صفقة دين الأرجنتين لا تعدها بالخلاص

يفسح التفاهم الأولي على الأرجنتين بعض الشيء لكن لا يُمهّد للتغييرات التي يحتاجها الاقتصاد

رئيس الأرجنتين، ألبرتو فرنانديز
رئيس الأرجنتين، ألبرتو فرنانديز المصدر: بلومبرغ
David Wainer
David Wainer

David Wainer is a Bloomberg Opinion columnist covering the business of entertainment and telecommunications. He has covered markets, health care, economics and international affairs for Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تُشبه علاقة صندوق النقد الدولي بالأرجنتين زوجين تعيسين للغاية يحاولان إصلاح زواجهما الفاشل، وبغضِّ النظر عن عدد المرات التي يقرران فيها منح زواجهما فرصة أخرى، تكون النتيجة دائماً ظهور نفس الخلافات القديمة والوعود الكاذبة.

تحرك الطرفان مرة أخرى نحو اتفاق للمرة الثانية والعشرين في تاريخهما المشترك.

سيُعيد الاتفاق، الذي ما يزال بحاجة لموافقة الكونغرس، ومجلس إدارة صندوق النقد الدولي، تمويل أكثر من 40 مليار دولار من الديون المستحقة الناجمة عن خطة الإنقاذ القياسية للبنك في 2018. ستُخفّض الأرجنتين بالمقابل تدريجياً عجزها المالي، وتشدّد سياستها النقدية لمكافحة التضخم.

الأرجنتين تتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد بـ44.5 مليار دولار

يفسح التفاهم الأولي على الأرجنتين بعض الشيء، لكنَّه لا يُمهّد الطريق أمام التغييرات التي يحتاجها اقتصادها، ناهيك عن تحسين قدرتها طويلة الأجل على سداد ديونها. إن لم تضع إدارة الرئيس ألبرتو فرنانديز خطة أوضح لتحفيز استثمارات القطاع الخاص، والتنويع بعيداً عن الزراعة، وتوسيع القاعدة الضريبية؛ فسيكون محكوماً على الأرجنتين بالتخلّف عن سداد ديونها في وقت لاحق من هذا العقد.

في حين تساوم الجانبان بشأن الاقتصاد؛ فإنَّ المشكلة السياسية هي الأعمق. يدرك صندوق النقد الدولي أنَّه ارتكب أخطاء حين قدّم 57 مليار دولار لدعم حكومة ماوريسيو ماكري في 2018. أُهدر الكثير من المال في محاولة فاشلة لدعم البيزو، مما ترك الأرجنتين مع عبء ديون يتنامى، فضلاً عن قليل مال لسداده.

الصندوق الممقوت

كان يُمكن لصندوق النقد الدولي أن يطلب الكثير من حكومة فرنانديز البيرونية التي تكره قاعدتها السياسية هذه المؤسسة. أدى الانقسام السياسي الداخلي، المعروف في الأرجنتين باسم "لا غرييتا"، إلى أن يفتقر فرنانديز إلى رأس المال السياسي لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة. أقرت كريستالينا غورغييفا، مديرة صندوق النقد الدولي، بانخفاض التوقُّعات حين أخبرت الصحافة أنَّه يتعين على الصندوق إدراك "حدود ما يمكن عمله خلال السنوات المقبلة".

الأرجنتينيون يتظاهرون ضد صندوق النقد خوفاً من تكرار الدمار الاجتماعي الذي سببه سابقاً

تتأرجح الأرجنتين من أزمة إلى أخرى، ويرجع ذلك أساساً إلى أنَّ الخلل السياسي الذي تعاني منه يعني أنَّ الحكومات لا يُمكنها التمسّك ببرامج اقتصادية متينة لاستعادة ثقة المستثمرين.

قال ميغيل كيغيل، وكيل وزارة مالية الأرجنتين السابق: "الأسواق المالية لا تؤمن بالأرجنتين".

ظهر الخلل السياسي فور توصّل صندوق النقد الدولي والأرجنتين إلى اتفاق. استقال احتجاجاً على الاتفاق المشرّع ماكسيمو كيرشنر، نجل نائبة الرئيس القوية كريستينا فرنانديز دي كيرشنر ،وزعيمة التجمع الحاكم لجبهة "دي تودوس" في مجلس النواب. كما اتخذت والدته، الرئيسة السابقة، موقفاً متشدداً تجاه وصفات سياسة صندوق النقد الدولي، في حين أشارت المعارضة الأرجنتينية، التي تشكّل أكبر كتلة في الكونغرس حالياً، إلى دعمها للاتفاق، وسجّلت نقاطاً سياسية من خلال انتقادها للانقسام داخل الائتلاف الحاكم.

قبول الحالة الراهنة

اختار صندوق النقد الدولي والأرجنتين، بقيادة الخبير الاقتصادي المتدرب في الولايات المتحدة مارتن غوزمان، قبول الأمر على حالته الراهنة، نظراً لوجود كوم من الديون التي تُستحق هذا العام.

لا تعتبر أهداف الاتفاقية سيئة، إذ تدعو لاعتماد معدلات فائدة حقيقية إيجابية، وهي ضرورية لمعالجة التضخم الذي يفوق 50%، وإلى موازنة الحكومة لعجزها المالي الأساسي من أجل خفض نسبة الدين المرتفعة إلى الناتج المحلي الإجمالي البالغة حوالي 100%. كما أشار صندوق النقد الدولي أيضاً إلى أنَّه يتوقَّع خفض الأرجنتين لدعم الطاقة.

الأرجنتين تشدد قواعد سوق الصرف للحد من تدفق الدولار للخارج

لكن لا تضع الاتفاقية، التي لم يتم الإعلان عن تفاصيلها بعد، طريقة حازمة لبلوغ ذلك. يثير إصرار وزارة المالية على عدم التخطيط لخفض الإنفاق تساؤلات حول كيفية تقليص العجز. قد تؤدي زيادة الضرائب لانخفاضه، إلا أنَّ الانخفاض المفاجئ في أسعار السلع مثلاً سيُصعّب على الدولة الوفاء بالتزاماتها، وسيكون التمسّك بتخفيضات الإنفاق قبيل الانتخابات الرئاسية في 2023 مهمة صعبة.

قال نيخيل سانغاني، اقتصادي الأسواق الناشئة والمتخصص في أمريكا اللاتينية لدى "كابيتال إيكونوميكس" Capital Economics ومقرها في لندن: "سنشهد تحولاً مؤقتاً باتجاه السياسات الصديقة للسوق في أحسن الأحوال."

خفض العملة

السؤال الرئيسي الآخر هو كيف تخطط الأرجنتين لزيادة احتياطي العملات الأجنبية سريع التراجع إلى 5 مليار دولار وفقاً لما هو مقترح. لا تطلب الصفقة من الأرجنتين تخفيض قيمة عملتها بشكل حاد، مما يعزز عادة الحساب الجاري للدولة عبر جعل الصادرات أرخص، والواردات أقل رواجاً. أدت ضوابط رأس المال في الأرجنتين لازدهار الأسواق السوداء في شوارع بوينس إيرس، حيث يكلف الدولار حوالي ضعف السعر الرسمي، لكنَّ غوزمان يصر على أنَّه لن تكون هناك "قفزة" في سعر الصرف. كما يُفهم أن تخشى الأرجنتين من تضخم جامح إن خفضت قيمة العملة كثيراً، كما حدث في عهد ماكري، لكنَّ الإفراط في التدرّج سيقف في طريق التعافي بشكل أسرع.

الأرجنتين تشدد قواعد سوق الصرف للحد من تدفق الدولار للخارج

الحقيقة المرة هي أنَّه ما لم تحدث معجزة اقتصادية حقيقية، ولا أقصد بهذا نسخة من معجزة جوزيف ستيغليتز التي تعرضت لانتقادات شديدة؛ فإنَّ الأرجنتين ستعاني عند تسديد القروض للمقرضين. عكست عائدات السندات الأرجنتينية هذا التشاؤم حين تراجع عائد السندات المستحقة في 2038 من أعلى مستوى عند 16.6% بعد الإعلان عن الصفقة، ومن ثم عاود الصعود منذئذ إلى 15.5%.

يجادل ويليم بيوتر، الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا، بأنَّ صندوق النقد الدولي ارتكب "خطأً فادحاً في التقدير" بقرض 2018، ويجب أن يتحمل خطأه عبر منح الأرجنتين لجزء من الديون. من شأن ذلك أن يُشكّل سابقة سيئة للبلدان الأخرى، لكن كخطوة أولية؛ ينبغي أن يعيد صندوق النقد الدولي النظر حيال رفضه طلب الأرجنتين بإعفائها من الرسوم الإضافية الضخمة المترتبة على قرضها الضخم للغاية.

لكن هذه الفسحة لن تمتد لأكثر من هذا. قد تُرجّح عيوب هذه الصفقة توجّه الأرجنتين، التي أعادت هيكلة 65 مليار دولار من ديون الدائنين من القطاع الخاص في العام 2020، إلى أبواب مقرضيها مرة أخرى خلال هذا العقد.