خدعة سيرك جديدة: أسود وفيلة وحيتان "هولوغرامية"

عرض بشري مع أسد بتقنية الهولوغرام
عرض بشري مع أسد بتقنية الهولوغرام المصور: فريدريك روفيراند
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يعرض السيرك الفرنسي "ليكوسيرك" (L’Écocirque)، كل الأعمال المذهلة التي أصبح الجمهور يتوقعها داخل خيمة كبيرة، من أشخاص يمشون على حبال مشدودة، وساحر يحافظ ببراعة على حركة الكرات المتعددة، ورجل قوي البنية يقدم أعمالاً خارقة بشكل لا يصدق. ما يميز هذا السيرك حقاً هو الطريقة المبتكرة التي حافظ بها على وجود الحيوانات البرية، رغم الحظر واسع النطاق على استخدامها في السيرك. أما السر وراء ذلك، فهو استخدم "ليكوسيرك" الصور المجسمة التي تُعرف بتقنية الهولوغرام، بدلاً من استخدام الحيوانات الحقيقية.

hقرأ أيضاً: "ديزني لاند" تلغي إلزامية ارتداء الزوار الحاصلين على اللقاح للكمامات

يقدم استعراض "100% بشري" (100% Humain) الذي تنظمه الشركة الفرنسية، وهو الآن في جولة حصرية في فرنسا، صوراً مسقطة لأسد وفيل، وحتى بعض الحيتان البيضاء، إلى جانب مؤدي العروض من البشر، الذين تغمرهم عروض ضوئية ضخمة بإضاءات "إل إي دي" (LED)، تصاحبهم أوركسترا حية تعزف موسيقى الروك. في أحد العروض، يتواجد مؤدو طوق الهوب الجوي أمام خلفية من الكواكب المجسمة، التي تختفي لإفساح المجال للقمر.

اقرأ المزيد: مُشغِّلة كازينوهات أمريكية تطور منتجعاً يضم "الألعاب" في الإمارات

يقول المؤسس المشارك أندريه جوزيف بوجليوني: "لم نكن نريد ببساطة تقديم عرض خالٍ من الحيوانات، بل أردنا عرضاً مع شيء إضافي".

تم إنشاء "ليكوسيرك" من قبل فريق مكون من زوج وزوجة من مدربي الحيوانات الذين ينحدرون من عائلات السيرك. أندريه جوزيف هو أصغر أحفاد مدرب الأسود جوزيف بوغليوني، وقد عمل -إلى جانب زوجته وأطفاله السبعة- على تحويل "سيرك ديفير" (Cirque d’Hiver) الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر في باريس، من وضع الإفلاس ليصبح جوهرة التاج الوطني بعد الحرب العالمية الثانية. عمل أندريه جوزيف كمدرب حيوانات لمدة 25 عاماً، في حين أن زوجته ساندرين بوغليوني كان لديها فيل أليف عندما كانت طفلة، وأمضت عقداً زمنياً في صقل مهاراتها في ترويض الحيوانات في الولايات المتحدة مع والدها في سيرك "رينغلينغ بروس آند بارنوم آند بيلي" (Ringling Bros. and Barnum & Bailey Circus).

حظر الحيوانات البرية

لكن أصبح التجول مع الحيوانات من المحرمات، بعد عقود زمنية من حملات النشطاء التي ألقت الضوء على معاناة المخلوقات التي ستقضي معظم حياتها في أقفاص. فقد أعلنت فرنسا، العام الماضي، حظر استخدام الحيوانات البرية في عروض السيرك، وهذا القرار سيدخل حيز التنفيذ في عام 2023. وبالتالي، فإنها ستنضم إلى نحو 20 دولة أوروبية أخرى تحظر استخدامها. وفي الولايات المتحدة، حظرت هاواي ونيوجيرسي استخدام معظم الحيوانات البرية، بينما تفرض كاليفورنيا وإلينوي ونيويورك ورود آيلاند بعض القيود، كما فرضت مدن أمريكية عديدة قيوداً أيضاً.

مع مرور الوقت، شعر أندريه جوزيف وساندرين بوغليوني بالانزعاج أيضاً تجاه جودة حياة مؤدي عروض الحيوانات، ثم جاءت نقطة التحول في إحدى الليالي عندما أصيبت إحدى قططهم المفترسة الكبيرة. يقول أندريه جوزيف: "لقد طاردتنا نظرته إلينا قبل العودة إلى القفص".

من ثم، قرروا تقديم العروض من دون حيوانات، واختبروا الفكرة من خلال عرض صغير في عام 2016 لم يضم سوى السحرة والألعاب البهلوانية. وهي خطوة أثارت مضايقات من العاملين الآخرين في صناعة السيرك، كما إنها أثارت خلافاً مع بقية عشيرة بوغليوني.

اعتماد الصور المجسمة

لم تؤدِّ ردود الفعل العنيفة إلا إلى تحفيزهم على إكمال العمل في هذا الاتجاه. أمضى الزوجان الأعوام الثلاثة التالية في تطبيق مفهومهما البشري بنسبة 100%، حيث حصلا على بعض التمويل الخارجي للمساعدة في تغطية نفقات التطوير البالغة 2.5 مليون يورو (2.9 مليون دولار). أنشأ "استوديو أدرينالين" (Adrenaline Studio) الفرنسي هذه الصور المجسمة، مقابل 400 ألف يورو.

توقف الاستعراض الأول بسبب إجراءات الإغلاق الأولى التي فُرضت للتصدي لفيروس "كوفيد-19" في البلاد في أوائل عام 2020. لكن بعد عروض أداء مختارة ومحدودة طوال فترة تفشي الوباء، أصبح برنامج عام 2022 حافلاً في ظل وجود مدن فرنسية عديدة على القائمة. مع ذلك، فإن قيود السعة تشير إلى أن سيرك "ليكوسيرك" لا يمكنه بيع سوى 30% تقريباً من هدفه المتمثل في 1500 تذكرة لكل عرض، وبالتالي تود المجموعة أن تقدم على الأقل ثلاثة أضعاف عروضها الأربعة الحالية في الأسبوع.

استخدام التكنولوجيا

يعد سيرك "ليكوسيرك" جزءاً من موجة جديدة من العروض القائمة على الاستخدام الكثيف للتكنولوجيا، والتي تسير على خطى سيرك "دو سوليه" الكندي (Cirque du Soleil)، وهو سيرك كان في فترة الثمانينيات رائداً في العروض المبنية على المواهب الجسدية البشرية ورواية القصص والمؤثرات البصرية اللامعة.

كذلك، يستخدم سيرك "رونكالي" الألماني (Circus Roncalli) حيوانات "هولوغرامية"، فضلاً عن أن سيرك "هايدواي" (Hideaway Circus) الأمريكي ومقره بروكلين، يستخدم تقنية الواقع الافتراضي وكاميرات تدور بزاوية 360 درجة لبث أدائه لأي شخص لديه سماعة رأس تدعم الواقع الافتراضي. وهناك أيضاً سيرك "تو بيت" (Two Bit Circus) في لوس أنجلوس الذي يقدم عروض كرنفال حية مقترنة بتجارب الواقع الافتراضي في منتزهه الترفيهي المصغر في ساحة ألعاب.

يعد اسم الشركة الفرنسية "ليكوسيرك" إيماءة إلى قيمها، فهي تستخدم الطاقة المتجددة في إضاءة عروضها، وتقدم المشروبات محلية المصدر في عبوات خالية من البلاستيك. تتجنب المجموعة الصغيرة من مؤدي العروض السفر جواً، وبدلاً من ذلك تتجول بالقارب أو القطار أو وسائل النقل العام، كما يتم توظيف حراس الأمن وعمال النظافة والنوادل والصرافين في الموقع.

يمكن أن يكون للصور المجسمة -والتركيز على الاستدامة- صدى حقيقي لدى الجماهير بمجرد تخفيف قيود السعة، ما قد يضع سيرك "ليكوسيرك" على الطريق ليصبح "سيرك دو سوليه التالي"، بحسب أوه يونغ كو، الزميلة في البرنامج التنفيذي لدى المعهد الفرنسي للدراسات العليا في إدارة الأعمال "إنسياد" (Insead).

تجربة افتراضية

تقول يونغ كو إن "الوباء أسهم في تسريع التحول الرقمي، لكنه أيضاً جعل الناس يفتقدون التفاعلات على أرض الواقع". لكن سيرك "ليكوسيرك" يوفر كلا الأمرين. وأوضحت أن "ليكوسيرك"، "يجمع الناس سوياً، لكنه في الوقت ذاته يمنحهم تجربة أشبه بالافتراضية".

الصناعة مليئة بأمثلة على شركات السيرك البارزة التي فشلت في التكيف مع العصر، ووصل هذا الفشل إلى حد الزوال. لقد أزال سيرك "رينغلينغ بروس آند بارنوم آند بيلي" الفيلة من أعماله في عام 2016 رضوخاً لضغوط النشطاء في مجال حقوق الحيوان، ثم أُغلق في عام 2017 -بعد عمل دام لـ146 عاماً- بسبب انخفاض مبيعات التذاكر وارتفاع تكاليف التشغيل وتغير الذوق العام والمعارك الطويلة مع جماعات حقوق الحيوان. وفي عام 2018، أغلق "سيرك بيندر" (Cirque Pinder) الفرنسي أبوابه بعد 164 عاماً، وألقى باللوم على تراجع أعداد الجماهير.

تقول ساندرين بوغليوني، إن إخراج الحيوانات من السيرك ليس منطقياً على الجانب التجاري فقط، بل إنه عمل صائب ينبغي فعله. وتضيف: "مهما فعلنا، تولد الحيوانات وتموت داخل قفص من أجل ترفيه الناس فقط. لا يمكننا الاستمرار في تقديم عروض السيرك بالشكل الذي كان يتبعه أجدادنا".