أزمة عقارات الصين مستمرة.. والمدن تبيع الأراضي لنفسها

الضباب يلف قطاع العقارات في الصين.. والصورة من مدينة ريتشاو
الضباب يلف قطاع العقارات في الصين.. والصورة من مدينة ريتشاو المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بدا مزاد الأراضي الأخير الذي أجرته مدينة ريتشاو في الصين أمراً روتينياً في الظاهر، وأدت أربع عطاءات إلى رفع السعر بنسبة 11% إلى 170 مليون دولار. لكن التدقيق في الأمر يكشف عن أمر مثير للفضول، حيث تقدّم كيان مملوك لحكومة ريتشاو بالعروض، ما يعني أن المدينة باعت الأرض لنفسها فعلياً.

حلّت كيانات التمويل الحكومية المحلية في جميع أنحاء الصين محل مطوّري العقارات، الذين يعانون من ضائقة مالية، كأكبر مشترٍ للأراضي المُخصّصة للتطوير العقاري، ما أثار مخاوف جديدة بشأن قدرة هؤلاء المقترضين غير المشمولين في الميزانية العمومية، على سداد ديون متراكمة تجاوزت 8.4 تريليون دولار، وفق ما أشارت إليه بعض التقديرات.

اقرأ أيضاً: تفشي أزمة ديون عقارات الصين يفرض على بكين سرعة التدخل

أشارت الشركة الاستشارية، "تشاينا إنديكس هولدينغز" (China Index Holdings) إلى شراء كيانات التمويل الحكومية المحلية لنصف الأراضي على الأقل في تسع مدن من 21 مدينة صينية كبيرة كانت حافلة بمبيعات الأراضي خلال الشهرين الأخيرين من عام 2021. وصلت قيمة بعض هذه المشتريات إلى مليارات الدولارات.

رغم أن هذه التحركات قد تساعد في وقف تراجع مبيعات الأراضي وتوفير الإيرادات التي تحتاج إليها الحكومات المحلية بشدة، إلا أن عمليات الشراء تُهدّد بزيادة تعرّض كيانات التمويل الحكومية المحلية إلى المخاطر، وهي ثاني أكبر فئة من المقترضين من خارج القطاع المالي في السوق الخارجي، وأكبرها في السوق الداخلي.

اقرأ المزيد: الإصلاحات الصينية تمهّد لفرض هيمنة الدولة على سوق العقارات

تكديس القروض

قال يوتشينغ فو، مدير محفظة صندوق سندات "جين تراست" للدخل الثابت لدى "إتش إس بي سي" (HSBC Jintrust Stable Income Bond Fund): "إن شراء الأراضي عادة ما يؤدي إلى قيام كيانات التمويل الحكومية المحلية بتكديس القروض وزيادة الرافعة المالية. ليس من السهل عليهم تخفيضها بعد ذلك".

رفض كيان التمويل الحكومي المحلي التابع لريتشاو التعليق على العطاءات المتعددة في مزاد الشهر الماضي، والتي نشرت عنها صحيفة "ذا بيبير" (The Paper)، كما لم ترد سلطة الأراضي في المدينة على دعوات التعليق.

اقرأ أيضاً: "Yuzhou" العقارية الصينية تتخلف عن سداد سندات دولارية

صعدت كيانات التمويل الحكومية المحلية إلى الصدارة في أعقاب الأزمة المالية، بعدما انقطعت حكومات المدن والمقاطعات عن الاقتراض. قامت هذه الكيانات بملء الفراغ واستفادت من أسواق الديون والقروض المصرفية لتمويل الطرق والجسور ومترو الأنفاق في جميع أنحاء الصين. مع ذلك تضخمت التزاماتها، ويصعُب تجميع حصيلة دقيقة عنها نظراً لاستبعادها في الكثير من الميزانيات العمومية للمدينة.

ديون هائلة

قبل نوبة شراء الأراضي الأخيرة، قدّر صندوق النقد الدولي ديون كيانات التمويل الحكومية المحلية بنحو 39 تريليون يوان (6.2 تريليون دولار) في عام 2020، بينما قدّرتها "غولدمان ساكس" بـ53 تريليون يوان، أو حوالي نصف الناتج المحلي الإجمالي الصيني.

الجدير بالذكر، أن خطر كيانات التمويل الحكومية المحلية لاح في الأفق في سوق الائتمان الصيني لسنوات، ولكن الضمانات المستترة من الحكومات المحلية ساعدت على تجنّب التخلّف عن السداد على السندات العامة وتأمين استمرار الطلب الثابت من المستثمرين. رغم أن بكين حظرت الضمانات المستترة، إلا أن التوقعات بقيام مدينة أو حكومة إقليمية بدعم أي من كيانات التمويل الحكومية المحلية المتعثّرة، دفعت شركات التصنيف إلى منح بعضها تصنيفات معادلة للدرجات الاستثمارية.

حتى في خضم انهيار السندات الأخير الذي أشعلته حالات التخلّف عن السداد من قبل "تشاينا إيفرغراند غروب" (China Evergrande Group) والمطوّرين الآخرين، تمكّنت ديون كيانات التمويل الحكومية المحلية من الصمود جيداً. ويقترب مقياس السندات الخارجية التي تبيعها كيانات التمويل الحكومية المحلية من أعلى مستوى قياسي في ديسمبر، وفقاً لمؤشر "آي بوكس" (iBoxx).

مساحات شاغرة

مع ذلك، تتزايد المخاطر على بعض الجبهات، حيث تقوم هذه الكيانات باقتناص الأراضي في الوقت الذي تنخفض فيه الأسعار وتهبط فيه سوق العقارات. وجّه انخفاض عائدات مبيعات الأراضي لأربعة أشهر على التوالي، ضربة إلى الحكومات المحلية التي تعتمد على هذه المبيعات في تحقيق نحو 40% من إيراداتها. قد تنتهي كيانات التمويل الحكومية المحلية إلى الاحتفاظ بالكثير من المساحات الشاغرة في حال استمر المطوّرون في تقليص أعمال البناء.

رغم عدم انتشار العطاءات المتعددة التي حدثت في ريتشاو على نطاق واسع، يتضح ازدياد إنفاق كيانات التمويل الحكومية المحلية، حيث اشترت ما يقرب من 30% من جميع قطع الأراضي المباعة على الصعيد الوطني في الأشهر الأخيرة، وما يقرب من 50% في المقاطعات الأصغر، وفقاً ليان يوجين، مدير الأبحاث لدى "إي هاوس تشاينا ريسيتش آند ديفيلوبمنت إنستيتيون" (E-house China Research and Development Institute).

تشمل الأمثلة على ذلك شركة "شينزين مترو غروب" (Shenzhen Metro Group)، أكبر مُصدّر لكيانات التمويل الحكومية المحلية في مقاطعة غوانغدونغ، التي أنفقت 18 مليار يوان على خمس من 11 قطعة أرض في مزاد خلال شهر نوفمبر. كما تجاوز إنفاقها على الأراضي العام الماضي إجمالي الإيرادات لعام 2020., وبالمثل، قامت وحدة الملكية التابعة لكيان التمويل الحكومي المحلي "جيانغزو ووزهونغ إيكونوميك ديفيليبمونت غروب" (Jiangsu Wuzhong Economic Technology Development Group)، المُصنّفة بدرجة (AA+)، بتقديم عطاء لقطعتين من الأراضي شرق سوجو بقيمة 5.4 مليار يوان.

مخاطر إعادة التمويل

في غضون ذلك، تواجه شركات كيانات التمويل الحكومية المحلية مخاطر إعادة التمويل، حيث تتطلع بكين إلى تضييق الخناق على الديون غير المدرجة في الميزانيات العمومية الحكومية. وكجزء من هذه الحملة، تريد الحكومة المركزية كسر دعم الدول لهذه الالتزامات غير الشفافة من الضمانات المستترة، ما قد يُعرّض مستثمري كيانات التمويل الحكومية المحلية للخطر مستقبلاً. تواجه الكيانات جدار استحقاق قدره 376 مليار دولار هذا العام، أغلبها يعود للسوق الداخلي، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ".

تقييد الإقراض

كما ازداد حذر المؤسسات المالية التي تملك 25 تريليون يوان من انكشاف كيانات التمويل الحكومية المحلية أو 37% من إجمالي القروض. وأفادت "بلومبرغ" هذا الشهر بأن ما لا يقل عن خمسة بنوك تديرها الدولة، فرضت قيوداً جديدة هذا العام على القروض المقدّمة إلى كيانات التمويل الحكومية المحلية الأضعف.

في تقرير يوم الإثنين، قالت وكالة "ستانتدرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية، إن كيانات التمويل الحكومية المحلية في المناطق التي تشهد تباطؤاً في مبيعات الأراضي، مثل يونان وجيانغشي ومنغوليا الداخلية وغوانغشي، تواجه مخاطر سداد أعلى.

قال فريدي وونغ، رئيس الدخل الثابت لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في "إنفيسكو" (Invesco)، الذي يتوقع استمرار الانخفاض الشديد في معدل التخلّف في القطاع بشكل عام، إن مبيعات الأراضي الضعيفة والحملة المستمرة لكبح الديون المستترة، قد تدفع كيانات التمويل الحكومية المحلية الأضعف إلى ضائقة هذا العام.

أضاف أن هذه التحركات "ستترك هامشاً أقل لدعم كيانات التمويل الحكومية المحلية من قبل الحكومات المحلية في المناطق الضعيفة".

الدعم الحكومي

أما بالنسبة إلى الكيانات الأقوى، فقد تقل المخاطر، حيث من المرجّح أن تحافظ الحكومات على دعمها هذا العام، لا سيما أن التحديات المالية التي تمر بها تجعلها أكثر اعتماداً على كيانات التمويل الحكومية المحلية في استثمارات البنية التحتية، وفقاً لما تقوله زيرلينا زينغ، كبيرة المحللين لدى "كريديت سايتس سنغابور" (CreditSights Singapore). كذلك ترغب السلطات الإقليمية في تجنّب حالات التخلّف عن السداد غير المُنظمّة من خلال تغيير القيادة لمدة خمس سنوات هذا العام.

قال فينغ جيانلين، كبير المحللين لدى معهد أبحاث "فوست" (FOST) في بكين: "قد لا نرى مخاطر واضحة على المدى القصير، ولكن إذا استمرت كيانات التمويل الحكومية المحلية في لعب دور المشتري الرئيسي للأراضي، يجب أن نأخذ المخاطر على محمل الجد".