ثمة تغيير كبير لا يقتصر على رفع أسعار الفائدة

نجاح محافظي البنوك المركزية لن يحدده مدى تبيانهم لاستشرافهم المسار حيال إدارة تكاليف الاقتراض قبل عدة أشهر أو حتى سنوات

جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي
جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي المصدر: بلومبرغ
Daniel Moss
Daniel Moss

Daniel Moss is a Bloomberg Opinion columnist covering Asian economies. Previously he was executive editor of Bloomberg News for global economics, and has led teams in Asia, Europe and North America.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تهيؤوا لتحوّل كبير، حيث تضع البنوك المركزية التكهن جانباً فيما ننتقل إلى عالم يعتمد على البيانات ليدرك بأي اتجاه ستسير أسعار الفائدة بدل الاعتماد على توقعات مسهبة حول اتجاه السياسة النقدية؛ وهذا خروج كبير عن الفلسفة التوجيهية السائدة منذ الانهيار المالي في 2008 على الأقل.

قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول للصحفيين بعد اختتام اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الأربعاء: "سنسترشد بالبيانات... في الواقع، ما سأقوله هو أن البيانات الواردة والتوقعات المتطورة هي التي ستقودنا، وسنحاول التواصل بأكبر قدر ممكن من الوضوح، مع التحرك بثبات وشفافية".

باول يمهد الطريق أمام "احتياطي فيدرالي" أكثر مرونة بشأن رفع الفائدة في 2022

يعني هذا أن نجاح محافظي البنوك المركزية لن يحدده مدى تبيانهم لاستشرافهم المسار حيال إدارة تكاليف الاقتراض قبل عدة أشهر أو حتى سنوات. تعرّض عالم ما يسمى بالتوجيهات المستقبلية، وهي أداة حولّتها البنوك المركزية لنمط من الفن، لتحديات عميقة بسبب التضخم الذي تسارع بأكثر مما توقعه أي شخص، فلا عجب أن المعنيين في بنك إنجلترا التزموا الصمت قبيل اجتماعهم في فبراير.

الدولار يصعد إلى أعلى مستوى في 2022 بفعل إشارات باول برفع أسعار الفائدة

كما تبدو الاستجابة للحقائق على الأرض منطقية، إلا أن المشكلة تكمن في أنها تتطلب التحرك بحذر عند الضرورة، وهو ما يتعارض إلى درجة كبيرة مع اتجاه التواصل منذ التسعينات؛ حيث كانت الفكرة السائدة في العقود التي تلت ذلك أن مزيداً من الكلام والمعلومات أفضل من قليله. كان هذا النهج رداً على اتهام بأن السلطات النقدية كانت شديدة الغموض. جعل التضخم الذي لا يخرج عن المتوقع التحدث في كثير من الأحيان سهلاً جداً، لكن حين تتغير الظروف بسرعة كما في عهد كورونا، فإن هذا المستوى من الشفافية يتطلب إما درجة مربكة من التعتيم أو احتمالية مواجهة التقلبات المتكررة.

مخاطر من اتجاهين

قال باول أن المخاطر على الاقتصاد تأتي من اتجاهين مختلفين، وكان على حق. يُمثّل متغير أوميكرون شديد العدوى تهديداً لسوق العمل، وبالتالي للنمو الاقتصادي. كما تُشكّل الزيادات السريعة في الأسعار خطراً مختلفاً على الانتعاش، إلا أنه أكثر أهمية.

قد يتوجب لدى السماح بتمادي التضخم حملة قاسية جداً، ما قد يحدّ من التوسع. تعرض باول بضغط في مؤتمره الصحفي لاحتمالية زيادة سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس وحول فرص رفع أسعار الفائدة في جميع الاجتماعات حتى نهاية العام. كان أقصى ما استطاع باول الالتزام به هو احتمال أن يكون هناك ارتفاع في شهر مارس، وهو ما يخالف المطلوب لقمع التضخم.

باول: "الاحتياطي الفيدرالي" سيمنع ترسخ التضخم في الاقتصاد الأمريكي

كان المستثمرون، الذين اعتادوا على مزيد من الوضوح، يواجهون صعوبة بتحديد متى سيهب الاحتياطي الفيدرالي لتدخل أسطوري، وهي فكرة أن البنك المركزي سيتدخل في حال تعرضت الأسواق لكدمات بسبب موقفه المتشدد. يخطئ هذا القول الهدف بطريقة ما، حيث كان "التدخل" ممكناً لأن صورة التضخم الحميدة التي طال أمدها تركت الاحتياطي الفيدرالي حراً بالاستجابة للمخاوف حول النمو، إلا أن تلك الأيام ولّت؛ حيث كتب كريشنا جوها، المسؤول السابق في بنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي يعمل الآن لدى شركة "آي إس آي إيفركور" (ISI Evercore)، في مذكرة الأربعاء: "استبدل التوجه المتراخي بعدم وجود توجه".

بداهة وتواضع

حظيت ملاحظات باول حول الحاجة للإتسام بالبداهة باهتمام كبير، في حين لم يحصل تعليقه حول الحاجة إلى "التواضع" على نفس الاهتمام. حيث يعني التواضع عدم النفور من الاعتراف بالأخطاء، والأهم من ذلك، القيام بشيء حيال الأخطاء. قد يعني ذلك اتخاذ إجراءات حازمة حين تتطلب ذلك قراءات التضخم والوظائف، وهذه ليست مجرد مشكلة للاحتياطي الفيدرالي.

تهديد التضخم مقابل التعافي من كورونا: دليل البنوك المركزية

قالت نيوزيلندا بعيّد مغادرة باول المنصة أن التضخم قفز إلى 5.9% في الربع الرابع، بشكل أسرع من المتوقع، وعلى مسافة بعيدة من نقطة الوسط لنطاق 1% إلى 3% الذي يستهدفه البنك المركزي. كما يُتوقع مزيد من الارتفاع في نيوزيلندا. أعلن مسؤول كبير في البنك المركزي الإندونيسي الأربعاء إنه مستعد لأن يضرب. حيث صرح دودي بودي واليو، نائب محافظ بنك إندونيسيا قائلاً: "إن المبدأ الذي سنتعامل معه هو ما نطلق عليه اسم السياسة الاستباقية، أي سياسة التحميل الأمامي قبل بلوغ المنعطف". سينصب تركيز الأسبوع المقبل على بنك الاحتياطي الأسترالي، الذي يُرجح أن يُنهي التيسير الكمي ويبتعد عن إصراره على عدم رجوح رفع أسعار الفائدة هذا العام.

إرث باول على المحك في صراع الفيدرالي مع التضخم

لا شك أن هنالك ما يكفي من الأمثلة التي يمكن سردها، فهل سيرضي ذلك مجموعة مراقبي البنوك المركزية الذين اعتادوا إخبارهم بما سيفعله الاحتياطي الفيدرالي حتى قبل أن يُفكّر هو نفسه في الأمر؟ يوشك الاعتماد على البيانات، الذي نادراً ما ما يمارس فيما يدور الحديث حوله غالباً، على الخضوع لأول اختبار له منذ فترة طويلة.

يَصعب أن نتخيل أن الاحتياطي الفيدرالي يبتعد عن الصراع مع التضخم، فمن المؤكد أن لديه الكثير من العمل للقيام به، ومع ارتفاع الأسعار الذي يتصدر أخبار الصفحات الأولى، من الإنصاف القول إن الموضوع أصبح سائداً بامتياز.