ذلك جلياً الأسبوع الماضي في بنك "غولدمان ساكس"، وهو تقليدياً أحد أولى المؤسسات التي تعلن مكافآتها، فقد حظي الموظفون بزيادة 23% في تعويضاتهم خلال 2020، لتصل نحو 400 ألف دولار للفرد، وهو أعلى مستوى في أكثر من 10 سنوات. كانت هناك بعض الأرقام الكبيرة جداً ضمن هذا المتوسط، فهناك ادعاءات بأن بعض نواب الرئيس حصلوا على مكافآت بمبالغ تفوق مليون دولار في ثالث سنين خدمتهم، كما حصل شركاء على دفعات خاصة لمرة واحدة بملايين الدولارات. عموماً استجاب معظم الموظفين إما بفرح أو ارتياح.

تقاسم الغنائم

لكن كان المساهمون أقل ابتهاجاً، حيث انخفض سعر السهم لأن التعويضات جاءت أعلى من المتوقع. يستطيع بنك "غولدمان ساكس" تحمل الدفع براحة فقد بلغت إيراداته العام الماضي أكثر من 1.35 مليون دولار لكل موظف، لكن دورة المكافآت السنوية تعيد طرح السؤال حول أفضل سبل تقاسم الغنائم بين الموظفين والمساهمين.

كان العمال يملكون زمام الأمر في الأيام الخوالي قبل أزمة 2008 المالية، فقد استطاعت البنوك رفع الإيرادات عبر تكديس الروافع المالية وفعلت ذلك بحرية لحل مشكلة المكافآت: ما عليك إلا أن تحدد رقماً مستهدفاً ثم تحدد مبلغ الإيرادات الذي يتطلبه ثم تراكم الروافع المالية الكافية لتحقيقها وتعاود الكرّة بعد مسح الآثار. طالب المنظمون البنوك بتشديد الأمور منذئذ فقد كان كل دولار من رأس المال كافياً لتوليد دولار من الإيرادات في بنك "غولدمان ساكس" في السنوات الخمس التي سبقت الأزمة المالية، أما الآن فيتطلب الأمر دولارين من رأس المال لتوليد دولار من الإيرادات.

"أبل" تقدم مكافآت مغرية لمهندسيها الموهوبين لتجنب هروبهم إلى "ميتا"

يطالب المساهمون الذين يقدمون رأس المال هذا بتعويضات لهم، وحقّ لهم ذلك. من المؤكد أن بنك "غولدمان ساكس" أعاد التوازن إلى مقدار الإيرادات التي يتقاسمها معهم، فمنذ الاكتتاب العام الأولي قبل ما يزيد قليلاً عن عقدين، خفّض حصة الإيرادات التي يخصصها للموظفين من نحو 50% إلى حوالي 30%. لكن ما هي القسمة الصحيحة؟ الميزانية العمومية هي مورد للشركة وليس للموظفين. كما يمكن قول الشيء ذاته بشكل متزايد حيال تكاليف التقنية، حيث ينفق "غولدمان ساكس" ما بين 4.5 مليار دولار و5 مليارات دولار سنوياً على التقنية، بتمويل من مساهميه، لجعل الموظفين أكثر إنتاجية. إذاً مَن الذي يجب أن يحصل على مزايا مكاسب الإنتاجية هذه الموظفون أم المساهمون؟

بين مبنى وآخر

يمكن رؤية تأثير رأس المال والتقنية على مستويات التعويض من خلال مقارنة بنك "غولدمان ساكس" مع الشركات العاملة في قطاعات أضيق. حصل موظفو شركة "فيرتو فايننشال" (Virtu Financial)، التي تنافس في مجال صناعة السوق عبر رأس المال واستخدام كثيف للتقنية، على 17% فقط من إيرادات الشركة في 2020 ولم يتم الإفصاح عن مكافآت 2021 بعد. فيما دفعت شركة "بيريلا واينبرغ بارتنرز" (Perella Weinberg Partners)، التي تنافس في مجال الاستشارات وهو مجال يتطلب عمالة كثيفة، 70% من الإيرادات لموظفيها في 2020.

بنك "فيرست مالاوي" يربط مكافأة الموظفين السنوية بالحصول على لقاح كورونا

كما قد يكون التعويض أداة استراتيجية؛ فصناعة الخدمات المصرفية الاستثمارية تنافسية للغاية، ولا توجد براءات اختراع فيمكن اقتباس الابتكار بسرعة كبيرة، كما هو حال مقايضات التخلف عن السداد، التي ابتكرها بنك "جيه بي مورغان تشيس أند كو"، وحال تداول الكتل، التي كان "غولدمان ساكس" رائدها. أضف لذلك أن العملاء يحبون العمل مع مجموعة من الفرقاء، ما يحدّ من حصة السوق التي يمكن للشركة أن تحوزها. أجبر التدقيق التنظيمي على الصناعة في أعقاب الأزمة المالية الشركات على التخلي عن عديد من المنتجات المعقدة، التي كانت تتقاضى لقاءها أسعاراً مرتفعة نتيجة عدم شفافيتها.

يمكن للشركات الأكثر ربحية ممارسة ضغوط تنافسية على الشركات الأقل ربحية عبر الدفع أكثر للعمالة حتى لو حملت مساهميها الثمن على المدى القصير. قال جيمي ديمون، رئيس مجلس إدارة ورئيس "جيه بي مورغان" التنفيذي، خلال مؤتمر الأرباح أخيراً: "نريد أن نكون منافسين للغاية في الأجور... خصّصنا مليار دولار لزيادات الجدارة، وفي جعبتنا الكثير من المكافآت لكبار المصرفيين والمتداولين والمديرين لدينا... سنكون قادرين على المنافسة في الأجور. إذا كان هذا سيضغط هوامش المساهمين قليلاً، فليكن".

سوء حظ الأوروبيين

تواجه البنوك الأوروبية، التي تراجعت ربحيتها عن أرباح الشركات الأمريكية في العقد الماضي، وطأة هذا الضغط. مجموعة "كريدي سويس" هي مثال جيد على ذلك، حيث جاءت عائداتها أدنى من عوائد كل من "غولدمان ساكس" و"جيه بي مورغان" حتى تكبدها للخسائر العام الماضي. كان ذلك بسبب انخفاض تكاليف التعويض؛ حيث تراجعت مكافآت "المخاطرون الأساسيون"، وهم الموظفون الرئيسيون الذين تخضع أجورهم لإفصاح تنظيمي خاص في أوروبا، بنسبة 15% في 2020 عن سابقه. قد لا يتمكن "كريدي سويس" أن يعيدهم للمستويات السائدة في السوق في الدورة الحالية.

137 مليون دولار مكافأة الرئيس التنفيذي لـ "ويز اير" في مواجهة المساهمين

كما تُشكّل الأسهم جزءاً كبيراً من مكافآت المصرفيين، حيث تزيد قليلاً عن 40% في حالة "كريدي سويس"، ما يدق إسفيناً تنافسياً آخر بين الشركات. أصبح كل دولار من التعويضات عبر الأسهم حصل عليه موظف لدى "كريدي سويس" العام الماضي يساوي 74 سنتاً الآن. أما في "غولدمان ساكس"، تبلغ قيمة الدولار من الأسهم المؤجلة في حزمة مكافآت العام الماضي 1.22 دولار حالياً.

سيستمر الصراع بين العمالة من جهة ورأس المال والتقنية من جهة أخرى لسنوات عديدة مقبلة، أما على المدى القصير، فسيتعزّز هذا الصراع عبر المناورات التنافسية. يعني هذا ارتياحاً أو بهجةً لدى الفائزين، أما بالنسبة للخاسرين فقد يعني غضباً لا يقتصر فقط على الموظفين غير الراضين، بل يشمل الملّاك غير الراضين.