أسعار الغاز ستبقى مرتفعة بغض النظر عن الخلاف مع روسيا

إحدى منشآت تخزين الغاز في هولندا. نقص الإنتاج يعني أن حصة متزايدة من الغاز الذي تستهلكه أوروبا لابد وأن تأتي من الخارج في السنوات المقبلة
إحدى منشآت تخزين الغاز في هولندا. نقص الإنتاج يعني أن حصة متزايدة من الغاز الذي تستهلكه أوروبا لابد وأن تأتي من الخارج في السنوات المقبلة المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما بدأت أزمة الطاقة في أوروبا منتصف عام 2021، راهنت بروكسل على أن الاضطرابات ستنتهي إلى حدٍّ كبير بحلول فصل الربيع. وبما أنه أصبح من الواضح أن ذلك لن يحدث، فقد تكهنت بأن المشكلات لن تدوم إلى ما بعد عام 2022. لكن، يبدو أن هذا الرهان بعيد المنال أيضاً.

بصرف النظر عن التقلبات اليومية لأسعار الغاز الطبيعي في أوروبا -حيث تتأرجح بين المخاوف بشأن الأزمة الأوكرانية وغزو روسيا المحتمل لأوكرانيا وآثار الشتاء المعتدل- بدأت الأسواق الآجلة تتسبب في مشكلات تتعلق بالتسعير في عامي 2023 و2024 وما بعدهما.

اقرأ أيضاً: اقتصادات أوروبا تواجه مخاطر أكبر من الولايات المتحدة في الصراع مع روسيا

عادةً ما تستورد أوروبا ما يقرب من 40% من الغاز من روسيا. لكن إذا أدت الحرب -التي تقول موسكو إنها لا تنوي شنها- إلى خسارة كل هذه الإمدادات، فإن المنطقة ستضطر إلى اتخاذ إجراءات صارمة، مثل إغلاق مساحات كبيرة من صناعتها كثيفة الاستهلاك للطاقة. وسترتفع أسعار الغاز الأوروبية أضعافاً عدة، فوق الرقم القياسي المرتفع الذي سجلته بالفعل في ديسمبر.

اقرأ المزيد: سيناريوهات خطيرة لأزمة الطاقة الأوروبية إذا غزت روسيا أوكرانيا

أزمة تتعمّق

ذلك، فإن أزمة الغاز تتعمق أكثر، وستبقى بعيدة عن الخلاف الناشب مع موسكو والآثار المستمرة لفصل الشتاء البارد في عام 2020-2021. إن إنتاج الغاز المحلي آخذ في الانخفاض، خصوصاً في هولندا والمملكة المتحدة، وهذا يعني أن حصة متزايدة من الغاز الذي تستهلكه أوروبا لابد وأن تأتي من الخارج.

اقرأ أيضاً: الحرب أكثر ما يقلق أوكرانيا مع تشغيل "نورد ستريم 2"

مع ارتفاع الطلب الآسيوي على الغاز الطبيعي المسال بشكل سريع، سيتعيّن على أوروبا المنافسة على الإمدادات، وسيكون لهذه المنافسة ثمن. ولن تعيد روسيا على الأرجح ملء مخزونات الغاز الأوروبية المستنفدة من خلال اللجوء إلى عملاقها المملوك للدولة "غازبروم" كما فعلت في السابق في كل فصل صيف، قبل موسم الشتاء الذي يرتفع فيه الطلب. وبالتالي، سيتعين على أوروبا فعل ذلك بمفردها.

تشير العقود الآجلة إلى أن أسعار الغاز الأوروبية ربما تظل أعلى مما كانت عليه خلال الفترة بين عامي 2010 إلى 2020، حين بلغ متوسطها نحو 20 يورو (22.54 دولاراً) لكل ميغاواط / ساعة. خذ العقد الموسمي لصيف 2023 مثالاً على ذلك؛ فقد قفزت الأسعار فوق 40 يورو لكل ميغاواط / ساعة، أو شتاء 2024، حيث سجلت أسعار العقود ارتفاعاً قياسياً تقريباً يتجاوز 30 يورو لكل ميغاواط / ساعة.

صحيح أن الأسعار الخاصة بعامي 2023 و2024، ناهيك عن عام 2025، أقل كثيراً من التكاليف الفورية الحالية التي تبلغ حوالي 100 يورو، لكنها تمثل ارتفاعات تتراوح بين 100% و50% مقارنة بمتوسط العقد الماضي.

شعور بالارتياح

بالطبع، ربما يغير السوق مساره. والجدير بالذكر أن الأسعار الآجلة لا تمثل التوقعات، بل تمثل بالأحرى نطاق الأسعار الذي يستعد المشاركون في السوق، ومنهم المرافق العامة ومنتجو الغاز والمضاربون، تداوله اليوم من أجل التسليم في المستقبل.

لعل أهم إشارة من الأسعار الآجلة هي أن القارة لا ينبغي أن تهدأ. ففي بروكسل وغيرها من العواصم الأوروبية، هناك شعور بالارتياح، لأن السيناريو الأسوأ الذي يخشى حدوثه خلال عام 2022- والذي يتمثل في انقطاع الكهرباء بسبب نقص الغاز- تم لفت الانتباه إليه. نعم، ارتفعت الأسعار إلى مستويات مرتفعة للغاية، كما تشير الرواية الرسمية، لكنها لم تكن بنفس السوء الذي حذّر منه المعارضون.

المشكلة هي أن أوروبا تتمتع بهذا الهدوء جزئياً بفضل شيء لا يمكن لأحد السيطرة عليه، ألا وهو الطقس. فقد تمكنت المملكة المتحدة والقارة الأوروبية من استقطاب كميات هائلة من شحنات الغاز الطبيعي المسال المتجهة إلى الصين واليابان وأماكن أخرى في شرق آسيا، لأن المنطقة تمتعت بشتاء أكثر اعتدالاً من المتوقع. وهذا الأمر يرجع أيضاً إلى أن الصين زادت من إنتاج الفحم، وهو الأمر الذي أدى إلى انخفاض الطلب على الغاز في البلاد. أو على حد تعبير سامانثا دارت، من مجموعة "غولدمان ساكس"، فإن "واردات الغاز الطبيعي المسال الأوروبية المرتفعة حالياً، لا تعني واردات غاز طبيعي مسال مرتفعة في وقت لاحق".

بداية اتجاه جديد

يتعين على أوروبا افتراض أن أسعار الغاز المرتفعة التي شهدتها في الأشهر القليلة الماضية لم تكن حدثاً لمرة واحدة، بل إنه ربما يكون بداية اتجاه جديد. ومن الضروري أن تأخذ الاستجابة، بما في ذلك كيفية حماية المستهلكين الأكثر ضعفاً، هذا الأمر في الحسبان. وربما يكون من الضروري تسوية الإعانات التي تقدمها بعض الحكومات في الوقت الراهن -والتي يتوقع أن تكون مؤقتة- في شكل التزامات طويلة الأجل.