"أوميكرون" ليس المتحوِّر الأخير.. متى ينتهي الوباء من العالم؟

لا تتخلى عن حذرك بعد.. فسلالة "أوميكرون" ليست الأخيرة التي قد يشهدها العالم من فيروس كورونا
لا تتخلى عن حذرك بعد.. فسلالة "أوميكرون" ليست الأخيرة التي قد يشهدها العالم من فيروس كورونا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مع دخول العالم المرهق من الفيروسات العام الثالث من تفشي الوباء، يرسل الخبراء إشارة تحذير: لا تتوقع أن يكون "أوميكرون" هو المتحوِّر الأخير الذي سنضطر لمواجهته.. فلا تتخلى عن حذرك بعد.

وسط موجة واسعة من الإصابات الأكثر اعتدالاً، تلغي الدول في جميع أنحاء العالم القيود وتخفف من حدة رسائلها، وبدأ الكثير من الناس يفترضون انتهاء مواجهتهم مع كوفيد- 19 وأن الوباء ينحسر. لكن هذه ليست الحالة بالضرورة.

"أوميكرون" يلقي بظلاله على مؤشر التصنيع في نيويورك

ولن تمر الأزمة حتى تنتهي في كل مكان، وسيستمر صدى التأثيرات في الدول الأكثر ثراءً، متسبباً في اضطراب سلاسل التوريد ومعطلاً خطط السفر والرعاية الصحية نتيجة استمرار الفيروس في التفشي في الدول النامية غير الملقحة كفاية خلال الأشهر المقبلة.

الخطر لم ينتهِ بعد

وقبل أي شيء، يجب على العالم تجاوز الموجة الحالية، وقد يبدو أن "أوميكرون" يسبب أعراضاً أقل خطورة من السلالات السابقة، لكنه شديد العدوى، ما يدفع أعداد الحالات الجديدة إلى مستويات قياسية لم يكن من الممكن تصورها، وفي نفس الوقت، تظهر أدلة على أن المتحوِّر قد يكون أكثر ضرراً مما تشير البيانات المبكرة.

جانيت يلين: "أوميكرون" لن يعرقل انتعاش الاقتصاد الأمريكي

ليس هناك أيضاً ما يضمن أن السلالة المتحوِّرة التالية - وسيكون هناك المزيد منها - لن تكون فرعاً من متحوِّر أكثر خطورة مثل "دلتا"، علاوة على ذلك، فإن خطر الإصابة بكوفيد أكثر من مرة حقيقي.

قالت أكيكو إيواساكي، أستاذة علم الأوبئة في كلية الطب بجامعة ييل: "يستمر الفيروس في رفع التحديات أمامنا كل بضعة أشهر.. وعندما كنا نحتفل بالفعالية المذهلة للجرعات المعزّزة ضد متحوِّر دلتا، كان التحدي قد ارتفع بالفعل بسبب (أوميكرون)".

وأضافت: "يبدو أننا نحاول باستمرار مواكبة الفيروس".

أوميكرون يُعقد تعافي الاقتصاد العالمي في 2022

وهذ أمر مثير للقلق بالنسبة لعالم كان يحاول تجاوز الفيروس بحماسة جديدة في الأشهر الماضية، لكن التوقعات ليست كلها كئيبة إذ تنتشر الأدوية المضادة للفيروس في الأسواق، وتتوافر اللقاحات بسهولة أكبر، كما أن الاختبارات التي يمكن إجراؤها ذاتياً وتعطي نتائج في دقائق أصبحت الآن رخيصة وسهل الحصول عليها في العديد من الأماكن.

علاوة على ذلك، يتفق العلماء على أنه من المبكر للغاية افتراض أن الوضع أصبح تحت السيطرة.

أوميكرون يدفع "غولدمان" لخفض توقع نمو اقتصاد الصين إلى 4.3%

وفي غضون ستة أشهر، سيكون العديد من الدول الأكثر ثراءً قد انتقلت من حالة الوباء إلى المرض المستوطن، ولكن ذلك لا يعني أن الأقنعة الطبية ستصبح شيئاً من الماضي، وسنحتاج إلى مواصلة نهج الجرعات المعزّزة وكذلك معالجة الندوب الاقتصادية والسياسية للوباء، وهناك أيضاً شبح استمرار كوفيد على المدى الطويل.

هل كوفيد باقٍ؟

قال بيتر هوتيز، عميد الكلية الوطنية للطب الاستوائي في كلية بايلور للطب بهيوستن: "هناك الكثير من الحديث السعيد بين السطور بأن أوميكرون هو فيروس معتدل وأنه يعمل فعلياً كلقاح لفيروس حيّ موهن والذي سيخلق مناعة قطيع واسعة عبر العالم".

لكنه قال: "هذا التصور خاطئ لعدة أسباب".

يعتقد الخبراء حالياً أن الفيروس لن يختفي تماماً، وبدلاً من ذلك سيستمر في التطور ويخلق موجات جديدة من العدوى، وتكون طفرات التحور ممكنة في كل مرة يتكاثر فيها العامل الممرض، لذا فإن تزايد عدد الحالات يعرض الجميع للخطر.

والحجم الهائل للتفشي الحالي يعني أن المزيد من الحالات التي تتطلب عناية بالمشافي والوفيات والسلالات المتحوِّرة من الفيروس كلها أمر لا مفر منه، ولا يدخل العديد من الأشخاص المصابين في الإحصاءات الرسمية إما بسبب عدم تسجيل نتيجة الاختبار المنزلي رسمياً أو لأن الشخص المصاب لم يتم اختباره على الإطلاق.

موجة الإنفلونزا المبكرة في الولايات المتحدة تحيّر العلماء بعد تأخر ظهورها العام الماضي

يقدر تريفور بيدفورد، عالم الأوبئة في مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان في سياتل والذي يشتهر باكتشاف حالات كوفيد المبكرة وتتبع تفشي المرض على مستوى العالم، أنه يتم الإبلاغ عن حوالي 20% إلى 25% فقط من حالات العدوى بـ"أوميكرون" في الولايات المتحدة.

مع وصول الحالات اليومية إلى ذروتها بمتوسط يزيد على 800 ألف حالة في منتصف يناير، ربما تجاوز عدد الإصابات الكامنة 3 ملايين في اليوم أو ما يقرب من 1% من سكان الولايات المتحدة، حسب تقديرات بيدفورد، ونظراً لأن التعافي يستغرق من خمسة إلى عشرة أيام، فقد يكون ما يصل إلى 10% من الأشخاص في الدولة قد أصيبوا في أي وقت محدد.

انتشار واسع للإصابات

ولم يكن بيدفورد وحده في توقع أرقام فلكية، فوفقاً لمعدل الإصابة الحالي، تشير النمذجة الحاسوبية إلى أن أكثر من نصف أوروبا سيصاب بـ"أوميكرون" بحلول منتصف مارس، بحسب تقديرات هانز كلوج، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية.

وفي الوقت نفسه، تنتشر السلالة الفرعية المعروفة باسم "BA.2" سريعاً في جنوب أفريقيا. وقال أحد كبار العلماء في الدولة إن هذه السلالة يبدو أنها قد تكون أكثر قابلية للانتقال من السلالة الأصلية وقد تتسبب في زيادة ثانية في الأعداد في الموجة الحالية.

علاوة على ذلك، لا تعني إصابتك بالفيروس أنك لن تصاب بالعدوى مرة أخرى، لأن كوفيد لا يمنح مناعة دائمة.

العلماء مختلفون حول معنى كورونا "المستوطن"

تشير الأدلة الجديدة إلى أن عدوى "دلتا" لم تساعد في تجنب الإصابة بـ"أوميكرون"، حتى في الأشخاص الذين حصلوا على اللقاح، وهذا من شأنه أن يفسر سبب تعرض أماكن مثل بريطانيا وجنوب أفريقيا لمثل هذه الموجات الهائلة من التفشي حتى بعد أن دمرتها "دلتا"، كما أن إعادة العدوى أكثر شيوعاً مع متحوِّر "أوميكرون" من السلالات المتحوِّرة السابقة.

قال هوتيز: "مع أوميكرون، نظراً لأنه يحتوي على مكون أكبر من الجهاز التنفسي العلوي، فمن غير المرجح أن تنتج عنه مناعة دائمة" مقارنة بالسلالات المتحوِّرة السابقة، و"على هذا الأساس، من الخطأ التفكير أن نعتقد أنه سيشكل بطريقة ما نهاية الوباء".

الاستعداد للسلالات المتحوِّرة الجديدة

وبالتالي، من المهم الاستعداد للسلالات التالية من كوفيد.

قالت غليندا غراي، الرئيس التنفيذي لمجلس الأبحاث الطبي في جنوب أفريقيا: "طالما أن هناك أماكن في العالم حيث يتطور الفيروس، ستصل سلالات متحوِّرة جديدة، وسنكون جميعاً عرضة لهذه السلالات الجديدة".

ولن تختفي الإغلاقات وقيود السفر حتى وإن أصبحت أقل صرامة في المجمل.

قال مارك ماكليلان، المدير السابق لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية ومدير مركز ديوك مارغوليس للسياسة الصحية: "الأشياء التي ستكون مهمة هي ما إذا كنا قادرين على الاستجابة عندما تكون هناك زيادة محلية في أعداد الإصابة.. وربما نعود إلى ارتداء المزيد من الأقنعة أو توخي الحذر قليلاً بشأن التباعد".

لا يزال التلقيح هو خط الدفاع الأساسي في العالم ضد كوفيد، وحصل أكثر من 62% من الناس حول العالم على جرعة واحدة على الأقل، وتعد المعدلات الإجمالية في الدول الغنية أعلى بكثير منها في الدول النامية، وبالوتيرة الحالية، سيستغرق الأمر خمسة أشهر أخرى حتى يتلقى 75% من سكان العالم الجرعة الأولى.

لكن الدراسات تُظهر أن جرعة واحدة أو اثنتين لا تمنع العوامل التي تؤدي إلى الإصابة، وأفضل رهان في هذه المرحلة هو الجرعة المعززة، والتي تؤدي إلى إنتاج أجسام مضادة معادلة واستجابة مناعية أعمق.

قالت إيواساكي من جامعة ييل إن الأشخاص الذين تم تلقيحهم بلقاحات تقليدية أكثر وغير نشطة، مثل اللقاحات المستخدمة على نطاق واسع من شركة "سينوفاك بايوتك" الصينية، يحتاجون على الأقل جرعتين معززتين - ويفضل بأنواع لقاح أخرى - للسيطرة على الفيروس.

وفي الأشهر الستة المقبلة، سيواجه عدد أكبر من البلدان مسألة ما إذا كان ينبغي إعطاء جرعة معززة رابعة أم لا، وبدأت إسرائيل والولايات المتحدة بالفعل تؤيد الفكرة للأشخاص الأكثر ضعفاً، لكن الهند تقاوم وترفض "المتابعة العمياء" للدول الأخرى.

كيف سنعرف أن أزمة كوفيد 19 انتهت؟

في حين أن الفيروس لن يكتسح المستشفيات ويفرض قيوداً إلى الأبد، فلا يزال من غير الواضح متى - أو كيف - سيصبح من الآمن تركه وراء ظهورنا.

تحدث خبراء "بلومبرغ نيوز" واتفقوا على أنه في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة ومعظم أوروبا، يمكن أن يكون الفيروس تحت السيطرة بحلول منتصف عام 2022، وسيكون هناك وصول أفضل إلى الحبوب مثل "باكسلوفيد" (Paxlovid) من "فايزر"، وستكون اختبارات المستضدات السريعة متاحة بسهولة وسيصبح الناس معتادين على فكرة أن كوفيد باقٍ.

يضع روبرت واتشتر، رئيس قسم الطب في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، الاحتمالات عند 10 إلى 1 أنه بحلول نهاية فبراير لن تكافح معظم أجزاء الولايات المتحدة والعالم المتقدم من تفشي المرض بشدة، علاوة على ذلك، تساعد التطعيمات والعلاجات الجديدة والاختبارات على نطاق واسع والمناعة نتيجة للعدوى السابقة، وتتخلص دول مثل الدنمارك من جميع قيود الوباء على الرغم من موجات الإصابة المستمرة.

وقال: "هذا عالم يبدو مختلفاً جوهرياً عن عالم العامين الماضيين.. لقد بدأنا نعود لشيء يشبه الوضع الطبيعي.. لا أعتقد أنه من غير المنطقي أن يعتنق الساسة ذلك أو أن تعكسه السياسة".

متى سينتهي الوباء؟

في أماكن أخرى من العالم، سيكون الوباء بعيداً كل البعد عن الانتهاء.

يعد خطر السلالات المتحوِّرة الجديدة أعلى في البلدان الأقل ثراءً، لا سيما تلك التي تكون فيها أمراض المناعة أكثر شيوعاً.

ورُصد متحوِّر "دلتا" لأول مرة في الهند، بينما ظهر "أوميكرون" في جنوب أفريقيا، على ما يبدو من خلال عدوى من مريض مصاب بمرض الإيدز.

قال هوتيز: "طالما أننا نرفض تطعيم العالم، فسنواصل رؤية موجات جديدة.. وسنستمر في مواجهة سلالات متحوِّرة خطيرة للغاية تأتي من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، فهناك ساحة المعركة".

يرى أميش أدالجا، الباحث الأول في مركز الأمن الصحي بجامعة جونز هوبكنز في بالتيمور، أن الوباء قد يستمر حتى عام 2023 في أجزاء من العالم النامي.

قال: "بالنسبة لي، فإن الانتقال من حالة الوباء إلى المرض المستوطن هو عندما لا نكون قلقين بشأن غمر المستشفيات بالحالات.. وسيحدث ذلك في معظم الدول الغربية في عام 2022، لكنه سيستغرق وقتاً أطول قليلاً لبقية العالم".

وفي أجزاء من آسيا، لا يرغب مسؤولو الصحة العامة حتى في التفكير في تحديد موعد لنهاية الوباء.

بينما يسعى معظم العالم حالياً للتعايش مع كوفيد، لا تزال الصين وهونغ كونغ تحاولان القضاء عليه، وبعد قضاء جزء كبير من عام 2021 بدون حالات تفشي تقريباً، يتعامل كلا المكانين حالياً مع موجات تفشٍ للمرض.

وقالت كاري لام رئيسة السلطة التنفيذية في هونغ كونغ: "لا نمتلك المتطلبات الأساسية للتعايش مع الفيروس، لأن معدل التطعيم ليس جيداً، خاصة بين كبار السن.. لم أستطع تحمل رؤية الكثير من كبار السن يموتون في مستشفياتي".

قيود مشددة

قد تظل القيود الصارمة الناجمة عن الفيروس، بما في ذلك إغلاق الحدود والحجر الصحي، سارية حتى نهاية عام 2022 رغم أن العدوى العالية للسلالات المتحولة الجديدة تجعل من الصعب الحفاظ على تلك القيود، كما تظهر التحديات الحالية في هونغ كونغ، وربما لم يعد من الممكن عزل الفيروس تماماً، كما فعلت مجموعة من الدول في وقت مبكر من الوباء.

ونظراً لأن الكثير من العالم لا يزال غارقاً في الوباء، ستستمر الاضطرابات المرتبطة بالفيروس في كل مكان.

ولا يزداد الضغط الهائل على سلاسل التوريد العالمية إلا سوءاً بسبب مرض العمال أو إجبارهم على الحجر الصحي نتيجة "أوميكرون"، والمشكلة حادة بشكل خاص في آسيا؛ حيث يحدث جزء كبير من التصنيع في العالم.

ويعني هذا أنه من غير المرجح أن تختفي المخاوف العالمية بشأن ارتفاع أسعار المستهلكين في أي وقت قريب، أيضاً أصبح لتحركات الصين العنيفة على نحو متزايد لسحق كوفيد تأثيرات سلبية.

وفي ظل انفتاح العديد من الدول جزئياً أمام الزوار، لا يزال السفر الدولي بعيداً كل البعد عن الوضع الطبيعي في عام 2019، وتواجه المستشفيات وأنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم تعافياً طويلاً وبطيئاً بعد عامين من الضغط الهائل.

وبالنسبة لبعض الأفراد، يبدو الفيروس كحكم مؤبد، ويعاني المصابون منذ وقت طويل بكوفيد حالياً من إرهاق حاد، وآلام في العضلات وحتى تلف المخ والقلب والأعضاء لشهور.

إلى متى سنتعامل مع التداعيات طويلة الأجل للفيروس؟

قال غراي من جنوب أفريقيا: "هذا سؤال المليون دولار.. نأمل أن نتمكن من السيطرة عليه خلال العامين المقبلين، لكن مشكلات كوفيد على المدى الطويل ستستمر، وسنرى عبئاً ضخماً على الأشخاص الذين يعانون منه".

الحياة بعد الوباء

خلال الأشهر المقبلة، من المفترض أن يتبلور شكل التعايش الدائم مع كوفيد، وربما تنسى بعض الأماكن أمر الفيروس بالكامل تقريباً إلى أن يؤدي تفجر المرض إلى إلغاء الفصول ليوم واحد أو معاناة الشركات نتيجة العمال الذين يتغيبون بسبب المرض.

وقد تعتمد دول أخرى على ارتداء الأقنعة في الأماكن المغلقة كل شتاء، ومن المرجح أن يقدم لقاح كوفيد سنوياً بالتزامن مع مصل الأنفلونزا.

ولكي يستمر، سيحتاج الفيروس إلى التطور دوماً لتجنب المناعة التي تصل إلى مستويات عالية في أجزاء كثيرة من العالم.

قالت إيواساكي من جامعة ييل: "يمكن أن يكون هناك العديد من السيناريوهات.. الأول هو أن السلالة المتحوِّرة التالية ستكون قابلة للانتقال تماماً، ولكنها أقل ضراوة، وتقترب أكثر فأكثر من نوع فيروس نزلات البرد".

لكن إذا اتخذ هذا التطور مساراً أكثر سمية، فسينتهي بنا الأمر مع مرض أكثر خطورة.

وأضافت: "آمل فقط ألا نضطر إلى الاستمرار في صنع جرعات معزّزة جديدة بين الحين والآخر, لا يمكننا تلقيح كل شخص حول العالم أربع مرات في السنة.. من الصعب حقاً التنبؤ بما سيحدث".