المروحيات الكهربائية لا تعدو كونها هليكوبتر بحلّة جديدة

يكاد يستحيل الجمع بين كفاءة استهلاك الطاقة وتخفيف الضجيج إلا من حيث دعاية التسويق

مروحية كهربائية من صنع "إيرياص"
مروحية كهربائية من صنع "إيرياص" المصدر: بلومبرغ
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يشبه الأمر عودة سكان الكهوف متخفين عبر التباهي بحرصهم على البيئة. استقطبت مركبات الأجرة الطائرة الكهربائية جلّ الإهتمام في معرض سنغافورة الجوي الأسبوع الماضي، وفيه أعلنت شركة "إير آسيا" (AirAsia) ووحدة من شركة "إمبراير" (Embraer) عن صفقات لحوالي 200 من هذه المركبات المستقبلية، التي لم تتخطَ بعد مرحلة النموذج الأولي.

شهدت مركبات "إيفيتول" (eVTOL)، وهي مفردة مصدرها الأحرف الأولى لكلمات الإقلاع والهبوط العمودي الكهربائي باللغة الإنكليزية، اهتماماً هائلاً في السنوات الأخيرة، حيث حصد هذا المجال استثمارات بحوالي 12.8 مليار دولار منذ 2010، وفقاً لشركة "ماكينزي آند كو" (McKinsey & Co).

استعدوا للتحليق.. السيارات الطائرة على وشك الإقلاع

يَعد هذا القطاع المزدهر ببيع شيئ يختلف اختلافاً جوهرياً عن طائرات الإقلاع والهبوط العمودي "فيتول" (VTOL) الأصلية، أي الطائرات السمتية أو الهليكوبتر. على النقيض من سابقتها شديدة الضجيج والشراهة للوقود التي يفضلها أشرار أفلام جيمس بوند ودونالد ترمب، ستثير مركبات "إيفيتول" بخفوت ضجيجها اهتمام صنفاً مرهفاً من الركاب، ممن يتنقلون بين مكاتبهم ومنازلهم. كما أنها "ستربط بين المجتمعات" و"ستصل المدينة بالضواحي" عبر رحلات سريعة وسلسة وخالية من الانبعاثات.

هذا انتصار رائع لدعاية التسويق على الواقع الحقيقي. فيما تَعد مركبات "إيفيتول" ببعض التطورات الحقيقية في تقنية الطيران، يبدو أن الاستثمار فيها لن يحقق ذلك المستقبل المثالي بقدر ما سيعيد تسمية الهليكوبتر القديمة البائسة لصالح جيل جديد من فاحشي الثراء. إذا كان الوعد هو وسيلة نقل هادئة بلا ضجيج وبأسعار معقولة ولا تصدر انبعاثات فإنه جيد إلى درجة يصعب تحقيقها، وذلك لأنه غير حقيقي.

كفاءة الاستهلاك

لنأخذ كفاءة الطاقة على سبيل المثال. لطالما كان صحيحاً أن الطائرات تتمتع بكفاءة ملحوظة مقارنة بالسيارات والقطارات، التي تستخدم عامل الاحتكاك لتتحرك على الطرق والسكك. لكن تكمن المشكلة في كيفية بلوغها ارتفاعها المنشود.

لطالما استحوذت عملية الصعود إلى ارتفاع التحليق ثم الهبوط منه، وإن كان بدرجة أقل، على جزء كبير من استهلاك الوقود في الطائرات. ينطبق هذا الحال بشكل خاص على مركبات "فيتول"، التي قد تستهلك جزءاً كبيراً من طاقتها لمجرد أن ترتفع بما يوازي قمة شجرة. هذا يعني أن الاختلافات بين مركبات "إيفيتول" المستخدمة للسفر من مدينة إلى أخرى وتلك المستخدمة للتنقل من ضاحية إلى أخرى كبيرة للغاية.

من لندن إلي لوس أنجلوس..خطة لإنشاء مراكز للتاكسي الطائر في 65 مدينة

خلصت دراسة نشرتها مجلة "نيتشر كوميونيكيشنز" (Nature Communications) في 2019، إلى أن مركبات "إيفتول" قد تكون أكثر كفاءة حتى من السيارات الكهربائية في رحلات لمسافة 100 كيلومتر، لكنها أشارت إلى أن 85% من رحلات السيارات أقصر من 35 كيلومتراً، وهو المدى الذي تستهلك فيه الكثير من الوقود وتُنتج انبعاثات مماثلة للسيارة الطائرة تقريباً.

كما تمثل نسبة الإشغال فرضية مهمة. حاججت دراسة أجرتها مجلة "وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم" (Proceedings of the National Academy of Sciences) في 2021، بأن مركبات مثل "كيتي هوك هيفيسايد" (Kitty Hawk Heaviside)، التي يدعمها "لاري بايج"، أكفأ فعلاً من السيارات الكهربائية، لكن أحد الجوانب الحاسمة في كلا التحليلين هو فكرة أن تقييم المركبات الأرضية مبنية على وسطي 1.67 راكب لكل رحلة بسيارة في الولايات المتحدة، بينما يقاس أداء مركبات "إيفيتول" بفرض عدد ركاب يمثل كامل سعتها المثالية.

مقارنة معوجة

هذه ليست مقارنة معقولة. إذا لم يكن هناك مجموعة كاملة من الركاب في كل مرة تهبط فيها مركبة طائرة، فإن كفاءتها لكل راكب بالكيلومتر ستنخفض بشكل كبير. تشكل رحلات "المقاطع الفارغة" هذه، حيث تقلع الطائرة نحو وجهتها التالية بلا مسافرين على الإطلاق، حوالي خمسي رحلات الطائرات الخاصة المستخدمة حالياً. هناك صناعة صغيرة كاملة قائمة هدفها البحث عن تذاكر رخيصة عليها.

تبدو الصورة مشابهة فيما يخص التلوث الصوتي. تَعد معظم مركبات "إيفتول"، لكونها تعتمد على العديد من المراوح الصغيرة بدل مروحة واحد كبير، بأن تكون أقل ضجيجاً، أي "أكثر هدوءاً بحوالي 1,000 مرة" من المروحية، وفقاً لشركة "أرتشر أفييشين" (Archer Aviation).

التاكسي الطائر في ماليزيا قبل نهاية 2022

صحيح أن الديسيبل مقياس موضوعي مفيد لشدة الصوت، إلا أنه لا يعكس جميع عوامل الإزعاج الموضوعية للضوضاء، التي تتعلق بصفات يصعب قياسها مثل التردد والمدة والتكرار وطريقة إنعكاس الصوت عن أسطح المباني في بيئة حضرية. تتفاوت الضوضاء أيضاً مع تغير المسافة، ما يجعل مركبات "إيفتول" أكثر هدوءاً كلما ازداد ارتفاعها. لكن زيادة الارتفاع ستستهلك المزيد من الوقود. يكاد يستحيل الجمع بين توفير الطاقة وتخفيف الضجيج.

ربما هذا لا يهم، فرغم الإثارة التي تدور حول مركبات "إيفيتول"، من المحتمل أن تمثل جزءاً صغيراً إلى حد ما من إجمالي حركة المرور في المستقبل مع محركات الحافلات والقطارات والسيارات والطائرات منخفضة التكلفة، حيث سيتم حشر الركاب في مقاعد أصغر حجماً من أي وقت مضى.

فشل سياسة النقل

تكمن المشكلة في أنها تشتت الانتباه عن المشاكل الحقيقية التي يجب أن تتعامل معها صناعة الطيران، ومن أهمها على الإطلاق كيفية سفر الغالبية العظمى منا بحلول منتصف هذا القرن دون أن تدمر انبعاثات الكربون الغلاف الجوي الذي نحلق عبره.

ذهب حوالي ثلاثة أرباع استثمارات تقنية الطيران المستقبلية منذ 2010 إلى سيارات الأجرة الطائرة في المناطق الحضرية والتقنيات المماثلة، وفقاً لـ"ماكينزي آند كو"، بينما لم تستقطب المسألة الملحة للطيران المستدام سوى سنتات من كل دولار لذى المقارنة بينهما.

"التاكسي الطائر" يُحلِّق بمليارات الدولارات من "الشيك على بياض"

مشهد المستقبل القابل للتحقق قاتم يتنقل فيه مليارديرات الرموز غير القابلة للاستبدال (NFT) من سان فرانسيسكو إلى بحيرة تاهو لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، وهم غير مدركين لبصماتهم الكربونية الحقيقية، فيما يبقى سكان المدن تحت مركباتهم الطائرة عالقين في ازدحامات مرورية لا نهاية لها، يبدو أن النظام السياسي لن يلتفت لحلها. وعندما يصل أولئك الأقل حظاً إلى منازلهم، سيزعجهم صوت عبور مركبات "إيفيتول"، التي لا يمكنهم تحمل تكاليف الطيران فيها، وذلك بفضل نجاح الحجج الزائفة حول الديسيبل من تخفيف ضوابط ضوضاء الطائرات طويلة الأمد.

ربما تكون مركبات "إيفيتول" هي مستقبل التنقل. إن صح ذلك، فهو ليس أمراً يدعو للفخر، لإنه اعتراف بالفشل الكامل لسياسة النقل بمفهوم أنها تهدف لنقل كثير من الناس من مكان إلى آخر، بدلاً أن تخدم مصالح نخبة لامبالية.