تعرَّف على مُنفذة أكبر عملية احتيال تخططها امرأة في أمريكا

جينا شامبيون كاين، رائدة الأعمال التي نفذت عمليات احتيالية طالت الكثيرين في الولايات المتحدة
جينا شامبيون كاين، رائدة الأعمال التي نفذت عمليات احتيالية طالت الكثيرين في الولايات المتحدة المصدر: زوما بريس
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في نهاية عام 2012، تلقى كيم بيترسون، وهو مطور عقاري ومحام في مدينة سان دييغو، اتصالاً هاتفياً من صديقة وزميلة له تدعى جينا شامبيون كاين. كان بيترسون وهو رجل في الستينات من العمر قد ترك مكتب محاماة عريق متخصص في الدفاع عن المتهمين في القضايا الجنائية في شيكاغو، ليتفرغ لبناء مراكز تسوق وصيدليات ومنازل فخمة، وهو يقيم مع زوجته لوري في فيلا أنيقة ذات تصميم متوسِّطي تطل على المحيط الهادئ، ويسافر على متن طائرته الخاصة.

في مجال الأعمال، كان بيترسون معروفاً باستقامته وحكمته. وتعرّف على شامبيون كاين التي تصغره بنحو 15 عاماً من خلال أصدقاء مشتركين في عام 2005. ثم سرعان ما توطدت علاقته بها، إذ كانا يلعبان الغولف في النادي الريفي الحصري "رانشو سانتا في"، حيث كانا من أعضائه، وكانا يتناولان العشاء فيه معاً برفقة أزواجهما. ثمّ قررت شامبيون كاين أن تخبره عن إحدى الفرص الاستثمارية.

اقرأ أيضاً: هل يرقى غش عائلة ترمب لكسب المال إلى الاحتيال؟

واجهة عمليات الاحتيال

حينها، كانت شامبيون كاين تمتلك شركة عقارية اسمها "أميريكان ناشونال انفسمنتس" (American National Investments) وقد اشترت مؤخراً أول مطعم لها، فبدأت تتطلع على القوانين الناظمة لتراخيص بيع المشروبات الكحولية. وقالت لبيترسون إنه عند انتقال الرخصة من مالك إلى آخر، يُلزم قانون كاليفورنيا كلاً من البائع والمشتري بالتقدم للحصول على الموافقة من دائرة كاليفورنيا لمراقبة المشروبات الكحولية. وفي غضون 30 يوماً من تقديم الطلب، يُلزم الطرفان بفتح حساب ضمان، ويتعين على الشاري أن يودع فيه سعر شراء الرخصة كاملاً، حيث قد يصل سعر رخصة بيع المشروبات الكحولية في كاليفورنيا إلى أكثر 100 ألف دولار. وأخبرته شامبيون كاين أن الكثير من الشراة يُصدمون باضطرارهم لتوفير هذه المبالغ خلال وقت قصير جداً، وشرحت لبيترسون أنها التقت مؤخراً بمحام مختص بتراخيص المشروبات الكحولية أعرب لها عن أمنيته في أن يحصل موكلوه على التمويل لتغطية قيمة الإيداع فيما ينتظرون صدور الموافقة.

وبحسب جينا شامبيون كاين هنا كانت تكمن الفرصة. فمن خلال جمع الأموال من المستثمرين، بمن فيهم معارفها وأصدقاؤها الأثرياء، أنشأت شامبوين كاين صندوقاً لمنح قروض قصيرة المدى ذات فائدة مرتفعة لمقدمي طلبات تراخيص بيع الكحول. وعند الموافقة على انتقال الرخصة، يسدد الشاري ثمنها ويتم إغلاق حساب الضمان، فيعود أصل القرض والفائدة إلى الصندوق. على أن تختلف قيمة العوائد بحسب مدة القرض، وهي تصل في بعض الحالات إلى 25%. وبحسب شامبيون كاين، لدى هذا المحامي المتخصص بتراخيص المشروبات الكحولية عدداً منتظماً من مقدمي الطلبات المؤهلين، فيما كانت تشرف شركة "شيكاغو تايتل"، وهي واحدة من أكبر شركات التأمين على حق الملكية في الولايات المتحدة، على حسابات الضمان هذه (تملك "شيكاغو تايتل" مقرات في لوس أنجلس وجاكسونفيل في فلوريدا).

فرصة استثمارية نادرة

وقد بدا لبيترسون حينها أن صديقته وقعت على فرصة نادرة قد تكون مدرَّة للأرباح، ومرّت عليها مرور الكرام. وبما أن بيترسون كان سبق وأن تعامل مع شامبيون كاين، حيث أقرضها مبلغاً من المال سابقاً، وقامت بإعادته بالكامل مع الفائدة. ولذلك قرر بيترسون القيام ببعض الاستثمارات المتواضعة في الصندوق، وبعد أن حققت هذه الاستثمارات عوائد له، استثمر برأس مال أكبر. كما أنه سوّق للصندوق، في البداية لدى معارفه الأثرياء، ثمّ لدى المصارف وصناديق التحوط، حيث وصل إجمالي الاستثمارات به إلى حوالي 140 مليون دولار.

وفي عام 2015، تقديراً لجهوده كمساهم رئيسي في الصندوق وترويجه له، حصل بيترسون على حصة ملكية صغيرة في شركة شامبيون كاين العقارية، وعلى الحق في 80% من أرباح الصندوق.

اقرأ أيضاً: السجن 30 عاماً لمحتال خدع الملياردير وارن بافيت في 340 مليون دولار

في خريف عام 2016، دعا بيترسون زائراً واعداً إلى مكتبه في بلدة ديل مار الساحلية الواقعة شمال سان دييوغو. وهو مايكل بروير رئيس شركة "ألكوهوليك بيفيرج" (Alcoholic Beverage Consulting Service) المتخصصة بتقديم الاستشارات في مجال تراخيص بيع الكحول، والذي يعدّ واحداً من أبرز الخبراء في هذا المجال في الولايات المتحدة، حيث تضمّ قائمة زبائنه أسماء لامعة مثل "صيدليات سي في أس" وفنادق "ماريوت انترناشونال" ومطاعم "أوتابك ستيك هاوس". ولم تكن أي من هذه الشركات تحتاج إلى صندوق شامبيون كاين، إلا أن بيترسون أمل أن يكون عملاء بروير الأصغر حجماً مهتمين باقتراض الأموال من الصندوق. وقبل أن يطرح بيترسون الفكرة على بروير، طلب منه التوقيع على اتفاقية عدم إفصاح. وقال بروير عن ذلك: "لقد اعتقد أنه وجد الدجاجة التي تبيض ذهباً".

أرباح لا تبدو منطقية

شرح بيترسون الأمور إلى بروير كما كانت شامبيون كاين قد شرحتها له. إلا أن بروير شعر بالحيرة، فثمة فرق بين ما ينصّ عليه قانون المشروبات الكحولية في كاليفورنيا وطريقة سير الأمور فعلياً على أرض الواقع. فصحيح أنه يتحتم على الشراة أن يودعوا كامل سعر الرخصة في حساب ضمان خلال 30 يوماً من تقديم الطلب. إلا أنه على أرض الواقع، كان من النادر أن يودع أي شخص أكثر من 10% من المبلغ. فالوكالة المسؤولة عن ذلك "لا تضغط على أحد من أجل تأمين الأموال خلال مدة الثلاثين يوماً" بحسب بروير. ولا يتوجب على مقدمي الطلبات تأمين كامل المبلغ إلا عشية الحصول على الموافقة. وبالتالي، يمكنهم تفادي احتجاز مبالغ طائلة في حسابات لا يكتسبون منها أي فوائد خلال فترة دراسة الطلب التي يمكن أن تمتد لمدة عام كامل.

ولم يخطر لبروير أي حالة قد ينصح فيها زبائنه بتغطية حساب الضمان من خلال قروض عالية الفائدة. وقال: "أخبرت كيم بيترسون أن الأمر غير منطقي ولكنه لم يصدقني". وبحلول ذلك الوقت، كان بيترسون يستثمر مع شامبيون كاين منذ أربع سنوات، تدفقت خلالها ملايين الدولارات عبر الصندوق التابع لها، وجنى منه أرباحاً وفيرة، وكان متيقناً من عوائده، كما كان واثقاً أن شركة "شيكاغو تايتل" للتأمين تحمي أصل القرض الذي أعطاه للصندوق.

ونقل بروير عن بيترسون أنه قال: "قدمت قروضاً بقيمة 8 ملايين دولار حتى الآن". (بيترسون الذي ينفي أن يكون قد أشار إلى رقم محدد أخبرني أنه قبل أن يوافق على لعب دور أكبر في الصندوق، استشار عدة مكاتب محاماة وزار مكتب مراقبة المشروبات الكحولية في ساكرومانتو حيث أكدوا له شرعية نموذج الإقراض هذا. ولم يستجب المكتب إلى طلب التعليق). وبالنسبة لبروير، فإن المشكلة التي ادعى صندوق شامبيون كاين أنه قادر على حلّها، لم تكن موجودة من الأساس.

مدينة القوات البحرية

بين ألواح الركمجة وصنادل البحر ووجبات تاكو السمك، يمكن للمرء بسهولة أن ينسى أن سان دييغو هي معقل قوات البحرية الأمريكية، وأكبر صاحب عمل فيها هو الجيش الأمريكي.

يساعد فهم ذلك في شرح السياسة المحافظة نسبياً في المدينة، وسبب كونها تعتبر بالنسبة للشباب في العشرينات مدينة عابرة، حيث يقضون أوقاتاً ممتعة في حانات الجعة المحلية لبضع سنوات، قبل أن ينتقلوا لتجربة حظهم في أماكن أخرى.

اقرأ أيضاً: ما بين الاحتيال والجنون.. كيف ينخدع المستثمرون في شركات "وادي السليكون" الناشئة؟

يحمل ختم مدينة سان دييغو شعار "متيقظون دائماً"، فيما يفضّل عشاق المدينة شعار العلاقات العامة الذي ابتُكر في السبعينيات إثر إلغاء إقامة المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في المدينة، والذي هو: "أفضل مدينة في أمريكا".

وحتى عام 2019، قبل اكتشاف أن شامبيون كاين هي في الواقع مهندسة لخطة احتيال بقيمة نحو 400 مليون دولار، ما يجعلها على الأرجح أكبر مخططة أنثى لعملية احتيال في التاريخ. كانت المرأة تُمثل في ذلك أفضل من يعبّر عن روح المدينة. فقد وصلت إلى سان دييغو في عام 1987 بعد تخرجها من "جامعة ميشيغان" حيث سئمت من الشتاء في مسقط رأسها في آن أربور.

وبعد سبع سنوات، نالت خلالها شهادة ماجستير في إدارة الأعمال، حصلت على وظيفة في شركة "كول" وهي شركة عقارية كبرى. وقالت ليندا ماكميلان، المسؤولة الإقليمية التي وظفتها حينها إن شامبيون كاين: "كانت لامعة ومتحدثة بارعة وواثقة بنفسها ومتزنة"، مضيفةً: "كان بإمكانها أن تحقق أي شيء تريده".

بداية صعبة

ورثت شامبيون كاين شغفها بالعقارات عن والدها الذي كان يعمل مطوراً عقارياً في ميشيغان، ولكنها لم تشعر بالترحيب في هذا القطاع الذي يسيطر عليه الرجال. فالمرأة صغيرة القوام، السمراء ذات الجسم الرياضي والشعر الأسود المنسدل، سمعت مرّة من أحد المديرين التنفيذيين أنها أجمل من أن تؤخذ على محمل الجدّ. وبدا لها أن الصفقات الجيدة تؤول إلى الرجال، بينما يتم تكليفها بالمشاريع المتعثرة.

قالت شامبيون كاين في مقابلة خلال "بودكاست" تستضيفه الأخصائية النفسية نانسي أورايلي في عام 2016: "صنعت اسماً لنفسي بفضل قدرتي على إجراء مفاوضات معقدة وتحسين أصول متعثرة". ولكنها شعرت بالوحدة خلال تلك التجربة. حيث قالت: "لم أكن أستطيع طلب المساعدة من الرجال، كانوا ينظرون إلى ذلك على أنه ضعف منّي".

وتشمل المشاريع البارزة التي عملت عليها شامبيون كاين في "كول" ثلاثة مراكز لبيع التجزئة في سان دييغو، بينها مشروع "لا جولا فيلا سكوير" الضخم. وقد حرصت على عدم إظهار رهبتها من زملائها الرجال حتى لو كانت تشعر بذلك. إذ يقول عنها هاورد غرينبيرغ، رئيس شركة "تريلوجي" لإدارة العقارات، وهي واحدة من أكبر المالكين العقاريين إن شامبيون كاين "كانت تلعب الورق وتشرب الويسكي وتدخن السيجار وتحب زيارة لاس فيغاس"، وأضاف: "كان بإمكانها الدخول إلى غرفة مليئة بالرجال وإثبات نفسها".

تأسيس الأعمال

في عام 1997، استقالت شامبيون كاين من شركة "كول" لتأسس شركتها "أميركان ناشونال انفستمنتس" واستأجرت مكتباً صغيراً فوق النادي الليلي "أونيكس روم" في منطقة غاسلامب وسط مدينة سان دييغو.

تضمّ منطقة غاسلامب نحو 16 حياً في جوار خليج سان دييغو، وكانت تعرف في الماضي ببيوت الدعارة وصالات القمار ومحال الأفلام الإباحية وغرف التدليك وحانات البحارة. ولكن، بعد أن تحولت المنطقة إلى معلم تاريخي في عام 1978، جذبت المطورين العقاريين، ومن بينهم شركة "تريلوجي"، من أجل تحويل أبنيتها المصممة بالطراز الفيكتوري إلى منشآت سكنية ومكاتب. وقد موّلت المدينة المشروع. ففي عام 1998، صوّت الناخبون لصالح الموافقة على توسيع مركز المؤتمرات في سان دييغو الواقع في جنوب غرب غاسلامب، ودعموا إنشاء ملعب بيسبول لفريق "بايدرز" على بعد بضعة أحياء.

مع ذلك، بقيت المنطقة تبدو بائسة، ولكن شامبيون كاين لم تنس مثابرة والدها في أوقات الركود الاقتصادي. فقد رأت في الأبنية المتداعية بمنطقة غاسلامب فرصة لتحقيق منفعة شخصية ومساعدة أبناء المدينة التي تبنتها كذلك.

ففي عام 1998، اشترت شركتها "أميركان ناشونال انفستمنتس" مبنى "وولوورث" القديم في الطرف الشمالي من منطقة غاسلامب مقابل 2.5 مليون دولار. وأمضت شامبيون كاين عدة سنوات مع شركائها في إعادة تطوير جزء من الحيّ لأغراض متنوعة، شملت مطاعم ومتاجر للبيع بالتجزئة وشقق سكنية وفرع لمطاعم "هاوس أوف بلوز".

وأسهم المشروع في رفع شأن شامبيون كاين ومنحها سمعة مميزة اعتمدت عليها طوال مسيرتها المهنية. وقالت في مقابلة مع صحيفة "سان دييغو يونيون تريبيون" إن "رؤية مبنى قديم متداع في وسط المدينة يتحول إلى مساحة مختلفة تماماً أمر يبعث على السرور". (بعد أن وافقت شامبيون كاين على إجراء مقابلة لهذا المقال من خلال وسيط، تراجعت بعد أن تم رفض توقيع تنازل عن أي حقوق لإنتاج فيلم أو مسلسل تلفزيوني لصالح الوسيط).

بناء السمعة

لعبت علاقة شامبيون كاين مع جاك بيركمان الرائد في مجال العلاقات العامة دوراً رئيسياً في صعودها. حيث كان بيركمان من أوائل رؤساء مجلس إدارة منطقة تنمية الأعمال التجارية في غاسلامب، والمالك الشريك لمطعم "فيوز كوتشينا إيتاليا" الذي تم إغلاقه الآن، وهو مطعم إيطالي في الجادة الخامسة يحظى بشعبية وتم تقليده كثيراً.

وحين طلبت شامبيون كاين من بيركمان تمثيلها لحملة علاقات عامة في نهاية التسعينيات، رأى فيها امرأة ذات روح طيبة، ومنتج يسهل التسويق له.

في أحد صباحات شهر يوليو، التقيت مع بيركمان لتناول الفطور في مطعم على مقربة من حديقة حيوانات سان دييغو. كان يجلس تحت لوحة تظهر الشخصيات الرئيسية من فيلم "ساحر أوز" يسيرون على طريق قرميدي. وقال لي: "لم يكن هناك الكثير من النساء اللواتي يقدن شركات عقارية في ذلك الوقت"، وأضاف:

تمتعت جينا بشخصية لامعة دافئة وجذّابة للغاية، كانت تسعى لإحداث تغيير

الوجه الإعلاني

أعدّ الاثنان استراتيجية لتحويل شامبيون كاين إلى شخصية بارزة في سان دييغو، ولتصبح الوجه الإعلاني لحيّ غاسلامب الذي كان في صدد التحول إلى وجهة سياحية تضمّ مطاعم متنوعة، تزينها الفوانيس ذات الطابع التاريخي المستوحاة من عالم ديزني وتسير فيها حافلات الترولي. وسرعان ما بدأت شامبيون كاين تنال الجوائز، ويدرج اسمها ضمن قوائم براقة، بينها جائزة "النساء في مجال الأعمال" من دورية سان دييغو للأعمال، وقائمة أبرز 40 شخصية تحت الأربعين في سان دييغو، وقائمة خمسين شخصاً لا بدّ من متابعتهم الصادرة عن مجلة سان دييغو. كما ترأست شامبيون كاين مجلس اللجنة التنفيذية لشراكة وسط مدينة سان دييغو، وعُينت في مؤسسة "سنتر سيتي ديفولبمنت" ذات النفوذ الواسع. وأقامت علاقات مع عدة منظمات خيرية من بينها "رابطة صحة الرئة الأمريكية". حتى أنه تقديراً لنشاطها، أعلن العمدة في إحدى المرات يوم 28 من يونيو ليكون يوم "جينا شامبيون كاين".

وذات مرة في يوليو 2003، ظهرت شامبيون كاين على غلاف مجلة "سان دييغو" تحت سؤال "من يملك وسط المدينة؟". وإلى جانبها في الصورة، ظهر باد فيشر، أحد المؤسسين الشركاء لشركة "تريلوجي" مع هاورد غرينبرغ. وقد استغرب غرينبرغ ظهور شامبيون كاين في الصورة مع فيشر. حيث إن فيشر البالغ من العمر 71 عاماً كان قطباً فعلياً في عالم الأعمال ويملك خبرة عقود في مجال التطوير العقاري في وسط المدينة.

يقول غرينبرغ: "ها هي جينا تظهر إلى جانبه، وكأنهما متساويان". كما أن المقال حينها لم يشر إلا إلى مبنى واحد تملكه شامبيون كاين، وهو مبنى تبين لاحقاً أنها لم تكن تملكه في الواقع. وقال غرينبرغ: "كانت كأنها إمبراطورة بدون أي ثياب".

من العقارات إلى الضيافة

بعد أن وقفت أعمالها لفترة خلال الأزمة المالية، عادت شامبيون كاين مع خطط للانتقال إلى مجالات البيع بالتجزئة والضيافة. ففي عام 2011، اشترت مطعماً مغموراً في منطقة باسفيك بيتش الهادئة على الواجهة البحرية، وحولته إلى مطعم "باتيو أون لامونت" (Patio on Lamont) المصمم مع مدفأة خارجية وجدار مُزيّن بالنباتات الطبيعية، وكان المطعم يقدّم مجموعة من مشروبات الكوكتيل المميزة، ونجح بتحقيق شعبية واسعة.

في عام 2014، افتتحت فرعاً ثانياً لمطعم "باتيو" في منطقة ميشن هيلز الراقية حيث تقيم مع زوجها ستيف، وهو يملك شركة صناعية. وخلال تلك الفترة، اشترت عدّة منازل على الواجهة البحرية وحولتها إلى أماكن ضيافة مؤجرة لفترات قصيرة. كذلك، افتتحت متجر ملابس أطلقت عليه اسم "لوف سيرف" (Luv Surf) وتعاونت مع الممثلة السابقة في مسلسل "باي ووتش" ميليسا سكوت كلارك من أجل افتتاح متجر للأدوات المنزلية أيضاً.

اقرأ أيضاً: قصة حبس سيدة الأعمال الألمانية "غولبنكيان" في لندن بسبب الاحتيال الفني

وكانت غالباً ما تضيء التغطيات الإخبارية الداعمة لرائدة الأعمال هذه على حسّ المثابرة لديها. إذ قالت في مقابلة مع "سان دييغو بيزنيس جورنال": "خلال فترة الركود الاقتصادي، كان عليّ أن أعيد ابتكار نفسي، وأن أجد شيئاً لأقوم به غير لعب الغولف يومياً".

دائرة الداعمين

في عام 2015، عيّنت شامبيون كاين هيلاري روسي لتكون مشرفة على قسم المأكولات والمشروبات الذي يشهد توسعاً في شركة "أميريكان ناشونال انفسمنتس". حيث كانت شامبيون كاين استحوذت للتوّ على المطعم الذي تملكه روسي واسمه "سورف رايدر بيتزا" (Surf Rider Pizza). وكانت روسي مذهولة برائدة الأعمال الجديدة حين التقتها لتناول الغداء في حيّ إيطاليا الصغرى في سان دييغو، وقالت كانت "لديها طاقة جنونية ومعدية جداً". وخلال اللقاء، أخبرت شامبيون كاين روسي عن مشروع تطوير مبنى الشقق السكنية "أكوا فيستا" المعروف في المنطقة، وهو الأمر الذي أثار إعجاب روسي، وقالت: "بما أنني امرأة في مجال الأعمال، فقد أعجبت جداً بما تقوم به".

في غضون بضع سنوات فقط، توسعت "أميريكان ناشونال انفسمنتس" من شركة تضمّ خمسة موظفين فقط إلى ضم مئات الموظفين إليها. وتزينت جدران مكتب الشركة الجديد الممتد على مساحة 26 ألف قدم مربعة (1 قدم مربع = 0.9 متر مربع) بالجوائز التي نالتها شامبيون كاين، وأغلفة المجلات التي تحمل صورتها. وبعد فترة وجيزة من توظيفها روسي، اصطحبتها شامبيون كاين في جولة حول الشركة. وفي طريقهما نحو القبو، وصفت لها شامبيون كاين المطبخ المخصص لأغراض تجارية الذي كانتا على وشك رؤيته. ولكن لدى وصولهما، وجدتا مستودعاً في حالة يرثى لها. حيث تقول روسي: "كانت الأغراض في كلّ مكان، المعدات وصناديق الأطباق، كان أحد الجدران متداعياً، بينما لم يكن لدى جينا أدنى فكرة أن هذه الأغراض هنا". وعزت روسي حينها سوء الفهم الذي حصل إلى انشغال جينا الشديد.

لكن، بالعودة إلى تلك الحادثة اليوم، تساءلت روسي "أي نوع من أصحاب الأعمال لا يعرف ما الذي يوجد تحت قدميه؟"

حالة من الفوضى

بعد أن استقرت روسي في وظيفتها، لاحظت مثلها مثل المديرين التنفيذيين الأربعة الآخرين العاملين في "أميريكان ناشونال انفسمنتس" الذين تحدثت معهم، أن الشركة في حالة من الفوضى. حيث بدا أن هناك موظفين وشركاء أو مستشارين جدد يصلون كل يوم، وكثير منهم لم تكن توجد لديهم أي وظائف محددة ليقوموا بها، أو أنهم كانوا مكلفين بمهام لا لزوم لها. مثلاً، مساعد شامبيون كاين كان لديه هو الآخر مساعد. أمّا مساعد المساعد فكان لديه مساعدان.

يقول أحد نواب الرئيس السابقين إنه كان يبدو أن وظيفة المساعد الرئيسية هي تمشية كلاب شامبيون كاين من نوع "غولدن ريتريفر".

كذلك كانت المحسوبيات ومحاباة الأقارب منتشرة في الشركة بشكل كبير. يقول جارود زيمبفير، منسق الفعاليات السابق في "أميريكان ناشونال انفسمنتس: "الكثير من أولئك الأشخاص الموظفين كانوا من الأصدقاء أو أصدقاء الأصدقاء، ولم يكونوا مؤهلين قطعاً"، وفي كثير من الأحيان كانوا يتقاضون رواتب طائلة. وأعطى زيمبفير مثلاً عن أحد مشتري النبيذ لصالح مطاعم "باتيو" الذي لم يسبق له وأن درس النبيذ يوماً. كما أن المستشارة القانونية للشركة وهي صديقة قديمة لشامبيون كاين، كانت قبل الانضمام لشركة "أميريكان ناشونال انفسمنتس"، قد أمضت كامل مسيرتها المهنية بالعمل كمحامية للدفاع العام.

ثقافة المُحاباة والتفضيل

في كثير من الأحيان، كان الموظفون والشركاء المحتملون في الشركة يقدمون أفكاراً للأعمال إلى شامبيون كاين. إلا أن حماستها تجاه مشروع ما كانت ترتبط بالشخص الذي اقترحه، أكثر من ارتباطها بجدوى المشروع. وكان الموظفون في الشركة يتنافسون على نيل اهتمامها. تقول روسي: "لمدة سنة ونصف، أحببت العمل لصالح جينا". وحين سافرت روسي إلى ماين للاعتناء بوالدتها المريضة، كانت شامبيون كاين تتصل بها دائماً للاطمئنان عنها. ومثلها كمثل المدللين الآخرين بالشركة، كُلفت روسي بمسؤوليات أكبر مما حظيت به في الوظائف التي شغلتها في السابق (تضمنت متابعة إتمام بناء أحد المطاعم، وخطط حقوق الامتياز، والإشراف على شاحنة طعام للوجبات السريعة وشركة قهوة"، ما جعلها مستثمرة في نجاح "أميريكان ناشونال انفسمنتس". ووعدتها شامبيون كاين بتحقيق الثروة معها، حيث قالت لها "سوف تتقاعدين معي".

إلا أن شامبيون كاين لم تبد مهتمة بالقواعد الأساسية لإدارة الشركات. حيث كانت خطط الأعمال وإدارة المخزونات والتوقعات المستقبلية معدّة بشكل رديء، أو غير موجودة من الأصل. يقول نائب الرئيس السابق إن شامبيون كاين بدت غير قادرة على تحليل أبسط المستندات المتعلقة بالشركة. وكانت نسبة قليلة من المؤسسات التجارية التابعة للشركة تحقق الأرباح، بل إن الكثير منها كان يستنزف الأموال بدلاً من ذلك.

تقول باميلا كوري، المديرة السابقة في متجر "لوف سيرف" إن الجميع بدأ يتساءل لماذا نفتتح مؤسسات جديدة، في حين أن التي نملكها حالياً لا تحقق ما يكفي من المال؟".

مشاريع فاشلة

مع ذلك، استمرت شامبيون كاين بخططها التوسعية، وكانت غالباً ما تطلق مشاريع غير مدروسة، من خطّ لبيع مستحضرات زيت نبتة الحشيش، إلى مصنع للشوكولاتة وحتى المزيد من متاجر الملابس والمطاعم، بما فيها مطعم ذو تكلفة مرتفعة، وغير مجد يدعى "تشيكن فارم". كذلك، اعتادت شامبيون كاين على إهانة الموظفين غير المحببين إليها من وراء ظهورهم. تتذكر روسي مثلاً أنها كانت تقول عن شخص ما "هذا الرجل وغد". ومثل المديرين التنفيذيين الآخرين، وجدت روسي أنه يعاد تكليفها دائماً لتولي حالات الطوارئ، وفي النهاية لم تعد قادرة على تحمّل الضغوطات. وقالت: "لم أعد شخصاً محبوباً، وأدركت أنني صرت أنا الوغد الآن".

بدت شامبيون كاين مأخوذة بحياتها كشخصية لامعة في عالم الضيافة. وقالت صديقتها هولي كلاود عن ذلك: "كانت تشعر بالحماسة"، مضيفة: "امتلاك مطعمها الخاص كان مثيراً، فحين تدخل إلى مكان ما، الجميع يعرفها".

ويقول زيمبفير إن شامبيون كاين استضافت حفلات لجمع التبرعات في مطاعم "باتيو" دعت إليها "نخبة مجتمع مدينة سان دييغو"، وقامت بتغطية تكاليف أصدقائها بنفسها. وكان بين المستفيدين الدائمين هؤلاء كلاً من ديلا دوشارم وبيتي إليكسمان، المسؤولتان عن حساب الضمان في شركة "شيكاغو تايتل" التي تتولى أعمال "أميريكان ناشونال انفسمنتس". كانت تلك الأمسيات مُفعمة بالمشروبات الكحولية، واعتاد المديرون التنفيذيون على تلقي رسائل الكترونية من شامبيون كاين في ساعات متأخرة من الليل مكتوبة بالأحرف الكبيرة.

تقول روسي إن شامبيون كاين "كانت تمضي الوقت بالدردشة عبر الرسائل النصية خلال الاجتماعات، ثمّ بعد يومين تتلقى رسالة الكترونية منها عن الموضوع ذاته الذي كنت تناقشه في الاجتماع".

استمرارية التزييف

ناقش المديرون التنفيذيون في "أميريكان ناشونال انفسمنتس" عدّة نظريات حول سبب استمرارية الشركة. حيث اعتقد البعض أن الفضل يعود إلى أعمال شامبيون كاين في مجال العقارات. وقال مدير تنفيذي سابق في مجال التطوير إنه خلال مقابلة العمل التي أجرتها معه شامبيون كاين لتوظيفه، أخبرته أن جاك ماكغوري، أحد كبار المستثمرين في سان دييغو، سوف يدعم صفقاتها العقارية. (وافق المدير السابق مثل أشخاص آخرين على المقابلة لهذا المقال بشرط عدم الكشف عن اسمه، بسبب توقيعه على اتفاقيات عدم إفصاح، أو بسبب المخاوف من أن يلحق ارتباط اسمه بالشركة ضرراً أكبر بمسيرته المهنية).

اقرأ أيضاً: هكذا بدَّدت "مجموعة العقارات الألمانية" مليار دولار من أموال مستثمريها

تبين لاحقاً أن كلّ ذلك لم يكن صحيحاً. ففي صفقات كثيرة، كانت شامبيون كاين تنسحب في اللحظات الأخيرة، ما يثير استياء الوسطاء والمقرضين. يقول المدير السابق إنها كانت في بعض الحالات تزيف الوقائع من أجل التهرب من بعض الاتفاقيات. في حالة إحدى العقارات المخصصة للتأجير على المدى القصير، هدمت "أميريكان ناشونال انفسمنتس" المبنى الذي كانت تعتزم استبداله بمبنى جديد قبل أن تقوم الجهة المقرضة بالتحقق منه، ما شكل انتهاكاً لشروط القرض. كما أن الإنفاق على منازل مؤجرة مزعومة أخرى أثار الشكوك. حيث إن إحدى تلك العقارات كانت تقع في منطقة كارميل التي تحظر الإيجارات لفترات قصيرة في المناطق السكنية. أمّا العقار الآخر فكان قصراً بقيمة 3.2 مليون دولار قرب منطقة "بالم ديسرت"، وبدا أنه للاستخدام الشخصي.

في أحد الأيام، التقى المدير التنفيذي السابق نفسه، مع مطورين عقاريين آخرين لمناقشة مشروع محتمل في منطقة إيطاليا الصغرى بالمدينة. ومن أجل تقديم "أميريكان ناشونال انفسمنتس" بصورة جذابة، تحدث المدير عن التزام شامبيون كاين تجاه الحيّ، مشيراً إلى مبنى الشقق "أكوا فيستا" الذي تحب شامبيون كاين تسليط الضوء عليه. إلا أن ممثلاً عن شركة "وات" (Watt Cos) وهي شركة تطوير عقاري كبرى، نظر إليه باستغراب، قائلاً: "انتظر يا رجل، لقد كنت هناك للتو، جينا لم تفعل شيئاً، اضطررنا لشراء حصتها في ذلك المشروع!"

بداية الملاحقات

وبالفعل تم إثبات ذلك من خلال الدعاوى القضائية المتبادلة المرفوعة بين الشركتين، والتي تمت تسويتها الآن. ويصف تصريح صادر عن نائب رئيس شركة "وات" في عام 2008 شامبيون كاين على أنها وسيطة، تلقت بدل أتعاب مقابل العثور على الموقع "والاستحصال على التراخيص والمستحقات". وأشار إلى أن "أميريكان ناشونال انفسمنتس" لم تكن قطّ مالكة مشروع "أكوا فيستا"، مضيفاً أنها "لم تسهم في أي تمويل للمشروع وأنه ليس لديها أي حصة في أكوا فيستا".

بحلول عام 2019، كان عدد من الشركاء والمستثمرين السابقين قد رفعوا على شامبيون كاين أكثر من عشر دعاوى قضائية بتهم الاحتيال ومخالفة العقود في قضايا تعود إلى ما يصل إلى عقد من الزمن. إذ تتحدث دعوى مرفوعة من المدير التنفيذي في قطاع الأدوية غاري بايس عن قرض بقيمة 200 ألف دولار قدمه لشركة "أميريكان ناشونال انفسمنتس" من أجل مشروع في أوريغون. وزعم في الدعوى أن شامبيون كاين استخدمت المبلغ حتى تسدد دفعات مترتبة عليها لمستثمرين آخرين وكي لا تتأخر في تسديد رهن عقاري في أريزونا، كما دفعت حصة في شراء أرض.

كذلك اتهمها شريك سابق في دعاوى مقدمة في 2016 و2017 بسوء توزيع الأصول. (شامبيون كاين وشركة "أميريكان ناشونال انفسمنتس" تنفيان الاتهامات المقدمة ضدهما).

تسوية في ظل غياب الصحافة

لكن، سرعان ما تمت تسوية تلك الدعاوى بعيداً عن الأضواء. حيث أن صعود شامبيون كاين تزامن مع حالة انكماش تمرّ بها الصحافة المحلية وأثرت على الغرف الإخبارية على امتداد الولايات المتحدة. حتى أن الصحيفة الأكبر في المدينة وهي "يونيون تريبيون" كانت قد سرحت أكثر من نصف موظفيها بين عامي 2006 و2010. وبما أن مشاكلها القانونية لم تنل تغطية إعلامية تذكر، تمكنت شامبيون كاين من الحفاظ على سمعتها. فظهرت في الصور التي رافقت المقالات التي تحتفي بها وهي ترتدي فساتين ملونّة ومجوهرات لامعة، لتجسد أسلوب الحياة المترف ذا الذوق الرفيع في سان دييغو.

يقول غرينبرغ، رئيس شركة "ترينيتي": "الكثير من الأشخاص يسوّقون لأنفسهم بصورة لا تعكس حقيقتهم"، وأضاف: "إذا ادعت أنها قامت بأمر معين، وربما تكون قد قامت به بالفعل، ولكن إذا لم تفعل، فذلك لن يلحق الأذى بأحد"؟

استثمارات جديدة

وفي يناير 2019، تلقى بروير، رئيس شركة "ألكوهوليك بيفيرج كونسلتينغ سيرفيس" اتصالاً من شركة أسهم خاصة كانت تعتزم استثمار 100 مليون دولار في صندوق تراخيص بيع الكحول التابع لشامبيون كاين. ولكن قبل القيام بذلك، أرادت الشركة أن تستشيره. وتوجه بروير إلى مكتب الشركة في سان دييغو حيث أطلعه الزبون على مستندات العرض. لم يكن بروير قد نسي لقاءه مع بيترسون قبل سبع سنوات، وقد زادت الأوراق التي اطلع عليها من شكوكه.

أول ما لاحظه بروير أن طريقة تناول حسابات الضمان الائتماني التي لم تشر إلى أن دائرة مراقبة المشروبات الكحولية لا تلزم الشراة بتسديد ثمن الرخصة بالكامل على الفور. ما يعني أنه لا داعي لطلب قرض فوري قصير المدى. كما أشارت إحدى القوائم إلى عدد من القروض بدا ظاهرياً أن صندوق شامبيون كاين أمّنها، وتبين أن العديد من هذه التراخيص كان لتجار جملة مثل صانعي نبيذ ومصانع جعة، مع العلم أن تراخيص تجار الجملة لا تحتاج إلى حساب ضمان. فلماذا إذاً قد تأخذ هذه الشركات قروضاً بفائدة مرتفعة من أجل تغطية تكلفة غير موجودة؟ حتى أن بروير وجد أن أسعار العديد من الرخص مضخّمة جداً.

لكن عملاء بروير كانوا خائفين من تفويت الفرصة، يقول عن ذلك: "كانوا متشوقين للقيام بالاستثمار"، مضيفاً: "شعروا أن الجميع يحقق الثراء باستثنائهم". ولذلك طلبوا منه المساعدة فيما يخصّ أخذ الاحتياطات اللازمة.

لذلك، اتصل فريق بروير بكلّ محامي واستشاري متخصص بتراخيص المشروبات الكحولية للسؤال عمَّا إذا كان عملاؤهم يستخدمون صندوق شامبيون كاين، وتبين لهم ألا أحد يستخدمه. وقاموا بعدها بدراسة انتقال تراخيص المشروبات الكحولية خلال مدة ستة أشهر. ورصدوا كلّ عملية انتقال تولت خلالها شركة التأمين "شيكاغو تايتل" خدمات حسابات الضمان، واتصلوا بالمشترين لسؤالهم عما إذا كانوا استخدموا صندوق شامبيون كاين، ومجدداً وجدوا أن لا أحد يستخدمه. ولكن، من أجل الوصول إلى قيمة القروض بملايين الدولارات التي تزعم شامبيون كاين أنها مولتها، كان لا بدّ أن تقوم بتمويل كلّ حسابات الضمان المتعلقة بتراخيص المشروبات الكحولية في "شيكاغو تايتل"، في حين أظهرت تحقيقات بروير أنها لم تموّل أياً منها. وفي مارس 2019، استنتج عملاء بروير بأن التفسير المنطقي لهذه التناقضات هو أن شامبيون كاين تدير مخططاً احتيالياً.

إقرار التهم

في شهر أغسطس من ذلك العام، تقدمت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية بشكوى تتهم فيها شامبيون كاين باختلاس أكثر من 300 مليون دولار من المستثمرين على امتداد الولايات المتحدة. إذ تبين أنها لم تمنح أي قرض لمقدمي طلبات تراخيص بيع المشروبات الكحولية. بدلاً من ذلك، تم إيداع أموال المستثمرين في حساب في "شيكاغو تايتل" تديره حصراً شامبيون كاين. تلى ذلك دعوى تقدمت بها وزارة العدل الأمريكية. وفي يوليو 2020، أقرّت شامبيون كاين بالذنب بتهم الاحتيال الاستثماري وعرقلة العدالة والتآمر.

بالإجمال، تدفق نحو 400 مليون دولار عبر صندوقها. وقد استخدمت كلّ تلك الأموال ما عدا 11 مليون دولار أبقتها في حسابها من أجل دعم مؤسساتها التجارية، وتسديد الأموال لمستثمرين حاليين، وتغطية نفقاتها من مجوهرات وسيارات وبطاقات ائتمان وسفر ومقاعد مميزة في مباريات فرق "بادريز" و"تشارجر"، وعربة غولف بقيمة 22 ألف دولار.

وفي بيان مقدم أمام المحكمة، تعهدت شامبوين كاين بمساعدة المستثمرين في التعويض عن خسارتهم، وقالت: "فُتنت وأدمنت على الظهور وكأنني أحسّن حياة الآخرين. منذ كنت صغيرة وأمي تخبرني أن كلّ ما كنت أرغب به هو الاعتناء بالآخرين، وأن أكون ماما جينا".

وفي جلسة إصدار الحكم في مارس، تحدثت شامبيون كاين كيف تحول اعتمادها على نفسها إلى شعور متنامي. وقالت: "ظللت أحاول إبرام الصفقات وأن أكون مبدعة في إعادة ابتكار شركاتي ولكنني استمررت بالفشل"، وأضافت: "شعرت بالذعر، وشعرت بأن عليّ أن أحافظ على صورة جينا شامبيون كاين الموجودة لدى الناس".

لم تتمكن شامبيون كاين من استعطاف قاضي المقاطعة الأمريكي لاري بورنز الذي أصدر حكماً بسجنها 15 عاماً في سجن فدرالي، وهي مدة أطول بحوالي أربعة أشهر ممّا طالب به الادعاء. فما أثار حفيظة القاضي أن قائمة ضحايا شامبيون كاين تضمنت عدداً من أصدقائها وأقاربها وموظفيها. حيث قال: "هي لم تكن مجرد شخص غريب يأمل أن يحقق الثراء"، وشرح كيف أن "الخداع والخيانة الذين مارستهما" قد قادته إلى إصدار حكمه هذا.

مآل الشركاء

مع ذلك، فإن معظم أموال شامبيون كاين أتت من مستثمرين ومؤسسات مالية مرموقة. وضعوا ثقتهم في "شيكاغو تايتل"، الشركة التي من المفترض أن تحمي رأسمالهم. وبحلول الوقت الذي تم فيه توجيه الاتهامات لشامبيون كاين، لم يعد لشركة "أميريكان ناشونال انفسمنتس" قيمة تذكر، فيما أصبحت "شيكاغو تايتل" هدفاً للدعاوى القضائية.

وتوصلت عدة أطراف لاتفاقات تسوية مع "شيكاغو تايتل" التي وافقت على دفع نحو 65 سنتاً للدولار مقابل الخسائر، بدون الإقرار بارتكاب أي جرم من طرفها، فيما لا يزال عدد آخر من الدعاوى القضائية مستمراً، بينها دعوى مشتركة بين شركة "بنك أو كاليفورنيا" وصندوق التحوط في تكساس "أوفاشيون بارتنرز" (Ovation Partner)، بالإضافة إلى دعوى مقدمة من كيم بيترسون. (لم يتم توجيه اتهامات لبيترسون بارتكاب أي جرم من قبل لجنة الأوراق المالية والبورصات أو وزارة العدل). ولم تستجب شركة "شيكاغو تايتل" لطلب التعليق على المقال.

اقرأ أيضاً: تاجر مجوهرات يُقر بالاحتيال وجمع 200 مليون دولار على طريقة "بونزي" في نيويورك

تركز الدعاوى القضائية ضد "شيكاغو تايتل" على التقصير الصارخ في الحماية من الاحتيال وعدم التحقيق في شوائب واضحة في حساب شابيون كاين، لعلّ أبرزها أن حسابها لم يكن له أي غاية محددة. وفي العادة، يتم إغلاق حسابات الضمان في غضون بضعة أشهر، ولكن حساب شامبيون كاين بقي مفتوحاً لسنوات. وفي إطار ترتيب غير اعتيادي، حصّلت "شيكاغو تايتل" رسوم استخدام باهظة جداً، وتشير إحدى الدعاوى القضائية إلى أن الشركة حققت مئات آلاف الدولارات، هذا إذا لم تكن ملايين الدولارات، من علاقتها مع شامبيون كاين. ما يعني أنها كانت تقدم لها خدمة حساب جار مربحة جداً.

عمدت شامبيون كاين لانتحال شخصية موظفين لدى "شيكاغو تايتل" لخداع المستثمرين، حيث اختلقت عناوين بريد الكترونية مزيفة وزورت مستندات وتواقيع. وتبين أنها حصلت على مساعدة من داخل الشركة. حيث إن المسؤولتين عن حساب الضمان المرتبطة بأعمال "أميريكان ناشونال انفسمنتس" كانتا على علم بانتحال الشخصيات الذي مارسته شامبيون كاين. وتشير المستندات المقدمة في إطار الدعاوى القضائية المرفوعة ضد "شيكاغو تايتل" أنهما أيضاً كذبتا على المستثمرين ومدققي الحسابات. فعلى سبيل المثال، قامتا بتأكيد قيمة الاستثمارات المودعة في حسابات ضمان غير موجودة. في المقابل، حصلتا من شامبيون كاين على تذاكر سفر وشيكات شخصية ودعوات إلى حفلات العشاء في مطاعم "باتيو".

علاقات وطيدة

ومثلما كسبت شامبيون كاين موظفيها لصفها، كذلك عززت علاقتها بالأخص مع دوشارم المسئولة من شركة التأمين "شيكاغو تايتل"، حيث وعدتها بحياة كان من المستحيل أن تعيشها لولا شراكتهما. فدفعت تكلفة سفر ابنها إلى ميشيغان ليزور الجامعة التي تخرجت منها. وكانت دوشارم تتوق أيضاً لامتلاك منزل، فاشترت شامبيون كاين منزلاً من أربع غرف نوم في حيّ بونت لوما هايتس الراقي وأجرته لها بسعر زهيد على أساس الاستئجار المنتهي بالتملك. إلا أن ذلك تزامن مع كشف مخطط الاحتيال، ولم تتمكن دوشارم من الانتقال إلى المنزل.

كانت شامبيون كاين تطلق أسماء تحبب على كل من دوشارم وأليكسمان، فتسمي الأولى "لوفي" والثانية "بوبستر"، وكن يتحدثن معاً عن بعض المعارف المشتركين، فيطلقن على بعضهم أسماء مثل "الوغد" و"الغبي" و"الغضبان" و"السمين". وتشير المراسلات بينهن إلى روحية الأخوات الموجودات معاً في خندق واحد. إذ كتبت دوشارم في رسالة إلى شامبيون كاين في نوفمبر 2015 قائلة: "مهما حصل، سوف أحارب من أجلك جي!"

وفي شركة "أميريكان ناشونال انفسمنتس"، أصرت شامبيون كاين على أن تؤول كل حسابات الضمان المتعلقة بالعقارات إلى دوشارم. وقال المدير التنفيذي السابق في مجال التطوير: "لم تكن تبرم أي صفقة إذا لم تكن ديلا منخرطة فيها"، وأضاف: "كانت جينا تحميها كأم لها".

من جهته، قال بنجيمان غالدستون، المحامي الذي يمثّل المستثمرين في إحدى الدعاوى المقدمة ضد "شيكاغو تايتل" والسيدتين، إن "جينا جعلتهما تشعران أنهما مميزتان، وأنهما قيمتان، كنّ يتشاركن سرّاً معاً، وكانتا فعلاً شريكات في التآمر". (تم فصل السيدتين من شركة "شيكاغو تايتل". وقد رفض محامي أليكسمان التعليق، فيما لم يجب محامي دوشارم على طلب التعليق. بحسب الأوراق المقدمة أمام المحكمة، يتم التدقيق في تورط السيدتين في إطار التحقيق الذي تجريه وزارة العدل والذي أدى إلى توجيه التهم إلى شامبيون كاين).

ضحايا من الأصدقاء

في نوفمبر 2019، قبل إصدار الحكم ضد شامبيون كاين، زارتها باميلا كوري، المديرة السابقة لمتجر "لوف سيرف" في منزلها للاحتفال بعيد الشكر. حيث كان حفل عشاء صغير بحضور والديْ شامبيون كاين. كانت كوري في بداية الثلاثينات من العمر، وقد انتقلت من ضواحي بوسطن إلى سان دييغو في عام 2014 للعمل في المتجر بعد أن قرأت عن شامبيون كاين في المجلات، وتطلعت لها كمثل أعلى عن بعد، وحين التقت بها، وجدتها سيدة ذات شخصية دافئة ومتعاطفة.

توفي والد كوري في أكتوبر 2018 ولم يكن لديها أي أقارب يقيمون على مقربة منها، فدعتها شامبيون كاين للاحتفال معها بالعيد ومشاهدة مباريات بطولة الدوري الأمريكي. كانت كوري تعشق عملها الذي تضمن استضافة الحفلات لصالح المتجر والسفر إلى لوس أنجلس لشراء البضاعة، وأيضاً لأنه كان بإمكانها إحضار كلبها من نوع "لابرادول" إلى العمل.

وكانت شامبيون كاين دائماً ما تحضر الفعاليات التي تستضيفها كوري، وتوقعت الأخيرة أن يكون مستقبلها واعداً في "أميريكان ناشونال انفسمنتس". حتى تتذكر أن جينا كانت تقول لها: "نحن نبحث لك عن متجر آخر".

وفي وقت سابق عام 2019، استثمرت كوري 20 ألف دولار في صندوق شامبيون كاين باستخدام مبلغ من المال ورثته عن والدها. وحين انتشرت التقارير عن الاحتيال، شعرت بالصدمة. حيث اعتقدت أنها أساءت فهم الأمر وأن صديقتها ومرشدتها سوف توضح الأمور حتماً. فتقول: "كنّا أشبه بعائلة، عقلي لا يصدق ذلك".

لكن بحلول عيد الشكر أثناء وجود كوري، كانت الأمور قد أصبحت واضحة. تقول كوري: "أخبرتني أنها ارتاحت، ولم يعد عليها الشعور بالقلق". مع ذلك، بقيت كوري متعلقة بها، فمثل الكثير من الأشخاص المقربين من شامبيون كاين، واجهت المرأة صعوبة في استيعاب أن جينا التي تعرفها قامت بما يتم اتهامها به.

وحينها لم يتبق لدى جينا شامبيون كاين إلا خطة واحدة لتصحيح الوضع. وفي منزلها في حي ميشن هيلز والذي يبدو أنيقاً وحميمياً في الوقت ذاته. قبل العشاء، فيما كانت تقف في المطبخ لتحضير أطباق البطاطس المهروسة والديك الرومي وصلصة التوت التقليدية للعشاء، راحت جينا تشرح لكوري رؤيتها، قائلة: "سوف أستعيد كلّ أموالك".

حيث أخبرتها شامبيون كاين عن خطة لإنتاج فيلم عن حياتها، وأنها ستبرم صفقة إما مع "أمازون" أو "نتفلكس" بقيمة ملايين الدولارات. ورأت أن شخصيتها تليق بممثلة من الوزن الثقيل، مرشحة ديمي مور لتأدية دورها، بما أنها ترى بعض الشبه فيها. أمّا كوري، فقالت إنها يمكنها لعب دور شخصيتها بالفيلم بنفسها.

لكن من غير الواضح كيف سيتم التوصل إلى مثل هذا المشروع. فلا يوجد أي دليل على أن مثل هذا الفيلم كان قد طُرح، ولكن حين تحدثت عنه جينا لصديقتها، بدا حقيقياً، حتى أن كوري صدقتها لبعض الوقت. إذ لطالما كانت جينا شامبيون كاين بارعة في رواية القصص.