كيف أخطأ محللو "وول ستريت" إلى هذا الحد في توصياتهم لأسهم "ميتا"؟

مارك زوكربيرغ يتحدث في حدث "فيسبوك كونيكت"
مارك زوكربيرغ يتحدث في حدث "فيسبوك كونيكت" المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

إذا كان لديك مراهق في منزلك، فأنت تعلم منذ فترة أنَّ تطبيق "فيسبوك" لم يعد رائعاً كما كان من قبل.

ومع ذلك؛ ما تزال "وول ستريت" تحافظ على صورتها الخاصة بشركة "فيسبوك" الأم، والتي غيّرت اسمها ليصبح "ميتا" العام الماضي.

لسنوات، استمرت الأسعار المستهدفة من المحللين لأسهم "فيسبوك" بالارتفاع، فيما أشارت في بعض الأحيان إلى عوائد من رقمين، وكانت تقديرات النمو لا تنوه إلى أي شيء يدعو للقلق، وذلك كان الحال حتى الثاني من فبراير على أي حال.

استراتيجيو "جيه بي مورغان" للمستثمرين: اشتروا الأسهم الآن

هبوط قياسي

في ذلك اليوم، اصطدم عاملان أساسيان في قصة "ميتا" ببعضهما، أولهما كان المحور الشهير المتمثل بفقدان الشركة لميزاتها مع المستهلكين الشباب، والآخر هو فقدان تميزها بين المستثمرين كعملاق تكنولوجي لا يمكن إيقافه.

فقد أبلغت "ميتا" حينها عن أول انخفاض فصلي لها على الإطلاق في عدد المستخدمين النشطين يومياً على "فيسبوك". مع مواجهتها لمنافسة شديدة من تطبيقات مشاركة الفيديو مثل "تيك توك".

وكانت النتيجة نمو إيرادات الشركة بوتيرة أبطأ في الربع الحالي من توقُّعات المحللين، بانخفاض بنسبة 26% في سعر السهم في الثالث من فبراير، مما أدى إلى محو 251 مليار دولار من قيمة "ميتا" السوقية.

وبذلك، سجلت الشركة أكبر انخفاض يحدث في يوم واحد في تاريخ السوق، على الرغم من أنَّها ما تزال تحتل المرتبة الثامنة من ناحية القيمة السوقية لأكبر الشركات الأمريكية، بتقييم إجمالي يبلغ 631 مليار دولار.

توصية الشراء

إخفاق معظم محللي "فيسبوك" البالغ عددهم 62، والذين أمضوا حياتهم في التعامل مع الأرقام، في فهم مثل هذا التقرير المستقبلي المخيب للآمال، يمكن أن يشكل دراسة حالة لما يمكن أن يغيب عنك أثناء دراسةٍ لوضع تغلب عليه الآراء المتوافق عليها بشكل كبير.

يقول مارشال فرونت، كبير مسؤولي الاستثمار في "فرونت بارنيت" (Front Barnett Associates): "لا يمكنك أن تقبل بعيون مغمضة ما يقوله أي شخص لديه نموذج مالي، و(ميكروفون) عن الشركة". ويضيف: "قد يكلفك ذلك ثمناً باهظاً. إذا اعتقد الجميع أنَّ السهم مُصنَّف كـ"شراء"، فبحلول الوقت الذي ينتقل فيه آخر محلل من توصية "احتفاظ بالسهم" إلى "شراء"، يكون هذا الوقت المناسب للبيع".

وكلما كانت الشركة أكبر؛ زاد عدد المحللين الذين يقومون بتغطيتها من خلال التحدث إلى المديرين التنفيذيين رفيعي المستوى، واستنتاج الملاحظات البحثية، وتحديث التوصيات، وإعطاء العملاء معلومات مهمة أخرى. ومع ذلك؛ يُعرِّف محللو جانب البيع - أولئك الذين يعملون عادةً في شركات الوساطة - بأنَّهم نادراً ما يكونون متشككين.

وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ"؛ فإنَّ حوالي 5% فقط من جميع التوصيات الخاصة بأسهم الشركات الأعضاء في مؤشر "إس آند بي 500" هي "توصيات بيع"، في حين تعد توصيات "الاحتفاظ بالسهم" طريقة أكثر تفضيلاً للمحلين للتعبير عن الشك. (تقوم شركة "بلومبرغ"، مالكة "بلومبرغ بيزنس ويك"، ببيع أبحاث الشركة وتحليلاتها إلى المختصين الماليين).

صعوبة التشاؤم

كان من الصعب بشكل خاص على المحللين وضع تصنيف متشائم لشركة "ميتا"، التي حققت أسهمها المكاسب خلال جميع الأعوام التي تلت طرحها الأولي في عام 2012 تحت اسم "فيسبوك"، باستثناء عام واحد.

فهناك عاملان نفسيان يحولان دون وضع هذا التصنيف من قبل المحللين، فكما يقول ستيفن ويتزل، الشريك الإداري ومدير المحفظة في "ريفيل ويلث مانجمنت" (Reveille Wealth). العامل الأول: يتمثل في فكرة أنَّ السهم الذي وصل إلى هذا الحد من الارتفاع، من المرجح أن يستمر في الصعود. والثاني: عندما يكون لدى أي شخص آخر توقّع "شراء"؛ فيكون الأكثر أماناً أن تنصح بشيء مشابه لما

يقول ويتزل:

كانت "فيسبوك" إحدى الشركات المفضلة لدى "وول ستريت"، ولمَ يرغب أحد في مواجهة الآخرين والقول: إنَّ شيئاً ما قد تغير. أما عن إجابة السؤال المحوري: لماذا يتبع أحدهم القطيع؟ فالإجابة ببساطة: لأنَّه من الصعب أن تسبح ضد التيار

ولذلك، غالباً ما يكون من الأفضل بالنسبة لسمعة المرء أن "يفشل بشكل تقليدي" كما يقول الخبير الاقتصادي الشهير جون ماينارد كينز.

وقد وجدت دراسة أجراها باحثون من كلية "غويزويتا" للأعمال في "جامعة إيموري" في أتلانتا بالتعاون مع كلية السياسة العامة والإدارة التابعة لمعهد التنمية بكوريا الجنوبية عام 2007، دليلاً على انتشار ثقافة القطيع بين محللي جانب البيع.

وخلصت أنَّ المحللين أكثر استعداداً للتميز عن الآخرين عند ترقية توصياتهم. بينما كانوا يميلون إلى اتباع بعضهم عند خفض التصنيف، مما يشير إلى إحجامهم عن تقديم توصيات أكثر تشاؤماً مقارنةً بجموع المحللين.

اتباع الأغلبية

قبل بدء موسم الأرباح؛ نصح 84% من المحللين الذين يغطون شركة "ميتا" بشراء أسهمها، فيما يعد أحد أعلى اتجاهات الصعود للشركات التي يغطيها عدد مماثل من المحللين. في حين أوصى اثنان فقط- كلاهما في أوروبا - ببيع أسهم عملاقة التكنولوجيا. وأظهر مسح يقيس مدى اختلاف المحللين مع بعضهم بشأن السعر المستهدف وجود القليل من الجدل نسبياً حول توصيات الشراء، فقد استقر معدل الانحراف المعياري من المتوسط عند 0.1، وذلك لنحو 60% من قراءات أسهم شركات "إس آند بي 500"، التي تغطيها 30 شركة وساطة على الأقل. وكلما كان رقم الانحراف المعياري أقل؛ زاد توافق أسعار المحللين المستهدفة حول متوسط القراءة.

لكل شركة وضعها الخاص

بالطبع، ربما كان المستثمرون راضين عن أداء "ميتا" أيضاً. فخلال السنوات القليلة الماضية، اعتبر الكثيرون أنَّ شركات عمالقة التكنولوجيا يشكلون معاً صفقة أسهم واحدة، وما عليك إلا أن تقوم بشراء أسهم هذه الشركات عندما تكون متفائلاً بشأن عوامل المخاطر والنمو، وبيعها عندما تكون متشائماً بشأن العوامل ذاتها. ويُعد فصل أداء "ميتا" مؤخراً عن أداء شركتي "أبل"، و"أمازون" بمثابة تذكير بأنَّ كل شركة لديها مشكلاتها الخاصة.

وفي هذ الإطار، استخف المحللون الذين يغطون "ميتا" بمشكلتين رئيسيتين. الأولى؛ هي أنَّ التغييرات الأخيرة التي تم إدخالها على برامج "آبل" لأجهزة "آيفون"، والتي طلبت شركات مثل "ميتا" إذناً من المستخدمين للموافقة على جمع البيانات؛ جعلت من الصعب على "ميتا" تحقيق أرباح من الإعلانات التي تستهدف مستخدمين بعينهم. وقالت الشركة، إنَّ ميزة الخصوصية الجديدة ستخفّض 10 مليارات دولار من مبيعات "ميتا" في عام 2022، أو حوالي 8.5% من عائداتها في عام 2021.

"فيسبوك" تدفع 90 مليون دولار لتسوية دعوى خصوصية بشأن تتبع المستخدمين

والمشكلة الثانية؛ هي معدل نمو مستخدمي "فيسبوك"، فقد كانت الدلالات على وجود مشاكل تتصاعد منذ أشهر. وفي أكتوبر، كشفت عالمة بيانات سابقة في الشركة عن مئات الوثائق الداخلية. وقد أظهرت بعض تلك الوثائق أنَّ عدد الاشتراكات الجديدة للمراهقين آخذ في الانخفاض، وأنَّ الشباب أخذوا وقتاً أطول للانضمام إلى "فيسبوك" مقارنة بالسابق. من جانبها، أقرت "ميتا" بأنَّها تواجه منافسة شديدة من "تيك توك"، في حين أشارت إلى أنَّ منتجاتها ما تزال تستخدم على نطاق واسع من قبل المراهقين. كما أعلن الرئيس التنفيذي لعملاقة التكنولوجيا، مارك زوكربيرغ، في أكتوبر، أنَّ جذب الشباب سيكون بمثابة "بوصلة" الشركة الجديدة. وفي المتوسط، يستخدم حوالي 2.8 مليار شخص أحد تطبيقات "فيسبوك" بشكل يومي، بما في ذلك "إنستغرام"، و"واتساب".

لكل جواد كبوة

يقول أوليفر بورشه، نائب الرئيس الأول، والمستشار في "ويلثسباير أدفايزرز" (Wealthspire)، إنَّه على الرغم من أنَّ المحللين قد وقعوا في خطأ بشأن العديد من المعايير المالية مع دخول موسم الأرباح؛ إلا أنَّ نجاحهم يجب أن يقاس على المدى الطويل. وأضاف بورشه، الذي يدفع مقابل الحصول على أبحاث جانب البيع: "نعم، كان الجميع على خطأ، لكنَّهم كانوا على خطأ في هذا الربع أيضاً. دعونا نرى ما سيحدث في الأرباع اللاحقة. إنَّه ليس مسماراً في نعش المحللين".

وفي حين أنَّ المحللين الذين نصحوا العملاء بشراء "ميتا" قبل هبوطها بنسبة 26% قد تنتظرهم بعض المناقشات الحادة؛ إلا أنَّ البيانات التي جمعتها "بلومبرغ" تظهر أنَّ الاثنين الذين أوصيا ببيع الأسهم في أوروبا؛ كانا يوصيان بذلك منذ عامي 2015 و2019، على التوالي، لذا؛ فإنَّ هذه القرارات ربما لم تكن مفيدة لعملائهم بشكل كبير. فحتى مع هبوط ما بعد الأرباح، بالمجمل ارتفعت قيمة أسهم "ميتا" بنحو 190% منذ بداية عام 2015.

تأثير العلاقات

بالإضافة إلى العوامل النفسية التي تدفع المحللين إلى تجنّب التوصيات السلبية؛ فإنَّ خطر تدمير علاقات العمل يثني المحللين عن التشكك كذلك. يقول جيمس أنجل، أستاذ الشؤون المالية في "كلية ماكدونو" لإدارة لأعمال في "جامعة جورج تاون"، إنَّ المحلل المتشائم قد يفقد ميزة الوصول إلى المديرين التنفيذيين للشركة، مما يصعّب قيامه بعمله. فوظيفة المحلل لا تتعلق فقط بالتعامل مع الأرقام، حيث يضيف المحلل قيمة إلى شركة الوساطة من خلال المساعدة في تنظيم اللقاءات والمقابلات بين المديرين التنفيذيين في الشركة وكبار العملاء. يقول أنجل: "تقل احتمالية تعاون الشركات مع المحللين الذين يقولون، إنَّ قيمة أسهمهم مبالغ فيها".

وكانت العلاقات بين المحللين والشركات قد عُرفت بالدفء الشديد إبان عصر فقاعة "الدوت كوم". مما دفع بالجهات التنظيمية إلى حظر بعض المحللين البارزين من العمل بالقطاع بزعم تضخيمهم لقيمة أسهم بعض الشركات التي تريد شركات الوساطة التربح منها. الأمر الذي أدى إلى وضع قواعد أكثر صرامة لتنظيم قطاع الأعمال البحثية.

بالنسبة إلى فرونت، الذي بدأ عمله في "وول ستريت" في عام 1963؛ فقد أدى صعود الاستثمار في صناديق المؤشرات والتداول القائم على الكمبيوتر إلى تغيير قواعد اللعبة أيضاً. فعندما كان الاستثمار يتعلق أكثر باختيار الأسهم الفردية؛ كان الطلب على البحث المتعمق من جانب البيع أعلى، وكذلك كانت جاذبية أنَّك محلل وساطة.

ويتذكّر فرونت، الذي يعتمد على تحليل القرارات المالية داخلياً، أنَّ "وول ستريت" كانت تعرف بعض كبار محللي شركته بأسمائهم الأولى. ويضيف كبير مسؤولي الاستثمار في "فرونت بارنيت أسوشيتس": "طبيعة السوق تغيرت، وكذلك طبيعة العمل. قبل سنوات، كان محللو جانب البيع بمثابة ملوك القطاع. لكن هذه الأيام قد انتهت".