الصين تكلّف شركات إدارة الأصول التصدي لأزمة ديون القطاع العقاري

طلبت الصين من شركة "هوارونغ" وأقرانها شراء أصول عقارية وصياغة خطط للاستحواذ على جهات الإقراض الصغيرة أو إعادة هيكلتها لتكون خط دفاع أساسياً في النظام المالي، خصوصاً من مخاطر ديون شركات العقارات
طلبت الصين من شركة "هوارونغ" وأقرانها شراء أصول عقارية وصياغة خطط للاستحواذ على جهات الإقراض الصغيرة أو إعادة هيكلتها لتكون خط دفاع أساسياً في النظام المالي، خصوصاً من مخاطر ديون شركات العقارات المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

منذ ثلاثة أشهر أنقذت السلطات الصينية أكبر شركة في البلاد لإدارة الديون المتعثرة من انهيار كارثي محتمل.

وحالياً تعمد السلطات إلى تحويل شركة "تشاينا هوارونغ أسيت مانجمنت" وأقرانها إلى خط دفاعي أساسي في النظام المالي الذي تبلغ قيمته 54 تريليون دولار، مع تصاعد حالات التعثر في سداد الديون بالقطاع العقاري.

مخاوف من فشل مطورة العقارات الصينية "غينرو" في استرداد سندات

في إشارة إلى تصاعد حالة الضرورة القصوى داخل حكومة تشي جين بينغ من أجل تحقيق استقرار ثاني أكبر اقتصاد في العالم، طلبت الأجهزة التنظيمية من شركة "هوارونغ" وشركات إدارة الأصول الأخرى في الأسابيع الأخيرة شراء أصول عقارية من شركات التنمية العقارية المتعثرة، وصياغة خطط للاستحواذ على جهات الإقراض الصغيرة أو إعادة هيكلتها، وذلك وفق تصريحات مصادر مطلعة.

تدرس السلطات أيضاً تقديم تمويل جديد لشركات إدارة الأصول، في خطوة تهدف إلى دعم قدراتها على منع أزمات سوق العقارات من أن تمتد إلى القطاع المصرفي، حسب المصادر التي طلبت عدم الكشف عنها في مناقشة معلومات سرية.

"هوارونغ"

تعني دعوة شركة "هوارونغ" إلى التدخل نوعاً من عودتها إلى المشهد هي ونظيراتها من الشركات المملوكة للدولة، التي كان يعتقد أنها ساعدت بكين على حل أزمة مالية في أواخر تسعينيات القرن الماضي.

اقتراب شركة "هوارونغ" من التعثر في العام الماضي جاء عقب توسعها بدرجة كبيرة خارج دائرة اختصاصها الأساسية، غير أن الشركة ما زالت من بين أكثر الشركات في الصين خبرة في إعادة هيكلة الديون المتعثرة، بما في ذلك ديون القطاع العقاري.

نحو 40% من الأصول في النظام المصرفي الصيني مرتبطة مع القطاع العقاري، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وفق باحثين لدى بنك "سيتي غروب".

بنك الشعب الصيني يواصل ضخ السيولة لدعم الاقتصاد

قال ماي هو، شريك مجموعات حلول محفظة الأوراق المالية وخدمات إعادة الهيكلة في "كيه بي إم جي": "تراكمت المخاطر في قطاع العقارات وعند البنوك الصغيرة وتحتاج إلى مواجهة عاجلة".

شركة "هوارونغ"، التي امتنعت عن التعليق، هي من بين المؤسسات المالية التي تتفاوض مع شركة التنمية العقارية المأزومة "شيماو غروب هولدينغز" بشأن احتمال شراء بعض أصولها.

أسعار المنازل الصينية تواصل التراجع ولكن بوتيرة أقل في يناير

نشرت "بلومبرغ" في الشهر الماضي أن شركة "تشاينا سيندا أسيت مانجمنت" مشاركة في مشروع إعادة هيكلة مجموعة "تشاينا إيفرغراند غروب" الذي يدعو إلى استحواذ عدد من المستثمرين على الأصول العقارية التي يصعب بيعها من عملاقة التنمية العقارية.

في الأسبوع الماضي، فازت شركة "تشاينا أورينت أسيت مانجمنت" بالموافقة على بيع سندات بقيمة 10 مليارات يوان للمساعدة في مواجهة المخاطر التي تتعرض لها شركات التنمية العقارية.

معالجة الديون الرديئة

قالت ميوز جينغ، مدير عام شركة "غريت فاينانشال أسيت مانجمنت" ومقرها في هيلونغ-جيانغ: "يُعتقد أن شركات إدارة الأصول الكبيرة هي الأفضل أو حتى الوحيدة المرشحة للقيام بدور يشبه دور الحكومة في مواجهة المخاطر. وهي أيضاً فرصة عظيمة أمام شركات إدارة الديون الرديئة فيما تعاني من ضغوط هائلة في العودة إلى مجال نشاطها الأساسي في الأعوام الأخيرة. والأمر هنا لا يتعلق بأرباح قصيرة الأجل".

غير أن قدرة شركات إدارة الأصول على تقديم مساعدة كبيرة في حجمها إلى شركات التنمية العقارية قد تصبح محدودة بمقدار متطلبات رأس المال والسيولة عندها، إلا إذا تلقت دعماً سياسياً، حسب شركة "تشاينا إنترناشيونال كابيتال".

بعد مكاسب كبيرة في 2021.. صناديق التحوط ترى مخاطر في السندات الصينية

تملك شركات إدارة الديون الرديئة الأربع مجتمعة أصولاً تبلغ قيمتها نحو 5 تريليونات يوان (790 مليار دولار)، إضافة إلى 60 مليار دولار نقداً، حسب "بلومبرغ إنتيليجنس".

في المقابل، يبلغ إجمالي التزامات 38 شركة تنمية عقارية صينية، حصلت على تقييم "بي بي" أو أقل من مؤسسة "فيتش رايتينغز"، 1.3 تريليون دولار، بخلاف الديون الخفية غير المدونة في ميزانياتها.

أسست الصين شركات "هوارونغ" و"سيندا" و"أورينت" و"تشاينا غريت وول" لإدارة الأصول من أجل حماية بنوكها المملوكة للدولة التي كانت على حافة الإفلاس.

اقترضت الشركات الأربع، ومقرها في بكين، أموالاً من البنك المركزي وباعت سندات خاصة حتى تشتري قروضاً رديئة قيمتها مليارات اليوانات في أثناء مدة كل شركة، التي حُددت بعشر سنوات عند إنشائها.

في النهاية، استطاعت الشركات استرداد نحو 20% من قيمة الديون الرديئة.

"كاتربيلر" تتوقع انخفاض الطلب القادم من الصين مع تباطؤ البناء

وبعد انتهاء هذه المهمة، توسعت شركات إدارة الأصول في جميع المجالات من التأمين إلى التأجير التمويلي إلى الوساطة وصناديق الاستثمار عبر الاقتراض بأسعار رخيصة من الأسواق المحلية والخارجية، وتحولت هي نفسها إلى شركات كبيرة للإقراض في الظل.

كانت شركة "هوارونغ" هي الأشد جرأة في عهد رئيسها لاي شياومين، الذي أُعدم بسبب ارتكاب جرائم من بينها الرشوة أوائل العام الماضي.

بعدها بوقت قصير، أحدثت الشركة ارتباكاً في أسواق الائتمان الآسيوية عند عجزها عن نشر تقريرها السنوي في الموعد المحدد، لتعلن في النهاية تحقيق خسائر كبيرة بلغت قيمتها 15.9 مليار دولار عن عام 2020.

أزمة عقارات الصين مستمرة.. والمدن تبيع الأراضي لنفسها

رغم تجنب الأزمة في النهاية عن طريق إضافة حقوق ملكية بقيمة 6.6 مليار دولار من قِبل مجموعة من المستثمرين المدعومين من الدولة، تقودهم شركة "سيتيك غروب"، فقد ظل المستثمرون يشعرون بالقلق ومنقسمين بشأن فرص النمو في هذا القطاع على الأمد الطويل.

ارتفعت علاوة المخاطر على السندات الدولارية التي تصدرها شركة "هوارونغ" في الأسابيع الأخيرة مع تزايد قلق المستثمرين بشأن مهمة الشركة الجديدة.

اتسعت فجوة العائد على سندات "هوارونغ" بسعر فائدة 3.375%، التي تستحق عام 2030 بنحو 40 نقطة أساس خلال الشهر الجاري، وبمقدار 30 نقطة أساس على سندات الشركة التي تستحق في عام 2025 بسعر فائدة 5.5%.

الانسحاب من السندات

استراتيجيّا بنك "سيتي"، ديرك ويللر ولويس إي كوستا، اللذان نصحا بشراء سندات "هوارونغ" الدولارية التي تُستحق في عام 2025 بسعر فائدة 5.5% عندما كان سعرها 72 سنتاً للدولار في 15 أبريل من العام الماضي، أغلقا الصفقة الآن بعد أن حققت عائداً بنسبة 49.3% حتى منتصف فبراير الجاري.

كتب محللا بنك "سيتي": "نتيجة المهمة الجديدة التي كُلِّفتها شركات إدارة الأصول، نعتقد أن الوقت الآن مناسب تماماً للتخارج من سنداتها، ونحن ننتظر مزيداً من التفاصيل عن هذه التطورات، ونحذر من أنها قد تؤدي إلى زيادة مخاطر العدوى في هذا القطاع إذا استمرت القيود على التمويل".

عاد بعض شركات إدارة الأصول إلى أسواق السندات الخارجية بعد أن انقطعت عنها في أثناء الذعر المرتبط بشركة "هوارونغ".

سعرت شركة "سيندا" سنداً قيمته مليار دولار لأجل 5 سنوات بسعر عائد يبلغ 3.25% في يناير الماضي، بعد الاتفاق على سند دائم بقيمة 1.7 مليار دولار بعائد 4.4% في شهر أكتوبر. وأصدرت شركة "غريت وول" سنداً بقيمة 300 مليون دولار أجل 5 سنوات بفائدة 2.875% في شهر نوفمبر الماضي.

ركود القطاع العقاري

يواجه الاقتصاد الصيني مخاطر متعددة في عام 2022، في معركته مع ركود القطاع العقاري واستمرار جائحة كورونا.

سيحتاج قطاع العقارات إلى 140 مليار دولار على الأقل حتى يغطي قيمة السندات التي حان موعد استحقاقها، مع الكوبونات وأوراق الدَّين الأخرى في العام الحالي.

بلغت الديون القائمة عند البنوك على شركات قطاع العقارات 51.4 تريليون يوان في شهر سبتمبر الماضي، واستحوذت على 27% من إجمالي عمليات الإقراض في البلاد، متجاوزة قروض أي قطاع من القطاعات الأخرى.

قفز إجمالي القروض غير المنتظمة إلى رقم قياسي بلغ 2.85 تريليون يوان بحلول نهاية شهر ديسمبر، مع تسجيل البنوك في المدينة والمناطق الريفية أكبر الزيادات.

صنف البنك المركزي 422 مؤسسة مالية باعتبارها كيانات عالية المخاطر في العام الماضي، معظم هذه المؤسسات عبارة عن بنوك ريفية صغيرة.

حالة جهات الإقراض الإقليمية الصغيرة المتعددة في الصين كانت مصدراً دائماً للقلق منذ منتصف 2019، عندما استحوذت الجهات الرقابية على بنك في منغوليا الداخلية –في أول إجراء من نوعه منذ عشرين عاماً– وحملت خسائر على بعض الجهات الدائنة.

وقعت على الأقل 20 عملية إدماج شملت البنوك الصغيرة منذ عام 2020، ولعبت شركات إدارة الديون الرديئة دوراً أساسياً، إما عن طريق شراء كمية كبيرة من القروض الرديئة، وإما عبر تقديم خدمات استشارية لإعادة الهيكلة.

يمكن لـ"هوارونغ" و"سيندا" وشركات إدارة الديون الرديئة الأخرى المساعدة في حماية البنوك من الآثار المدمرة لنحو 126 مليار يوان من القروض العقارية الرديئة، وفق تقديرات "بلومبرغ إنتيليجنس".

قال أندرو كولييه، العضو المنتدب لدى شركة "أورينت كابيتال ريسيرش" في هونغ كونغ، إنّ استخدام شركات إدارة الأصول وسيلة أخرى مختصرة لتدعيم الاقتصاد دون زيادة أعباء الديون على الحكومة المركزية.

أضاف كولييه: "تخشى القيادة ركود الاقتصاد، لكن قلقها يكون أكبر في حالة تقديم حوافر كبيرة من الحكومة المركزية تنتج عنها فقاعة عقارية أسوأ كثيراً، يؤدي انهيارها إلى طرح تساؤلات حول كفاءة الحزب الشيوعي".