إذا لم تكن من محبي تناول الإفطار فإن التاريخ يتفق معك

من صفحات كتاب "الإفطار الإيطالي" للطبّاخ العالمي فيران أدريا، (سعر الكتاب: 125 دولاراً)
من صفحات كتاب "الإفطار الإيطالي" للطبّاخ العالمي فيران أدريا، (سعر الكتاب: 125 دولاراً) المصدر: مطبعة فايدون
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

شخصياً، لم أكن أبداً من محبي وجبة الإفطار. إذ لطالما مثل لي تناولها، إشارة على الضعف، لتعني أن جسدك لا يستطيع الصمود حتى وجبة الغداء أو وقت لاحق للحصول على الغذاء. وبدلاً من الإفطار، أتبع نظام الصيام المتقطع، حيث أقضي 16 ساعة دون تناول سعرات حرارية، ثم أعوض ذلك بتناول وجبة عشاء ضخمة في أحد المطاعم التي أحبها.

لذلك، كنت أشعر بمزيج من الازدراء والخوف، عند تفحصي لكتاب "الإفطار الإيطالي" الذي يعد أحد الكتب في موسوعة كتب "مشروع بوليبيديا" (Bullipedia Project) للطبّاخ العالمي فيران أدريا. وكان شعوري بالازدراء يرجع لنفس السبب الذي ذكرته سابقاً، بينما الخوف كان نابعاً من اعتقادي بأنه سيكون من الحماقة التنافس مع الذكاء الخارق للطبّاخ الشهير في فن الطهي. فهل سيستطيع تغيير رأيي؟

تاريخ الإفطار

يبدو الكتاب جذاباً، حيث تنطوي صفحاته الـ416 على كثير من الصور الرائعة، بما في ذلك صورة للطبّاخ أدريا يبدو فيها كعالم مجنون، وهي صورة ظهرت في تقويم عام 2014 الصادرة عن إمبراطورية القهوة الإيطالية "لافازا" (تعاون الشيف مع العلامة التجارية لأعوام ووصف هذا الدليل بأنه "عمل دراسي وبحثي مشترك").

وتظهر صورة أيضاً مطعمه المؤثر ثقافياً "إل بولي" (El Bulli)، الذي يقع في سلسلة فنادق "شانغري-لا" (Shangri-La) على الساحل الكاتالوني، وهو مطعم أداره أدريا لما يقرب من ربع قرن.

مطاعم بريطانيا تعاني من نقص الطهاة مع عودة تقديم الطعام في الداخل

في البداية، كان سرد تاريخ الإفطار في الكتاب يعزز ميولي الحالية اتجاه الوجبة الصباحية. حيث، يبدو أن البشر لم يبدؤا في ممارسة تناول الإفطار صباحاً بشكل طبيعي، حيث كان الناس في عصور ما قبل التاريخ والحضارة يتناولون الطعام عندما يستطيعون الحصول عليه، وهذا غالباً ما كان يحصل في النصف الأخير من اليوم.

ولا يوجد في حضارات اليونان وروما العظيمة سوى القليل من الذكر لما يناسب وصف الوجبة التي نتناولها اليوم بانتظام في جميع أنحاء العالم. حيث كانت وجبة الصباح مخصصة لكبار السن والمرضى أو حديثي الولادة والأطفال في طور النمو أو للأشخاص الذين يعملون في الحقول.

وفي الحقيقة، كان الإنسان يتناول وجبة الإفطار إذا احتاج لذلك فقط.

بداية من إيطاليا

تغير كل هذا في القرن السادس، وتحديداً عندما وضع القديس بندكت النيرسي (لا، ليس هو صاحب فكرة طبق البيض الذي يحمل الاسم نفسه) قواعده الخاصة للحياة الرهبانية. وشملت هذه القواعد القراءة الصباحية لمطبوعة "حياة آباء الصحراء"، التي جاء معظمها من كتاب للراهب جون كاسيان يحمل اسم: "كونليشينيز" (Conlationes)، وهي كلمة لاتينية تعني "مؤتمر"، وأصبحت هذه الكلمة في النهاية هي الكلمة الإيطالية لوجبة الإفطار، والتي تنطق "كولازيون" (colazione).

يختلف هذا الأصل للكلمة، على سبيل المثال، عن أصل كلمة إفطار في اللغتين الفرنسية والإسبانية، حيث تشتق الكلمتان "ديجونير" (dejeuner) الفرنسية و"ديسايونو" (desayuno) الإسبانية، على التوالي، مثل الكلمة الإنجليزية أيضاً، من معنى إنهاء الجوع. لكن كلمة "كولازيون" تشير إلى التواجد في المجتمع وإجراء المناقشات.

كيف وصلنا إلى الـ"كرواسون"؟

في القرون التي أعقبت ذلك، أدى الازدهار الأوروبي إلى تغيير في مفهوم وجبة الإفطار. حيث بدأت العائلات الثرية التي كانت تنظر بازدراء سابقاً لفكرة تناول الطعام في الصباح، باستغلال هذه المناسبة لاستعراض ثرواتها. وأصبح تقديم الحلوى الشهية دليلاً على مكانة الشخص الاجتماعية، لأن السكر كان يعتبر من مظاهر الترف في ذلك الوقت، كما كان ينظر إلى الشوكولاتة أيضاً بنفس النظرة.

تقول الأسطورة إن معجنات "كرواسون" الزبدة اُخترعت في فيينا (البعض يقول في بودابست) بعد أن واجه آل هابسبورغ غزو الجيش العثماني في عام 1683. وبعد فترة وجيزة، ظهرت الشبيهة الإيطالية لها المعروفة باسم "كورنيتو". كذلك، قُدم مشروب قهوة "كابتشينو" في ذلك العام أيضاً، وتم افتتاح أول مقهى في مدينة البندقية. ومن هنا بدأت علاقة لا تنتهي مع المشروب الذي قدمه الأتراك سابقاً.

البندقية تحلم بتعظيم الاستفادة من سياحة اليوم الواحد

وبكل تأكيد كانت هذه العناصر الجديدة تتطلب توافر الأموال. ومثّلت المقاهي حينها أماكن تجمّع للنخبة الذين يناقشون السياسة (ويضعون خططاً للتمرد) بينما هم تحت تأثير الكافيين المنشط.

ماذا عن القهوة؟

لكن هذا الشراب القوي لم ينتشر بشكل واسع حتى القرن العشرين، عندما كان يعطى للجنود في الحرب العالمية الأولى. وفي نفس الفترة تقريباً، ساهمت التقنيات الإيطالية في تطوير مشروب القهوة المركز "إسبرسو". وفي الفترة بين الحربين، قدم رئيس الوزراء الإيطالي بينيتو موسوليني كلمة "باريستا" التي تعني الشخص المُحضّر للقهوة، حيث كان يريد التخلص من استعمال الكلمة الإنجليزية "بارمان" التي كانت شائعة بين أصحاب المقاهي حينها.

واليوم، تمثل القهوة أحد العناصر الأساسية في وجبة الإفطار الإيطالية، وهي إما "إسبريسو" أو "كابتشينو"، أما العنصر الثاني فهو معجنات "كورنيتو". وهما يشكلان معاً وجبة يمكنها تحفيز الدماغ والجسد على حد سواء، من خلال الكربوهيدرات، والدهون والسكر والكافيين.

التواصل الاجتماعي

لكن لا يقتصر مفهوم الإفطار الإيطالي على الطعام فقط، حيث إن هذه الوجبة ترتبط مع التواجد بأحد المقاهي وطلب القهوة من منضدة عامل الـ"باريستا". فيما يمثل جزءاً من تجربة اجتماعية لكنها تجارية أيضاً، وهي متجذرة في التواصل المجتمعي.

هذا المفهوم يمثل الأسلوب الفريد لتناول وجبة الإفطار الإيطالية، والتي تعد تجربة تأملية بحد ذاتها، وتطبيقية أيضاً بالنسبة للأعمال التجارية، والإدارة، والديناميكيات البشرية التي تتداخل جميعاً في وجبات الإفطار المختلفة في أنحاء إيطاليا.

إنها نظرة تختلف عن وجبة الإفطار المنزلية في الولايات المتحدة التي تتسم بمكوناتها الجاهزة من الثلاجة، أو التي تتناولها من على أحد رفوف المطبخ، وهي تختلف أيضاً عن وجبات الإفطار المشبعة بالبروتينات التي تقدم صباحاً في المملكة المتحدة.

بينما كنت أقرأ الكتاب، أدركت أني أتناول الطعام في الصباح. ومع أنه خلال عملي في لندن، قد يمنعني يوم العمل من تناول الإفطار أولاً، إلا أني في حوالي الساعة العاشرة والنصف أو الحادية عشر صباحاً، أتوجه إلى مقهى "كاتاليست روسترز آند كافيه" في شارع غرايز إن، حيث أجلس وأتناول "كرواسون" مع قهوة سوداء سادة، وأجري محادثة مع موظفي الـ"باريستا" لوك وميلي وكوفي، ومالك المقهى أليكس، وشقيق أليكس أيضاً الذي يعمل في تحميص القهوة.

وبعد أن أتمتع بالأجواء والرفقة، أعود إلى عملي. إنها ليست وجبة إفطار، بل هي "كولازيون" بالإيطالية.

وبعد ذلك يمكنني بسهولة تفويت الإفطار وتناول الغداء.