كيف سهلت حرب بوتين وظيفة جيروم باول؟

يبدو التعامل الحذر صواباً فيما يرفع العدوان الروسي أسعار النفط ويعطل آفاق النمو الاقتصادي

 رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول
رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول المصدر: بلومبرغ
Daniel Moss
Daniel Moss

Daniel Moss is a Bloomberg Opinion columnist covering Asian economies. Previously he was executive editor of Bloomberg News for global economics, and has led teams in Asia, Europe and North America.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لا تُظهر بعض البنوك المركزية الأهم عالمياً بوادر تُذكر على التخلي عن الابتعاد تدريجياً عن الحوافز بعد هجوم فلاديمير بوتين على أوكرانيا. أسعار الفائدة المرتفعة قادمة. قد لا تأتي بالسرعة أو الإقدام الذي كان يُتوقَّع قبل أسابيع، لكنَّها آتية، وسيبدو القدر اليسير جريئاً الآن.

يُرجح أن يشير رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في شهادته أمام الكونغرس يوم الأربعاء إلى أنَّ التضخم ما يزال مصدر قلق كبير، وإن لم يكن كافياً لتبرير رفع الفائدة كثيراً. تتوقَّع "بلومبرغ إيكونوميكس" أن يلمح إلى زيادة أولية بمقدار ربع نقطة. أعرب مسؤولان في بنك إنجلترا الثلاثاء عن دعمهما للتشديد بطريقة ما هذا الشهر. كما أعرب صانع سياسة في البنك المركزي الأوروبي عن نوع من الحذر بشأن الاندفاع نحو الخروج من برنامج التحفيز، لكنَّه ما يزال يؤيد التحرك النهائي بعيداً عن الأموال شديدة السهولة. يُتوقَّع أن يرفع بنك الاحتياطي الأسترالي أسعار الفائدة في منتصف العام تقريباً، ولم يقل ما يدفع لتغيير الآراء يوم الثلاثاء لدى إعلان قراره الشهري. باختصار؛ هم متمسّكون جميعاً بمسارهم بشكل أو آخر.

باول: الاحتياطي الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة في مارس

يبدو التعامل الحذر صواباً فيما يرفع العدوان الروسي أسعار النفط، ويعطّل آفاق النمو. تخضع البنوك المركزية للضغط من الاتجاهين، إذ تمثل الحرب في أوكرانيا دليلاً آخر على أنَّ الأسعار المرتفعة ليست مؤقتة، وقد تلحق الضرر بالنمو. ويرجح أنَّ المتنبّئين لدى السلطات النقدية ما يزالون يجربون سيناريوهات لإدراك نتائج الغزو الروسي. سحبت الأسواق رهاناتها على معدلات أعلى من أي وقت مضى، والتي ميزت الأشهر القليلة الماضية.

متأخرون عن الركب

في حين لم تصادق القيادة العليا لمجلس الاحتياطي الفيدرالي أبداً على فكرة تحريك الأسعار بمقدار نصف درجة على الأقل ورفعها في كل اجتماع خلال 2022، أصبح الاحتمالان جزءاً من الرواية. كان يُنتظر أن يتأخر بنك الاحتياطي الفيدرالي عن الركب، وترك بنك إنجلترا الأمور حتى بعد فوات الأوان، كما كانت أوروبا متخلفة بشكل ميؤوس منه، وهكذا دواليك. لا نسمع الكثير عن هذا الأمر اليوم، مما يعني أنَّ الارتفاعات المتزايدة، وليس بالضرورة في كل اجتماع، تبدو الآن وكأنَّها الطريق إلى الأمام. هناك قدر أكبر بكثير من التسامح حيال التقدّم بحذر.

مسؤول بالفيدرالي الأمريكي يؤيد رفع الفائدة 1% حتى مطلع يوليو

يبدو أنَّ النتيجة الأكثر ترجيحاً هي زيادة ربع نقطة من اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في اجتماعها في يومي 15 و 16 مارس، التي كان يُنظر إليها ذات مرة على أنَّها أقل ما يمكن أن يفعله باول في مواجهة أعلى معدل تضخم في أربعة عقود. سمح محافظو البنوك المركزية، إلى حد ما، للأسواق بالقيام ببعض الأعمال نيابة عنهم، إذ تخلى المتداولون عن الرهانات وفق خطوة كبيرة تفوق المعتاد من بنك الاحتياطي الفيدرالي الكبيرة، وتخلوا عن احتمال ارتفاع نصف نقطة في المملكة المتحدة هذا الشهر، وتقبّلوا فكرة أن يتخذ البنك المركزي الأوروبي إجراءاته العام المقبل.

قد يعكس جزء من الموقف المتشدد الجديد لصانعي السياسات كراهيتهم لتغيير استشرافهم المستقبلي بسرعة. تاريخياً؛ كان يتطلب الأمر أزمة اقتصادية فعلية، أو أن يلوح خطر أزمة لتغيير المسار. كانت هذه هي الحال إبان الأزمة المالية في 2008، وخلال الوباء إلى حد ما.

التضخم المتسارع

الاختلاف هذه المرة هو التضخم المتسارع. إنَّ وتيرة زيادات الأسعار بعيدة كل البعد عن القول بأنَّها احتويت، كما كان حالها في أوقات الالتفاف السريع السابقة. ارتفع المقياس المفضل للاحتياطي الفيدرالي إلى 6.1% في يناير، أي أكثر من ثلاثة أضعاف المستوى المطلوب مع مرور الوقت، مما يقلل مساحة المناورة.

تضخم منطقة اليورو يسجل أعلى مستوياته تاريخياً في فبراير

حتى لو أراد صانعو السياسة إجراء تخفيض؛ ستتضاءل مصداقيتهم إلى حد كبير، وقد تتحطم. يبدو التضخم أعلى بكثير من المستهدف في بريطانيا ومنطقة اليورو كذلك. قال مايكل سوندرز، عضو لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا، في خطاب الثلاثاء: "يمكن للتشديد الفوري الآن أن يساعد في الحد من الحجم الإجمالي للتشديد الذي ستكون هناك حاجة إليه". كان حريصاً على أن يضيف أنَّه لا ينبغي تفسير ملاحظاته على أنَّها تدعو إلى رفع نصف نقطة كما فعل في فبراير. حذّرت زميلته كاثرين مان، على صعيد منفصل، من أنَّ التضخم أصبح "مشمولاً" بقرارات الشركات والعاملين. إنَّ هذه الإشارة من البنك المركزي تشابه ملصق المواد الخطرة على جانبي الشاحنات.

سيحرص محافظو البنوك المركزية على التحرك بشكل منهجي دون إحداث أي اضطراب، تماماً كما خططوا دائماً. لقد جعل بوتين ضبط النفس هذا يبدو ثابتاً، وهي نتيجة غير متعمّدة لعدوانه.