هل من سبيل لعلاج مؤشر سعر النفط الأكبر بعد هزاله؟

كان مفيداً لأنه كان سعراً مرجعياً تمثيلياً لجزء كبير من إنتاج العالم، إلا أنه يفتقر اليوم إلى السيولة

منشأة نفط في إسبانيا
منشأة نفط في إسبانيا المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

خام برنت هو أهم معيار للأسعار في عالم النفط لكونه مرجع تعاملات بمليارات الدولارات عبر شبكة معقدة من العقود المادية والمستقبلية وعقود الخيارات. كما يشابه من عدة نواحٍ "ليبور" معيار سعر الفائدة فاقد المصداقية لدى أسواق المال.

هذه المقارنة واقعية جداً لأن خام برنت عليل أيضاً. لا تركنوا لكلماتي وحدها، بل تفكروا بما أعلنته شركة النفط البريطانية العملاقة "بي بي"، التي قالت أخيراً: "نتيجة عدم كفاية السيولة... نشهد على نحو متزايد اختلالات منتظمة" في قيمة المعيار القياسي. لا يتلاعب تجار النفط يقيناً بسعر خام برنت كما كان حال البنوك مع ليبور، إلا أن سماع كلمة "اختلالات" مصاحبة لسعر النفط من شأنه أن يقض مضاجع المنظمين وصانعي السياسات، خاصة في وقت يحوم فيه خام برنت حول 100 دولار للبرميل ويُسهم في التضخم العالمي.

تباعد أسعار خام "غرب تكساس" و"برنت" يهدد الميزان التجاري الأمريكي

تعقد تجارة النفط هذا الأسبوع اجتماعها السنوي في لندن المعروف منذ عقود باسم أسبوع البترول الدولي، الذي أصبح الآن يحمل الاسم الأكثر صواباً من الناحية السياسية أسبوع الطاقة الدولي، حيث يجب أن يتصدر إصلاح خام برنت جدول الأعمال.

أصبح برنت معياراً قياسياً حين ازدهر إنتاج نفط بحر الشمال خلال الثمانينيات والتسعينيات. كان مفيداً حينها لأنه كان سعراً مرجعياً تمثيلياً لجزء كبير من إنتاج العالم، إلا أنه يفتقر اليوم إلى السيولة، أي بلغة سوق النفط البراميل الفعلية من السائل الأسود اللزج.

تمثيل رمزي

يستهلك العالم حوالي 100 مليون برميل في اليوم، لكن المعيار القياسي يُحتسب بناءً على جزء صغير منه فحسب، لأنه لا يُمثِّل سوى جزء من إنتاج بحر الشمال. يستند خام برنت إلى حوالي مليون برميل في اليوم في الجيد من الأشهر، أما في سيئها فيستند إلى نصف ذلك وهذا ليس كافياً.

يتعرض المعيار القياسي للضغط مع وجود إنتاج قليل جداً من خام برنت، فعلى سبيل المثال، إن اشترى طرف ما كل النفط المتاح ثم ترك بقية السوق يدفع الفدية. لقد شهدنا هذا فيما مضى وهو احتمال واضح خلال فترة الصيف حين يجري منتجو بحر الشمال الصيانة السنوية فينخفض ​​الإنتاج إلى أدنى مستوياته.

لامس النفط 90 دولاراً للبرميل فلم يعد في سوقه من يبيع

كان الحل واضحاً منذ سنوات وهو إنتاج مزيد من ذاك النفط. كان المعيار القياسي في الأصل يعكس سعر البراميل من حقل نفط خام برنت الذي بدأ الضخ في 1976. مع انخفاض إنتاجه بعد عقود، أُضيفت درجات بحر الشمال الأخرى، حيث انضمت خامات فورتيز وأوسبيرغ في 2002 وإيكوفيسك في 2007 وترول في 2017؛ إلا أن طريق التوسع هذا انتهى. الآن بعدما انخفض إنتاج بحر الشمال من النفط الشبيه بخام برنت في نهاية المطاف، فهناك حاجة لتضمين نفط من خارج المنطقة.

نقاش ومقترحات

ظلت الصناعة تناقش ما يجب القيام به لفترة طويلة. اقترحت "ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس" (S&P Global Platts)، التي تُقيِّم السعر الفعلي لخام برنت وتعمل كمنظم بحكم الأمر الواقع للمعيار القياسي، خطة ثورية في أوائل 2021 وهي ضم منافسه الرئيسي، خام غرب تكساس الوسيط من الولايات المتحدة، إلى سلة خام برنت وتغيير طبيعة العقد من اتفاق يُسعِّر النفط الخام في محطات بحر الشمال مستثنياً تكاليف الشحن، إلى عقد يشمل الشحن من ميناء مركز النفط الإقليمي في روتردام. ترددت معظم أطراف الصناعة بقبول هذا الطرح، ثم سحبته "بلاتس" بعد أسابيع قليلة بعد أن أحدثت اضطراباً في السوق.

"بلاتس" تدرس ضمَّ الخام الأمريكي لمؤشر تسعير خام برنت

هناك اقتراح جديد مطروح على الطاولة حالياً يضيف أيضاً خام غرب تكساس الوسيط إلى خام برنت، إلا أنه لا يُغيِّر طبيعة العقد. يبدو أن هذه الخطة، التي طرحتها "بلاتس" أيضاً، تحظى بدعم جيد من الصناعة. بالطبع ليس هذا ما يُحبِّه الجميع، إلا أنه على الأرجح جيد بما يكفي بنسبة 80% لمعظم أطراف السوق، حسب استبياني غير الرسمي لآراء تجار النفط والوسطاء والشركات والبنوك.

تشوب هذا الحل بعض المشاكل، فهو يترك معيار خام برنت تحت رحمة البيت الأبيض، حيث إن مسؤولين أمريكيين طرحوا فيما مضى تهديداً بإغلاق صادرات النفط الأمريكية. إن حدث ذلك، سيعلق المؤشر ويُعطِّل السوق. كما أن الخطة لم تعجب بعض محطات النفط في بحر الشمال التي تخشى انخفاض الإيرادات.

خطوة متأخرة؟

ما تزال الخطوات التالية غير واضحة. يخضع الاتجار بخام برنت في عالم نفط بحر الشمال الغامض لما يسمى "سوكو-90" (SUKO-90) وهي اتفاقية تُحدِّد شروط التجارة العامة لم يضعها منظِّم أو "بلاتس" بل شركة "شل" (Shell)، عملاق النفط البريطاني. لم تعلن "شل" بعد ما إذا كانت تدعم الاقتراح الجديد، أو أنها ستُحدِّث اتفاقية "سوكو-90". كما قد تُضطر الصناعة لأول مرة لتكليف طرف ثالث بإعادة كتابة قواعد التداول.

لكن حتى لو اصطف الجميع وراء الخطة، فلن يكون معيار خام برنت الجديد ساري المفعول حتى صيف 2023؛ وهذا يعني مواجهة عدة أشهر صعبة.

من الانهيار الكبير إلى جنون الأسعار..هكذا فعلت "كورونا" بأسواق النفط في عامين

حذَّرت شركة "بريتيش بتروليوم" أواخر العام الماضي من أن عدم اتخاذ إجراء سريع سيجعل المعيار "أقل مرونة على مدى عامين مقبلين، ما يؤدي لمزيد من الاختلالات المتكررة". كان ينبغي على المنظمين أن يدفعوا الجميع، بمن فيهم "بلاتس" و"إنتركونتيننتال إكستشينج"، موطن العقود المستقبلية لخام برنت، للتحرك في وقت أبكر وأسرع. قد سمح المنظمون لتجار النفط بالتنظيم الذاتي لفترة طويلة، وذلك على غرار ما فعلوه مع ليبور ومدينة لندن، لذا إن حلَّ خطب ما، فسيكونون هم المسؤولون وليس من سواهم.