لماذا يميل المستثمرون نحو بنوك أوروبا بعد نفور؟

ينبغي أن تحصل البنوك على مزيد من العائدات من أعمالها الأساسية فيما ينتهي عهد الفائدة السلبية

شعار اليورو قرب البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت في ألمانيا
شعار اليورو قرب البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت في ألمانيا المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لو سألت المستثمرين على مر سنين إن كانوا يرغبون بأسهم البنوك الأوروبية لربما أجابوا بلا بكل لغات القارة. لكن تغيرت الأمور أخيراً.

كان بنك "بي إن بي باريبا" الفرنسي و"بانكو بيباو فيسكايا أرجنتاريا" (Banco Bilbao Vizcaya Argentaria) الإسباني و"يوني كريديت" الإيطالي من بين مؤسسات أعلنت نتائج جيدة لعام 2021 هذا الشهر، وبدأت بإعادة مليارات من رأس المال لمساهميها. لابد أنها بدأت بالفعل بجني الأرباح من الإقراض العادي أيضاً في ظل توجّه أسعار الفائدة للارتفاع.

كما ارتفعت أسعار الأسهم بالفعل، حيث قفز سهم "بانكو سانتاندر" (Banco Santander)، وهو أحد أسوأ أسهم البنوك الأوروبية أداءً، بمقدار الخُمس خلال 12 شهراً مضت، وزاد سهم "سوسيتيه جنرال" بأكثر من الضعف، كما ارتفع مؤشر "يورو ستوكس" للبنوك (Euro Stoxx Banks) %50.

إذا كنت تظن أن بنوك إيطاليا سيئة؟ التفت إلى ألمانيا

قد يكون هناك مزيد من المكاسب، فالتقييمات ما تزال منخفضة للغاية، خاصة بالمقارنة مع تقييمات البنوك في الولايات المتحدة. لطالما نظر المستثمرون لانعدام التوازي على اعتبار أنه فخ للقيمة، حيث كانت أسهم البنوك الأوروبية رخيصة لسبب وهو أن الأرباح لن تتحسن في أي وقت قريب. كما كانت أسعار الفائدة السلبية والتكاليف المرتفعة وتراكم الديون المعدومة، التي تبدو غير قابلة للإزاحة عوامل أدت لسوء الأداء.

ما تزال العوائد المتوقعة على حقوق الملكية أقل من 10% خلال العامين المقبلين لدى عديد من بنوك منطقة اليورو، وهو المستوى الذي يُفترض عادةً أنه تكلفة رأس مال البنك، أو العوائد التي يتعين أن يحصل عليها المساهمون، هذا صحيح. فيما حقق "جيه بي مورغان" 19% كعائد على حقوق الملكية لعام 2021، بلغت تلك لدى بنك "يو بي إس" السويسري نحو 13%.

تُتداول رغم ذلك أسهم العديد من البنوك الأوروبية بخصم أكبر على القيمة الدفترية المتوقعة مما توحي به العوائد المتوقعة.

تجاهل التوقعات

هناك طريقة أخرى للنظر إلى التقييمات وهي مضاعف الأرباح. فقد قفزت توقعات الأرباح بسرعة أكبر من أسعار الأسهم في الأشهر الأخيرة لرجوح ارتفاع أسعار الفائدة. انخفضت مضاعفات السعر إلى الأرباح حتى مع صعود أسهم البنوك.

لننظر إلى "دويتشه بنك" على سبيل المثال، ربما ما يزال أمامه الكثير ليثبته للمستثمرين، لكن من الواضح أن الكثيرين يتجاهلون التوقعات الأفضل لأرباحه حيث يُتداول سهم البنك الألماني عند نصف مضاعف الأرباح التي كان عليها في مارس الماضي.

لا بد أن تبدأ محافظ الإقراض بالنمو مجدداً مع عودة الحياة إلى طبيعتها بعد "كوفيد". ينبغي أن تحصل البنوك على مزيد من العائدات من أعمالها الأساسية، فيما يبتعد البنك المركزي الأوروبي أخيراً عن تجربته الممتدة لفرض أسعار فائدة سلبية. لكن هذا هو مجرد جانب واحد يجعل الأمور تبدو في تحسّن.

"المركزي الأوروبي" يهيئ البنوك لضربة في متطلبات رأس المال عبر اختبار مخاطر المناخ

بادرت هذه المؤسسات بإصلاح ميزانياتها العمومية عبر التخلص من القروض المعدومة وخفض التكاليف. يعد "يوني كريديت" عنواناً بارزاً لهذا الجهد، حيث جمع البنك الإيطالي في 2017 حوالي 14 مليار دولار من المساهمين للمساعدة في حل مشاكله. تعهد البنك حالياً بتوزيع أرباح وإعادة شراء أسهم بأكثر من 18 مليار دولار بحلول 2024، منها 4.3 مليار دولار هذا العام.

يعيد بنك "بي بي في إيه" (BBVA) شراء أسهم بمليارات، فيما سيقوم "بي إن بي باريبا" بهذه الخطوة أيضاً بمجرد اكتمال بيع "بنك ويست" (BancWest)، وهي وحدة الأعمال التابعة له في الولايات المتحدة.

متطلبات رأس المال

توقفت الجهات التنظيمية عن إضافة مزيد من متطلبات رأس المال الأوروبي، وباتت جميع البنوك الآن سابقة بخطوة عما يجب أن تكون عليه، وبعضها سابق بهامش كبير. يمكن أن تضيف عوائد رأس المال للمساهمين في العامين المقبلين، بالنسبة للبنوك الأوروبية وبنوك المملكة المتحدة، أكثر من 130 مليار يورو (148 مليار دولار)، وفقاً لمحللين في بنك "أوف أميركا".

اضطرت البنوك لإيجاد مصادر إيرادات أخرى إلى جانب الإقراض نتيجة سنوات طويلة من أسعار الفائدة السلبية، فهي تحصّل مزيداً من الرسوم من عمليات أخرى، مثل إدارة الثروات والأصول أو التأمين، ما يضيف إلى الأرباح حتى قبل ارتفاع أسعار الفائدة.

ينطوي ذلك على مخاطر بالطبع. فما يزال المستثمرون يتذكرون الحلقة الجهنمية التي قيّدت مصائر الحكومات الأوروبية المثقلة بالديون والبنوك الضعيفة في شبكة مدمرة للغاية وذاتية التعزيز. عانت إيطاليا بشكل خاص من أزمة الديون قبل عقد.

ليست فخاً بل فرصة

لم تُسَوَّ هذه المشاكل تماماً، لكن خُففت حدّتها بشكل كبير. ما تزال البنوك الإيطالية تمتلك كثيراً من السندات الحكومية، لكن البنك المركزي الأوروبي يحتفظ بما هو أكثر، ولا يوشك على البيع. بينما يغير سياسته النقدية لكبح جماح التضخم، سيراقب البنك المركزي الأوروبي عن كثب الفارق المهم للغاية بين عائدات السندات الحكومية من ألمانيا، والدول المثقلة بالديون مثل إيطاليا أو إسبانيا.

كما كان البنك المركزي الأوروبي يدعم البنوك عبر السداد لمساعدتها على اقتراض الأموال من عمليات إعادة الشراء المستهدفة طويلة الأمد، ولإيداع كثير منها مرة أخرى في البنك المركزي الأوروبي. ستتوقف هذه السياسة، لكن يجب على البنوك استبدالها بدخل إقراض عادي وبهامش ربح أفضل.

أسهم البنوك الأوروبية تترقب الانتعاش بعد عقد من السنوات العجاف

ربما تعود القروض المعدومة أيضاً إن تباطأت اقتصادات أوروبا، لكن أيضاً كانت هناك إصلاحات، لا سيما في إيطاليا حيث أدى نظام الإفلاس البطيء المعتمد على المحاكم لصعوبة تحويل القروض المعدومة. طالما تُنفذ التغييرات بالكامل، فستكون إعادة هيكلة الدين أسهل وأسرع على الشركات الإيطالية حين تتعثر، فيما كان الخيار الوحيد في الماضي هو اللجوء إلى محكمة الإفلاس، التي قد تستغرق أكثر من عقد للوصول إلى قرار كما يعتمد ذلك على مكان وجودك في إيطاليا.

لا توشك بنوك منطقة اليورو على أن تتجاوز من حيث العوائد البنوك المنافسة بالولايات المتحدة، لكنها تبتعد عن مستنقع العقد الماضي. حان وقت النظر إلى تقييماتها على أنها فرصة أكثر من كونها فخاً.