تخلف نمو اقتصادها عمّا سواه.. اليابان قد تكون في مقدمة الركب

استنتاج أنَّه لم يتغير الكثير في اليابان منذ عقود يبدو مغرياً، إلا أن هذا السكون قد يكون ميزة

علم اليابان يرفرف خارج مقر البنك المركزي الياباني في طوكيو
علم اليابان يرفرف خارج مقر البنك المركزي الياباني في طوكيو المصدر: بلومبرغ
Daniel Moss
Daniel Moss

Daniel Moss is a Bloomberg Opinion columnist covering Asian economies. Previously he was executive editor of Bloomberg News for global economics, and has led teams in Asia, Europe and North America.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يرتفع التضخم حول العالم، ويخشى محافظو البنوك المركزية من أنَّ النمو محموم، مع ذلك يبدو أنَّ المسؤولين في ثالث أكبر اقتصاد بالعالم مرتاحون بخلاف هؤلاء. هل تخطى الانتعاش الكبير بعد الوباء اليابان؟ تظهر نظرة فاحصة على البيانات أنَّ تعافي الاقتصاد الياباني كان بعيداً عن القوة، وأنَّ احتمالات ترك التحفيز تبدو بعيدة.

أظهرت أرقام صدرت الثلاثاء عودة الاقتصاد الياباني للنمو، مع زيادة الناتج المحلي الإجمالي بوتيرة سنوية بنسبة 5.4% في الربع الأخير من 2021، بعد ركود في الربع الذي سبقه. لكن كانت نسبة النمو دون التوقُّعات، وقد ينكمش الاقتصاد الياباني مرة أخرى في الربع الأول من 2022، إذ إنَّ القيود المتجددة على النشاط الاجتماعي والتجاري لتقييد تفشي "أوميكرون" لها تأثير سلبي.

بنك اليابان يسحب التحفيز النقدي خلسة تفادياً لإرباك الأسواق

جاءت الأرقام المخيبة للآمال بعدما توقف البنك المركزي الياباني عن التكهن بأنَّه سيخفف السيطرة على عوائد السندات لأجل 10 سنوات، والتي يسعى لإبقائها قريبة من الصفر. ارتفعت عوائد السندات لأجل 10 سنوات الأسبوع الماضي 0.25%، وهو الحد الأقصى المرغوب لدى البنك المركزي الياباني، الذي عرض يوم الإثنين رداً على شراء مبلغ غير محدود من الدين الحكومي مقابل سعر ثابت قدره 0.25%، وهو أول تدخل من هذا النوع منذ أكثر من ثلاث سنوات.

يجب أن يضع هذا الإجراء نهاية للفكرة القائلة بأنَّ اليابان، التي كافحت الانكماش، قد تستسلم للتراكض العالمي نحو رفع أسعار الفائدة.

كان يصاحب هذا النوع من الرهانات القليل من السخرية. ليست اليابان معزولة عن العالم، لكنَّ ارتفاع التضخم الذي ضرب الولايات المتحدة وبريطانيا لم يبلغها بعد، إذ تفوق وتيرة ارتفاع الأسعار في أمريكا الشمالية، وبريطانيا، ومنطقة اليورو المستهدف بكثير.

تيسير راسخ

تعتبر اليابان نفسها محظوظة لأنَّها تعاني نسخة شاحبة من ذلك، فمن المحتمل أن يكون مؤشر السعر الرئيسي للبلاد قد تباطأ الشهر الماضي إلى 0.3%. كما يبدو التيسير الكمي، وهو سمة من سمات السياسة اليابانية على مدى عقود، راسخاً.

كان إقدام المركزي الياباني على رفع أسعار الفائدة في 2000 يمثل إخفاقاً ذريعاً، مما أجبر المسؤولين على التراجع بسرعة لخفضها. حاول البنك ذلك مجدداً في 2006، ورفع سعر الفائدة الرئيسي، لكنَّه تراجع خلال الأزمة المالية العالمية، التي بدأت في العام التالي.

جدار السيولة المحلية يحمي سندات اليابان من تقلبات الأسواق العالمية

في حين يبدو استنتاج أنَّه لم يتغير الكثير في اليابان منذ عقود مغرياً، إلا أنَّ هذا السكون قد يكون ميزة. يحذر اقتصاديون، وحتى بعض المسؤولين، من أنَّ البنوك المركزية تخاطر بالذهاب بعيداً في رفع أسعار الفائدة. يتحدثون عن العودة إلى المستوى المحايد، وهو مستوى تكاليف الاقتراض الذي لا يحفز ولا يعيق الاقتصاد.

لكن مع ارتفاع التضخم بشكل غير مريح، هناك خطر حقيقي للغاية، يتمثل في خنق النمو، إذا بالغت البنوك المركزية في رد فعلها. بهذا المعنى، قد يجعل الموقف التيسيري من اليابان في مقدمة الركب.

فرط خمول

انتقد جيم أونيل، كبير الاقتصاديين السابق في مجموعة "غولدمان ساكس"، البنوك المركزية على فرط خمول تحركاتها العام الماضي في مواجهة العلامات المبكرة للتضخم. لذا قد تصاب بالذعر وتفرط. قال أونيل أمام لجنة برلمانية في بريطانيا الأسبوع الماضي، إنَّ هناك علامات مقلقة على التباطؤ، وأضاف قوله: "من الواضح تماماً أنَّ بنك إنجلترا، وبنوكاً أخرى ما كان ينبغي أن يتصرفوا كما فعلوا في العامين الماضيين... قد يسيرون في الاتجاه الخاطئ تماماً لاستعادة مصداقيتهم فقط".

إن حدث هذا السيناريو الضار، ستعود تخفيضات أسعار الفائدة، وربما حتى التيسير الكمي الى جدول الأعمال مجدداً. إن كان ذلك؛ فستكون اليابان قد تجاوزت الجزء الأوسط من الدورة الاقتصادية أثناء الوباء برمته.

ما هي رسائل الأسبوع الماضي الثلاث للمستثمرين؟

حدث ذلك من قبل؛ فقد اعتبر التيسير الكمي صيغة غريبة خاصة في طوكيو حتى الأزمة المالية العالمية، حين تبنتها الولايات المتحدة وبريطانيا،. عززت أزمات الديون في منطقة اليورو من استخدامها، في حين تراجع اللجوء إليها في أستراليا ونيوزيلندا خلال الوباء.

قد نبدأ مجدداً بسماع عبارة "اتباع اليابان في ممارسات السياسة النقدية". لقد أصبح مرادفاً للفشل، لأنَّه ينطوي على تحديات ديموغرافية هائلة، ونمو متقطع، وحركة أسعار بطيئة. كان من المألوف الإشارة إليه قبل الوباء على سبيل التحذير، لكن هل يبدو التضخم القريب من الصفر سيئاً الآن؟

سواء أكان ذلك مخيباً للآمال أم لم يكن؛ فقد تكون اليابان على الجانب الصحيح من التاريخ.