استكشف الأسرار الأربعة وراء المدير السيئ

عيوب الطبيعة البشرية وهي حب الذات والسذاجة والجشع والأنانية تعبر عن نفسها مهما تقدم العالم

تقديم من شركة "وي ورك" على مسرح "مايكروسوفت"
تقديم من شركة "وي ورك" على مسرح "مايكروسوفت" المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كنت أنسق مكتبتي منذ بضعة أيام فيما أستمع لتقرير إخباري آخر حول رئاسة بوريس جونسون المتهالكة لوزارات بريطانيا حين وقعت يدي على كتاب قليل الصفحات بعنوان "كيف تكون إمبراطوراً سيئاً"، وهو إيجاز من كتاب سويتونيوس "حياة القياصرة" جعلت منه "دار نشر جامعة برنستون" كتاباً للمساعدة على بناء الذات، أو ربما في هذه الحال هدمها.

كان سويتونيوس أفضل من أرّخ لقادة الرومان من يوليوس قيصر إلى دوميتيان لأنه تجنب سير القداسة التقليدية، حيث صور محاسنهم وعيوبهم مركزاً بشكل أساسي على العيوب. ينبغي أن يكون جونسون مطلعاً على نتاجه بفضل دراسته النموذجية في كلية إيتون وجامعة أكسفورد.

أزمة أوكرانيا تختبر سحر الدبلوماسية البريطانية

تعيد نسخة "برنستون" بذكاء إنتاج منتقيات من كتابات سويتونيوس، وكلها أهل لأن تُنتقَى، تحت العديد من العناوين التي تتنافى مع بناء الذات:

  • تجاهل الشؤم... وزوجتك، في إشارة لسخرية يوليوس قيصر من مقولة "اتقِ أواسط مارس" فضلاً على تجاهله نصيحة زوجته.
  • اقضِ كل وقتك في المنتجع، تلميحاً لانغماس تيبيريوس في منتجعه في كابري بدرجة يندى لها جبين سيلفيو برلسكوني.
  • اجعل من حصانك قنصلاً، وهي في إشارة لإغداق كاليغولا على مطيته.
  • اعزف على الكمان فيما تحترق روما، وهو ما جاء في سيرة الإمبراطور نيرو.

لم تدهشني الاختلافات بين العالمين القديم والحديث فحسب حين قرأت كتابات سويتونيوس، بل أوجه التشابه أيضاً. فرضت الديمقراطية قيوداً على الأقوياء، فحملة دونالد ترمب لجعل الحزب الجمهوري صورة عنه لم تدانِ تعيين حصان في مجلس الشيوخ. لكن في الوقت نفسه، حررت التقنية القادة ليحلموا باستعمار المريخ وخلق عالم افتراضي. إن العيوب البدائية في الطبيعة البشرية وهي حب الذات والسذاجة والجشع والأنانية تجد طرقاً للتعبير عن نفسها مهما ظن العالم أنه يتقدم.

كيف قد تبدو النسخة المعاصرة من كتاب "كيف تكون إمبراطوراً سيئاً"؟

أربع قواعد تجعلك رئيساً سيئاً في عالم السياسة والشركات

  • أدر مؤسستك كما لو كانت اقطاعيتك

لدى سؤاله عما سيكون حين يكبر، أعلن بوريس جونسون حين بلغ عمره خمس سنوات أنه يريد أن يكون "ملك العالم". تنبع جميع مشاكله الحالية من ميله لإدارة "داوننغ ستريت" كبلاط وليس كمكتب تنفيذي، فهو يعين الأشخاص المفضلين لديه في المناصب الهامة ويوغر بين الفصائل وكثيراً ما يُلقِي إذنه لزوجته الملقبة بشكل غير رسمي "كاري أنطوانيت". تُظهر صور فضيحة "بارتي غيت" جونسون كعاهل يلاطف حاشيته وحاشية تُداهن قيصراً.

جونسون يواجه معارك على جميع الجبهات وسط ازدياد الخلافات في بريطانيا

هذا النمط مألوف لدرجة مملة بالنسبة للأمريكيين الذين رأوا دونالد ترمب يجلب نفس الأسلوب للحكم الأمريكي. من الغريب أن الثورة السياسية باسم الشعب ضد النخبة أنتجت قادة أشبه بالأباطرة على شاطئي الأطلسي، كما تتسبب بنفس المشاكل طويلة الأمد في بريطانيا التي برزت في الولايات المتحدة، وهي السلوك غير اللائق والنزاع بين الفصائل وانخفاض جودة الموظفين وضعف الإيفاء بالوعود ومزيد فضائح.

  • انفصل عن الواقع

كلما أصبح رجال الأعمال أكثر نجاحاً زادوا تخلياً عن "المجتمع القائم على الواقع" واتجهوا لعالم موازٍ من صنعهم. إنهم يحيطون أنفسهم بالمتملقين والمؤيدين ويخالطون أشخاصاً من أمثالهم حصرياً كما يستسلمون لأوهام وهواجس غريبة.

أوضح براد ستون، الذي ألف كتاباً عن جيف بيزوس، ذلك ببراعة في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز: أغنى رجل في العالم "لم يعد يعيش بيننا حقيقةً".

ثروتا "إيلون ماسك" و"جيف بيزوس" تقتربان من نصف تريليون دولار

رغم جهد بيزوس، ما يزال هنري فورد أفضل مثال على الانفصال عن الواقع، إذ يمكن القول إنه كان أعظم رجل أعمال في القرن العشرين كما كان أسوأ رئيس في نفس الوقت. يدين فورد بنجاحه لتركيزه على احتياجات الأمريكيين العاديين وهم الأشخاص الذين خالطهم كواحد منهم في أعوامه الأربعين الأولى قبل أن يؤسس شركة "فورد". فصله نجاحه عن الناس العاديين وعن المنطق العام كذلك. فتح رفضه الاعتراف بأن السيارات كانت سلعاً استهلاكية تهدف لتنقلك من مكان لآخر الأبواب أمام شركة "جنرال موتورز". كما لم يدع موضوعاً إلا خاض فيه وكان منها ما هو مقيت، حيث خصّه هتلر بالمديح لمعاداته السامية في كتابه "كفاحي"، ومنها ما هو غريب كتقمص الأرواح. كان لديه جواب واحد لأي مرؤوس يتجرأ على انتقاده وهو: "أنت مطرود".

طليقة جيف بيزوس تتبرع بـ2.7 مليار دولار وتنتقد الثراء الفاحش

مع ذلك، ليس جنون العظمة هو الشكل الأكثر شيوعاً للانفصال عن الواقع بل التفكير الجماعي الأيديولوجي. يتشابه خطاب قادة الشركات على الأقل في الغرب حالياً حول الاستدامة والتنوع والإنصاف والعولمة والمسؤولية الاجتماعية، كما لو أن هذه ليست محاسن ظاهرة فقط بل مجانية أيضاً، أو كما في المقولة المبتذلة: "مربحة للطرفين". تتناقض هذه العبارات اللطيفة مع عالمنا الذي يسكنه عدد هائل من الناس، حيث ترتفع أسعار الطاقة وتستفحل القومية وتتقاتل جماعات عرقية على ثمار اقتصاد راكد.

  • استسلم لأحدث بدع الإدارة

بلغت تسعينات القرن الماضي ذروة البدع الإدارية حين أنتجت مصانع البدع العظيمة، من كليات إدارة الأعمال والاستشاريين إلى الناشرين في شؤون الأعمال، بدعاً لا تنفد؛ فنصحت الشركات أولاً أنه يتعين عليها التركيز على الجودة أو ما يسمى "إدارة الجودة الشاملة" ثم قالت إنه على الشركات أن تتخلص من نصف عمالها أو ما أطلق عليه إعادة الهندسة.

صفقة الــ 68 مليار دولار تربط مصير قائدي "غلاكسو" و"يونيليفر" المحاصرين

لكن حتى لو انخفضت وتيرة انتشار البدع، فقد تبقى المشكلة خطيرة إن لم تكن مهلكة. المثال الأكثر وضوحاً على مخاطر نهج البدع هو شركة "يونيليفر" (Unilever)، حاول بول بولمان خلال فترة قيادته الطويلة كرئيس تنفيذي للشركة بين 2009 و2019 إدخال أفكار مبتدعة حول "الهدف" و"المسؤولية الاجتماعية" في صميم كل ما تفعله شركة المنتجات الاستهلاكية العملاقة. رغم أن بولمان يباهي بأن "يونيليفر" قدمت عائداً بلغ 300% للمساهمين خلال عهده، إلا أنه من الصعب قبول مزاعمه حول تحقيق أداء جيد عبر صالح الأعمال، وذلك لأن أداء "بروكتر آند غامبل" (Procter & Gamble) و"نستله" كان أفضل خلال تلك السنوات، وبسبب المشاكل التي تواجهها الشركة حالياً.

"يونيليفر" تنوي إلغاء آلاف الوظائف في حين يبني بيلتز حصته فيها

يبدو آلان جوب، خليفته المختار المتعصب أيضاً لعقيدة الهدف، في وضع صعب، حيث سخر مدير الصندوق تيري سميث من فكرة أن مايونيز "هيلمان" يجب أن يكون له غرض بخلاف تزيين السلطة، كما أن المستثمر الناشط نيلسون بيلتز يبني حصة في الشركة، التي أجبرت في أعقاب عرضها غير المدروس لشراء قسم صحة المستهلك في "غلاكسو سميث كلاين" (GlaxoSmithKline) 1500 موظف للسعي وراء "هدفهم" في مكان آخر بأن طردتهم. قال أحد المصرفيين البارزين لصحيفة "التايمز": "سيكون سؤال من سيرحل أولاً جوب أم بوريس جونسون رهاناً مثيراً للاهتمام".

  • اشرب "كول ايد" من "سيليكون فالي"

كانت طائفة "معبد الشعوب" التي قادها جيم جونز تستقر في سان فرانسيسكو قبل أن ينتقل أتباعها إلى غويانا وينتحروا جماعياً بشرب "كول ايد" مسموم في 1978. أصبحت سان فرانسيسكو وجوارها اليوم مركزاً لعقيدة جديدة وهي الرئيس الذي يتعمد أن يكون بغيضاً، وهي عقيدة أقل فتكاً، لكنها مقلقة إن لم تكن خطيرة.

هنالك نموذج الرئيس البغيض: أساء ستيف جوبز معاملة كل من حوله، لكنه مع ذلك غير العالم.

لا تتخلوا عن المدير التنفيذي الكاريزماتي

ونموذج العبقري المجنون: أنفق إيلون ماسك نصف أرباحه من أول شركة ناشئة لشراء سيارة سباق، وحين حطمها في حادث فيما كان بيتر ثيل يجلس إلى جانبه، كانت ردة فعله الضحك بشكل جنوني لأنه لم يؤمن عليها.

ونموذج الرئيس القميء: نشر مارك زوكربيرغ على حسابه في "إنستغرام" فيديو وهو يتزلج على الماء ويلوح بالعلم الأمريكي مستمعاً لأغنية "يا دروب الريف بلغيني بيتي" لجون دنفر.

وهناك الرئيس الحميمي: كان ترافيس كالانيك مشهوراً بحفلاته الماجنة عندما كان يدير "أوبر". أما شيرفين بيشيفار"، أحد المستثمرين الرئيسيين في الشركة، فهو متهم بالتحرش الجنسي.

وهناك الرئيس مختلق الخرافات: كانت "وي وورك" (WeWork) نشاطاً رتيباً إلى حد ما يسوق مساحات مكتبية قصيرة الأجل في المدن، لكن مديرها آدم نيومان، ضابط البحرية الإسرائيلي السابق الذي يبلغ طوله 196 سنتمتر، تمكن من إقناع مستثمرين وبخاصة ماسايوشي سون أنه كان يبيع "مستقبل العمل" أو "شبكة اجتماعية مادية" أو حتى "مزرعة جماعية رأسمالية"، كما لو أن هناك من يرغب بمثل ذلك.

آدم نيومان يحصد 2.3 مليار دولار بعد "وي ورك"

أحياناً تكون التصرفات الغريبة لعمالقة التقنية ومقلديهم شائنة لدرجة أنهم يبدون وكأنهم خرجوا من كتاب سويتونيوس. زوكربيرغ في الواقع مفتون جداً بالإمبراطور أوغسطس لدرجة أنه قضى شهر عسل في روما، وقال إن "جميع الصور هي لتماثيل مختلفة لأغسطس" كما سمى ابنته الثانية أغسطس. قال لصحيفة "نيويوركر": "عبر مقاربة قاسية حقاً... أسس أغسطس قرنين من السلام العالمي". أحب زوكربيرغ اللاتينية في المدرسة قائلاً إنها "تشبه إلى حد كبير البرمجة أو الرياضيات".

حصلت شقيقته دونا على دكتوراه في الأدب الكلاسيكي من جامعة "برينستون"، وكتبت كتاباً عن كيفية استشهاد مجموعات "اليمين البديل" الكارهة للنساء على الإنترنت بالتاريخ الكلاسيكي. ربما كان سرد حياة أباطرة التقنية مشروع تخرج أشجع.

إلى إيلون ماسك.. هذه خطة بـ6 مليارات دولار لإنهاء الجوع العالمي

ليس لدي أدنى شك في أن نفع أباطرة التقنية هؤلاء أكبر من ضررهم، فلا يمكنك تغيير العالم دون أن تكون غريباً بعض الشيء. لكن المشكلة هي أن كثيراً من الناس يعتقدون أن كل ما عليك القيام به هو تقليد مثالب الناجحين، مثل بغاضة تصرف ستيف جوبز أو إطلاق لحية على غرار راسبوتين كما فعل جاك دورسي، لتكون عبقرياً في مجال الأعمال. تشير المقاييس التي لا حصر لها إلى أن مشكلة الرؤساء السيئين كبيرة.

أظهر استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" في 2019 أن نصف العمال الأمريكيين تركوا وظائفهم هرباً من رئيس سيئ، ولم تكن "الاستقالة العظيمة" لتبلغ هذا الحجم لو كان المديرون أفضل. تظهر دراسات عدة أن وجود رئيس سيئ يزيد فرص إصابتك بنوبة قلبية بنسبة 50%. آخر ما نحتاج هو أن يفاقم مزيد من الرؤساء المشكلة عبر محاكاة زاك أو إيلون أو جاك. فلن يعدو البغيض كونه بغيضاً وكذلك الأخرق في 99 من كل 100 حال.