تونس تواجه شبح الإفلاس ومصاعب اقتصادية تهدد بفوضى اجتماعية وسياسية

الرئيس التونسي قيس سعيد
الرئيس التونسي قيس سعيد المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: رويترز
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قال الرئيس التونسي قيس سعيد إنه سيُعيد تشكيل سياسة بلاده في 2022 من خلال دستور وبرلمان جديدين، لكن التهديد الذي يمثله تعرض تونس للإفلاس قد يقلب خططه رأساً على عقب.

وكان سعيد استأثر بالسلطة التنفيذية العام الماضي في خطوة يصفها خصومه بالانقلاب.

تحتاج تونس إلى حزمة إنقاذ دولية لتجنب انهيار كارثي في ​​المالية العامة، مع تأخر الدولة في دفع بعض الرواتب في يناير، لكن مع نفاد الوقت يقول المانحون إنّ سعيد لم يفعل ما يكفي لإقناعهم بخططه، فهُم يريدون منه أن يتبنى عملية سياسية أكثر شمولاً لضمان بقاء الديمقراطية الوليدة في تونس، والتوصل إلى اتفاق مقبول علناً مع منافسيه الرئيسيين بشأن إصلاحات اقتصادية لا تحظى بالشعبية لخفض الإنفاق والديون.

تونس تأمل أن تتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد في أبريل وسط مخاوف من الإفلاس

وقد تكون كلفة الفشل كارثية، تتمثل في معاناة رهيبة للتونسيين، أو انزلاق إلى حكم الفرد بشكل مطلق، أو انفجار اجتماعي يمكن أن يشعل أزمة هجرة ويخلق فرصة للمتشددين كي يطلوا برؤوسهم من جديد.

معارضة جريئة

ويواجه سعيد بالفعل معارضة أكثر جرأة من أي وقت مضى منذ تحركاته في يوليو لتعليق عمل البرلمان وإقالة رئيس الوزراء، لكن التراجع الحادّ في مستويات المعيشة قد يثير اضطرابات كبيرة بين المواطنين الذين سئموا بالفعل من ركود جاثم على أنفاسهم منذ سنوات.

ولن يختبر ذلك قدرة سعيد على تحقيق غاياته السياسية فحسب، ولكن ما إذا كان سيطلق العنان لقوات الأمن، التي تنزع على نحو متزايد إلى بسط سطوتها في التعامل مع المعارضين، على الرغم من وعده بدعم الحقوق والحريات التي انتزعتها تونس في انتفاضة 2011.

صندوق النقد: الاقتصاد التونسي بحاجة إلى "إصلاحات عميقة"

وبينما لم تشهد تونس حملة قمع كبيرة على حرية التعبير أو حملة اعتقالات ضخمة، فقد ظهرت في الآونة الأخيرة ملامح موقف أكثر قوة وحزماً تجاه المعارضة، من خلال إجراءات منها اعتقال شخصية معارضة وتعامل الشرطة بخشونة مع احتجاج.

وقال مصدر مقرب من الرئاسة: "من الواضح أنه أصبح للجهاز الأمني يد قوية مع سعيد الآن".

والمعارضة الرئيسية لسعيد، الأحزاب الكبيرة في البرلمان، هي نفسها لا تحظى بشعبية كبيرة، والتونسيون منقسمون بشدة إزاء قادتهم على ما يبدو. وحتى داخل فريق سعيد الصغير توجد انقسامات بين المعسكرات المتنافسة.

ويشير كل هذا إلى عام مضطرب بالنسبة إلى التونسيين، الذين لا يزالون يحاولون حل لغز رئيس كثيراً ما حيّر أسلوبه الصارم غير التقليدي مؤيديه وخصومه وحلفاءه الأجانب على حد سواء.

إصلاحات مؤلمة

أعلن سعيد، تحت ضغط شديد، عن خريطة طريق في ديسمبر بغية الخروج من الأزمة، وأطلق مشاورات عبر الإنترنت بشأن دستور جديد يقول إن لجنة خبراء ستضعه قبل الاستفتاء في يوليو. وسيتبع ذلك انتخاب البرلمان الجديد في ديسمبر.

ولا يعتقد المانحون أن هذه الخطوات وحدها تلبي دعوتهم للعودة إلى النظام الدستوري الطبيعي من خلال عملية شاملة، ويريدون أن يروا اتحاد الشغل القوي والأحزاب السياسية الرئيسية منخرطة انخراطاً مباشراً فيها.

الدَّين العامّ في تونس سيصل إلى 114.1 مليار دينار في 2022

في غضون ذلك، تسعى الحكومة التي عيَّنها سعيد في سبتمبر إلى الحصول على حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، يقول وزير المالية إنه يأمل في تسلُّمها بحلول أبريل، وهي ضرورية إلى حد بعيد لفتح الآفاق أمام أي مساعدات ثنائية أخرى.

ويعتقد المانحون أن من غير المرجح للغاية التوصل إلى أي اتفاق قبل الصيف، وهو إطار زمني قد يكون متأخراً جداً لتجنب مشكلات خطيرة، منها الضغط على العملة ودفع رواتب الدولة واستيراد بعض السلع الأساسية المدعومة.

ويُعَدّ الاقتصاد مصدراً دائماً للقلق العام، على الرغم من اختلاف الآراء حيال طريقة تعامل الرئيس مع هذه القضية. ويشكو التونسيون بالفعل من نقص سلع مثل السكّر والأرز.

وقالت سنية البالغة من العمر 38 عاماً وتعمل معلمة في العاصمة التونسية: "الديمقراطية تنهار يوماً بعد يوم. الأسعار ارتفعت بشكل جنوني. الأجور أقل تأميناً كل شهر".

أما عماد بن سعد، وهو من تونس العاصمة أيضاً، فقال: "الرئيس يحتاج إلى وقت.. إنه يحاول إعادة بناء دولة انهارت عندما تولى السلطة".

وفي حين وُصف العرض التونسي الأولي لصندوق النقد الدولي بأنه مُرضٍ، عبّر المانحون عن اعتقادهم بأنه يفتقر إلى التفاصيل، والأهم من ذلك يفتقر إلى المشاركة السياسية الشاملة اللازمة لتنفيذ أي إصلاحات موعودة.

وعلى الرغم من أن سعيد التقى رئيس اتحاد الشغل الشهر الماضي لأول مرة منذ يوليو، فلا يوجد دليل يُذكر على أن الرئيس أو الاتحاد على استعداد لدعم الإصلاحات علناً على النطاق المطلوب لمساعدة صندوق النقد الدولي.

شبح الاضطرابات

وعلى الرغم من معارضة كثير من النخبة السياسية لاستئثار سعيد بالسلطة، فإن الاحتجاجات حتى الآن كانت محدودة نسبياً بالمعايير التاريخية. ومن المرجح أن تتسبب أزمة اقتصادية على مستوى تلك التي يشهدها لبنان أو فنزويلا، والتي حذّر منها محافظ البنك المركزي قبل عام، في اضطرابات خطيرة.

ويسمح سعيد منذ يوليو إلى حدّ بعيد بالاحتجاج على تحركاته، على الرغم من حظر مظاهرة في يناير لأسباب تتعلق بـ"كوفيد-19"، وقد فرقتها الشرطة بقسوة.

ولا يزال معظم وسائل الإعلام، ومنها وكالة "تونس إفريقيا" للأنباء، المملوكة للدولة، تتحدث عن انتقادات للرئيس والحكومة، لكن نقابة الصحفيين تقول إنّ التليفزيون الحكومي توقف عن استضافة الأحزاب السياسية في البرامج الحوارية.

وقد تمثل اضطرابات كبرى أو احتجاجات حاشدة مناهضة للرئيس اختباراً لذلك. وتشعر الجماعات الحقوقية بالقلق من استمرار محاكمة المدنيين في محاكم عسكرية واعتقال شخصيات معارضة وتقويض واضح لاستقلال القضاء.

وقال مصدر منفصل مقرب من الرئاسة إنّ قضايا أمنية، من بينها إحالة قيادات أمنية بارزة للتقاعد الوجوبي، كانت وراء إبعاد نادية عكاشة مديرة ديوان الرئيس وأقرب مساعدي سعيد، بعد أن استقالت الشهر الماضي. وقال المصدر: "هذا يُظهِر التوجه نحو مقاربة أمنية قوية لفرض ما يريدون".

ويحذر دبلوماسيون من أن فشل محاولة سعيد لإعادة صياغة السياسة قد لا يؤدي فقط إلى العودة إلى الديمقراطية الكاملة، وإنما إلى حكم استبدادي أكثر سفوراً يخرج من تحت رماد وضع اقتصادي متأزم منذ انتفاضة 2011.