"المركزي الأوروبي" يتعلَّم درساً في طريقة إدارة سوق السندات

المصدر: بلومبرغ
Marcus Ashworth
Marcus Ashworth

Marcus Ashworth is a Bloomberg Opinion columnist covering European markets. He spent three decades in the banking industry, most recently as chief markets strategist at Haitong Securities in London.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تسارع معدل التغيير في أسواق المال منذ غزو روسيا لأوكرانيا. وفي ظل صمود السوق حتى الآن بشكل قوي بما فيه الكفاية لاستيعاب تقلبات الأسعار الأكثر عنفاً التي تصاحب عمليات نقل المخاطر، فإن عالم الديون الحكومية الذي يسير بوتيرة رتيبة نسبياً، مضطر للتكيف مع هذه الأوضاع. ونشير هنا على وجه التحديد إلى المؤسسات المسؤولة عن إرساء الاستقرار النقدي في منطقة اليورو، وعلى رأسها البنك المركزي الأوروبي، إذ يتعين عليها التدخل لتخفيف التوتر في أسواق رأس المال. لا بد أن يكون ذلك بمثابة جرس إنذار، بأن توافر السيولة لا يمكن أن يعتبر أمراً مسلماً به.

اقرأ أيضاً: مسؤولو "المركزي الأوروبي": غزو أوكرانيا قد يعطل سحب التحفيز النقدي لكن لن يمنعه

شهد الثلاثاء الماضي حالات اندفاع هائلة نحو السندات الحكومية عالية الجودة ذات الأمان الملموس. كان انهيار العوائد المصاحب أكثر وضوحاً في أوروبا، حيث تحول معدل السندات الألمانية لأجل 10 سنوات إلى مستوى سلبي مرة أخرى، بسبب تصريحات أولي رين، رئيس البنك المركزي الفنلندي بأن "المركزي الأوروبي" يجب أن ينتظر قبل أن يخرج من برامجه التحفيزية.

اقرأ المزيد: البنوك المركزية بطيئة الحركة تخاطر بمكانتها القيادية

تدقيق أكثر تشدداً

لكن التراجع في يوم واحد بأكثر من 20 نقطة أساس في عائد الدين القياسي في المنطقة، هو أمر غير عادي، ومثل هذه الخطوة العنيفة تتطلب تدقيقاً أكثر تشدداً فيما يتعلق بمدى سهولة تداول الأوراق المالية الحكومية. يعد سوق السندات الذي يعمل بسلاسة، شرطاً أساسياً لتحقيق الاستقرار المالي. وبدلاً من ذلك، كان هناك ضغط هائل لمدة قصيرة على امتداد أوروبا، حيث حاولت شركات التعامل بالأوراق المالية الرئيسية، بشدة، تغطية المبيعات لمديري الاحتياطيات العالمية الذين كانوا يضيفون بنشاط إلى الضمانات عالية الجودة.

على مدار فترة طويلة، شكَّلت الحاجة إلى التعويم الحر للسندات الحكومية الأوروبية الأساسية مشكلة، لكن كان ذلك متعمداً وليس صدفة. تمتلك البنوك المركزية في الاتحاد الأوروبي فيما بينها ثلاثة تريليونات يورو (3.3 تريليون دولار) في السوق نتيجة لبرنامج التيسير الكمي الذي أبقى تكاليف الاقتراض عند مستويات منخفضة للغاية. لكن ذلك يشكل مخاطرة بحرمان المتداولين من السيولة. وبالعودة إلى فبراير 2018، قدَّر بينوا كويور، وهو عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي آنذاك، أن النسبة المتاحة للتداول من السندات كانت أعلى بقليل من 10%. ويكاد يكون من المؤكد أنها أقل الآن، حيث إن البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم هيمنت على أفضل الضمانات عالية الجودة لاحتياطياتها. كما تعد منهجيات التعويم الحر في الأسواق في كلٍ من هولندا وفرنسا والنمسا وفنلندا وأيرلندا وبلجيكا، منخفضة جداً نسبياً، وفقاً للمعايير العالمية. ويمكن أن يسبب ذلك مشكلات في أوقات التوتر، مثل الحالة التي تمر بها الأسواق حالياً.

خطوة فريدة

اتخذت ألمانيا يوم الخميس الماضي خطوة فريدة بإصدار سندات جديدة قبل أسبوعين من المزاد المقرر، حيث باعت 2.5 مليار يورو من الإصدار القياسي بفائدة 0% لمدة عامين، وزادت حجمها إلى 8.5 مليار يورو. جاء هذا التصرف في وقت مبكر في محاولة للحد من التوتر في سوق إعادة الشراء، حيث تحتاج شركات التعامل بالأوراق المالية إلى اقتراض سندات محددة مع حاملي السندات طويلة الأجل مقابل رسوم. أدى ارتفاع الطلب على السندات الألمانية لمدة عامين إلى زيادة مخاطر "الإخفاق"، حيث لا يمكن للمتداولين حيازة سندات بعينها للوفاء بالتزاماتهم. وأشارت وكالة التمويل في بياناتها إلى "وضع استثنائي" ناتج عن "حيازة الأوراق المالية من قبل المؤسسات التي تم استبعادها من التداول". يكمن الخطر في أن هذا النقص أصبح شائعاً أكثر.

لطالما كان كل من الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا، أكثر ملاءمة لمجتمعات المتعاملين بالأوراق المالية الرئيسية، من نظرائهما في منطقة اليورو، حيث يقدمان مجموعة من التسهيلات للوصول إلى السندات عند الطلب، والتي تنطوي على مشكلات تسليم محتملة للحفاظ على سلاسة عملية التسوية بأكملها. وتعتبر تسهيلات إعادة الشراء الدائمة لبنك الاحتياطي الفيدرالي، أحدث إضافة لمساعدة الأطراف المقابلة المؤهلة على جمع السيولة، ولكنها تعمل أيضاً في الاتجاه المعاكس عندما يحتاج المتعاملون بالأوراق المالية الرئيسية إلى اقتراض أوراق مالية معينة. ويمتلك البنك المركزي البريطاني، جنباً إلى جنب مع مكتب إدارة الديون في وزارة الخزانة، مجموعة كبيرة من تسهيلات تأمين السيولة.

كرّر رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، شعاره الجديد المتمثل في كونه "ذكياً" هذا الأسبوع خلال جلسات الاستماع في الكونغرس. فهو شعار يجب أن تتبناه البنوك المركزية الوطنية في أوروبا، ليس فقط في ما يتعلق بمشترياتها من السندات الحكومية، ولكن أيضاً مبيعاتها. يتطلب استمرار عمل النظام المالي المرونة. نتمنى أن نرى السلطات الألمانية تتبنى ذلك، بل والمزيد من الأجهزة المعنية الأخرى أيضاً.