قلعة بوتين المالية تحدّ من تأثير التهديد بالعقوبات

كاتدرائية القديس باسيل في الساحة الحمراء في موسكو، يوم 2 مايو 2021
كاتدرائية القديس باسيل في الساحة الحمراء في موسكو، يوم 2 مايو 2021 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنّ العقوبات على روسيا المخطط لها سيكون لها "تأثير مدمر" في الاقتصاد الروسي إذا غزت روسيا أوكرانيا. ولكن بعد مرور ثماني سنوات على استعداد الكرملين لمزيد من العقوبات، يقول الاقتصاديون إن أضرار التأثير قد لا تكون بالسوء الذي يخشاه البعض.

الإجراءات قيد الدراسة، التي تشمل قيوداً على قدرة البنوك الكبرى على استخدام الدولار واليورو والديون الحكومية والوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية، ستكون الأشد ضراوة منذ الموجة الأولى من القيود المفروضة على روسيا عام 2014، عندما ضمّت شبه جزيرة القرم، وفقاً لمسؤولين أمريكيين وأوروبيين.

اقرأ أيضاً: ما نعرفه حتى الآن عن العقوبات الغربية المحتملة على روسيا

دخلت روسيا في أزمة مالية في ذلك الوقت، إذ فقدَ الروبل نصف قيمته بعدما شهد البنك المركزي هبوط احتياطياته بمقدار 130 مليار دولار، ودخل الاقتصاد في حالة ركود.

يقول الاقتصاديون إنّ التحركات التي تناقشها الولايات المتحدة وحلفاؤها هذه المرة ستضرب العملة وتغذّي التضخم وتدفع المستثمرين إلى الفرار، لكنها قد لا تكون كافية لإثارة النوع ذاته من الاضطراب. إلى جانب استعدادات الكرملين، يوجد فرق كبير يتمثّل في الارتفاع الحالي في أسعار النفط، وهو أهمّ الصادرات الرئيسية الروسية، بدلاً من انخفاضها كما حدث في عام 2014.

اقرأ المزيد: مشروع قانون العقوبات على روسيا يقترب من مجلس الشيوخ الأمريكي

استعداد للعقوبات

قالت ناتاليا لافروفا، كبيرة الاقتصاديين لدى "بي سي إس فاينانشال غروب" (BCS Financial Group) في موسكو: "روسيا أكثر استعداداً للعقوبات مما كانت عليه في 2014، على الأقل في ما يتعلق بمؤشراتها الكلية. قطاع الدولة جاهز والدعم المالي كبير". وأفادت بأنه في جميع السيناريوهات باستثناء تلك الأكثر تطرفاً، سيستمر الاقتصاد في النمو، وإن كان بمعدل أبطأ مع ارتفاع معدل التضخم.

اقرأ أيضاً: انهيار الروبل وحده لن يثني بوتين عن خططه في أوكرانيا

يقول المسؤولون الروس إنهم ليس لديهم خطة لغزو أوكرانيا، لكن موسكو رفضت المطالب الغربية بالتراجع عن حشد أكثر من 130 ألف جندي على الحدود الأوكرانية. وبدأ المستثمرون في العودة الحذرة إلى الأصول الروسية بعدما أعرب الرئيس فلاديمير بوتين عن أمله هذا الأسبوع في التوصل إلى حل دبلوماسي.

يقول الكرملين علناً إنه قلق بشأن مخاطر العقوبات، وقد اتخذ خطوات للحد من تأثيرها المحتمل. كما تعهد بوتين مراراً بأن التهديد بفرض قيود جديدة لن يُغيّر سياسته الخارجية. في الوقت الحالي، يبدو الكرملين واثقاً بأن القيود المفروضة على قطاع الطاقة الروسي أو الصادرات الرئيسية الأخرى سيكون مدمراً للغاية للأسواق العالمية، ولكنه لا يمثل تهديداً واقعياً.

ما تقوله "بلومبرغ إيكونوميكس":

"ستؤدي العقوبات الأكثر احتمالاً على الاستثمار والبنوك والتجارة إلى ضرر مالي شديد، لكنها ستتسبب في تعطيل اقتصادي محدود ما دام تدفق النفط والغاز مستمراً. في السيناريوهات الأكثر تطرفاً، ستتحمل روسيا تكلفة باهظة للغاية، وبسعر باهظ للغاية بالنسبة إلى أوروبا".

- سكوت جونسون، "بلومبرغ إيكونوميكس".

مع ذلك، يقول المسؤولون الغربيون إنّ خطر العقوبات لا يزال قائماً، ولا تتضح ماهية الرد في حال تحرك روسيا تجاه أوكرانيا بطريقة أقل درامية من غزو شامل.

احتياطيات ضخمة

بمبلغ قدره 634 مليار دولار، تقترب احتياطيات البنك المركزي الروسي من مستوى قياسي بفضل السياسات التي وفّرت كثيراً من المكاسب النفطية غير المتوقعة في صندوق مخصص للفترات الضبابية. حققت الميزانية فائضاً نسبته 0.4% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، ويُعَدّ الدَّين الحكومي البالغ 18% من الناتج المحلي الإجمالي من بين أدنى المعدلات بين الاقتصادات الكبرى. وخفضت موسكو اعتمادها على الدولار في التجارة والمعاملات، وهي تبني بدائلها الخاصة لأنظمة الدفع التي تهيمن عليها الولايات المتحدة.

يعود الفضل في ذلك جزئياً إلى تلك الخطوات الدفاعية، ويقول الاقتصاديون إنّ العقوبات المحتملة من شأنها أن تخفّض سعر الروبل بنسبة تصل إلى 20% مقابل الدولار، وستغذّي التضخم المرتفع فعلياً، وبالتالي ستتطلب مزيداً من الزيادات في أسعار الفائدة من قِبل بنك روسيا، وربما التدخل لدعم الأسواق المالية والبنوك الخاضعة للعقوبات أيضاً.

قال أرتيم زيغرين، الخبير الاقتصادي لدى "سوفا كابيتال" (Sova Capital): "لو افترضنا عدم فرض حظر تام على الصادرات، فسيكون لزيادة ضغط العقوبات تأثير غير مباشر في الاقتصاد، لا سيما أنه جرى فرض قيود مالية كبيرة منذ عام 2014". كما قال الاقتصادي إنّ ذلك يمكن أن يؤدي إلى تقليص النمو السنوي بما يزيد قليلاً على 0.2 نقطة مئوية تقريباً عما فعلت عقوبات 2014.

سيناريو آخر

في السيناريو المعتدل الذي ستُفرض فيه العقوبات على المُطّلعين بالكرملين وبعض الكيانات الحكومية فقط، سينخفض ​​الروبل بنحو 6%، وسيزيد التضخم بشكل طفيف، وسينمو الاقتصاد بنسبة 2.4% هذا العام، بانخفاض قدره 0.2 نقطة مئوية عن التوقعات الأساسية، وفقاً للافروفا لدى "بي سي إس"، التي اعتبرت أن القيود الأوسع ستضرب الروبل بقوة أكبر وسينخفض النمو إلى 1.4%.

كما قالت إنّ الاقتصاد قد يتأرجح إلى الركود هذا العام في حال حدث السيناريو الأكثر تطرفاً والذي سيتضمن قيوداً صارمة على الديون والبنوك، بالإضافة إلى استبعاد روسيا من نظام المدفوعات الدولي السريع "سويفت".

عقوبات البنوك

بخلاف ذلك، قد يتسبب فرض أشد العقوبات على البنوك التجارية الروسية الاثني عشر في تكرار أزمة 2014، إلى جانب عواقب أكثر صعوبة وطويلة الأجل،" وفقاً للخبير الاقتصادي إفغيني كوشيليف لدى "روزبنك" (Rosbank).

ستؤدي القيود المفروضة على الوصول إلى التمويل والتكنولوجيا مع مرور الوقت إلى زيادة إعاقة آفاق النمو الروسية المتدهورة فعلياً، وفقاً للخبراء الاقتصاديين.

قالت إلينا ريباكوفا، نائبة كبير الاقتصاديين في المعهد الدولي للتمويل في واشنطن: "سيقود التأثير متوسط ​​إلى طويل الأجل روسيا إلى الاكتفاء الذاتي المالي والاقتصادي، وإلى تكلفة هائلة على الاقتصاد وعلى كل فرد. وقد يقل النمو بكثير دون تفاعل مع العالم".

في ما يلي التأثير المحتمل لبعض الأنواع الرئيسية للعقوبات تحت الدراسة:

الدَّين الحكومي

قد تمنع العقوبات الأكثر اعتدالاً المستثمرين من شراء السندات في السوق الثانوية، فيما قد تتطلب القيود الأكثر تشدداً منهم التخلص من الحيازات الحالية أيضاً، علماً بأن الولايات المتحدة فرضت قيوداً على السوق الأولية في عام 2021. رغم أن هذه التحركات ستهز الأسواق، فإنها لن تشكّل عبئاً كبيراً على الموارد المالية الروسية نظراً إلى أن الحكومة لديها فائض في الميزانية، ولا تعتمد على الاقتراض في دفع فواتيرها.

قال ديمتري دولغين لدى "آي إن جي أوراسيا" (ING Eurasia) إنّ فرض حظر على المشتريات الجديدة سيكلف روسيا ما يصل إلى 10 مليارات دولار من التدفقات الرأسمالية الوافدة سنوياً، وسيدفع الروبل إلى الانخفاض ببضع نقاط مئوية. قد يتطلب البيع القسري للسندات الحالية من البنك المركزي التدخل في أسواق مستقرة مع انخفاض الروبل بشكل حادّ.

يمكن أن تتعرض ميزانية روسيا على المدى الطويل إلى مزيد من الضغط في حال اضطرت إلى الإبقاء على عملية عسكرية مطوّلة أو زيادة الدعم المالي لأوكرانيا بشكل كبير، في حال استيلاء حكومة موالية لموسكو على كييف.

القطاع المالي والبنوك

قال إيفان تيموفييف، المتخصص في العقوبات بمجلس الشؤون الدولية الروسي، إنّ ضرب البنوك المملوكة للدولة وغيرها من البنوك الكبرى التي تعاني من قيود مفروضة على قدرتها على استخدام حسابات مستحقة للمصارف في المؤسسات الأمريكية، "سيعزلها عن نظام الدولار، وهذا تهديد أكثر خطورة من ناحية الضرر المحتمل الذي قد يجلبه عما تجلبه الديون".

أضاف أن وضع المؤسسات الفردية على قائمة المواطنين المعيّنين خصيصاً والمحظورين الأكثر تقييداً سيكون أكثر ضرراً، مشيراً إلى أن البنوك غير الأمريكية قد تتخذ الخطوة ذاتها وتجمّد الكيانات المتضررة كلية.

طوّرت روسيا بدائل للنظام المالي القائم على الدولار، بما في ذلك شبكتها الخاصة للتعامل مع معلومات المعاملات على غرار "سويفت" والروابط المباشرة مع بنوك في أماكن مثل الصين، لكنها لا تزال تعتمد على الدولار في 55% من صادراتها، واليورو بنسبة 29% أخرى، وفقاً للبنك المركزي.

التكنولوجيا

تواجه روسيا قيوداً فعلية على الوصول إلى كثير من التكنولوجيا الأمريكية التي قد تكون مفيدة للجيش، وقد تجبر القيود الأوسع على الاستهلاك الروس على التحوّل إلى الهواتف الصينية وغيرها.

قالت كارين كازاريان، المدير العام لمعهد أبحاث الإنترنت: "سيُثير حظر الرقائق والتكنولوجيا الحساسة بعض الأشخاص في السلطة. ستُجبر مثل هذه الخطوة روسيا على تسريع برامج إحلال الواردات، ما يعني مزيداً من أموال الدولة للصناعات غير التنافسية".