جيش التشفير الأوكراني .. حكاية ملهمة لكن توعوية أيضاً

محل لصرافة العملات المشفرة في العاصمة الأوكرانية كييف
محل لصرافة العملات المشفرة في العاصمة الأوكرانية كييف المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قفزت التبرعات لصالح حكومة أوكرانيا ومنظمات خيرية مرتبطة بها مع اشتداد دفاعها ضد القوات الروسية الغازية. ظهرت أهمية دور العملات المشفرة جلية في هذا المسعى ولقيت الترحاب كمورد جديد للبلاد في خضم الأزمة. لكن إبحار أوكرانيا في هذا المحيط واجه أمواجاً، ليصبح حكاية توعوية بقدر ما هي ملهمة.

وأنشأت حكومة أوكرانيا بضعة محافظ رقمية لتتلقى عبرها العملات المشفرة على اختلاف أنواعها، من "بتكوين" إلى "دوج كوين"، كما كانت هناك محافظ للهيئات غير الحكومية محافظ تجمع التبرعات لصالح قوات البلاد المسلحة. وكان تتبع مبلغ التبرعات عملية صعبة، رغم الشفافية التي تتباهى بها العملات المشفرة.

أوكرانيا تطلب تبرعات بالعملات المشفرة

وتحققت "بلومبرغ" من أكثر من 28.5 مليون دولار من التبرعات المرسلة للحكومة الأوكرانية حتى صباح الخميس، لكن مصادر أخرى مثل شركة تحليلات "بلوكتشين ايلبتيك" (Blockchain Elliptic) قدرت الإجمالي بنحو 43 مليون دولار. هذا المبلغ ليس سوى قطرة في محيط، حيث تقدر ميزانية دفاع أوكرانية في 2021 بنحو 4 مليارات دولار.

رئيس "كوين بيس": الروس العاديون يستخدمون "بتكوين" كطوق نجاة

وتعتبر المساعدة بالنسبة لمن هم على الأرض أمراً حيوياً مهما كانت هيئتها. ويشعر بعض الأوكرانيين في الخارج أن العملات المشفرة هي الوسيلة التي يمكنهم المساهمة عبرها بشكل أكبر للمساعدة في القتال الدائر في وطنهم. ولا يجب تجاهل نجاح أوكرانيا في جمع الأموال وجذبها انتباه جماهير العملات المشفرة، لكن العملية لم تخلُ من عقبات، فقد اضطر الوزراء والمانحون على حد سواء لتخطي مجموعة مصاعب غير متوقعة شملت فكرة فاشلة وضعف قدرة الإنفاق وتفشي الاحتيال.

إنزال جوي مالي

كانت بعض الأفكار جيدة نظرياً وإن لم تكن غير تقليدية بعض الشيء، حيث تعهدت الحكومة الأوكرانية الأربعاء بمكافأة متبرعي العملات المشفرة بما يسمى مجازاً بإنزال جوي، وهو منح الداعمين الأوائل رموزاً مجانية لمساعدتهم ببدء مشروع، ما أدى لارتفاع التبرعات لحسابات العملات المشفرة التابعة للحكومة. وهرع الناس للتخلي عن عملاتهم المشفرة قبل أن تبلغ التبرعات حداً ينتهي عنده تسجيل التبرعات المقدمة، ما أدى لإضفاء روح اللعب على الدافع الإنساني بشكل فعال واجتذاب الراغبين بجني ربح سريع من المكافآت الناتجة.

"بتكوين" تنتعش وتواصل الابتعاد عن الأسهم المتراجعة بفعل حرب أوكرانيا

لكن أُلغي الإنزال الجوي بعد يوم واحد نتيجة عملية احتيال بدا عبرها أن حساب "إيثريوم" التابع للحكومة يوزع رموز المكافأة من 7 مليارات رمز حديث الإنشاء إلى حسابات التشفير الفردية قبل ساعات من الموعد المحدد. قالت جيس سيمينغتون، رئيسة قسم البحث في "ايلبتيك"، أن المتسلل أرسل رموزاً إلى حساب "إيثريوم" الأوكراني تحتوي على إذن يسمح بالتحكم بتحديد المحفظة التي أتى منها الرمز، ما يعني أن أي رموز ترسل من حساب أوكرانيا ستبدو وكأنها آتية من الحكومة.

وكانت حادثة الإنزال الجوي مثالاً واحداً فقط على أن استخدام الدولة للعملات المشفرة يتسبب بزيادة عمليات الاحتيال أثناء جمع التبرعات، حيث يستهدف المهاجمون الرقميون المهرة حسن نية الأشخاص فيما يسعون بكامل طاقتهم لدعم القضية.

خطر الاحتيال

قالت سيمينغتون في مقابلة: "الخطر الرئيسي الذي نراه هو وجود عدد لا يصدق من عمليات الاحتيال... نرى أشخاصاً يصورون تغريدات الحكومة الأوكرانية وحساباتها ثم يغيرونها بواسطة (فوتوشوب) ويضعون حساباتهم الخاصة... نرى أشخاصاً يقولون، (أنا أجمع الأموال، هذا هو حسابي)، ومن الواضح أنه حسابهم الشخصي... نحن نشهد الآن عدداً كبيراً من عمليات الاحتيال".

بوريس جونسون تحت ضغوط لمزيد عقوبات بريطانية على أثرياء روسيا

وبصرف النظر عن الأرقام، فإن المعلومات حول كيفية إنفاق الحكومة الأوكرانية للعملات المشفرة التي تلقتها كانت محدودة للغاية، كما تواجهها صعوبات بسبب محدودية طرق استخدام العملات المشفرة للمساعدة. حُولت أغلب التبرعات التي استلمها حساب "إيثريوم" الخاص بالحكومة إلى بورصة عملات مشفرة محلية لتحويلها إلى عملة ورقية، فيما تحوز منظمات التشفير غير الحكومية التي أُنشئت لجمع أموال إضافية مبالغ كبيرة من العملات المشفرة وليس لديها طرقٌ كافية لتوزيعها.

وقالت منظمة "مساعدة أوكرانيا" (Aid for Ukraine)، وهي منظمة مستقلة لامركزية تابعة للحكومة الأوكرانية أنشأتها شركة جيل الإنترنت "ويب 3" المحلية "إيفرستيك" (Everstake) والشريك المؤسس لشركة "سولانا" (Solana) أناتولي ياكوفينكو، إنها دخلت شراكة مع بورصة العملات المشفرة "إف تي إكس" في محاولة لتسهيل عملية نشر التبرعات المشفرة.

جسر المركزي

قال رئيس "إيفرستيك" التنفيذي، سيرغي فاسيلتشوك، أن المشروع يعمل أيضاً مع البنك المركزي الأوكراني لتطوير جسر من شأنه أن يسمح للبنك بتحويل الأصول المشفرة التي تجمعها منظمة مستقلة لامركزية ما مباشرة لتصبح تحت تصرف الحكومة.

قال فاسيلتشوك في مقابلة الأربعاء: "ليس كل شخص على استعداد للتعامل مع العملات المشفرة... إن شراء نظارتين أو عشر نظارات للرؤية الليلية لا يعد شيئاً، لكن القيام بشيء جاد يكلف الكثير من المال... لهذا السبب نحتاج لبناء هذه البوابة غير المحدودة للمساعدة".

أوكرانيا تلاحق محافظ العملات المشفرة التابعة لسياسيين من روسيا وبيلاروسيا

بعض هذه القضايا هي ترف لا يملك الوقت للتفكير فيه سوى أولئك الذين لا يعيشون في مناطق الحرب. سافر فاسيلتشوك إلى فلوريدا قبل يومين من بدء الغزو الروسي الشامل، لكن والديه وإخوته ظلوا في أوكرانيا. سلط خلال محادثة ملأتها الدموع الضوء على ما قد يكون أهم شيء يجب أن يتذكره الغرباء. في النهاية، تعتبر الثغرات والافتقار إلى الوضوح حول التبرعات المشفرة وكيف يمكن استخدامها غير مهم في سياق الحرب أو المنازل المقصوفة أو حشر الأسر في ملاجئ تحت الأرض.

أضاف فاسيلتشوك قوله: "لا يمكنك أن تكون هادئاً جداً، ولا يمكنك التفكير بالشفافية أو الاستخدام السليم لهذه الأموال... الآن نحن بحاجة إلى المقاومة... إنها مسألة بقاء فحسب".

كان نهج الدولة الأوكرانية بالتأكيد درساً احترافياً لما يمكن لاستراتيجية رقمية أولية والتشفير الأصلي أن تفعل لبلد ما في وقت الحاجة. لكنه أيضاً درس في المشاكل التي ما يزال ينبغي أن يحلها قطاع التشفير قبل أن يصبح منقذ الدفع العالمي الذي يقول أتباعه إنه مصمم ليكونه.