ما الذي يجعل مفاوضات أوكرانيا مهمة وعقيمة في آن معاً؟

روسيا ستعاني عزلة عميقة وقيوداً اقتصادية وانفصالاً عن العالم طالما بقي بوتين في الكرملين

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف المصدر: بلومبرغ
Therese Raphael
Therese Raphael

Therese Raphael is a columnist for Bloomberg Opinion. She was editorial page editor of the Wall Street Journal Europe.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قال الراحل وينستون تشرشل، إنَّ الحوار أفضل من الحرب، لكنَّه أيضاً قد بيَّن أنَّ هذا ليس ممكناً في جميع الأحوال.

وقف إطلاق النار في حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا من شأنه أن يثلج صدور الجميع، لكن لم تظهر دلائل تبشر بذلك الإثنين الماضي، حين فشل الوفدان الأوكراني والروسي بالاتفاق بعد مفاوضات استمرت خمس ساعات دكّت خلالها قوات روسيا مدينة خاركيف.

قد يسعى بوتين، الذي بات يزداد إدراكاً أنَّه أخطأ في حساباته، لإيجاد طريقة تجنِّبه حرب استنزاف في كييف. لكنَّ صور قافلة عسكرية روسية تمتد بطول 65 كيلومتراً تتجه نحو العاصمة الأوكرانية ليلة الإثنين تشير إلى أنَّه اتخذ خياراً مروعاً، يتمثل في مضاعفة قوته هناك.

عيوب خطط بوتين تجعل من زيلينسكي بطل حرب

برغم أنَّ الوفد الروسي أشار لمفاوضات أخرى قريباً، فليس هناك مخرج واضح لـِ بوتين الآن، ويتعذر مع مرور الأيام توقُّع الصيغة التي سيكون عليها "حل" التفاوض.

لن يتراجع بوتين عن مزاعمه كليةً بعدما اعترف رسمياً بجمهوريتين زائفتين في منطقة دونباس. لكن لا يُرجح، بالنظر لحجم الهجوم واستهداف المدنيين، أن تعيق المفاوضات التحقيق في جرائم الحرب المرتكبة. لم يعد بوتين منبوذاً فحسب؛ بل أصبح أحد وحوش التاريخ. ستعاني بلاده عزلة عميقة، وقيوداً اقتصادية، وانفصالاً بشتى الطرق عن بقية العالم طالما ظل في سُدّة الحكم.

إلحاق ضرر هائل

برغم أنَّ المفاوضات تبدو عقيمة؛ إلا أنَّ مساعي إنهاء الغزو لابد أن تتواصل، لأنَّ بوتين قادر على إلحاق ضرر هائل، ولأنَّ التصعيد النووي أمر لا يمكن تصوره.

بدأت تتبلور ردود فعل من أحرار العالم. في حين بدأ إدراك معنى نشوب حرب كبرى في وسط أوروبا يترسخ، كما برزت معه المخاطر الأوسع، التي سعت الحكومة الأوكرانية جاهدة لإيضاحها. لقد استغرق الأمر منا بعض الوقت للربط بين النقاط.

بعدما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في 2014 بشكل غير قانوني؛ جادل أصحاب نظرية الأمر الواقع بأنَّ الغرب يجب أن يتقبل حقيقة أنَّ أوكرانيا تقع بالكامل في نطاق دائرة نفوذ روسيا. اعتْبرت فكرة أنَّ أوكرانيا ذات توجه غربي على أنَّها خيال ليبرالي، وخلُص الجدل إلى أنَّها ستكون بمثابة حاجز محايد بين حلف شمال الأطلسي وروسيا.

بوتين قادر على قمع الروس المعارضين للحرب.. لكن ليس إلى الأبد

أُعدم السياسي المعارض بوريس نيمتسوف رمياً بالرصاص أمام الكرملين قبل سبعة أعوام بسبب آرائه المعارضة بشدة لضم شبه جزيرة القرم. فرض الغرب حينها عقوبات تسببت ببعض المشاكل، لكنَّ بوتين تمكّن من التكيّف معها، وجعل اقتصاده أكثر قوة في بعض النواحي.

كتب توماس غرانت، الباحث في القانون الدولي حينئذ: "لا ينبغي أن ننخدع؛ فالوضع في أوكرانيا واضح للغاية. إذا انتصرت روسيا في هذا الوضع؛ ستكون هناك عواقب على أمننا". أضاف غرانت، الذي أصبح اليوم زميلاً باحثاً في جامعة كمبردج، أنَّ غزو أوكرانيا، نظراً لحجمه ونمطه، يشكّل تهديداً أكبر للاستقرار القانوني للحدود الإقليمية الدولية.

يوقظ هذا التصور المرء من غفلته. إن أردت تخيّل ملايين السبل التي تربط الأفراد والشركات والدول والمؤسسات حول العالم؛ فما عليك سوى حذف مبدأ استقرار الحدود الثابت ليكون الأمر مثل سحب البساط من تحتها. فجأة ستجد نفسك مضطراً لتسعير الكثير من المخاطر، وعدم اليقين، فضلاً عن التقلبات. ربما بلدك وبلدي كبيران ومتحالفان وآمنان، لكنَّ دولاً عديدة أخرى ليست كذلك؛ إذ سيكون هناك سباق تسلح مفرط للغاية.

ردود سريعة وقوية

من الطبيعي أن يتسبّب احتمال محاربة أخطر تهديد أمني نشهده في معظم حياتنا بحالة من اليأس، لا سيما أنَّه مدعوم فقط بميثاق الأمم المتحدة وغيره من التشريعات بعد الحرب. لكنَّ وقاحة الغزو الروسي والتهديد الذي يمثله لأوكرانيا والأمن الأوروبي الأوسع قد أدى لردود فعل دولية سريعة وقوية.

حاول بوتين، الذي كان ضابطاً سابقاً في الاستخبارات السوفيتية، أن يستوعب لغة القانون الدولي في إعلانه المشتّت بشأن مهمة "حفظ السلام". فهو يريد الاعتراف بضم شبه جزيرة القرم كشرط مسبق لأي اتفاق، ويدرك أنَّ أفعال الدولة تكتسب شرعيتها من القانون؛ إلا أنَّ ذلك سيستخدم ضده في هذه الحال.

كيف كان ريغان سيعامل بوتين لو عاصره؟

قال دابو أكاندي، أستاذ القانون الدولي العام في جامعة أكسفورد: "القانون الدولي يلعب دوراً بتنسيق سلوك الجهات الفاعلة الأخرى. حقيقة تجاوز خطوط حمراء واضحة تجعل من السهل تنسيق الرد."، كما تمتحن تصرفات روسيا بطبيعة الحال المؤسسات الدولية والقوانين التي تدبر أمور عالمنا في مثل هذه الظروف.

يساهم تطبيق جولة عقوبات استباقية بعزل قطاعات مختلفة من اقتصاد روسيا عن النظام العالمي، ومحاسبة قادتها، وملاحقة أصول الدائرة المقربة من بوتين. لقد كان لتجميد أصول البنك المركزي الروسي ولقرار سويسرا الانضمام للعقوبات تأثير خاص.

بوتين يسابق الزمن وسط مقاومة أوكرانية تبطئ وتيرة العمليات العسكرية

في حين يعرقل حق نقض روسيا كعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تأثير هذا المجلس بشكل فعال؛ أتاحت آلية من حقبة الحرب الباردة لجلسة الجمعية العامة الطارئة الأوسع نطاقاً مناقشة غزو أوكرانيا، والتصويت على قرار في وقت لاحق من هذا الأسبوع. لن يكون لذلك فعالية كعزل البنوك عن نظام "سويفت"؛ لكنَّه مؤشر للرأي العالمي المتكتّل ضد بوتين، وربما يشجع المعارضة في روسيا.

يجب أن يتحمّل هذا الحزم التكاليف والضغوط التي ستظهر في الأيام والأسابيع المقبلة. توفر المفاوضات، في حال استئنافها، حداً أدنى من الأمل بإنهاء هذا الجنون. يشكّل عزل روسيا عن المجتمع العالمي وهزيمة بوتين حتى ذلك الحين أحد أشد واجبات الغرب إلحاحاً.