موجة الإنفلونزا المبكرة في الولايات المتحدة تحيّر العلماء بعد تأخر ظهورها العام الماضي

داخل أحد مراكز التطعيم ضد "كوفيد-19" في ويست فرجينيا.. في الوقت الذي زادت فيه نسب تلقي اللقاحات ضد "كورونا"؛ تباطأت معدلات التحصين ضد الإنفلونزا مقارنة بالمواسم السابقة
داخل أحد مراكز التطعيم ضد "كوفيد-19" في ويست فرجينيا.. في الوقت الذي زادت فيه نسب تلقي اللقاحات ضد "كورونا"؛ تباطأت معدلات التحصين ضد الإنفلونزا مقارنة بالمواسم السابقة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عادت حالات الإصابة بالإنفلونزا في الولايات المتحدة على نحو يقترب من المستويات التي سبقت تفشي الوباء، ولكن مع فارق واحد مهم.

بحسب المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها؛ فقد شهدت مستويات الإصابات الشبيهة بالإنفلونزا، والتي تعد مقياساً لانتشار هذا المرض الذي يصيب الجهاز التنفسي، انخفاضاً لمدة ثلاثة أسابيع منذ أوائل يناير، مما يشكّل ظهوراً أقرب بكثير من الذروة المعتادة لانتشار الإصابات بين شهري فبراير ومارس.

اقرأ أيضاً: لقاحات الإنفلونزا تستفيد من الحرب على "كورونا"

قال ويليام شافنر، خبير الأمراض المُعدية في جامعة "فاندربيلت": "إذا كنت قد مررت بموسم واحد للإنفلونزا وموسم آخر، فكل موسم له ما يميزه. وقد باغت هذا الموسم كل شخص منا ظل يراقب الإنفلونزا بعناية شديدة".

اقرأ المزيد: العلماء مختلفون حول معنى كورونا "المستوطن"

يبدو أنَّ حالات الإنفلونزا الموسمية 2021-2022 بشكل عام تتراجع بوتيرة بطيئة إلى مستويات ما قبل الجائحة، مدعومة بالمناطق ذات الحالات الكبيرة، مثل ميسوري، ونيو مكسيكو، ونورث داكوتا. وبعد موسم منخفض تاريخياً العام الماضي؛ تشير التقديرات الحكومية إلى أنَّ هناك ما لا يقل عن مليوني حالة إنفلونزا، و20 ألف حالة دخلت إلى المستشفى، ونحو 1200 حالة وفاة بسبب فيروس الجهاز التنفسي هذا الموسم.

التساهل في الإجراءات الاحترازية

قال مسؤولو الصحة، إنَّ التساهل بشكل متزايد بشأن تدابير السيطرة على "كوفيد-19"، مثل ارتداء الكمامة، والتباعد الاجتماعي، وغسل اليدين؛ أسهم في معاودة الإنفلونزا نمطها السنوي للانتشار على امتداد الولايات المتحدة.

وتشكّل الأمراض الشبيهة بالإنفلونزا، التي يتم تشخيصها على أنَّها حُمى تزيد على 100 درجة (فهرنهايت) مصحوبة بسعال أو التهاب في الحلق، 2.8% حالياً من عدد الزيارات إلى المستشفيات، وذلك للأسبوع الثالث من شهر يناير، منخفضة من نسبة عالية بلغت 4.8% في الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر. ومع ذلك؛ ما تزال هذه النسبة أعلى من المستوى الأساسي في الولايات المتحدة البالغ 2.5% لهذا الموسم.

قالت كيمبرلي وايش إثيريدج، نائبة الرئيس الأول للمساواة الصحية في اتحاد مسؤولي الصحة في الولايات والمناطق: "ما يزال الوقت مبكراً، ولم نخرج من المأزق. وكل ما في الأمر أنَّنا نشهد تأجيلاً فحسب".

يعكف الباحثون حالياً، بعد هذا المأزق، على تحديد المسار الذي سيتخذه موسم الإنفلونزا. وقال شافنر، إنَّ معدلات الإصابة قد تستمر في الارتفاع مرة أخرى قبل انتهاء الموسم، خصوصاً أنَّ السلالة "B" من الإنفلونزا تتفشى عموماً في وقت لاحق من العام، مقارنة بالسلالة "A " السائدة الآن في الولايات المتحدة.

أضاف شافنر: "يمكن أن تنخفض وتبقى على هذا الوضع، أو يمكن أن تحدث زيادة أخرى في السلالة B".

ما تزال بعض الولايات تصارع الذروة الأولى. ففي ولاية نورث داكوتا؛ تضاعفت إصابات هذا الموسم حتى الأسبوع الثالث من شهر يناير، مقارنة بالفترة ذاتها قبل عامين. وتُظهر بيانات منتصف الموسم الصادرة عن إدارة الصحة في الولاية أكثر من ثمانية آلاف حالة إصابة مؤكّدة عبر فحوصات مخبرية هذا الموسم وحده، أي قرابة ثلثي معدل الانتشار في موسم 2019-2020 بأكمله في الولاية.

ضغط على المستشفيات

شكّلت الإصابات الشبيهة بالإنفلونزا المسجّلة في نيومكسيكو حوالي 6.2% من عدد الزيارات إلى المستشفيات والعيادات في الأسبوع المنتهي في 22 يناير الماضي. ويعد هذا أعلى بكثير من المستوى الأساسي للولاية، والبالغ 3.4% عن هذه الفترة من السنة، بالإضافة إلى متوسط المستوى الوطني البالغ 2.5% لهذا الموسم.

تزيد هذه المعدلات من الضغط على المستشفيات في نيومكسيكو، فقد أدى متحور "أوميكرون" شديد العدوى إلى زيادة حالات الإصابة بـ"كوفيد-19" إلى أكثر من 480 ألف حالة بشكل عام، وقد سُجل ربع هذه الحالات في شهر يناير وحده.

قال جاغديش خوبشانداني، أستاذ الصحة العامة في جامعة ولاية نيومكسيكو: "من الواضح أنَّ كوفيد يهيمن على بيانات أسباب الوفاة، وعدد الحالات في مستشفيات نيومكسيكو؛ لكنَّنا نشهد تردياً للوضع بشكل ضخم، والإنفلونزا تصبّ المزيد من الزيت على النار".

تعد منظومة "لوفلايس" الصحية في نيومكسيكو واحدة من العديد من مؤسسات الرعاية الصحية التي تغمرها حالات "أوميكرون"، والتي تتعامل الآن مع الإنفلونزا. وتعاني هذه الشبكة المكوَّنة من 5 مستشفيات، و24 عيادة صحية أيضاً من نقص في أطقم الرعاية، فقد أصيب بعض موظفيها بالفيروس، وغادر آخرون الولاية، وفقاً لـ"فيستا ساندوفال"، الرئيسة الطبية للمؤسسة، والتي قالت إنَّه على الرغم من المشكلات، واصل نظام المستشفى إدارة الوضع.

أضافت ساندوفال: "عادةً ما كان شهرا يناير وفبراير أسوأ أشهر الإنفلونزا بالنسبة إلى نظامنا على مدار التاريخ. أتوقَّع أنَّنا ربما سنستمر في رؤية المزيد من الحالات".

التهرب من اللقاحات

في الوقت الذي تقلل لقاحات الإنفلونزا بشكل كبير من خطر دخول المستشفى أو الوفاة؛ فقد تباطأت معدلات التحصين مقارنة بالمواسم السابقة. و ماتزال تقديرات تغطية لقاح الإنفلونزا للبالغين من قبل مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها من 31 ديسمبر عند مستوى 40% في الولايات المتحدة. وبالنسبة إلى موسم 2020-2021؛ بلغ التطعيم ضد الإنفلونزا بين البالغين حوالي 50%، بزيادة حوالي نقطتين مئويتين عن العام السابق. كما سجلت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها انخفاضاً بـ10% في عدد الجرعات الموزعة حتى 31 يناير الماضي، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.

يقول الخبراء، إنَّ الإجهاد نتيجة أخذ اللقاح قد يلعب دوراً في تراجع لقاحات الإنفلونزا. وبالنسبة إلى الكثيرين؛ يمكن أن تُعطى الجرعة الرابعة للقاح الإنفلونزا في غضون عام، بعد التحصين بجرعتين ضد "كوفيد" وجرعة مُعززة. والعامل الآخر المحتمل هو المعلومات المضللة بشأن اللقاح.

قال وايش إيثربريدج، الذي يعالج مرضى الإنفلونزا بصفته طبيباً في كلية "ميهاري" للطب في تينيسي": "ساد الكثير من المعلومات الخاطئة حول اللقاحات، لدرجة أنَّ بعض الناس لا يشعرون بالارتياح تجاهها".

قد تكون فاعلية لقاح الإنفلونزا مشكلة أيضاً. فعلى عكس بعض التحصينات القياسية عالية الفاعلية للأطفال؛ غالباً ما توفر لقاحات الإنفلونزا حماية جزئية فقط من المرض، مما يؤدي ببعض الناس إلى التركيز على مخاطرها المحتملة، بدلاً من فوائدها.

وفقاً للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها؛ ما يزال من السابق لأوانه تحديد مدى فاعلية اللقاحات ضد سلالة الإنفلونزا السائدة. وفي رسالة أرسلها بالبريد الإلكتروني، قال مايكل جونغ، عالم الأوبئة بقسم الإنفلونزا في مركز السيطرة على الأمراض، إنَّه على الرغم من أنَّ البيانات الأولية تشير إلى انخفاض الحماية ضد سلالة (H3N2) المنتشرة؛ فما يزال من المرجح أن يوفر التطعيم تحصيناً جزئياً على الأقل، بما في ذلك ضد مرض الإنفلونزا الخطير والوفاة.

تمثل حالة عدم اليقين هذه أحد الأسباب المتعددة وراء صعوبة تحليل موسم الإنفلونزا هذا العام.

واختتم شافنر، من "فاندربيلت"، بالقول: "من الخطير للغاية محاولة التنبؤ بما ستحدثه الإنفلونزا".