وقِّعْ هذه الاتفاقية.. وقد تجد حسابك المصرفي مجمَّداً

رسم: كريس بورنيت/بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يتمتع جاريد ألفين، بسلطات يحلم بها العديد من زملائه من محصِّلي الديون. فهذا المحامي الذي يعمل في بلدة سيمسبري بولاية كونيكتيكت، يستطيع أن يأمر بتجميد الحساب المصرفي لشخص ما دون سابق إنذار، ودون الحاجة إلى إذن قاضٍ. كل ما يحتاج إليه ببساطة، هو صياغة بعض الأوراق القانونية النمطية، وإرسالها إلى البنك.

يتمثل عملاء ألفين في شركات تُعرف باسم شركات السلف النقدية التجارية، التي تقدم قروضاً مكلفة وقصيرة الأجل للشركات الصغيرة. لا يتدخل ألفين في الأمر إلا عند سير أحد هذه القروض على نحو سيئ. يمكن أن يكون المقترض صاحب مطعم في سان دييغو، أو سائق شاحنة يعمل لحسابه الخاص في مدينة ناشفيل، أو ربما يحتاج المقترض إلى هذه النقود من أجل سداد شيكات أجور الموظفين أو سداد فاتورة الوقود. مع ذلك، لا يمكن المساس بالمال -فلا تُجرى عمليات سحب ولا شيكات ولا تحويلات- حتى يقبل ألفين، أو يتدخل القاضي في الأمر. خلال العام الماضي، أظهرت سجلات المحكمة أنه تتبع أكثر من 180 فرداً من أصحاب الأعمال الصغيرة بهذه الطريقة.

اقرأ أيضاً: ألا يعد منح 200 مليون دولار لمن أبلغ عن سلوك سيئ أمراً جنونياً؟

تنبع قوة ألفين من إحدى سمات قانون ولاية كونيكتيكت، حيث تسير إجراءات المحكمة بطريقة عكسية. عادةً، إذا رُفعت دعوى قضائية ضد شخص من أجل المال، فإن المحكمة يتعين عليها الحكم لصالحك قبل أن يسلّم المدعى عليه الأصول. لكن ألفين يستخدم ما يُعرف باسم الحجز التحفظي لاحتجاز أموال الأشخاص أولاً، قبل الفوز بقضيته، وفي الواقع حتى قبل أن يعرف المدعى عليه بوجود قضية مرفوعة ضده.

اقرأ المزيد: محكمة بنيويورك تفرج بكفالة عن متهمين بالقرصنة على عملات مشفّرة بـ 4.5 مليار دولار

تظهر سجلات المحكمة أن أكبر عميل لدى ألفين لهذه الخدمات، هو مجموعة مكونة من ست شركات ذات صلة، تستخدم أسماء مثل "ماتريكس أدفانس" (Matrix Advance) و"غو فند أدفانس" (Gofund Advance) و"بريدج فاندينغ كاب" (Bridge Funding Cap). ويعمل مكتب في حي بورو بارك في بروكلين على إدارة هذه الشركات، بينما يشرف عليه جوناثان براون، حسب أشخاص على دراية بالأمر.

سرقة وتهديد

كان براون يشتهر بسوء سمعته في عالم الإقراض عالي الفائدة، حيث نعتته المدعية العامة في نيويورك بأنه "مُرابٍ من طراز حديث" وتقاضيه بتهمة سرقة العملاء والتهديد بأعمال عنف في شركته السابقة العاملة في مجال التسليف النقدي. أُطلق سراح براون من السجن خلال العام الماضي بعد أن خفف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب حكماً لا يتعلق بتهريب المخدرات، ونفى براون ارتكاب أي خطأ في تعاملاته بالتسليف النقدي، ويقول إنه ليس متورطاً في عملية بورو بارك.

اقرأ المزيد: هل يرقى غش عائلة ترمب لكسب المال إلى الاحتيال؟

لن يناقش ألفين، الشريك في شركة "هاسيت آند جورج" (Hassett & George)، عملاء محددين أو يوضح ما إذا كان لديه أي اتصال مع براون، لكنه يقول إن عمليات تحصيل التسليف النقدي لا تمثل سوى جزء من ممارسته. ويوضح أن الحجز التحفظي جزء طبيعي ومناسب من التقاضي التجاري. ويضيف: "أنا فقط أقدم الأوراق لعملاء مختلفين. لا أعتقد بأنني أفعل أي شيء غير صحيح".

ابتزاز العملاء

في الصيف الماضي، أظهرت سجلات المحكمة أن ألفين احتجز حوالي 14,600 دولار في حسابين مصرفيين تابعين للوسي باراتشينا، التي توظف أربعة أشخاص في صيدلية في ديكنسون بولاية تكساس، وهي مدينة تقع بالقرب من هيوستن. لقد تخلفت باراتشينا عن سداد مدفوعات قرض حصلت عليه من شركة "ماتريكس"، وطالب أحد الممثلين هناك بنقود فورية لفك تجميد حساباتها المصرفية.

تقول باراتشينا: "قلت له.. نحن لدينا كشوف أجور، علينا دفع أجور موظفينا، لا يمكننا فعل ذلك". بدلاً من ذلك، وافقت باراتشينا على إضافة 10 آلاف دولار إضافية إلى رصيد القرض الذي كان يكلفها بالفعل أكثر من 700% سنوياً، ومن ثم ألغي تجميد حسابها المصرفي، لكن ديونها زادت بشكل أكثر من ذي قبل. وهي تقول الآن "أشعر بندم شديد لأنني تواصلت معهم".

حتى وقت قريب، كانت شركات التسليف النقدي تعتمد في الغالب على صك قانوني مختلف للإغارة على الحسابات المصرفية للعملاء، وهو اعتراف بحكم صدر في محكمة نيويورك. سلطت سلسلة "بلومبرغ نيوز" لعام 2018 الضوء على إساءة استخدام هذا التكتيك، ووجدت أن الاعترافات تم تزويرها أو تغييرها أو نشرها في بعض الأحيان ضد المقترضين الذين لم يتخلفوا عن سداد المدفوعات، وأنها ساعدت في تدمير آلاف الشركات الصغيرة على الصعيد الوطني. كان براون أحد أكثر المستخدمين تسلطاً.

بدائل في ولايات أخرى

في عام 2019، بعد أن خفضت الجهات التشريعية في نيويورك اللجوء إلى الاعترافات، وجدت الصناعة، التي تتركز في مانهاتن وبروكلين، بدائل لهذا الأمر. فقد لجأ بعض المقرضين إلى محاكم ولاية يوتا أو تكساس، حيث لا يزال من الممكن استخدام الاعترافات أو الأدوات المماثلة. كما جرب البعض مخططاتهم الخاصة للتحكيم التي سرعان ما حكم فيها المحكمون المختارون لصالح المقرضين.

اتجه آخرون إلى ولاية كونيكتيكت، حيث يسمح قانون الولاية طويل الأمد للمحاكم بحصر ممتلكات المدعى عليه في بداية القضية لمنعه من نقل الأصول بعيداً عن متناول اليد. عادة ما يقر القاضي هذا النوع من التقييد بعد جلسة استماع يحضرها الطرفان، ويجب على المدعي إثبات أنه سيكون الطرف الفائز على الأرجح.

لكن ألفين -وهو المحامي الوحيد في الولاية الذي يسعى بشكل روتيني إلى الحصول على حجز تحفظي مسبق بالنيابة عن صناعة التسليف النقدي، بحسب مراجعة سجلات المحكمة- لا يحتاج إلى عناء عقد جلسات استماع سابقة للمحاكمة. فثمة بند يتواجد بشكل خفي وسط التفاصيل الدقيقة لاتفاقيات قروض عملائه، يتيح تنازل المقترض عن حقه على وجه التحديد في جلسة استماع كهذه، وهذا يعني أن ألفين بإمكانه تجميد ممتلكات المقترض متى ما أراد العميل ذلك، طالما أنه يحصل على إفادة خطية من العميل تفيد بأن المال مستحق الدفع.

تكتيك شائع

يقول ألفين إن هذا النوع من التنازل شائع في الإقراض التجاري في ولاية كونيكتيكت، وهو تكتيك ليس مرهقاً مثل تكتيك نيويورك الذي تعرّض لانتقادات من المشرعين هناك. لا يمكن استخدام إجراء الحجز التحفظي في حد ذاته التابع لولاية كونيكتيكت في استنزاف الحسابات المصرفية بل تجميدها مؤقتاً فقط، ويمكن للمدعى عليه المطالبة بجلسة استماع لفك تجميد الحسابات. بطبيعة الحال، سيتطلب هذا الأمر أن يلجأ صاحب شركة صغيرة في تكساس أو مينيسوتا إلى محامٍ بشكل سريع في كونيكتيكت أثناء الافتقار إلى إمكانية الوصول إلى الحساب المصرفي.

عندما سُئل عما إذا كانت أي من قضايا التسليف النقدي الخاصة به قد أسفرت عن الوصول إلى مثل هذه الجلسة، قال ألفين إنه لا يستطيع تذكر أي منها.

يعمل طاقم حي بورو بارك من مكتب في الطابق الثاني في الجادة الثالثة عشرة. يقول أشخاص مطلعون على الأمر إن براون، البالغ من العمر 38 عاماً، انضم إلى صفوف هذا الطاقم بعد فترة وجيزة من إطلاق ترمب سراحه من السجن خلال العام الماضي، ورغم أن اسمه لا يظهر على الأوراق، إلا أنه الرئيس.

بدأت المجموعة في استخدام تكتيك ولاية كونيكتيكت قبل فترة وجيزة من إطلاق سراح براون من السجن، وقد سعت للحصول على أكثر من 10 ملايين دولار من أكثر من 100 شركة صغيرة بهذه الطريقة، وفقاً لسجلات المحكمة.

فائدة 500% سنوياً

تنطوي الصفقة النموذجية على فائدة تصل إلى أكثر من 500% سنوياً. وحتى تتمكن من الوصول إلى النظام القانوني للولاية، تدعي شركات المجموعة بامتلاكها "مقر عمل" لديه صندوق بريد مستأجر في مركز تجاري في أفون بولاية كونيكتيكت. قال ألفين، في رسالة بريد إلكتروني، إن براون "ليس عضواً أو موظفاً" في أي من هذه الشركات، مضيفاً "لست على علم بأي حالات تحدث فيها براون إلى تاجر رفع أحد موكلي دعوى قضائية ضده" في الولاية.

في قضية باراتشينا، تظهر سجلات المحكمة أنها اتفقت على اقتراض 50 ألف دولار من شركة "ماتريكس" في أغسطس، رغم أنها قالت إنها تلقت بالفعل أقل بكثير من هذا المبلغ بعد خصم الرسوم. ووافقت على سداد 2500 دولار يومياً بدءاً من لحظة التعاقد حتى وصلت مدفوعاتها إلى 74,950 دولاراً.

تقول باراتشينا إنها واجهت مشكلة في مواصلة الدفع، وطلبت من الجهة التي تتواصل معها في "ماتريكس" خفض مقدار المدفوعات اليومية، لكن الشركة رفضت ذلك. في غضون أيام من أول تخلف عن السداد، أعد ألفين بعض الأوراق القانونية وأرسلها إلى المارشال إليزابيث أوستروسكي بولاية كونيكتيكت، وهي موظفة عينتها الدولة لتقديم المستندات القانونية والحصول على تعويضات من المحامين الذين وظفوها. سلمت أوستروسكي نسخ المستندات القانونية إلى الفروع المحلية أو وكلاء بنكين تستخدمهما باراتشينا، وسرعان ما تم تجميد حساباتها في كلا البنكين. ورفضت أوستروسكي التعليق على الأمر.

تجميد الحساب

تقول باراتشينا إنها علمت ما يجري فقط عندما اكتشفت أنها لا تستطيع الوصول إلى حساباتها المصرفية، بالتالي لم يكن لديها خيار آخر، ووافقت على تحمل المزيد من الديون لإلغاء تجميد حساباتها. مع ذلك، لم تنته المشكلة عند هذا الحد، فقد ظل حوالي 1900 دولار من حسابها مجمداً لأشهر بعد تسوية الأمر. أرجع ألفين ذلك إلى اختلاط في الأمور من قبل أحد البنوك. وبعد استفسارات من "بلومبرغ بيزنس ويك"، اتخذ خطوات إضافية للإفراج عن الأموال، وتلقت باراتشينا شيكاً في الأول من فبراير.

يقول شين هيسكين، وهو محام مقيم في فيلادلفيا ويعمل لدى "وايت آند ويليامز" (White & Williams) الذي يمثل أصحاب الأعمال الصغيرة، إن الصناعة تستخدم قانون ولاية كونيكتيكت بطريقة لم تقصدها السلطات التشريعية على الإطلاق. ويوضح أن شركات التسليف النقدي تستخدم هذا القانون لدفع الناس للتوصل إلى تسوية، بصرف النظر عن الأسس الموضوعية لقضاياهم، مشيراً إلى أنه "يجعلهم يتفاوضون مع تصويب بندقية نحو رؤوسهم".

في الوقت ذاته، لم يوافق ألفين على هذا الرأي. ويقول إن "الغرض من الحجز التحفظي هو تأمين الأصول حتى لا يتم تبديدها"، وهذا بالضبط ما يحدث في قضاياه.

يثق قانون ولاية كونيكتيكت في أن المقرضين من القطاع الخاص سيقومون بما هو صواب، لذلك سمح لهم بتجميد الحسابات المصرفية دون أن يحقق أي شخص مسبقاً لمعرفة ما إذا كانوا قد تلاعبوا بالعقود، أو ضخموا حجم الديون، أو تخلفوا عن السداد بشكل زائف، وهو نوع من الانتهاكات شكا منها عملاء التسليف النقدي لأعوام.

سرقة وكذب

كان براون مدرجاً ضمن بعض هذه الشكاوى. ففي عام 2018، وجد قاضٍ في نيويورك أن عمليات الإقراض السابقة لشركة براون، التي تُعرف باسم "ريتشموند كابيتال غروب" (Richmond Capital Group)، سرقت سباكاً ثم كذبت بشأنه عندما سعت لإصدار حكم قضائي ضده.

كتب القاضي أن "السجل مليء بالأدلة التي تثبت أن "ريتشموند" أدلت بتصريحات وادعاءات كاذبة أمام المحكمة، وأنها جعلت المحكمة في الأساس شريكة رغم أنفها في عملية الاحتيال".

لاحقاً، رفعت كل من لجنة التجارة الفيدرالية ومكتب المدعي العام في نيويورك دعاوى قضائية تزعم أن براون و"ريتشموند"، أساءا بشكل منهجي إلى محاكم نيويورك. كذلك، كتب مساعد المدعي العام أن براون وشركاءه في العمل آنذاك "قدموا إفادات خطية كاذبة ضللوا من خلالها المحاكم بشأن طبيعة قروضهم، وفي الغالب المبالغ المدفوعة وما زالت مستحقة".

مع ذلك، نفى براون هذه المزاعم في المحكمة، وما زالت القضايا قيد النظر.

حتى الآن، لم يقدم المسؤولون في ولاية كونيكتيكت أي إشعارات بشأن استخدام صناعة التسليف النقدية لقانون الولاية. كما أحال مكتب رئيس محكمة الولاية الأسئلة إلى مكتب المدعي العام الذي قال إنه لم يتلق أي شكاوى بشأن هذه المسألة. وفي رسالة بالبريد الإلكتروني، قال ستيف ستافستروم، رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب، إنه لم يسمع أي شيء أيضاً، وكتب أنه "ربما يكون شيئاً ينبغي النظر فيه".