خسائر بنك إنجلترا البالغة 3 مليارات جنيه إسترليني تتحول قريباً إلى مشكلة لوزارة المالية

ريشي سوناك، وزير المالية البريطاني
ريشي سوناك، وزير المالية البريطاني المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

برنامج بنك إنجلترا للتيسير الكمي في سبيله إلى أن يسجل خسائر بقيمة 3 مليارات جنيه إسترليني (4.1 مليار دولار) في الأسابيع المقبلة، إذ تبدأ محفظة البنك المركزي الضخمة من السندات رحلتها من كونها بقرة حلوب تدر السيولة النقدية على الحكومة، إلى استنزاف للمالية العامة.

إنَّ قرار بنك إنجلترا هذا الشهر ببدء تخفيض ما تراكم لديه من سندات بقيمة 895 مليار جنيه إسترليني؛ قد أطلق عملية ستنتهي إلى خفض محفظة السندات الحكومية بما يزيد على 200 مليار جنيه إسترليني بحلول نهاية 2025.

اقرأ أيضاً: محافظ بنك إنجلترا يفضّل تغيير أسعار الفائدة تدريجياً

المشكلة هي أنَّ الأسعار التي دُفعت مقابل معظم تلك الأوراق المالية، كانت أعلى كثيراً من قيمتها الاسمية، مما يؤدي إلى تكبّد البنك المركزي خسائر بمجرد أن تبلغ أجل استحقاقها أو يتم بيعها. وبمقتضى ضمان الحكومة للبنك المركزي ضد الخسائر المالية؛ تلتزم الدولة بسداد الفرق، إذ يبلغ العجز عن إجمالي ما بحوزته في إطار سياسة التيسير الكمي نحو 115 مليار جنيه إسترليني.

اقرأ المزيد: بنك إنجلترا والمركزي الأوروبي يتخليان عن التردد ويتجهان لاتباع تحركات "الفيدرالي الأمريكي"

خسائر مرتقبة

يعد عكس سياسة التيسير الكمي لحظة هائلة بالنسبة إلى أداة تحولت من إجراء طارئ إلى سياسة أساسية على مدى العقد الماضي. إنَّها جزء من عملية تشديد نقدي عنيفة يقوم بها بنك إنجلترا الذي رفع فعلاً أسعار الفائدة مرتين، وينتظر أن يتبعها بالمزيد حتى نهاية 2022.

اقرأ أيضاً: توجهات البنوك المركزية العالمية ترسم نهايةً لحقبة "الأموال السهلة"

ما يسمى بالتشديد الكمي سيبدأ في شهر مارس المقبل، عندما تبلغ سندات حكومية بقيمة 28 مليار جنيه إسترليني في حوزة البنك أجل استحقاقها، وللمرة الأولى منذ إطلاق سياسية التيسير الكمي في عام 2009؛ ستغادر السندات ميزانية البنك المركزي.

سيترتب على ذلك خسائر بقيمة 3 مليارات جنيه إسترليني تمثل الفرق بين القيمة الاسمية لهذه الديون وسعر شرائها من قبل بنك إنجلترا.

في الوقت الذي يُنتظر به أن يغطي دخل البنك الذي تدره عليه السندات الباقية في محفظته، هذا العجز، ويزيد عليه في الوقت الراهن؛ فإنَّ التأثير المشترك من الخسائر الرأسمالية، وارتفاع تكاليف التيسير الكمي بسبب زيادة أسعار الفائدة؛ سيتحولان إلى مركب مسموم بالنسبة إلى وزير المالية ريشي سوناك.

رفع الفائدة يعاظم الخسائر

إذا ارتفعت أسعار الفائدة كما تتوقَّع الأسواق؛ فإنَّ الأموال الكبيرة التي تهبط على وزير المالية من إجراءات التيسير الكمي، والتي كان من المتوقَّع أن تبلغ 11.3 مليار جنيه إسترليني في السنة المالية المقبلة؛ ستنتهي تدريجياً إلى لاشيء.

في عام 2025 على أقصى تقدير؛ ستبدأ الخزانة العامة ضخ تحويلات مباشرة إلى بنك إنجلترا، وفقاً لحسابات "بلومبرغ".

عندما يحدث ذلك، ستنتهي فترة، استفاد خلالها وزراء المالية الذين تعاقبوا وربحوا من سياسة التيسير الكمي، بل إنَّ ذلك سيصاحبه إنذار بحلول موعد سداد الفواتير أخيراً. وكلما ارتفعت أسعار الفائدة؛ تتعاظم خسائر الحكومة.

قال جادجيت تشادا، مدير "المعهد الوطني للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية" هذا الأسبوع، إنَّ "إدارة عملية التيسير الكمي مشكلة هائلة".

وكان قد أوضح لأعضاء البرلمان في لجنة الخزانة بمجلس العموم البريطاني يوم الإثنين قائلاً: "في الوقت الراهن، جلبت سياسة التيسير الكمي إيرادات للخزانة العامة تجاوزت 100 مليار جنيه إسترليني، وعندما تبدأ أسعار الفائدة في الصعود إلى 1% فأعلى؛ سيتجه تدفق الأموال إلى الناحية العكسية".

استقلالية المركزي

حذر تشادا من أنَّ تحويل أموال دافعي الضرائب إلى البنك المركزي، قد يشكّل خطراً جديداً أمام استقلال بنك إنجلترا، وهي مسألة خضعت للتدقيق، والمراقبة الشديدة أثناء انتشار جائحة كورونا.

تناول بنك إنجلترا ووزارة المالية البريطانية هذه المسألة بالنقاش في مراسلات خلال الأسبوع الماضي، مع تركيز حاكم بنك إنجلترا، أندرو بيلي، على اتفاق بأنَّ البنك "قد يحتاج دفعات من الحكومة مستقبلاً، على أن توفي بها الحكومة بشكل منتظم في الوقت المناسب".

رداً على ذلك؛ تعهد سوناك بأنَّ "أي عجز في السيولة النقدية محتمل وقوعه مستقبلاً، ستتم تغطيته بالكامل". وامتنعت المؤسستان عن الإدلاء بمزيد من التوضيح.

تدوير الفوائد

خلال تطبيق إجراءات التيسير الكمي على مدى ثلاثة عشر عاماً؛ تلقت وزارة المالية 120 مليار جنيه إسترليني، إذ كان يجري تدوير الفوائد التي تسدد عن سندات الحكومة عبر بنك إنجلترا المركزي لتعود مرة أخرى إلى الحكومة بعد خصم بعض المصروفات. ويمثل ذلك، من الناحية الفعلية، توفيراً للمدفوعات التي كانت ستقدَّم للقطاع الخاص لولا هذه الإجراءات.

برغم ذلك، ومع بلوغ سندات الحكومة أجل استحقاقها؛ لا بد من تغطية الخسائر الرأسمالية على المحفظة.

إنَّ مبيعات سندات الحكومة النشطة، التي سيدرسها بنك إنجلترا بمجرد أن تبلغ أسعار الفائدة 1%؛ ربما تتسبب في تفاقم أثر هذه الخسائر.

سجل برنامج التيسير الكمي خسائر فعلية بلغت نحو 28 مليار جنيه إسترليني على السندات التي بلغت أجل استحقاقها منذ عام 2013، لكنَّها مرت دون ملاحظة إلى حد كبير، لأنَّ الأموال أعيد استثمارها، وابتلعت التكلفة من خلال حصيلة الكوبونات.

حصيلة الكوبونات ستغطي وتفيض أيضاً على أرقام العجز في شهر مارس، ونتيجة ذلك؛ ستفقد الخزانة دخلاً من السندات بدلاً من أن تسدد مدفوعات نقدية مباشرة.

غير أنَّ أسعار الفائدة إذا سارت وفق التوقُّعات في عام 2025؛ ستضطر وزارة المالية معها إلى إعلان تحويلات سنوية للبنك المركزي في الموازنة العامة، وهي مدفوعات ستصبح شائعة باستمرار مع انتهاء البرنامج.

إذا ارتفعت أسعار الفائدة بوتيرة أسرع أو بمعدلات أعلى؛ فإنَّ تلك المدفوعات ربما تبدأ في وقت أقرب.

قال تشادا: "نحن في عالم لا نعرف فيه تماماً لماذا يحتمل ألا ترتفع أسعار الفائدة؟. هل بسبب توقُّعات التضخم، أم بسبب قلق يساورنا من عكس اتجاه التدفق في هذا الدخل؟".