الطيران الرخيص سلاح الشركات للعودة إلى التحليق

قطاع الطيران يواصل مواجهة التحديات في 2021
قطاع الطيران يواصل مواجهة التحديات في 2021 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أوقف عام 2020 الربحية المستمرة لصناعة الطيران خلال العقد الأخير مع انتشار فيروس كورونا بطريقة متشعبة وغير مسبوقة، تاركا شركات الطيران في حفرة عميقة، إلى جانب كوكبة من مصنعي الطائرات والمطارات وشركات التأجير.

ويستعد عام 2021 ليكون عاماً انتقالياً لنقل الركاب عبر 208 مليون رحلة سنوياً حول العالم. في أفضل الأحوال، وسيكون الطريق وعراً، حيث يعتمد التقدم نحو العودة إلى السفر على وتيرة نشر اللقاح وتوافر السيولة والسياسات الحكومية والقدرة على التنبؤ بفيروس لم يتم فهمه بالكامل بعد، ومع ذلك، ستكون هناك قفزات، بما في ذلك أولى الرحلات الجوية التجارية إلى الفضاء القريب.

ووفق ذلك سيشهد قطاع الطيران متغيرات عدة خلال الـ 12 شهراً المقبلة تتضمن:

حروب الأسعار

لن تشهد حركة الطيران دفعة كبيرة حتى يتم تلقيح ما يكفي من سكان كل بلد لخفض معدلات الإصابة. ويحتاج ذلك بعض الوقت حتى يكون هناك ركاب بعدد كبير على متن الطائرات، ففي أوروبا، سيعني ذلك، الترويج عبر أسعار منخفضة تصل إلى 9.99 يورو (12.33 دولاراً)، وفقاً لما ذكره مايكل أوليري، الرئيس التنفيذي لشركة "رايان إير هولدينغز" (Ryanair Holdings).

ومن الأفكار الأخرى التي يتم طرحها لجذب المسافرين، إقامات فندقية مجانية وعروض 2 بسعر 1 وتأمين مجاني على السفر. إذ اثبتت العروض الترويجية لتذاكر السفر من شركات طيران مثل "تشاينا إيسترن إيرلاينز كورب" (China Eastern Airlines Corp)، التي تقدم رحلات طيران غير محدودة بسعر واحد، أنها تحظى بشعبية وتم تمديدها حتى هذا العام، بينما يعرض وكلاء الإنترنت رحلات رخيصة جداً في الصين لقضاء عطلة رأس السنة القمرية الجديدة في الشهر القادم. ويبقى السؤال الرئيسي هو كم من الوقت سيستغرق الأمر لإقناع العملاء بالتنازل عن هذه الحوافز؟. من المفترض أن يحدث انتعاش في الرحلات الترفيهية والسفر العائلي بعد منتصف العام، حسب المنطقة. وكذلك من المرجح أن ترتفع حركة الأعمال التي تدر ربحاً أكثر على الطيران حيث تقاوم الشركات إرسال الأشخاص براً.

ويقول جون غرانت، كبير المحللين في شركة "أو إيه جي" (OAG) المتخصصة في حجوزات الطيران، إن التعافي لن يحدث حتى تنتفي الحاجة إلى المغريات وتتمكن شركات الطيران من إدارة المسارات من أجل الربح.

السعي وراء السيولة النقدية

جمعت شركات الطيران أرقاما قياسية من الأموال في عام 2020، وستكون هناك حاجة إلى المزيد في عام 2021، فيما تكتسب زيادة رؤوس الأموال بطرح أسهم وسندات قابلة للتحويل أهمية أكبر حيث تحاول الشركات إعادة الميزانيات إلى الحالة الصحية. وستواصل الحكومات دورها في الدعم، الذي بلغ 220 مليار دولار العام الماضي وفقاً لوكالة "موديز".

وتخوض فرنسا وهولندا، أكبر مساهمي شركة "إيرفرانس كيه إل إم" (Air France-KLM)، مفاوضات لضخ مليارات من اليوروات، مع تحويل جزء من 10.4 مليار يورو تم إقراضها بالفعل إلى ديون مختلطة.

ومن المرجح أن تقوم شركات نقل مثل "إيزي جت" (Easy Jet) بطرح المزيد من الأسهم، بينما سيظل استنزاف السيولة مصدر قلق، وفقاً لدانييل روسكا، المحلل في "ساندفورد سي. بيرنستاين" (Sanford C. Bernstein).

وهناك بعض شركات الطيران في حالة يأس أكبر. فكما نرى خطة إعادة الهيكلة لشركة "آير شاتل إيه إس إيه" (Air Shuttle ASA) النرويجية تحت إشراف المحكمة للعمل جذب استثمارات جديدة مع التخلي عن الأعمال التجارية عبر المحيط الأطلسي التي تكسب ميزانيتها القوة والمعروف عنها أنها تركز على الخدمات الإقليمية، بشكل كبير.

ومن المقرر أن ينظر دائنو شركة "الخطوط الجوية التايلاندية الدولية" (Thai Airways International) المفلسة في خطة إعادة تأهيل في فبراير. كما من المقرر أيضاً أن تقدم شركة "إير آسيا إكس بي إتش دي" (AirAsia X Bhd)، الناقل الماليزي للمسافات الطويلة، وشركة "نوك إيرلاينز" (Nok Airlines) التايلاندية خططها في الأشهر المقبلة.

وستتلقى شركات الطيران الأمريكية 15 مليار دولار من المساعدات الفيدرالية للمساعدة في دفع الأجور حتى 31 مارس، إلى جانب 25 مليار دولار من المساعدات المقدمة خلال عام 2020. وقد أتاحت وزارة الخزانة الأمريكية المزيد من المليارات على شكل قروض.

الهزات التي أصابت شركات الطيران

اختفت العشرات من شركات الطيران أو تقدمت بطلب للإفلاس منذ بدء الوباء، وهناك المزيد منها في الطريق، حيث إنها معرضة لخطر الابتلاع من جانب لاعبين أقوى. في ألمانيا، تستهدف شركة "دويتشه لوفتهانزا" (Deutsche Lufthansa) بشكل مباشر شركة "كوندور" (Condor) المتخصصة في العطلات من خلال إضافة مسارات إلى المناطق المشمسة مثل زنجبار وكورفو.

ويمكن لشركة "كوندور"، التي نجت في عام 2019 من فشل الشركة الأم "توماس كوك" آنذاك، أن تمثل هدفاً مغرياً. ومع ذلك، فقد يتم منع بعض اللاعبين الكبار مثل "لوفتهانزا" من الذين وافقوا على عمليات الإنقاذ من إجراء عمليات شراء من خلال شروط حزم مساعدات الدولة.

أما في الهند، فقد اشترت شركة "تاتا سونز" (Tata Sons) حصة الشريك المتعثر "إير آسيا غروب بي إتش دي" (AirAsia Group Bhd) في مشروع مشترك محلي. وتعد "شركة الطيران الهندية" (Air India) المملوكة للدولة هدفاً محتملاً آخر، ربما من خلال شركة "فيستارا" (Vistara)، مشروع "تاتا" مع "شركة الخطوط الجوية السنغافورية" (Singapore Airlines). سيحتاج مشتري "شركة الطيران الهندية" "بالتأكيد إلى جعلها أكثر رشاقة"، على حد قول المحلل في بلومبرغ إنتليجنس جيمس تيو.

رحلات الفضاء

بعد سنوات من العمل والتنبؤات المبكرة، يستعد أول مغامري الفضاء "العاديين" للقيام برحلة في عام 2021 مع الملياردير ريتشارد برانسون لافتتاح رحلات تجارية شبه مدارية من شركة "فيرجن غالاكتيك هولدينغز" (Virgin Galactic Holdings). وقد قالت الشركة للمستثمرين إن مركبتها الفضائية ستنقل برانسون من نيو مكسيكو في الربع الأول، ثم ستبدأ خدماتها مع مجموعة من حوالي 600 عميل مبكر دفعوا ما يصل إلى 250 ألف دولار ثمناً للتذكرة. وقد يشهد مشروع برانسون منافسة من جيف بيزوس، الذي يعمل على تطوير صاروخ "نيو شيبرد" (New Shepard) القابل لإعادة الاستخدام من شركة "بلو أوريجن" (Blue Origin) للرحلات تحت المدارية. ففي أكتوبر، قامت الشركة برحلتها التجريبية السابعة من فان هورن في تكساس، وهي تخطط لعدد من الرحلات الأخرى قبل أن تقوم بنقل البشر. أما المجموعة الثالثة، فهي تضم شركة إيلون ماسك "سبيس إكسيبلووريشن تكنولوجيز كوورب" (Space Exploration Technologies Corp)، التي من المقرر أن تنقل طاقماً خاصاً من أربعة أفراد لصالح شركة "إكسيوم سبيس" (Axiom Space) في أواخر العام، وستمضي المجموعة 10 أيام على متن محطة الفضاء الدولية كجزء من جهود ناسا لتحفيز المشاريع التجارية في المدار الأرضي المنخفض.

ويلات الطائرات ذات البدن العريض

في الوقت الذي بدأ فيه الاهتمام بالطائرات الأصغر حجماً بالازدياد، فإن سوق الطائرات ذات الممر المزدوج من شركتي "إيرباص" و"بوينغ" "تجاوز المرحلة القاتمة"، على حد قول مستشار الطيران ريتشارد أبو العافية.

انخفضت المبيعات قبل اندلاع الوباء، وسيؤدي وجود فائض من النماذج المستخدمة إلى تقليص الطلب لسنوات. مع تعليق السفر لمسافات طويلة، شهدت شركتا "إيرباص" و"بوينغ" معدلات تقاعد أعلى لطائراتهما الأكبر ضمن أساطيل شركات الطيران مع ندرة الطلبات الجديدة، في غياب الكثير من علامات التشجيع. وتجاهد "بوينغ" من أجل التمسك بأوامر شراء أكبر طائرة في السوق، 9-777 والتي تأخرت عن الموعد المحدد لتسليمها بعامين. يتوقع المحللون المزيد من التخفيضات في معدل الإنتاج في المستقبل لطائرة بوينج 787 الأفضل مبيعاً - والتي تعاني أيضاً من مشكلة الإنتاج - وطائرة إيرباص A350.

ومن الممكن أن ينخفض ​​إنتاج A330 الأقل شهرة إلى طائرة واحدة في الشهر، وفقاً لساش توسا المحلل في "أيجنسي بارتنرز" (Agency Partners) حيث كافحت الطائرة لتلبية الطلبات على الرغم من أنها نسخة معاد تصميمها، خاصة مع الضربة الأخيرة المالية التي أصابت أكبر عميل لها وهي شركة "إير آسيا إكس" (AirAsia X). ومع ذلك، يتوقع المحللون أن برنامج التعاقدات سوف يتراجع لمعدلات منخفضة بدلاً من إلغائه.

إمكانيات ربط أضعف

اكتظت شركات الطيران الكبرى بوجهات أصغر من أي وقت مضى مع ازدهار السفر الجوي وبلوغه لذروته في عام 2019. والآن، يقومون بتشغيل مسارات جديدة غير مربحة للحد من الخسائر. وتؤثر قلة الرحلات الجوية، والطائرات الأصغر، وإمكانيات الربط المنخفضة في المدن الكبيرة، على اقتصاديات العديد من المواقع المعتمدة على السياحة.

قد يستمر بعض التراجع إلى أجل غير مسمى، وفقاً لـ"أو إيه جيه غرانت" (OAG's Grant) و تعد رحلات المسافات الطويلة التي كانت لا تزال في طور نموها عرضة للخطر بشكل خاص. واعتباراً من أواخر شهر مارس، ستحدد الخطوط الجوية البريطانية بشكل دائم 13 وجهة طويلة المدى عبر أمريكا الشمالية والشرق الأوسط وجنوب إفريقيا وآسيا. بينما ستوقف "كاثي باسيفيك" عملياتها في سبعة مواقع عالمية مع تزايد الخسائر. وتعد مدن مثل مانشستر في إنكلترا، معرضة لضعف إمكانية الربط مع الأسواق الرئيسية مثل الصين، في حين أن الرحلات الجوية من بكين إلى لشبونة وبرشلونة وحتى مدريد قد تتعرض لضغوط مع إعادة تقييم شركات الطيران. وفقاً لغرانت، من غير المحتمل أن تملأ شركات الطيران الكبيرة في الشرق الأوسط مثل طيران الإمارات والخطوط الجوية القطرية، التي تعيش على رحلات الركاب حول العالم، هذه الفجوات. ويقول إنهم يخدمون أكبر عدد ممكن من الوجهات الواقعية، نظراً لندرة حركة المرور عبر الوجهات المرتبطة. وأضاف: "الأمر يتعلق بالعودة إلى إمكانيات ما قبل كوفيد ومستويات الطلب حينها".

صخب بدء التشغيل

بينما قد يبدو إطلاق شركة طيران في مواجهة أسوأ انكماش اقتصادي على الإطلاق أمراً متهوراً، إلا أن فيه بعض المنطق. فلا يزال التمويل رخيصاً، وقد أدى الوباء إلى إنشاء أسطول ضخم من الطائرات على الأرض، والعديد منها مملوك لشركات تأجير تسعى جاهدة للعثور على مشغلين جدد. كما يبحث صانعو الطائرات عن مشترين لطائرات جديدة تمامًا بعد إلغاء طلبات بوينغ 737 ماكس على وجه الخصوص حيث يعود الطراز من توقف دام 20 شهراً. وخفض موفرو الوظائف من طاقتهم وألغوا آلاف الوظائف، مما يوفر للمنافسين المحتملين وفرة من الموظفين ذوي الخبرة، في حين أن مستويات الديون المرتفعة تحد من قدرتهم على المقاومة.

ومن بين المشاريع الجارية، تهدف "سايبروس كابيتال" (Cyrus Capital) إلى إحياء شركة "فلابي" (Flybe) البريطانية بعد شرائها من إدارتها، بينما فازت "إيمرالد إيرلاينز" (Emerald Airlines) التي تأسست حديثاً بعقد لتوفير رحلات جوية إقليمية لشركة "إير لنغوس" (Aer Lingus) الأيرلندية. وتريد "فلاير" (Flyr) التي يقع مقرها في أوسلو، والمقرر إطلاقها في الأشهر المقبلة، جذب حركة الركاب من "الخطوط النرويجية"، ويقال إن مؤسسي خطوط "بي تي ليون مينتاري إيرلاينز" (PT Lion Mentari Airlines) يخططون لبدء التشغيل في إندونيسيا.

وفي أمريكا الشمالية، تهدف شركة "فلاير إيرلاينز" (Flair Airlines) الكندية إلى التوسع من ثلاث طائرات إلى 50 طائرة في ظل علامة تجارية جديدة وتحت إدارتها، بينما تخطط شركة "غلوبال كروسينغ إيرلاينز" (Global Crossing Airlines)، التي تعمل تحت اسم "غلوبال إكس" (GlobalX)، في ميامي، لتشغيل رحلات طيران عارض إلى أمريكا اللاتينية.

وساعدت شركة "غلوبال إيرويز" (Global Airways)، وهي شركة تابعة لجنوب إفريقيا إطلاق رحلاتها المخفضة الأسعار في 10 ديسمبر على طائراتها الفائضة، ما يشير إلى اتجاه جديد محتمل لشركات عالقة مع طائرات متوقفة عن العمل.

عالم جديد شجاع

تماماً مثلما أدت خطوط التفتيش الطويلة، التي تفرض خلع حذائك مع القيود المفروضة على حمل السوائل إلى فرض سماتها على تجربة السفر الجوي بعد 11 سبتمبر، فمن المرجح أن يفرض كوفيد استمرار استخدام الأقنعة والتباعد الاجتماعي والتطبيقات الخاصة بسجلات الركاب. يقول جون ستريكلاند من شركة استشارات الطيران "جي إل إس كونسولتينغ" (JLS Consulting): "عندما ننظر إلى الوراء إلى هذا الأمر بعد 5 أو 10 سنوات، فسيمثل ذلك حافزاً للعديد من التغييرات".

ومن المرجح أن يطلب المسافرون من شركات الطيران الحفاظ على مستوياتها الحالية العالية من النظافة، ما قد يؤثر على الربحية. إذ تتمثل إحدى التغييرات الرئيسية التي أصبحت جزءاً من المشهد وهو إجراء اختبارات كوفيد قبل المغادرة.

وكانت شركات النقل تضغط من أجل هذه الخطوة كطريقة لتشجيع السفر لعدة أشهر دون نجاح يذكر قبل اكتشاف سلالة جديدة من الفيروس في بريطانيا مما أجبر الحكومات على إعادة التفكير في هذا الأمر.

وطالبت فرنسا ودول أوروبية أخرى بفحص جميع ركاب المملكة المتحدة، بينما أفاد سكوت ساندرمان، المدير الإداري للطب والأمن في "مجموعة كولينسون" (Collinson Group) المتخصصة في الاختبارات، عن زيادة الطلب في مطار هيثرو بلندن بعد أن قامت شركات الطيران بما في ذلك "الخطوط الجوية البريطانية" و"فيرجن أتلانتيك إيرويز" بإجراء فحوصات إلزامية للرحلات المتجهة إلى الولايات المتحدة - وهي سياسة تدرسها الولايات المتحدة نفسها للرحلات القادمة من الخارج.

وإيجاباً، ألغت العديد من شركات الطيران رسوم تغيير الحجز ويمكن أن تصبح عمليات استرداد الأموال أسهل بعد الاحتجاجات التي وقعت عندما احتفظت شركات الطيران التي تعاني من ضائقة مالية بقيمة التذاكر بسبب الرحلات الملغاة، وكذلك من المحتمل أيضاً أن تدوم التحسينات على عمليات الصعود إلى الطائرة واستقبال الركاب.