بعد تزييف تقييمات العملاء.. باعة صينيون محظورون من "أمازون" يبحثون عن منصات أخرى

رسم: سيمول ألفا لصالح "بلومبرغ بيزنس ويك"
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

منذ بدأت شركة "أمازون دوت كوم" في إبعاد عشرات الآلاف من التجار الصينيين من منصتها الإلكترونية خلال أبريل الماضي، على خلفية تزييفهم لتقييمات العملاء على منتجاتهم. بحث هؤلاء الباعة المستبعدون عن طرق جديدة للوصول إلى ملايين المستهلكين الأمريكيين، ممن يرغبون بإيجاد سلع بأسعار مخفضة.

لكن الدخول إلى السوق الأمريكي يعد أمراً صعباً بالنسبة للشركات التي لا تملك هوية لعلامتها التجارية أو ميزانيات تسويقية في الولايات المتحدة. وبالتالي تمثلت الخطة البديلة الأفضل بالنسبة للكثيرين من هؤلاء، بالاتكال على ذراع التجارة الإلكترونية التابع لشركة "ولمارت"، التي تتفاخر بأن لديها الدعم اللوجستي والشعبية الإلكترونية الأقرب إلى "أمازون".

المستفيد الأكبر

كان تزامن التوقيت مجرد صدفة بالنسبة لشركة "ولمارت"، التي بدأت في أوائل عام 2021 مبادرة لجذب التجار غير الأمريكيين إلى موقعها للتجارة الإلكترونية. وبحلول نهاية العام، كان الباعة الصينيون يمثلون واحداً من كل سبعة تجار ينضمون إلى سوقها الإلكتروني.

لكن الخبراء في هذه الصناعة يقولون إن هذا الأمر يعني أن "ولمارت" وغيرها من تجار التجزئة الإلكترونيين قد يواجهون المشكلات ذاتها التي دفعت "أمازون" إلى حظر العديد من الباعة الصينيين في المقام الأول.

"الغسل" الإلكتروني للمنتجات

في واقع الأمر، فلا يوجد أي نقص في مدوني أو استشاريي الصناعة على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية مثل "وي شات"، الذين يقدمون للباعة خدمات يُطلق عليها "خدمات الغسيل" وهي تساعدهم في إنشاء تقييمات وآراء مزيفة عن منتجاتهم، مرتبطة بتفاصيل وهمية لبطاقات ائتمان وعناوين منازل وقوائم رغبات حتى. وهذا كله من أجل محاكاة سجلات التصفح والسماح بوضع طلبيات مزيفة على مواقع البيع بالتجزئة.

وإذا تمت الأمور بطريقة صحيحة، فإن هذه الحيل يمكن أن تساعد البائع في إظهار أعداد كبيرة من المشترين مع تقييمات إيجابية لمنتجاته، وهو الأمر الذي يعتبر أساسياً لجذب العملاء نحو أي منتج يُباع عبر الإنترنت.

كتب أحد هؤلاء المستشارين على "وي شات"، تحت اسمه المستعار شاولو: "عمليات الغسيل على "ولمارت" هي نفسها على "أمازون"، الفارق الوحيد هو أن "ولمارت" حتى الآن لا تتصرف بنفس الصرامة التي تتبعها "أمازون" للقضاء على هذه الممارسة".

رفض شاولو التعليق على الأمر عندما حاولت "بلومبرغ نيوز" التواصل معه. في حين أن "ولمارت" قالت، في رسالة بريد إلكتروني، إنها تستخدم عمليات داخلية وباعة مستقلين من الطرف الثالث، فضلاً عن بيانات أخرى لمصادقة تقييمات العملاء، وكشف الزائفة منها. وأضافت الشركة في بيان: "إذا وجد أن التقييمات مزيفة، يتم إزالتها من الموقع، ثم يعاد النظر في أمر الطرف المخالف لاتخاذ إجراء تصحيحي أو إزالته كلياً. نحن نعمل على تحديد هذه المعلومات المزيفة، لكن لا وجود لعملية مثالية تماماً".

قواعد صارمة

في عام 2021، ألغت "أمازون" أكثر من 50 ألف حساب تجزئة في الصين نظراً لانتهاكهم القواعد، بحسب "جمعية شنتشن للتجارة الإلكترونية عبر الحدود".

ومما لا شك فيه أن سوق "ولمارت" ليس البديل الوحيد بالنسبة للباعة الصينيين الذين طُردوا من "أمازون". حيث ثمة خيارات أخرى من بينها "علي إكسبريس" المملوكة لمجموعة "علي بابا غروب هولدينغ"، وخدمات الوفاء للتجّار التابعة لشركة "نيو إيغ كوميرس" (Newegg Commerce) ومقرها كاليفورنيا.

رفضت "نيو إيغ" التعليق على سياستها اتجاه تقييمات العملاء. كما صرحت "علي إكسبريس" أن لديها "سياسات وتدابير صارمة لمنع الباعة من انتهاك متطلبات المنصة، بما فيها ما يتعلق بالتلاعب بالآراء والتقييمات من العملاء".

لماذا "ولمارت"؟

مع ذلك، باعتبارها ثاني أكبر سوق إلكتروني للمستهلكين الأمريكيين، فإن "ولمارت" لها أهمية خاصة بالنسبة للباعة الصينيين. ففي أوائل عام 2021، كانت "ولمارت" تروج بالفعل لبرنامج "خدمات ولمارت للوفاء" (WFS)، وهو برنامج مشابه لخدمات الوفاء من أمازون (FBA)، ويقدم الدعم في مجال التخزين والتسليم وخدمات ما بعد البيع للعلامات التجارية الصينية.

كذلك، شكلت "ولمارت" تحالفاً مع "جيه دي دوت كوم" (JD.com)، مشغل ثاني أشهر متاجر التجزئة عبر الإنترنت بالصين، وذلك لافتتاح متجر على الموقع الإلكتروني لـ"ولمارت" واختيار موردين مؤهلين لهذا المتجر.

استطاعت الحملة تحقيق النجاح. حيث تقدر شركة الأبحاث "ماركت بليس بالس" (Marketplace Pulse) أن "ولمارت" أضافت حوالي 8 آلاف بائع من الصين في الفترة من مارس 2021 إلى منتصف يناير 2022، وهو ما يمثل كافة الباعة الدوليين الجدد تقريباً و14% من إجمالي الباعة الجدد بشكل عام.

كتب جوزاس كازيوكيناس، الرئيس التنفيذي لـ "ماركت بليس بالس"، في تقرير ديسمبر: "برنامج خدمات "ولمارت" للوفاء يجعل موقع نشاط أعمال البائع غير مرئي عملياً للمتسوقين، بما أن "ولمارت" تشحن الطلبيات من المستودعات المحلية نيابة عن البائع". وأضاف: "برنامج خدمات الوفاء من "أمازون" لعب دوراً حاسماً في إتاحة "أمازون" أمام الباعة الدوليين، والشيء ذاته يحدث مع "ولمارت".

وبحسب مقدم البيانات "ستاتيستا" (Statista)، تسيطر "أمازون" على ما يصل إلى 41% من سوق التجارة الإلكترونية في الولايات المتحدة، مقارنة بـ 6.6% لصالح "ولمارت".

اقرأ أيضاً: أعطوا "أمازون" و"فيسبوك" مقعداً في الأمم المتحدة

يعد كاي جينشي أحد المسؤولين التنفيذيين الصينيين الذين انتقلوا إلى "ولمارت". فهو رئيس مجلس إدارة شركة "غواندونغ ساكا" (Guangdong SACA Precision Manufacturing)، التي تعرف بأنها بائع للمنتجات الإلكترونيات الاستهلاكية مثل بطاريات الشحن الإضافية المحمولة، والغلايات الكهربائية.

في يونيو، أوقفت "أمازون" العلامات التجارية التابعة لشركة " غواندونغ ساكا"، بما فيها "راف باور" (RAVPower) و"تاوترونيكس" (Taotronics)، موضحة أن الشركة قدمت هدايا للمستهلكين مقابل تقديم تقييمات للمنتجات، بحسب ملفات "غواندونغ ساكا" في بورصة شنتشن.

وكانت هذه الخطوة تشكل ضربة كبيرة بالنسبة لشركة "غواندونغ ساكا"، التي حققت إيرادات تصل إلى 4.5 مليار يوان (710 مليون دولار) بفضل مبيعاتها على "أمازون" في عام 2020.

وفيما يقر كاي بأن شركته منحت المشترين حوافز لكتابة تقييمات إيجابية أثناء تواجدها على موقع "أمازون"، إلا أنه يقول إن "ساكا" توقفت عن ذلك منذ ذلك الحين على جميع المواقع الإلكترونية. ثم انضمت الشركة إلى سوق "ولمارت" الإلكتروني في الشهر نفسه الذي نُفذ فيه تعليق أعمالها على "أمازون".

ويتوقع كاي أن تصل المبيعات الشهرية على "ولمارت" إلى 10 ملايين دولار العام المقبل، لتستحوذ بذلك على 20% من عائدات الشركة في الخارج، موضحاً أنها "استراتيجية جيدة على المدى الطويل لتقليل المخاطر".

ليس لدى الجميع أنظمة واضحة

عند المقارنة مع "أمازون"، فإن بائعي التجزئة الآخرين عبر الإنترنت لديهم مبادئ توجيهية أكثر غموضاً، وفقاً لاثنين من بائعي الإلكترونيات في شنتشن لا يمكن كشف أسمائهم لأنهم يعتمدون على ممارسة الأعمال التجارية في تلك الأسواق البديلة لتعويض خسائرهم بعد حظر "أمازون" لهم. وهما يقولان إن "أمازون" توضح للباعة بأنه لا يمكنهم تقديم حوافز مقابل الحصول على تقييمات إيجابية. في حين أن الأسواق الرئيسية الأخرى تسمح بتقديم بعض العينات المجانية لتشجيع المستهلكين على كتابة تقييماتهم للمنتجات، وفقاً لشروط الأسواق عبر الإنترنت التي أطلعت عليها "بلومبرغ نيوز".

في الوقت نفسه، لم تحذ الأسواق الأخرى حذو "أمازون" في اتخاذ إجراءات ضد منتهكي القواعد، حسبما تقول وانغ شين، رئيسة رابطة شنتشن. وتوضح شين أن بعض الباعة لا يريدون سوى كسب المال السريع "بقدر ما يستطيعون".

يقول الموقع الإلكتروني لشركة "ولمارت" إن الباعة لا يمكنهم طلب تقييمات لمنتجاتهم إلا من خلال المشاركة في أحد برامج الشركة الثلاثة المعتمدة لأخذ الاستطلاعات. في حين أن "أمازون" لديها مجموعة طويلة من القواعد التي تتناول بالتفصيل ما ينتهك شروطها، مثل استخدام خدمات من أطراف خارجية تقدم منتجات مجانية أو مخفضة مرتبطة بفكرة تقديم تقييمات.

يقول بيتر لوكسنبورغ، وهو مستشار مقيم في هونغ كونغ يقدم المشورة للباعة الصينيين في مجال التجارة الإلكترونية ويرفض العملاء الراغبين في الغش: "شركة "ولمارت" سعيدة جداً بزيادة قائمة منتجاتها عن طريق وجود المزيد من الباعة الذين يسهمون بدورهم في وجود المزيد من المنتجات، وبالتالي المزيد من العملاء".

ويوضح لوكسنبورغ أن التلاعب بالتقييمات لا يشكل مصدر قلق كبير على الأرجح بالنسبة لشركة "ولمارت"، مضيفاً: "في هذه المرحلة، لا أعتقد أنهم يفكرون كثيراً في الأمر أو ينزعجون بشأنه".

قالت "ولمارت" في بيانها إن عملياتها الصارمة للفحص والتدقيق تضمن للمتسوقين التمتع بقيمة وخدمة رائعة، وإنها ستواصل الاستثمار لجعل سوق "ولمارت" واحداً من أكثر الأسواق موثوقية في العالم.

جدير بالذكر أن بعض الباعة الذين حظرتهم "أمازون" يريدون العودة إليها. من بينهم أليكس لو، المؤسس المشارك لشركة "أوكي غروب" (Aukey Group) ومقرها شنتشن، وهي مصنّع لبطاريات الشحن المحمولة، وهو يطلق مجموعة ذاتية التنظيم لمساعدة الباعة الصينيين الإلكترونيين على تحديد متطلبات بيع السلع في الولايات المتحدة بوضوح. كما تتفاوض شركة "ساكا"، التابعة لكاي، مع "أمازون" لرفع تعليق مبيعاتها.

في الوقت نفسه، تبيع "ساكا" للمستهلكين عبر الإنترنت من خلال عدد قليل من المنافذ الأخرى بجانب "ولمارت"، لكن- كما يقول كاي- هذه البدائل ضعيفة. ويضيف: "حتى الآن، لا يمكن لأي مكان آخر أن يساعدنا تماماً في تعويض الخسائر التي وقعت بسبب "أمازون". فهي خسائر ضخمة".