خريطة الغاز في المنطقة وفرص التصدير إلى أوروبا بظل الأزمة الروسية الأوكرانية

ناقلة غاز مسال في طريقها إلى أوروبا
ناقلة غاز مسال في طريقها إلى أوروبا المصدر: بلومبرغ
المصدر: الشرق
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في خضم الأزمة الروسية الأوكرانية، صار الحديث الأبرز حول الغاز، الذي تسيطر روسيا على الحصة الأكبر من سوقه، وتخشى أوروبا أكبر المستوردين للغاز الروسي من آثار انقطاع إمدادات الغاز في حال فرض عقوبات على الأخيرة.

الدول العربية، خارج دول مجلس التعاون الخليجي، يبحث بعضها عن تثبيت حصته في السوق الأوروبية، في حين تخوض دول أخرى محادثات حول إنتاجها وتصديرها، في ظل صراع حول الحدود البحرية الذي عطّل الكثير من المشاريع.

العراق.. مخزون هائل

ينتج العراق نحو 81 مليون متر مكعب من الغاز، في حين وصل استيراده إلى مستويات بلغت نحو 50 مليون متر مكعب من إيران، عبر أنابيب عابرة للحدود بين البلدين، لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية. لكنَّ إيران قللت ضخ الغاز بسبب تراكم الديون على العراق.

وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار، قال في مؤتمر الدول المصدرة للغاز المقام في الدوحة، إنَّ العراق يهدف لتحويل أولوية استثماراته من قطاع النفط إلى قطاع الغاز.

بينما أعلنت وزارة النفط العراقية أنَّها وقَّعت في سبتمبر الماضي عقداً مع "توتال" الفرنسية بقيمة 27 مليار دولار لتنفيذ مشاريع في محافظة البصرة جنوبي البلاد، من بينها 3 مشاريع لمجمعين لتطوير الغاز وتطوير حقل أرطاوي لزيادة إمدادات الغاز.

ويقدر خبراء أنَّ مخزون العراق من الغاز نحو 3.8 تريليون متر مكعب، لكنَّ استخراجها يواجه صعوبات لغياب الاستثمار. كما يشير الخبير النفطي حمزة الجواهري في حديث لـ"الشرق" إلى أنَّ جولة التراخيص التي أبرمت عام 2018 ساهمت في عرقلة تطوير الحقول الغازية، وأُلغيت فيما بعد بسبب مخالفات دستورية.

اقرأ أيضاً: قفزات في النفط والغاز والذهب وهبوط الأسهم والروبل بعد هجوم روسيا على أوكرانيا

تركيا.. مستهلك وممر

الجارة الشمالية للعراق تعتمد بشكل شبه كامل على استيراد حاجتها من الغاز الطبيعي، إذ كشفت تقارير شركة "بوتاش" لأنابيب النفط والغاز الطبيعي، أنَّ تركيا تنتج فقط 1% من حاجتها من الغاز، فقد وصل الإنتاج عام 2020 إلى 441 مليون متر مكعب، فيما استهلكت في العام نفسه 49.3 مليار متر مكعب، استوردت 99% منه.

تظل روسيا المصدر الأكبر لتركيا إذ تصل واردات البلاد من الغاز الروسي إلى 33.6%، في حين تبلغ الواردات من أذربيجان نحو 24% و11.1% من إيران، بحسب تقرير هيئة تنظيم سوق الطاقة الكهربائية.

الهيئة أفادت في تقريرٍ حديث أنَّ واردات البلاد من الغاز عبر خطوط الأنابيب انخفضت بنسبة 29.6%، في حين زادت في المقابل الواردات من الغاز المسال بنحو 135.1%، وكذلك انخفضت الواردات الإجمالية بنسبة 2%، على أساسٍ سنوي مقارنةً بالاستيراد في نوفمبر 2020. وأضافت تركيا إلى قائمة مورديها قطر، والجزائر، ونيجيريا، والولايات المتحدة، وترينيداد، وتوباغو، والنرويج.

وصرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مطلع فبراير الحالي أنَّ بلاده قد تستفيد من الغاز الإسرائيلي، وأضاف: "يمكننا أن ننخرط في جهد مشترك لتصدير الغاز لأوروبا"، وتكتسب التصريحات أهمية كونها كانت خلال حديث للصحفيين أثناء رحلة عودته من أوكرانيا.

اقرأ أيضاً: من خطوط الأنابيب إلى الموانئ.. إليكم أبرز مواقع تصدير السلع في أوكرانيا

هذه التصريحات تختلف مع الخطط الإسرائيلية لمد أنابيب عبر قبرص واليونان، بعد توقيع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاتفاق في 2020 في العاصمة اليونانية أثينا مع نظيريه اليوناني والقبرصي، لكنَّ تركيا عززت موقفها بالتوقيع على اتفاق مع ليبيا لترسيم الحدود البحرية، وبدأت باستكشاف الغاز في المنطقة، الأمر الذي زاد التوترات كذلك مع جارتها اليونان، الرافضة للاتفاقية التركية الليبية، وترى أنَّها تتعدى على حدودها البحرية.

إسرائيل.. استيراد وتصدير

إسرائيل التي يفكر أردوغان في نقل غازها إلى أوروبا، انتقلت من استيراد الغاز المصري بين عامي 2005 و2012، إلى التصدير، فقد ضخت الغاز الطبيعي إلى مصر لأول مرة عام 2020، لتكريره وإعادة تصديره إلى أوروبا.

وتعتمد إسرائيل على الحقول البحرية، إذ يصل الاحتياطي في حقل تامار، وهو أحد الحقلين الكبيرين إلى نحو 300 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، فيما يصل إلى الاحتياطي في الحقل الأكبر ليفياثان إلى نحو 605 مليار متر مكعب من الغاز.

اقرأ أيضاً: ماذا يقول المحللون حول أوكرانيا والنفط

وتوقف الاستيراد عبر خط أنابيب العريش – عسقلان الذي كان يمد إسرائيل بالغاز المصري بعد عدة حوادث تفجير بين عامي 2011 و2014، ليتحول إلى التصدير، ويضخ حالياً نحو 5 مليارات متر مكعب سنوياً، ويجري التخطيط كذلك من وزارة الطاقة الإسرائيلية لمد أنبوب غاز آخر إلى مصر لزيادة الصادرات، إذ من المتوقَّع أن يكلف المشروع نحو 200 مليون دولار، وتنوي شركة "شيفرون" زيادة ضخ الغاز بنحو 2 إلى 2.5 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً خلال العام الحالي 2022.

وصادقت الحكومة الإسرائيلية عام 2020 على مشروع آخر لخط أنابيب بهدف نقل الغاز إلى أوروبا، يمر عبر قبرص واليونان، تبلغ تكلفته نحو 6 مليارات دولار، ويصل طوله إلى 1900 كيلومتر، لكنَّ هذا المشروع يواجه خلافات مع تركيا حول الحدود البحرية، التي بدورها اتجهت لتوقيع اتفاق بحري مع ليبيا.

لبنان .. الأنبوب العربي

الخطط الإسرائيلية تتضارب مع الآمال اللبنانية، حيث يواجه التنقيب عن الاحتياطات البحرية اللبنانية الخلافات مع إسرائيل على الحدود البحرية.

ويعتبر الخبير النفطي اللبناني شربل سكاف أنَّ أكبر مكامن الغاز التي يمكن أن تحتوي على الغاز هي في البلوكات 8 و9 و10، وهي ضمن المنطقة التي يشملها الخلاف مع إسرائيل.

في حين ينتظر البلد الذي يعاني من أزمة كبيرة في الطاقة وصول خط الغاز العربي الذي توقَّف العمل به منذ 11 سنة.

وحصل المشروع على دفعة جديدة بعد الموافقة الأميركية لاستثناء لبنان والدول المشاركة في خط الغاز، وهي مصر والأردن، من عقوبات "قانون قيصر" الذي يستهدف سوريا.

مصر .. العين على أوروبا

في هذه الخارطة المعقدة بشرق المتوسط، بين تركيا وإسرائيل؛ تبحث مصر عن تثبيت موقعها كمنتج للغاز، إذ تعمل على اتفاقية مشتركة مع قبرص واليونان لتصدير الغاز، وربط الحقول اليونانية والقبرصية بمحطات الإسالة المصرية، لتكون بوابة للغاز المصري إلى أوروبا.

وبحسب بيانات رسمية للحكومة المصرية في مارس 2021؛ فإنَّ الإنتاج المصري سنوياً يصل إلى 74.4 مليار متر مكعب من الغاز، تستهلك منها سنوياً نحو 59.9 مليار متر مكعب، وقال مجلس الوزراء المصري في بيان في منتصف فبراير الحالي، إنَّ صادرات الغاز المسال شهدت نمواً كبيراً، فقد وصلت إلى 6.5 مليون طن في 2021 مقارنة بنحو 1.5 مليون طن في 2020.

إلى جانب الاتفاقيات مع اليونان وقبرص؛ تدرس مصر وإسرائيل مد خط أنابيب غاز بحري لمنشأة دمياط، و منشأة إدكو للإسالة في مصر لتصديرها إلى أوروبا. كما تعمل مع لبنان والأردن على مشروع خط الغاز العربي لحل الأزمة اللبنانية في الطاقة، إذ من المتوقَّع أن تضخ حوالي 1.5 مليون متر مكعب إلى لبنان، بحسب تصريحات لوزير البترول المصري طارق الملا.

اقرأ أيضاً: أسعار غاز أوروبا تقفز 41% عقب هجوم روسيا على أهداف أوكرانية

وفق رئيس لجنة الطاقة باتحاد الصناعات، ورئيس جمعية مستثمر الغاز محمد سعد الدين؛ فإنَّ بلاده تسعى لإنشاء منطقتين صناعيتين لإدخال الغاز الطبيعي في منتجات بتروكيماوية وتصديرها، على أنَّ مصر قد تجد موطئ قدم لها في السوق الأوروبية مع اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، وسط البحث عن بدائل لمصادر الطاقة.

الجزائر.. الخلاف مع المغرب

قالت وكالة الأنباء الجزائرية، إنَّ الجزائر تأتي في المرتبة الرابعة كمصدر للغاز الطبيعي السائل إلى أوروبا، إذ يقدّر الإنتاج السنوي للبلاد بنحو 168 مليار متر مكعب.

الخلافات الجزائرية المغربية، وصلت آثارها إلى صادرات الغاز، إذ أوقفت الجزائر في نوفمبر الماضي إمدادات الغاز الطبيعي إلى المغرب، وأوقفت كذلك التصدير عبر الأنبوب الذي يصل إلى إسبانيا والبرتغال، الذي كان يوصل نحو 10 مليارات متر مكعب سنوياً.

لكنَّ الحكومة الجزائرية تقول، إنَّ إيقاف الأنبوب لن يؤثر على صادراتها إلى أوروبا، كما أنَّها رفعت قدرات التصدير عبر أنبوب ميدغاز الذي يوصلها مباشرة بإسبانيا، لتصدر عبره نحو 10.5 مليار متر مكعب قبل نهاية السنة.

الغاز الجزائري يصل كذلك إلى إيطاليا عبر جارتها الشرقية تونس، إذ تصل سعة أنبوب "ترانسميد" الرابط بين الدول الثلاث نحو 30 مليار متر مكعب في السنة.

وأعلنت وزارة الطاقة الجزائرية عن اتفاق مع النيجر ونيجيريا، لوضع خارطة طريق لمشروع أنابيب غاز عابرة للصحراء، سيمتد من نيجيريا إلى الجزائر، لتنقله بدورها إلى الأسواق الأوروبية.

ويبلغ طول الأنابيب بحسب هذه الخطة الطموحة نحو 4 آلاف كيلومتر، وقال عن ذلك وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب، إنَّ الجزائر ستوفر دعماً للمشروع ببنيتها التحتية وقربها من أسواق الغاز.

ووقَّعت سوناطراك الجزائرية كذلك اتفاقاً مع مؤسسة النفط الليبية بداية فبراير الحالي لاستئناف نشاطها في ليبيا، والعمل في حوض غدامس، بعد توقف أعمالها منذ عام 2015.

ليبيا.. الحاجة للاستثمار

الجارة الشرقية للجزائر، ليبيا، تمثل كذلك أحد المصدرين المهمين للغاز إلى إيطاليا؛ إذ تصدر عبر الخط البحري الذي يتجاوز طوله ألف كيلومتر عبر البحر.

وانتقد رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا مصطفى صنع الله خلال افتتاحه لحقل جديد يوم الإثنين عدم تقديم ميزانيات للمؤسسة، قائلاً، إنَّ الميزانية التي خصصت للقطاع العام الماضي تمثل 11% فقط من الاحتياجات.

صنع الله أظهر تفاؤله بالمخزونات في منطقة حوض غدامس، قائلاً، إنَّها "من أهم المناطق الواعدة"، لكنَّ المؤسسة تقول، إنَّ الحكومة لم ترد على خطط لتطوير المنطقة، كانت قد قدّمتها في نوفمبر الماضي.

في حين تقول المنظمة العربية للدول المصدرة للنفط في بياناتها، إنَّ احتياطيات ليبيا من الغاز في عام 2020 وصلت إلى أكثر من 1504 مليار متر مكعب من الغاز.


شارك في إعداد هذا التقرير:

بغداد – منة الله ظاهر.

إسطنبول – آلاء جول.

القدس – ياسمين أسعد.

بيروت – مها حطيط.

القاهرة – محمد الخولي.

بنغازي – إبراهيم الحنبولي.

الجزائر – عبد الباسط تكالي.

دبي – محمد العجمي.