شركات التشفير تؤسس جيشاً من جماعات الضغط للتأثير على صياغة القوانين في نيويورك

شركات التشفير تضغط لإقرار صياغة واضحة منظمة للقطاع
شركات التشفير تضغط لإقرار صياغة واضحة منظمة للقطاع المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تسعى نيويورك أن تصبح "عاصمة التشفير" الأمريكية، وسط استعانة شركات عملات مشفرة كبرى بجيش من جماعات الضغط للدفع في ذلك الاتجاه.

تُظهر إفصاحات جديدة أن "ديجيتال كارينسي" (Digital Currency Group) و"بلوكتشين دوت كوم" (Blockchain.com)، ونحو 12 شركة أخرى تنفق ما يزيد عن 100 ألف دولار شهرياً ضمن تمويل حملة ضغط بقيمة 1.5 مليون دولار، تنطلق من ألباني عاصمة الولاية، بهدف المساعدة في صياغة قواعد تحكم صناعة التشفير التي تبلغ قيمتها ملياري دولار، ولا تزال تشهد حالة من عدم التنظيم على المستوى الفيدرالي.

الأمر يشمل حتى شركات مثل "إي تورو" (eToro) التي لا تعمل في نيويورك، لكنها تمتلك فريق عمل يتواجد في ألباني، حيث تؤثر صياغة القوانين هناك على التشريعات بكافة أنحاء الولايات المتحدة.

تعد نيويورك موطناً لأكثر هيئات الرقابة المالية تشدداً في العالم، وتدرك شركات التشفير الدروس التي تعلمتها شركات التكنولوجيا مثل "إير بي إن بي" (Airbnb Inc) و"أوبر"، ومعاناتها مع الجهات التنظيمية لسنوات، كما تدرك أيضاً متطلبات ترخيص التشفير المرهقة في نيويورك، وتخشى من الإغراءات التي تقدمها ولايات لديها قواعد تنظيمية أقل تشدداً مثل تكساس للشركات المتواجدة هناك.

اقرأ أيضاً: "الخزانة الأمريكية" تتجه لإعفاء مستثمري العملات المشفرة من شروط "تعجيزية

قال لين كاسلمان، كبير مسؤولي العمليات في منصة تداول العملات المشفرة "بلوكتشين دوت كوم": "يتعين علينا أن نجلس على الطاولة" وسط زخم المشهد السياسي في نيويورك.

أشار "كاسلمان" إلى أن أهمية الأمر ترتبط بشكل خاص بتكثيف نيويورك والولايات الأخرى جهودها من أجل صياغة قواعد جديدة بشأن العملات المشفرة. وأوضح أنه وبحسب تشريعات التشفير التي يتتبعها موقع "بلوكتشين دوت كوم"، تم تقديم 96 مشروع قانون في الولايات المتحدة خلال الأسابيع الستة الأولى من العام 2022. كما أضاف "كاسلمان": "تم تقديم 13 مشروع قانون في الولايات المتحدة تتعلق بالعملات المشفرة في عام 2021".

عاصمة التشفير

يتبنى المشرعون في نيويورك بشكل علني استراتيجية الاعتماد على التشفير كوسيلة لتعزيز الاقتصاد، الذي لا يزال يعاني من تداعيات الوباء وتراجع دور "وول ستريت".

قال "كاسلمان": "هل تريد نيويورك أن تصبح مركزاً للجيل القادم من النظام المالي الكبير، أم تتخلى عنه لصالح ميامي أو سان فرانسيسكو؟ وبالسؤال ما هي المخاطر؟ إن الأفضل والأكثر شهرة يغادرون".

قدّم عمدة مدينة نيويورك، إريك آدامز، الذي أعلن قبل توليه منصبه في يناير 2022، أنه سيحصل على راتبه في أول ثلاثة أشهر بالعملة المشفرة، طلباً لتحويل المدينة إلى "مركز صناعة العملات المشفرة".

شارك "آدامز" مع مايك نوفوغراتز ملياردير الأصول المشفرة، والرئيس التنفيذي لشركة "غالاكسي إنفستمنتس" (Galaxy Investments )في رحلة إلى بورتوريكو على متن طائرة رجل الأعمال، الذي يعمل بمجال العملات المشفرة بروك بيرس، وظهر في لقاءات محبي الصناعة، التي تشرح التعقيدات المرتبطة بـ"إيثريوم" و"بتكوين".

اقرأ أيضاً: وزارة الخزانة الأمريكية تسعى لإرضاخ متعاملي العملات المشفرة للامتثال الصارم مع مصلحة الضرائب

كان الحماس مُعدياً. قال إريك سوفر، الذي بدأ في يناير بعض ممارسات جماعة ضغط جديدة لتعزيز التكنولوجيا المالية والتشفير لصالح شركة "توسك إستراتيجيز" (Tusk Strategies): "هناك تأخر كبير في حجم الاستثمار والنشاط والتدقيق في الصناعة، لدرجة أن الكثير من الشركات تدرك أن الوقت قد حان للخروج من المشاركة".

يملك برادلي تاسك شركة "توسك استراتيجيز"، وهو سياسي يعمل منذ فترة طويلة في حملات لمرشح عمدة نيويورك السابق، أندرو يانغ، والعمدة الأسبق مايكل بلومبرغ، مؤسس ومالك حصة الأغلبية في "بلومبرغ" (Bloomberg LP)، الشركة المالكة لـ"بلومبرغ نيوز".

قامت "توسك استراتيجيز" بتقديم شركة "أوبر" عندما أطلقت خدمة النقل التشاركي في مدينة نيويورك عام 2011. وقال "سوفر"، إن أوجه الشبه واضحة: "إذا كنت تريد لعب دور في تشكيل مسار القواعد التنظيمية لصناعة التشفير ليس على مستوى الولاية فقط، ولكن أيضاً على المستوى الفيدرالي تحتاج للمشاركة وإزالة الغموض عن الأعمال".

استهلاك الطاقة

كانت هناك مؤشرات قليلة حول موقف كاثي هوشول، عمدة نيويورك من العملات المشفرة، سواء كانت على صعيد سوق تداول العملات المشفرة، أو فيما يخص تعدين البتكوين.

تقول شركات العملات المشفرة إن إحدى النقاط المضيئة كان قرار "هوشول" بتعيين المسؤولة السابقة في إدارة أوباما، أدريين هاريس، كمشرفة جديدة للولاية في "إدارة الخدمات المالية"، التي تعد أكبر جهة تنظيمية للصناعة في نيويورك حيث كانت "هاريس" عملت عضواً في مجلس إدارة مؤسسة "ديجيتال دولار" Digital) Dollar) التي تدافع عن إصدار "الاحتياطي الفيدرالي" عملة رقمية.

اقرأ أيضاً: مليارديرات أمريكا يُشعلون هوس العملات المشفرة في 2022

يتركز معظم الاهتمام في ألباني حتى الآن على التأثير البيئي لتعدين "بتكوين" بسبب استهلاكها الكبير للطاقة، وعدم وجود قواعد تنظيمية كافية، خاصة بعد ازدهار التعدين على شواطئ الولايات المتحدة عقب حظر تعدين العملات المشفرة في الصين عام 2021.

بمراقبة الوضع عن قرب، فإن هناك تاريخ طويل لولاية نيويورك في التشدد بشأن تنظيم تعدين العملات المشفرة، ومن المتوقع إصدار "إدارة الحفاظ على البيئة" في نيويورك قراراً هاماً، في مارس المقبل، يوضح ما إذا كانت ستستمر في السماح بعمليات التعدين اعتماداً على محطة الطاقة التي تم إيقاف تشغيلها سابقاً وتديرها شركة "غرينديغ جينيريشن هولدينغ" (Greenidge Generation Holdings Inc).

تقع "غرينديغ"، محطة توليد الطاقة باستخدام الفحم التي اشترتها شركة الأسهم الخاصة "أطلس هولدينغ" (Atlas Holdings LLC)، وتم تحويلها لمصنع لحرق الغاز الطبيعي، على بحيرة سينيكا في منطقة بحيرات فينغر في نيويورك.

وبحلول العام 2020، أصبح تعدين "بتكوين" يتم على مدار 24 ساعة، وتقدمت المحطة بطلب لتجديد تصريح انبعاثات، وسط النقاش العام الدائر حول صناعة العملات الرقمية، والذي يشارك فيه الناشطون البيئيون الذين يراقبون الوضع عن كثب.

اقرأ أيضاً: خلاف بين يلين والبيت الأبيض يبطئ التوصل لاستراتيجية بشأن العملات المشفرة

ضغوط واسعة

قالت إيفون تايلور، نائبة رئيس المجموعة الناشطة بيئياً "سينيكا ليك غارديان"، إن هذه الصناعة "جديدة نسبياً وغير مفهومة، وتدمر مناخنا، لأنها كثيفة الاستهلاك للطاقة". وأضافت "تايلور": "يتدفق المضاربون من خارج نيويورك لأنها تمثل الغرب المتوحش بدون أي رقابة".

كانت هناك ضغوط واسعة النطاق بشأن التشريعات التي من شأنها أن تفرض حظراً على كافة عمليات تعدين العملات المشفرة في الولاية، بالإضافة إلى أكثر من 20 مشروع قانون تتعلق بالصناعة تم تقديمها حتى منتصف فبراير، وتناولت موضوعات تتراوح من الاحتيال إلى استخدام تقنية "بلوكتشين" في الانتخابات. كما كان هناك 16 مشروع قانون متعلقاً بصناعة التشفير تم طرحه في نيويورك في عام 2021 بالكامل.

يظهر تباين الدعم السياسي في تصريحات العمدة "آدامز" هذا الشهر، عندما قال أمام نواب الولاية: "أؤيد العملات المشفرة وليس تعدين العملات المشفرة".

اقرأ أيضاً: ترويج السياسيين للعملات المشفرة مجازفة.. لكنها عديمة الضرر

تشعر الشركات التي لا تعمل بالتعدين مباشرة بالقلق من امتداد النزاعات حول عملية التعدين إلى أجزاء أخرى من أعمالها في نفس الصناعة، مثل التداولات وغيرها من أنشطة السوق. وقال "سوفر" من "توسك استراتيجيز": "يمتص التعدين كل الأكسجين والعملات المشفرة تأتي عن طريق التعدين".

محاولات إقناع

تقول الشركات التي تعمل بصناعة التشفير خارج التعدين إنها تنظر إلى جهود الضغط على أنها حركة وقائية، حيث قال لولي ديميسي، الرئيس التنفيذي لشركة "إي تورو يو إس إيه" التي تتخذ من إسرائيل مقراً لها، ومن المقرر طرحها للاكتتاب العام عبر اندماجها مع شركة الشيك على بياض "فينتك أكويزيشن كورب 5": "ندرس المشاركة مع استمرار تطوير ووضع اللوائح".

تمثل تلك الطريقة أيضاً خيارا لتجنب المصير الذي واجهته شركات التكنولوجيا مثل "فيسبوك" و"غوغل"، حيث يزداد الجدل بين النواب في جلسات الاستماع في "الكونغرس" المتلفزة بشأن بعض المصطلحات التقنية الأساسية.

قال دان بورستين، المستشار العام الأمريكي في منصة البنية التحتية المنظمة لتقنية البلوكتشين "باكسوس" (Paxos): "التكنولوجيا صعبة"، وأوضح أن تعليم السياسيين وصانعي السياسات بشأن العملات المشفرة يعد إحدى الطرق لصياغة التشريعات المستقبلية، كما تعد طريقة للتأكد من أن شركاتهم لا تنجرف عن غير قصد في التشريعات، في حالة عدم دقة اللغة المستخدمة في صياغة مشروعات القوانين بالشكل الكافي.

اقرأ أيضاً: العملات المشفرة.. مخزن للقيمة أم فقاعة؟

أضاف "بورستين": "أنهم يرون ما هو موجود في السوق الآن وليس ما هو قادم وربما لا يفكرون في المخاطر المستقبلية على النظام المالي".

على سبيل المثال، قامت بعض الشركات بتوظيف جماعات ضغط للدفع من أجل تغيير إجراءات الحصول على رخصة للعمل في أنشطة العملات المشفرة "بايت لايسنس" (BitLicense) في نيويورك، وهو النظام الذي تم إنشاؤه عام 2014 لتنظيم شركات التشفير الموجودة، أو التي لديها عملاء في الولاية. والآن، تطالب تريد بعض الشركات الولاية بتخفيف متطلبات الترخيص لتسهيل امتثال شركات التشفير الصغيرة.

التراخيص المطلوبة

لا يُسمح للبورصات بالعمل في نيويورك بدون ترخيص "بايت لايسنس" (BitLicense)، ويمكن للشركات المرخصة فقط تقديم عملات معينة معتمدة في الولاية. فعلى سبيل المثال، فإن نحو نصف العملات البالغ عددها 157 عملة التي تدعمها "كوين بيس" غير متاحة للتداول في نيويورك.

اقرأ أيضاً: "العدل الأمريكية" تشكل فريقاً للتصدي لجرائم العملات المشفرة

قال جين هوفمان، رئيس العمليات في شبكة تداول البلوكتشين "تشيا نتوورك" (Chia Network) التي أسسها إبرام كوهين، مبتكر نظام مشاركة الملفات "بيت تورينت" (BitTorrent): "إذا كنت شركة صغيرة أو مشروع عملات مشفرة في البداية فسوف يستغرق الأمر بعض الوقت للانضمام إلى هذه السوق". وأكد "هوفمان" أن صناعة التشفير "تختلف جذرياً" عما كانت عليه، عندما تم إنشاء نظام "بايت لايسنس"، وأنه قد "حان الوقت لإلقاء نظرة جديدة عليها وتعديلها".