الأزمة الأوكرانية تبرز مكاسب السعودية في أسواق الطاقة والسياسة العالمية

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في قمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس في 30 نوفمبر 2018. الأرجنتين
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في قمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس في 30 نوفمبر 2018. الأرجنتين المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لا ينبغي لأحد أن يترك أزمة دون أن يستفيد منها لتذهب سدى. المملكة العربية السعودية لا تفعل ذلك. فهي تستخدم التوتر بين أوكرانيا وروسيا لإعادة تموضع نفسها، ليس في أسواق الطاقة فقط؛ ولكن في السياسة العالمية.

واجهت العائلة الملكية السعودية أربع سنوات صعبة. فقد أدى اغتيال الكاتب الصحفي بصحيفة "واشنطن بوست" جمال خاشقجي في اسطنبول خلال أكتوبر 2018 إلى النيل من سمعة المملكة بشدة. وطال أمد الحرب في اليمن، حيث تقاتل الرياض ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران ، مما أضر بسمعتها كقوة مهيمنة إقليمية.

في عام 2020، تراجعت أسعار النفط خلال جائحة كوفيد، مما آذى الاقتصاد السعودي. ثم وصل جو بايدن إلى البيت الأبيض في أوائل عام 2021 بوعد قطعه خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، بتحويل المملكة إلى دولة "منبوذة".

لكنَّ السعوديين عادوا إلى العمل الآن؛ بعد ما يزيد قليلا ًعن عام فقط منذ تولى بايدن المسؤولية من حليفهم القوي دونالد ترمب.

يتواصل الانتعاش منذ فترة في السعودية. لكنَّ الأزمة في أوكرانيا والمخاوف بشأن تعطيل تدفقات الطاقة الروسية تعمل على تسريع ذلك الانتعاش.

تسيطر الرياض على 55% من الطاقة الإنتاجية للنفط عالمياً التي يمكن استغلالها في وقت قصير، لتخفيف أي توقف لعمليات الخام، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. وهي (الطاقة الإنتاجية السعودية) أداة قوية في عالم قلق من ارتفاع أسعار النفط والتضخم.

مع اقتراب خام برنت من حاجز 100 دولار للبرميل والإنتاج السعودي في طريقه إلى أعلى متوسط ​​سنوي؛ تجني الرياض مزيداً من الأموال أكثر من أي وقت مضى، منذ صعود الملك سلمان بن عبد العزيز إلى العرش في يناير 2015.

رئيس "شيفرون" يتوقع بلوغ النفط 100 دولار خلال أشهر

عمالقة النفط يضخون سيولة وكأن سعر البرميل بلغ 100 دولار

وفقاً للاتجاهات الحالية، ستحقق المملكة مكاسب بقيمة 375 مليار دولار من ضخ النفط خلال 2022. وهذا سيمثل ثاني أعلى إيرادات على الإطلاق للمملكة، وما يعادل ضعف الـ 145 مليار دولار التي حقّقتها في عام 2020.

تجنّب بايدن التحدث إلى السعوديين، وخاصة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يدير الشؤون اليومية للمملكة.

عندما ارتفعت أسعار النفط في أكتوبر ونوفمبر 2021، اختار البيت الأبيض اللجوء إلى الاحتياطي البترولي الاستراتيجي الأمريكي، بدلاً من أن يضغط بايدن شخصياً على السعوديين عبر الاتصالات الهاتفية، لضخ المزيد من الخام.

في الواقع، مر عام تقريباً بين المكالمات الهاتفية المباشرة التي أجراها بايدن مع الملك سلمان. بالعودة إلى فبراير 2021؛ كانت محادثتهم تدور حول "إعادة ضبط" العلاقة الأمنية بين واشنطن والرياض، بما في ذلك التراجع عن قرار ترمب بإدراج الحوثيين في قائمة المنظمات الإرهابية.

الرئيس الأمريكي يبحث مع العاهل السعودي ضمان استقرار إمدادات الطاقة

وخلال الأسبوع الماضي، لم يتطرق البيت الأبيض إلى قضية حقوق الإنسان في بيانه. لكن ما تضمنه بيانه كان بمثابة إشارة إلى الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لـ"استقرار إمدادات الطاقة العالمية".

الوعد الذي أطلقه بايدن أثناء حملته الانتخابية بجعل المملكة العربية السعودية دولة "منبوذة" انهار تماماً في اللحظة التي قفزت فيها أسعار النفط نحو 100 دولار للبرميل. وحالياً، تصل أسعار البنزين في محطات الوقود بالولايات المتحدة إلى أعلى مستوى لها في ثماني سنوات عند 3.50 دولاراً للغالون الواحد.

أمريكا تفرج عن 13.4 مليون برميل من الاحتياطي الاستراتيجي للنفط

عمالقة النفط يستعدون لجني أكبر تدفقات نقدية منذ 13 عاماً

في حديث البيت الأبيض؛ تحولت السعودية من دولة منبوذة إلى "شريك" في إدارة سوق النفط، في غضون 12 شهراً فقط.

سحب بايدن العبارات التي أطلقها في فبراير 2021 بعد أن قال تقرير رسمي، إنَّ ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وافق على عملية للقبض على خاشقجي أو قتله.

فرضت الإدارة الأمريكية عقوبات تستهدف مساعدين لولي العهد السعودي، دون شخص الأمير نفسه.

النفط ليس المجال الوحيد الذي يصب في صالح السعودية، والذي دفع واشنطن إلى تغيير خطابها إزاء الرياض؛ فاليمن مجال آخر أيضاً.

في الأسابيع الأخيرة، سلّط دبلوماسيون أمريكيون الضوء على كيفية دعم الرياض لجهود الأمم المتحدة لإنهاء الحرب، في حين ألقوا باللوم على الحوثيين في شن هجمات جديدة.

وقال بريت ماكغورك، منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، متحدثاً في مؤتمر افتراضي لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي:"يتطلّب الأمر طرفين للوصول إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، والآن يقع العبء على عاتق الحوثيين".

حتى أنَّ بايدن اقترح أنَّه قد يدرج الحوثيين في قائمة المنظمات الإرهابية، متخلياً عن قراره الذي اتخذه قبل عام.

مع ذلك؛ ما تزال هناك إشارة واحدة رفض بايدن إرسالها إلى المملكة العربية السعودية، وهي التحدث مباشرة إلى الأمير محمد. لقد أقدم على ذلك بالفعل قادة آخرون، ممن كانوا ينتقدون الرياض بشدة.

التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ولي العهد السعودي وجهاً لوجه في ديسمبر 2021. كما أجرى بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا، اتصالاً هاتفياً معه (محمد بن سلمان) في أواخر العام الماضي.

يتعيّن على واشنطن أن تتصالح مع الواقع. لكنَّها مجرد مسألة وقت؛ فالأمير محمد بن سلمان لن يذهب إلى أي مكان، إذ يبلغ من العمر 36 سنة، في حين يبلغ عمر والده 86 عاماً.

علاوة على ذلك، وعلى الرغم من الحرب العالمية ضد تغير المناخ؛ فإنَّ الطلب على النفط لن يتلاشى. ستبقى المملكة العربية السعودية –وعائلتها الحاكمة– قوة نافذة خلال العقود القادمة.