تحديات هائلة أمام تخزين الطاقة لتصفير الانبعاثات

الدعم الذي توفره محطة كهرباء "دينورويغ" لشبكة الطاقة في المملكة المتحدة، يكاد لا يذكر إذا ما قورن بالاحتياجات
الدعم الذي توفره محطة كهرباء "دينورويغ" لشبكة الطاقة في المملكة المتحدة، يكاد لا يذكر إذا ما قورن بالاحتياجات المصدر: غيتي إيمجز
Jonathan Ford
Jonathan Ford

Jonathan Ford is a freelance writer. He was the chief leader and city editor of the Financial Times, and has held senior editorial positions at Prospect Magazine, Reuters and Breakingviews.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في أعلى أحد الوديان في شمال ويلز في المملكة المتحدة، بعد قرية ليانبيريس، تقع مجموعة من المباني الحجرية قرب مقلع لصخور الأردواز مهجور منذ زمن. هناك، وعلى مسافة بعيدة، تمتد سلسلة جبال ترعى فيها قطعان الماشية. باستثناء الرصيف الاسمنتي المصمّم على شكل سدّ ينحدر إلى بحيرة تحت بقايا مناجم قديمة، لا شيء يوحي بأنك تقف إلى جانب واحد من أكبر معامل الطاقة في بريطانيا.

في قلب جبل قريب من هنا، تجري عملية ضخمة لتوليد الطاقة الكهرومائية، تربط ما بين البحيرة عند القمة والوادي الممتد أمامك. تخترق ستّة مداخل اسمنتية ضخمة الصخور على امتداد 600 متر نزولاً نحو توربينات قادرة على توليد 1800 ميغاواط من الطاقة، أي ما يوازي 5% من متوسط مستوى الطلب اليومي على الكهرباء في بريطانيا.

اقرأ أيضاً: طاقة الرياح تسجل مستوى قياسياً في بريطانيا وتخفّض أسعار الكهرباء

تم تشييد محطة كهرباء "دينورويغ" في سبعينيات القرن الماضي، للمساعدة على دعم الشبكة الكهربائية في البلاد. ففي الأوقات التي تكون فيها الطاقة وفيرة ورخيصة، يتم ضخّ المياه من الوادي نحو الخزان الأعلى، حيث يتم تخزينها من أجل استخدامها كمصدر محتمل للطاقة، على أن يتم فتح الخزان للسماح بتدفق المياه في حالات الشحّ المفاجئ بالطاقة، وحين ترتفع أسعارها.

اقرأ المزيد: الطقس الدافئ يمنح بريطانيا هُدنة مؤقتة من ارتفاعات أسعار الطاقة

يختبئ معمل الطاقة هذا في منتزه سنودونيا الوطني، أحد أجمل المناطق الجبلية في بريطانيا. قال مدير محطة توليد الطاقة جون أرمسترونغ: "يجب على أبنيتنا المشيدة فوق الأرض أن تكون مغطاة بالأردواز على شاكلة أبنية المقلع القديم". وأضاف: "يجب أن يكون التصميم متناسقاً، وإلا، فسوف يشوّه الجمال الطبيعي الذي يحيط بنا".

تعود محطة "دينورويغ" إلى الزمن الذي بدأت فيه وحدات توليد الطاقة الأكبر حجماً تهيمن على شبكة الطاقة الكهربائية، مع افتتاح معامل جديدة عملاقة للطاقة النووية والعاملة على الفحم. كانت غاية هذه المحطة في الأساس حماية الشبكة من تأثير الارتفاع في الطلب أو الانقطاع المفاجئ للتيار الكهربائي. وسأل أرمسترونغ: "هل تذكرون مسلسل (ثورن بيردز)؟"، في إشارة إلى المسلسل القصير واسع الشعبية الذي تم عرضه على التلفزيون البريطاني في بداية الثمانينيات، إذ كانت كلّ حلقة منه تسبب ارتفاعاً في الطلب على التيار الكهربائي بعد تجمع الناس لمشاهدته في منازلهم. وقال أرمسترونغ: "يتذكر بعض الزملاء القدامى كيف كانوا يشغّلون المعمل بكامل طاقته من أجل تلبية الارتفاع في الطلب، إلا أن مثل هذه الأمور، ما عادت تحصل اليوم".

اقرأ أيضاً: أسعار الطاقة المرتفعة تنال من 22 مليون أسرة في بريطانيا

أسهمت خدمة المشاهدة عند الطلب ومتابعة البرامج بساعات متفاوتة، في تسطيح منحى الطلب على الكهرباء، وبات من النادر أن تفرض البرامج التلفزيونية اليوم ضغطاً على الشبكة. فحالياً تجري الاستعانة بالمحطة لأسباب أخرى. قال أرمسترونغ: "الآن حين نفتح السدود، يكون ذلك عادة بسبب عوامل الطقس".

أهمية التخزين

في الماضي، كان تخزين الطاقة أحد الحلول المهملة في الأنظمة الكهربائية حول العالم، لكن هذا الواقع تغير اليوم. ففيما يسعى العالم إلى التخلص من الاعتماد على الوقود الأحفوري، أصبحت الشبكات الكهربائية تعتمد أكثر على توليد الطاقة من مصادر متجددة، ما يحتاج إلى توفير احتياطي للأيام التي لا يتوافر فيها ما يكفي من الرياح وأشعة الشمس. في هذا الإطار، يعدّ التخزين من بين الطرق القليلة الصديقة للبيئة، إلا أن العالم لا يملك ما يكفي من هذه الخزانات، ويواجه إنشاء المزيد منها عقبات تقنية ومالية ضخمة، بدأ يدركها صنّاع السياسات أخيراً.

بحسب الأرقام الأخيرة، يمتلك العالم القدرة على تخزين حوالي 9 آلاف غيغاواط/ساعة من الكهرباء، كلّها تقريباً على شكل طاقة كهرومائية مخزنة بالضخّ، كما الحال في محطة دينورويغ. وبحسب المراجعة الإحصائية للطاقة حول العالم الصادرة عن شركة "بريتيش بيتروليوم" (BP)، استهلك العالم 27 ألف تيرا واط/ساعة من الطاقة في عام 2020، ما يعني أن الطاقة المخزنة تكفي فقط لتغطية ثلاث ساعات من الاستهلاك.

من شأن انتشار التخزين أن يسهم في توسيع نطاق استخدام الموارد المتجددة وتسريع الانتقال إلى شبكة الطاقة الخالية من الكربون. وتقول بيرناديت ديل كيارو، المديرة التنفيذية لرابطة الطاقة الشمسية والتخزين في كاليفورنيا، إن "تخزين الطاقة، هو الجسر الحقيقي نحو مستقبل الطاقة النظيفة".

حاجة متزايدة

على الرغم من التوسع الكبير في استخدام الطاقة المتجددة في السنوات الماضية، إلا أن بريطانيا لم تلبِّ ما يكفي من حاجتها إلى التخزين. فهي تملك أربع منشآت كهرومائية للتخزين بالضخ (اثنتان في ويلز واثنتان في اسكتلندا) قادرة على تخزين حوالي 24 غيغاواط/ساعة من الطاقة وإعادتها إلى الشبكة بمعدل 2.3 غيغاواط، ما يعني أن بإمكانها أن تعمل بقدرتها الكاملة لنحو 10 ساعات قبل استنفادها. تمتلك أيضاً بطاريات تخزين بسعة 1.1 غيغاواط/ساعة، متصلة بشكل رئيسي بشبكة مزارع الرياح والطاقة الشمسية المتنامية في البلاد. وهذا يكفي فقط لإضاءة الأنوار لـ45 دقيقة في يوم عادي.

إلا أن بريطانيا ستحتاج إلى المزيد من السعة التخزينية في إطار سعيها إلى تصفير صافي انبعاثات الكربون بحلول عام 2050، وهو هدف كانت حكومة بوريس جونسون قد سرعته خلال مؤتمر الأطراف السادس والعشرين "كوب 26" (COP26) الذي عقد في غلاسكو، حيث تعهدت بتصفير الكربون في الشبكة الكهربائية في البلاد بحلول عام 2035، أي قبل عقد ونصف ممّا كان مقرراً سابقاً.

إلا أن البعض يتساءلون ما إذا كانت مثل هذه الأهداف واقعية. بحسب السير ديتر هيلم، الخبير الاقتصادي في مجال الطاقة في جامعة أوكسفورد، "لا توجد أي تكنولوجيا قادرة قبل عام 2035 على تأمين احتياطي للموارد المتجددة بشكل كاف، باستثناء الغاز".

الطاقة المتجددة

تعمل بريطانيا حالياً على تحويل شبكتها الكهربائية التي تهيمن عليها الطاقة الحرارية "القابلة للتمدد" (مثل التوربينات العاملة على الوقود الأحفوري) إلى طاقة مولدة بشكل متنام من الرياح وأشعة الشمس.

في الوقت الذي تتمتع فيه المحطات الحرارية بالقدرة على مواكبة طلب المستهلكين من خلال إطفاء الوحدات وتشغليها حسب الحاجة، فإن الطاقة المتجددة لا تقدم إلا ما تمنحه لها الطبيعة. مثلاً، الطاقة الشمسية تختفي في المساء، أي في الوقت ذاته الذي يرتفع فيه الطلب على الطاقة، ما يخلق حاجة إلى احتياطي، وهنا يأتي دور التخزين.

في عام 2009، حاول عالم الفيزياء، ديفيد ماكاي، الذي كان يعمل لصالح دائرة الطاقة والتغير المناخي في حينها، أن يحتسب كمية الاحتياطي اللازم. وهنا لا بدّ من أخذ أمرين في عين الاعتبار: كمية الطاقة التي يمكن تخزينها، ومدى السرعة التي يمكن بها الإفراج عنها. شبّه جو وورثينغتون من شركة صناعة البطاريات "إنفينيتي إنيريجي سيستمز" (Invinity Energy Systems) الأمر "بإبريق الريّ"، مضيفاً: "يحدد حجم الإبريق الكمية التي يمكنك تخزينها، فيما يحدد قطر الصنبور السرعة التي يمكن إعادتها فيها إلى الشبكة".

درس ماكاي في البداية الاحتياجات قصيرة المدى، فنظر إلى المتغيرات اليومية التي قد تنجم عن تغطية قرص الشمس بسحابة مثلاً، أو انحسار الرياح فجأة أو التغيرات في الطقس بين يوم وآخر. فوجد أن هذه التغيرات تمكن إدارتها، ولكن لا بدّ من تأمين صنبور كبير بما يكفي من أجل تلبية الطلب ساعة بساعة.

مشكلة المرونة

أمّا المشكلة الأكبر فتتعلق بالمرونة على المدى الطويل، أي التعامل مع حالات الركود حين لا تهب الرياح مثلاً لأيام متتالية. وهذا الأمر ليس بنادر، ففي عام 2020، أظهرت البيانات الصادرة عن مشغلة الشبكة الوطنية للكهرباء (National Grid ESO) وشركة "إكسيلون" (Exelon) أنه على الرغم من أن الرياح أسهمت في توليد ما يصل إلى 55% من إجمالي الطاقة الكهربائية في المملكة المتحدة في بعض الأيام، إلا أنه كانت هناك أيام أخرى، بينها خمسة أيام متتالية في إحدى المرات، وبين يومين إلى أربعة أيام متتالية في مرات أخرى، لم تسهم فيها الرياح بتوليد إلا 10% من الطاقة أو أقل. بالتالي، مثل هذا الركود يتطلب إبريق ريّ ضخماً جداً.

تخيل ماكاي سيناريو حيث تمتلك المملكة المتحدة قدرة طاقة إنتاجية من الرياح تبلغ 33 غيغاواط (مع معدل ناتج يبلغ 10 غيغاواط)، وحالة ركود تستمر لخمسة أيام. ستبلغ السعة اللازمة للتعويض عن ناتج الرياح الذي تمت خسارته 1200 غيغاواط/ساعة، أي حوالي 50 مرة السعة التي تملكها بريطانيا اليوم.

توفي ماكاي في عام 2016 قبل أن يتمكن من تحديث دراسته. فقد توسعت طموحات المملكة المتحدة المناخية منذ ذلك الحين. كما أن شبكته الافتراضية باتت أصغر بكثير من تلك التي تقترحها البلاد اليوم. لذا من أجل تحويل قطاع النقل والتدفئة المنزلية للعمل على الطاقة الكهربائية، وفق ما تنصّ عليه إستراتيجية البلاد لتصفير صافي الانبعاثات، فإن المملكة المتحدة ستحتاج إلى قدرة توليد طاقة أكبر بكثير. في السيناريو الأكثر تطلباً للكهرباء الذي تصورته الشبكة الوطنية للكهرباء، تصل مساهمة الرياح في الشبكة إلى 157 غيغاواط في عام 2050 (قادرة على توليد حوالي 65 غيغاواط كمعدل). ولدى النظر إلى هذا الرقم في إطار حسابات ماكاي، يرتفع المخزون اللازم لتغطية هذا الجزء إلى رقم ضخم يبلغ 8 آلاف غيغاواط/ساعة، أي ما يوازي تقريباً المخزون العالمي حالياً. وهذا ليس كل شيء، فالأمر لا يأخذ في عين الاعتبار الـ90 غيغاواط من الطاقة الشمسية وغيرها من الموارد المتجددة التي من المتوقع أن تسهم أيضاً في الشبكة.

التخلي عن الفحم

في ظلّ الأنظمة الكهربائية القائمة على الطاقة النووية والوقود الأحفوري التي كانت سائدة لدى افتتاح محطة "دينورويغ"، أمّنت المحطات الضخمة العاملة على الفحم والطاقة الذرية "حملاً أساسياً" ثابتاً للشبكة الكهربائية. وتمت تلبية الارتفاع على الطلب من خلال مولدات بتوربينات غازية ذات دورات مفتوحة قادرة على العمل بكامل طاقتها خلال دقائق.

قال مايكل ليبريتش، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "ليبريتش أسوشيتس" (Liebreich Associates) الاستشارية في مجال الطاقة النظيفة، وأحد الكتّاب المشاركين في "بلومبرغ إن إي إف"، إن "الناس ينسون أنه كان لدينا نوع من وسائل التخزين في ذلك الزمن"، شارحاً: "أتحدث عن أكوام الفحم المتكدسة قرب محطات الطاقة، فقد شكلت مخازن للطاقة تنتظر أن يتم إحراقها. ومع التخلي عن الفحم والسعي للتخلي عن الغاز، نحن نتخلى في الواقع عن 70% من المخزون الاحتياطي للنظام الكهربائي". (تفاقم ارتفاع أسعار الطاقة في المملكة المتحدة مؤخراً بسبب الشحّ في احتياطي الوقود الأحفوري بعد القرار بإغلاق آخر منشأة لتخزين الغاز في البلاد في روغ في بحر الشمال عام 2017).

السبب الوحيد الذي يجعل بريطانيا غير مضطرة حالياً لبناء المزيد من منشآت تخزين الطاقة، هو أنها لا تزال تملك العديد من المنشآت العاملة على الوقود الأحفوري، وهذا على الرغم من تشغيلها شبكة تسهم فيها طاقة الرياح والطاقة الشمسية بقدرة 36 غيغاواط، أي أكبر من الشبكة الافتراضية التي توقع ماكاي أنها ستحتاج إلى آلاف الغيغاواط/ساعة من التخزين كاحتياطي.

لكن، فيما من المرتقب انخفاض قدرة توليد الطاقة من الوقود الأحفوري بنسبة الربع في هذا العقد، قبل التخلص منه نهائياً في عام 2050، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه هو: كم يبلغ حجم الفجوة التي يمكن أن تغطيها البطاريات والتخزين بالضخ وغيرها؟

بطاريات الليثيوم

في الوقت الحالي، كل مخزون الكهرباء تقريباً هو عبارة عن طاقة كهرومائية مخزنة بالضخ، حيث تشكل 98% من السعة العالمية، بحسب الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، أمّا الباقي فيقوم بالأساس على بطاريات الليثيوم إيون المستخدمة عادة في المركبات الكهربائية.

يمكن لمعامل الطاقة الكهرومائية بالضخ مثل "دينورويغ" أن تسهم بإمداد كمية ضخمة من الطاقة في غضون ثوان، فيما يعتمد التخزين على سعة الخزان. إلا أن إجمالي ناتج المعامل الأربعة في المملكة المتحدة البالغ 2.3 غيغاواط لا يشكل "صنبوراً" كبيراً بما يكفي لتغطية متوسط ناتج الرياح وحدها على الشبكة الذي سيبلغ 65 غيغاواط بحلول 2050، في الأيام حين لا تهب فيها الرياح. ولا حتى إجمالي الطاقة المخزنة في أي مكان في العالم يكفي للتعويض عن أي نقص إذا حصل.

معوقات التخزين

تصطدم محاولات تشييد المزيد من منشآت التخزين بالكثير من العوائق، إذ لا توجد إلا مواقع قليلة في المملكة المتحدة تتمتع بالمميزات المناسبة لإقامة مثل هذه المرافق، وأغلبها هي أماكن ذات جمال طبيعي. تخطط شركة "إس إس إي" (SSE) لإنشاء مشروع بسعة 30 غيغاواط ساعة في كوار غلاس في مرتفعات إسكتلندا سوف يسهم في مضاعفة سعة المملكة المتحدة ويضيف 1.5 غيغاواط إلى الناتج. في المقابل، من المرجح أن تواجه عمليات التطوير معارضة بيئية شرسة. (تعين إنشاء محطة دينورويغ داخل جبل من أجل تفادي هذه الاعتراضات). وبحسب توقعات ماكاي، فإن الحدّ الأقصى قد لا يتجاوز 400 غيغاواط/ساعة.

في غضون ذلك، ازداد استخدام البطاريات مع تراجع تكلفتها لكلّ كيلواط/ساعة من التخزين، ويعزا ذلك بشكل أساسي إلى الاختراعات المبتكرة التي يقودها صانعو المركبات الكهربائية. وبحسب "بلومبرغ إن إي إف"، تراجع سعر كلّ كيلواط/ساعة من بطاريات الليثيوم بنسبة 89% بالقيمة الحقيقية مقارنة بعام 2010، ليصل إلى 132 دولاراً للكيلوواط/ساعة.

تعتبر البطاريات جيدة من أجل تخزين كميات قليلة نسبياً من الطاقة، ولكن المشكلة تطرأ لدى محاولة زيادة سعتها. قال ديفيد سيبون، أستاذ الهندسة الميكانيكية في جامعة كامبردج: "لا تبلي البطاريات جيداً مثل الوسائل التكنولوجية الأخرى لأن نظاميّ تحويل الطاقة وتخزينها متصلان". وأضاف: "ليس هناك انخفاض ملحوظ بالتكلفة لكلّ كيلواط/ساعة مع ازدياد سعة التخزين. كلّ كيلواط إضافي يكلّف مثل الأول تقريباً".

تكلفة ضخمة

من أجل فهم هذه الصعوبة أكثر، حاول تغطية هذا النقص البالغ 8 آلاف غيغاواط باستخدام بطاريات إيون الليثيوم. حتى بسعر 132 دولاراً للكيلواط/ساعة، فإن التكلفة الإجمالية سوف تصل إلى مبلغ طائل يبلغ 741 مليار جنيه استريليني (1 تريليون دولار)، أي نحو 40% من الناتج الإجمالي المحلي للمملكة المتحدة.

كما تطرأ بعض المشكلات الأخرى تتعلق مثلاً باستهلاك البطاريات للمعادن النادرة، إلى جانب التردي التدريجي للبطاريات بعد عدد من دورات الشحن والتفريغ.

بالتالي، لدى النظر إلى كلّ هذه الأمور معاً، لا يرى الكثير من الأشخاص أن البطاريات سوف تلعب دوراً بارزاً في تأمين الاحتياطي في فترات الركود الطويلة أو ستسهم في التعويض عن النقص خلال فصول الشتاء الباردة. وبحسب توقعات "بلومبرغ إن إي إف"، على الرغم من اتساع تبني البطاريات، فإن إجمالي ناتجها من الطاقة في المملكة المتحدة سوف يبلغ فقط 9.7 غيغاواط بحلول عام 2030، مع سعة تخزين أقل من 30 غيغاواط/ساعة.

تخزين الهواء

تقضّ مسألة تأمين الاحتياطي المتبقي مضاجع رواد الأعمال. وتتضمن خياراتهم الأكثر جرأة اقتراح استخدام الهواء كوسيلة للتخزين، سواء عبر ضغطه وحبسه في كهوف ملحية متوقفة عن العمل، أو تحويله إلى سائل ووضعه في صهاريج تخزين معدنية على درجات حرارة منخفضة جداً. ولدى الحاجة إلى الطاقة، يتم الإفراج عن الهواء عبر توربينات تشغل مولدات الكهرباء.

تقنية الهواء المضغوط معروفة منذ عقود، ولكن حالياً لا يوجد إلا معملان قيد التشغيل، الأول في ألمانيا ويعود إلى عام 1978 والآخر في الولايات المتحدة افتتح أبوابه في عام 1991. ولم يتم اعتماد هذه التقنية كثيراً نظراً لعدم كفاءتها في "الذهاب والإياب" وهو المقياس الرئيسي لكمية الطاقة التي تُستخدم خلال العملية ويتم استرجاعها عند الانتهاء. بما إنه يتم تمويل التخزين من منطلق المراجحة، أي شراء الطاقة بسعر رخيص في الأوقات التي تتواجد فيها بوفرة وبيعها بسعر مرتفع في أوقات الشحّ في الطاقة، إذاً، كلّما خسرت طاقة أكثر خلال العملية، يجب أن يزداد سعر المبيع.

يستهلك الهواء المضغوط الكثير من الطاقة من أجل سحق الهواء عند دخوله. في حين أن عكس هذه العملية يتطلب إعادة تسخين الهواء المتمدد (الذي بات الآن بالغ البرودة)، في العادة بواسطة الغاز، قبل أن يمرّ عبر التوربينات. وإلى جانب خسارة نصف الطاقة، تتسبب إعادة تسخين الغاز بانبعاثات أيضاً.

تكلفة الهواء.. مرتفعة

لعلّ تخزين الهواء السائل يحظى بقبول أكبر على الصعيد التجاري. في هذه العملية، يتم تسييل الهواء عبر تجميده ثمّ تخزينه في صهاريج فولاذية، بالتالي تفادي الحاجة لتأمين منشأة تخزين جيولوجية وزيادة حجم الطاقة المخزنة بشكل أسهل. وقال سيبون: "إذا احتجت إلى المزيد من المساحة التخزينية، ما عليك إلا إضافة بعض الصهاريج".

تقدّر كفاءة الهواء المسال بحوالي 60%، ما يعني أن تكلفته مرتفعة جداً، ويمكن تحسين هذه الكفاءة من خلال إدخال الحرارة إلى العملية. بنت شركة "هايفيو" لتخزين الطاقة (Highview Power Storag) في لندن معملاً تجريبياً بسعة 15 ميغاواط/ساعة قرب مانشستر. وبعد أن جمعت تمويلاً ومنحاً بقية 145 مليون دولار، بدأت الشركة مؤخراً في تشييد أول منشأة تجارية لها بسعة 250 ميغاواط، يمكنها مبدئياً أن تؤمن 50 ميغاواط/ساعة لخمس ساعات.

قال سيبون: "يبدو الهواء السائل التقنية الأكثر تبشيراً بالخير". وأضاف: "على عكس التقنيات الأخرى، هو يتمتع بجهوزية عالية ولا يواجه أي عوائق طبيعية أو جغرافية".

عدا عن هذه الخيارات، تُطرح اقتراحات غريبة عجيبة، مثل خطط لإغراق مناجم الفحم القديمة بالمياه الساخنة، أو إنشاء حذافات عملاقة تحت الأرض أو ماكينات ترفع الأحجار الخرسانية ثمّ توقعها، بالتالي تستخدم الجاذبية لتوليد الطاقة. يقترح البعض أيضاً تسيير عربات قطار مخمّلة بالأسمنت إلى أعلى الجبال، ولكن هذا الخيار أيضاً يرتبط بالطبيعة وغير ملائم بالنسبة إلى التضاريس البريطانية.

حالات الطوارئ

الخوف الأكبر هو من عدم توافر خطّ دفاع أخير للتعويض في حالات فصل الشتاء الطويل الذي يحدثّ مرّة كل سنتين إلى خمس سنوات. فقد شهدت منطقة أوروبا الشمالية في عام 2017 تسعة أيام من البارد القارس أدت إلى ارتفاع كبير في الطلب على الكهرباء في ظلّ عدم توافر أي طاقة يمكن توليدها من أشعة الشمس أو الرياح.

لا توجد إلا بعض الخيارات القليلة المتاحة من أجل التعامل مع مثل هذه الحالات من الطوارئ، من بينها صنع الهيدروجين من خلال تحويل فائض الطاقة المتجددة في الأيام المشمسة أو الأيام التي تهب فيها الرياح لتمريرها عبر محللات كهربائية من أجل إنتاج نسخة "خضراء" من هذا الغاز. يمكن تخزين هذا الغاز بعدها في كهوف على أن يتم إحراقه من أجل إنتاج الطاقة لدى استنفاذ المصادر الأخرى.

المشكلة في ذلك تكمن في أن الهيدروجين الأخضر باهظ الثمن، إذ يتراوح سعره ما بين 2.50 و6 دولارات للكيلوغرام الواحد (ما يوازي سعر برميل نفط يتراوح بين 112.50 و270 دولاراً). سيرتفع هذا السعر أكثر ما إذا تم استخدام المحللات الكهربائية في بعض الوقت. ثمّ تبرز مسألة عدم كفاءة "ذهاب وإياب" العملية، حيث 30% فقط من الطاقة تبقى بعد الانتهاء، ما سيسهم في رفع السعر أكثر.

في النهاية، لا بدّ من توفير سعة ضخمة متجددة. وقال سيبون: "قد تضطر أيضاً لملء بحر الشمال بالتوربينات الهوائية من أجل توفير ما يكفي من الهيدروجين الأخضر ليعمل المشروع".

إدارة العرض والطلب

من المستبعد أن تمتلك بريطانيا ما يكفي من الطاقة المخزنة الصافية لتغطية كلّ حالة طوارئ قد تقع. مثلاً، من أجل التعويض عن موجة صقيع لا يتوافر فيها ما يكفي من الرياح وأشعة الشمس تستمر لثلاثة أسابيع، سوف تحتاج إلى مخزون بسعة 33 ألف غيغاواط/ساعة للتعويض فقط عن الرياح التي تمت خسارتها، وفق حسابات ماكاي.

لا تحتسب خطط الشبكة الوطنية للكهرباء لعام 2050 إلا جزءاً من هذه الأرقام، بل حاولت قلب المشكلة، حيث تحاول ملاءمة الطلب مع حالة عدم اليقين التي تسود الإنتاج. وقال جوليان ليسلي، رئيس الشبكات في الشركة المشغلة: "قد تكفيك كمية أقل من المخزون إذا تمكنت من إدارة الطلب جيداً مثلما تدير العرض".

تتوقع الشبكة الوطنية للكهرباء أن تبلغ ذروة الطلب في عام 2050 حوالي 140 غيغاواط، إلا أن بعض إجراءات "الاستجابة للطلب" يمكن أن تخفض ذلك إلى 79 غيغاواط، بتراجع نسبته 43%، من خلال القيام بعدد من الإجراءات التدخلية. يتضمن ذلك دفع أموال للزبائن الصناعيين والتجاريين حتى يتوقفوا عن العمل في أوقات الضغط، وتحفيز المستهلكين على خفض أو موازنة استخدامهم، من خلال شحن السيارات أو تخزين الحرارة خارج أوقات الذروة.

ثمّة أمل أيضاً في أن تسهم المركبات الكهربائية بحدّ ذاتها في تأمين التخزين. لنفترض أن متوسط حجم البطارية يبلغ 40 كيلواط/ساعة، وهناك 30 مليون مركبة على الطريق، يعني ذلك أن بإمكانك نظرياً أن تخزن 1200 غيغاواط ساعة (طبعاً على افتراض أن بإمكانك سحب الطاقة بسهولة في أوقات الحاجة).

إلا أن كلّ هذه الأفكار تفترض أن المستهلكين سوف يستجيبون جيداً للحوافز، وأنه سيتم التوصل إلى ابتكارات تكنولوجية تسحب الكهرباء من سياراتهم، أو تخفف من الاستخدام بدون أن تلحق الضرر بتجربتهم. في غضون ذلك، تحتاط الشبكة في رهاناتها، فهي تتوقع أيضاً الاعتماد على توليد الطاقة من الوقود الأحفوري الذي يتم تخفيف تأثيره عبر تقنية احتجاز وتخزين الكربون، وهي تكنولوجيا لم تثبت بعد نجاحها لدى استخدامها على نطاق واسع، فيما لا تملك بريطانيا أي إطار ناظم لها. وتبقى الآمال معلقة على تأمين واردات ضخمة من الكهرباء عبر الربط الكهربائي مع دول أخرى.

الربط الكهربائي

في حين يمكن توسيع أساليب التحوط هذه، إلا أنها تجلب معها مخاوف أخرى. ففي حال الربط الكهربائي، هناك دائماً خطر حصول أعطال. حالياً، تحصل بريطانيا على 5% فقط من الكهرباء من خلال هذه الروابط، ولكن حين أدى حريق اندلع مؤخراً إلى قطع أحد الأسلاك التي تعبر القناة الإنكليزية وتربط مع فرنسا، أثار ذلك مخاوف من شحّ في التغذية الكهربائية خلال فصل الشتاء. في غضون ذلك، هدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقطع الامدادات إلى جزيرة جيرسي بعد نزاع حول الأسماك، في مثال واضح عن المخاطر السياسية. كما أن الربط الكهربائي يعتمد أيضاً على مدى امتلاك الدول الأخرى لفائض تتشاركه مع غيرها.

وسأل بيتر أثيرتون، المحلل المستقل في مجال الطاقة "ما الذي يحصل حين تواجه مجموعة كاملة من الدولة المترابطة كهربائياً شحّاً في الوقت عينه؟"، مضيفاً "هل ستنفعنا هذه الروابط المنمقة حين نحتاج إليها؟"

تكلفة تقطع الإمدادات

التخزين ليس زهيد الثمن، فلدى إنشاء محطة "دينورويغ" قبل أربعين عاماً، بلغت تكلفتها نحو 400 مليون جنيه إسترليني، أي حوالي 2.5 مليار جنيه إسترليني (3.39 مليار دولار) في الوقت الحالي. هذا يوازي نفقات استثمارية تقدر بنحو 1400 جنيه إسترليني لكلّ كيلوواط من الإنتاج.

صحيح أن تكلفة إنتاج الطاقة من توربينات الرياح والألواح الشمسية قد انخفضت بشكل كبير، ولكن التخزين يشكل تكلفة "زائدة" يتعين على المستهلكين تحمّلها. وكان تقرير حكومي قد حذّر في عام 2020 من أنه مع ازدياد الاعتماد على الطاقة المتجددة، فإن تكلفة أي تقطع في الامدادات قد ترتفع بشكل ضخم.

بالفعل، نشأ "سوق للسعة" يقدم دعماً مالياً للشركات التي تؤمّن التخزين على المدى القصير من أجل الحفاظ على استقرار الشبكة. يتم تحديد المبالغ عبر مزاد ربطاً بكمية التخزين المقدمة. وقد أطلقت الحكومة البريطانية مؤخراً عملية استشارية للنظر في التخزين على المدى الأطول. ويعتقد كثيرون بأنه ستكون هناك حاجة إلى الدفع مقابل السعة في هذه الحالة أيضاً.

تكلفة على المستهلك

في غضون ذلك، يعرب المراقبون عن قلقهم من أن يؤدي تبذير الدعم هذا إلى فرض تكاليف لا لزوم لها على كاهل المستهلكين.

قال غاي نيوي، مدير الإستراتيجية والأداء في منظمة "إنيرجي سيستمز كاتابولت" (Energy Systems Catapult) غير الربحية، التي أنشأتها الحكومة في عام 2015 لتسريع عملية التحول في شبكة الطاقة في المملكة المتحدة: "من الأفضل لو كانت لدينا آلية سوق متينة لكامل سوق الطاقة، بدل إبرام عقود للفرق تختص بهذه التكنولوجيا أو بتلك".

يدعو تيم ستون، رئيس مجلس إدارة رابطة قطاع الطاقة النووية إلى تكليف الشبكة الوطنية للكهرباء أو أي هيئة معنية أخرى رسمياً بدراسة التكلفة الشاملة لإنشاء شبكة طاقة خضراء. وقال: "يجب أن يكون لدينا مهندس نظام يشرف على هذه الأمور ويفكر كيف يمكن أن نحقق ذلك بأقل تكلفة على الاقتصاد الوطني".

لا أحد يشك في الحاجة إلى التخزين في شبكة الصفر كربون، إلا أن حجم هذا التخزين المطلوب هائل جداً، أمّا الحجم الذي يمكن تأمينه فيرتبط بعوامل اقتصادية وحتى جغرافية.

التخزين العالمي

على الصعيد العالمي، يتركز تخزين الطاقة في عدد صغير نسبياً من أسواق الدول المتطورة، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وأستراليا واليابان. وتقوم أيضاً كلّ من الصين والهند باستثمارات كبرى في هذا المجال. ولكن باستثناء عدد قليل من الدول ذات الكثافة السكانية المنخفضة والتي تملك موارد طبيعية وفيرة مثل أيسلندا والنرويج، فإن معظم الدول بعيدة كلّ البعد عن امتلاك ما يكفي من الموارد لإنشاء شبكة قائمة على الطاقة المتجددة بشكل كامل. وبحسب وزارة الطاقة الأميركية، تملك الولايات المتحدة القدرة على تخزين 595 غيغاواط/ساعة، وهذا بالكاد يوازي ساعة من الطلب على الطاقة في البلاد.

نظراً للظروف الطبيعية السائدة في بريطانيا، فهي تواجه خيارات صعبة. أحد تلك الخيارات يتمثل في بناء شبكة تقوم بشكل أقل على الموارد المتجددة، وتعتمد أكثر على الطاقة النووية التي تعتبر مصدر الطاقة الوحيد غير المسبب لانبعاثات الكربون القابل للاستخدام على نطاق واسع الذي يملكه العالم حالياً. وفي بعض الحالات، قد تضطر بريطانيا للعودة إلى استخدام الوقود الأحفوري للتعويض عن أي نقص في إمدادات الطاقة.

بحسب سيبون، قد تكون هذه الطريقة المنطقية الوحيدة من أجل التعامل مع أيام الشتاء التي تنقطع فيها أشعة الشمس والرياح، على افتراض أن الطاقة المتجددة تهيمن على الشبكة. وسأل: "هل نرغب فعلاً في بناء بنية تحتية جديدة كاملة خاصة بالهيدروجين من أجل التعامل مع أسبوعين في الشتاء من حين إلى آخر لا تتوافر فيهما الرياح؟". وأضاف: "احراق بعض الغاز كلّ بضعة سنوات ليس بالأمر الجلل، فإذا كان هذا كلّ ما ستفعلونه، فأعتقد بأنه يحلّ المشكلة".