شركات رقمية ناشئة تتحدّى المخضرمين في برامج مساعدة الموظفين

رسم: جوردان سبير/ بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

على مدى نحو قرن من الزمن، قدّمت الشركات مستويات مختلفة من الدعم لموظفيها الذين يشعرون بالإجهاد النفسي، تراوحت بين علاج الإدمان، وجلسات الإرشاد النفسي، والإحالة إلى مختصين نفسيين للمعالجة. انطلقت هذه المبادرات في أربعينيات القرن الماضي لمكافحة الإدمان على الكحول في المصانع، وأسهمت في إنشاء قطاع من الأعمال يقدّر حجمه بمليارات الدولارات، نشطت فيه شركات تشرف على هذه البرامج، وتخفي هوية الموظفين الذين قد يقلقون من وصمة العار التي قد يواجهونها في حال طلب المساعدة. إلا أنَّ ارتفاع معدلات الإجهاد النفسي بسبب جائحة "كورونا"، إلى جانب التحول السريع نحو خدمات الرعاية الصحية عبر الإنترنت في ظلّ الوباء؛ أدى إلى ظهور عدد كبير من الوافدين الجدد الذين يسعون إلى إزاحة المخضرمين في هذا المجال.

اقرأ أيضاً: إذا كان مديرك نكداً.. فربما يمكنك لوم الوباء على ذلك

قال مايك طومسون، الرئيس التنفيذي للتحالف الوطني لاتحاد مشتري خدمات الرعاية الصحية الذي يمثل 12 ألف موظف: "أخيراً؛ نرى الابتكار في مجال الصحة النفسية. لقد كان هذا المجال خاملاً".

اقرأ المزيد: دعوى قضائية تتهم "ميتا" و"سناب" بالمسؤولية عن انتحار فتاة

سارعت عشرات الشركات إلى الانضمام إلى هذه المبادرة من أجل مساعدة الموظفين المجهدين في الحصول على الرعاية التي يحتاجون إليها، إذ كانت الاستثمارات في مثل هذه الشركات الناشئة قد تضاعفت بشكل كبير في العام الماضي لتصل إلى 5.5 مليار دولار، بحسب شركة البحوث "سي بي إنسايت" (CB Insights)، في حين تتمتع 10 من هذه الشركات بتقييمات تزيد على مليار دولار. تقدّم الشركات الجديدة خدمات تتراوح بين التدريب على اليقظة الذهنية، والتطبيقات المتعلقة بالنوم، وصولاً إلى البرامج الأكثر شمولية التي تطابق بين الموظفين ومقدّمي الرعاية. وفي هذا السياق، قال دراسي غروتاردو، مدير مركز الصحة النفسية في مكان العمل التابع لمؤسسة الرابطة الأمريكية لأخصائيين في علم النفس، إنَّ "هذه الشركات الصحية الرقمية انتهزت الحاجة الماسة لتسهيل الوصول (إلى هذه الخدمات) والحصول عليها".

قبل تفشي الوباء، كان من الصعب الحصول على رعاية في الوقت المناسب، وبتكلفة ميسرة من قبل أخصائيين مرخصين. وزاد الأمر صعوبة اليوم، بسبب ارتفاع الطلب، وانسحاب الأخصائيين من شبكات التأمين، بسبب التغطية المتقشفة والصعوبات الإدارية.

ندرة مقدّمي الخدمات

يقول المجلس الوطني للسلامة العقلية، إنَّ ثلاثاً من أصل كلّ أربع مقاطعات أمريكية، تعاني نقصاً كبيراً في عدد مقدّمي خدمات الرعاية الصحية النفسية. ويعاني أربعة من أصل كلّ عشرة راشدين من مشكلة نفسية أو سلوكية واحدة على الأقل، بحسب استطلاع يعود إلى يونيو 2020، أجراه مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، أي بواقع ضعفيّ المعدل الذي كان سائداً قبل الوباء. قال بنيامين ميلر، رئيس جمعية "ويل بين تراست" (Well Being Trust) التي تعنى بالصحة العقلية: "قبل كوفيد؛ كانت هناك مشكلة ضخمة تتمثل في الحاجات التي لم تتم تلبيتها". وأضاف: "هذه الأمور تفاقمت، والآن حاجات موظفينا تجاوزت بأشواط ما يقدر أصحاب العمل على تقديمه لهم".

مدّت هذه الأزمة القادمين الجدد بالقوة في مساعيهم ليحلّوا مكان المخضرمين، فيما يعرف ببرامج مساعدة الموظفين (Employee Assistance Programs). وتشكّل هذه البرامج في العادة المحطة الأولى حين يحتاج شخص ما إلى المساعدة، إذ تقدّم له استشارات مجانية على مدى ستّ جلسات أو أكثر. وتتضمّن شركات مثل "كوم سايك" (ComPsych) الأكبر في العالم التي تقدّم خدمات لأكثر من 60 ألف صاحب عمل، بما يشمل 130 مليون شخص، و"لايف ووركس" (LifeWorks) في كندا، و"أوبتوم" (Optum) التابعة لشركة التأمين "يونايتد هيلث غروب" (UnitedHealth Group).

شركات ناشئة

كريس برونسون، المشرف على شؤون المنافع الوظيفية والرواتب في شركة صناعة حبوب الفطور "جنرال ميلز" (General Mills)؛ تخلّى عن برنامج مساعدة الموظفين في الشركة، ليتعاون مع الشركة الناشئة "سبرينغ هيلث" (Spring Health) بعد الارتفاع الكبير في معدلات الاكتئاب والقلق والإدمان في بداية فترة تفشي الوباء. "سبرينغ" التي تعمل أيضاً مع "كويست دياغنوستيكس" (Quest Diagnostics) و"أدوبي" (Adobe)، وسّعت من قدرة "جنرال ميلز" على الوصول إلى المزيد من مقدّمي الخدمات ضمن شبكتها الداخلية، من القادرين على تقديم استشارات عبر الإنترنت أو وجهاً لوجه، مما قلّص من معدل وقت الانتظار اللازم للحصول على موعد إلى 1.4 أيام بدلاً من 25 يوماً كما كان في السابق. وقال برونسون: "إذا كنت جدياً حيال معالجة الصحة النفسية؛ فلا أعلم كيف تستمر مع برنامج مساعدة الموظفين".

لجأت شركات عدة إلى المزج بين القديم والجديد. مثلاً؛ تستخدم شركة تغليف اللحوم "كارغيل" (Cargill) برنامج مساعدة الموظفين لديها من أجل تقديم الاستشارات النفسية على المدى القصير، أما المتابعة على المدى الطويل أو الحالات المتخصصة؛ فيتم توليها من خلال التغطية التأمينية، أو ابتداءً من العام الماضي، من خلال شركة "ليرا هيلث" (Lyra Health).

تأسست "ليرا" عام 2015 على يد مسؤول تنفيذي سابق في "فيسبوك"، ولديها 6400 أخصائي صحة نفسية في الولايات المتحدة. كما استحوذت مؤخراً على شركة برامج مساعدة موظفين بريطانيين يتعامل مع 40 ألف أخصائي في الصحة النفسية حول العالم.

شركة التدقيق المالي "إرنست آند يونغ" (Ernst & Young) التي عيّنت "ليرا" العام الماضي، تقدّم حالياً لموظفيها وأفراد عائلتهم 25 جلسة استشارية مجانية سنوياً، بعدما كانت خمس جلسات فقط في السابق. وقالت جيني كارلييه، نائبة رئيس شؤون الموظفين في "إرنست آند يونغ" في الأمريكيتين، إنَّ "محاولة الحصول على موعد خلال الوباء كان يستغرق أسابيع أو عدة أشهر"، وقد انخفض ذلك الآن إلى ستة أيام أو أقل.

إمكانات محدودة

إلا أنَّ "ليرا" والشركات المشابهة لها، مثل "سبرينغ"، و"ميرو" (Meru)، و"جينجر" (Ginger)، تعاني أيضاً من بعض الثغرات. فهي لا تقدّم في العادة مساعدة في حال حصول أزمة في مكان العمل، كحالة انتحار في الشركة على سبيل المثال. وقالت ميشال مارتين، المديرة التنفيذية في مجال الشؤون البشرية في المجموعة الإعلامية "باراماونت غلوبال" (Paramount Global) التي بدأت العمل مع "جينجر"، إنَّ "إمكانات تدريب (جينجر) محدودة. فكلّ نموذجهم افتراضي".

كما أنَّ هذه الشركات تفتقر إلى مراجعة الأقران. قالت "ليرا"، إنَّها تخفّض التكلفة الإجمالية لمطالبات الرعاية الصحية بحوالي 2300 دولار للمشارك سنوياً، استناداً إلى دراسة أجرتها شركة التأمين "إيون" (Aon). إلا أنَّ خبراء شؤون التأمين الذين أجروا الدراسة؛ حذّروا من أنَّهم لا يستطيعون "التأكد من دقة" معلومات "ليرا". كما أنَّ مزاعم "جينجر" بأنَّها قادرة على تحقيق تحسن على صعيد القلق والاكتئاب؛ تستند إلى دراسات أجراها طاقمها بشكل أساسي. وقال دينيس دير، المدير التنفيذي المخضرم في مجال برامج مساعدة الموظفين الذي كان قد أسهم في تقديم الإرشادات عبر خدمة البريد الأمريكي خلال حالات عنف عدة في مكان العمل: "يمكن لهذه المنصات الرقمية أن تحلّ مكان جزء ممّا يقوم به برنامج مساعدة الموظفين، ولكن هذا لا يعني أنَّ هذه البرامج ستزول. مع ذلك؛ أعتقد أنَّ هذه البرامج يجب أن تتطور بشكل أسرع".

تطوير البرامج

بالفعل؛ بدأ تطوير العديد من البرامج. فبعد سنوات من الاعتماد بشكل أساسي على التواصل وجهاً لوجه وأرقام الهواتف المجانية؛ بدأت برامج مساعدة الموظفين تتأقلم مع بيئة العالم عن بعد والتواصل الافتراضي التي يفضلها العديد من الموظفين، وبالأخص الشباب منهم، الأكثر عرضة لمواجهة التحديات. وقال سيث مولر، الرئيس التنفيذي لشركة تقديم برامج مساعدة الموظفين "كيه جي إيه" (KGA)، إنَّ المنصات الرقمية الجديدة "أحدثت خضة في القطاع"، وأجبرته على ترقية خدماته من خلال تعيين المزيد من الاستشاريين، ورفع بدل أتعاب الاختصاصيين العياديين، فضلاً عن العمل مع مقدّمي خدمات علاجية عبر الإنترنت مثل "توكسبايس"، (Talkspace)، و"بيتر هيلب" (BetterHelp). وقال: "نحن بحاجة إلى خيارات أخرى".

يحذّر بعض العاملين في القطاع من أنَّه لم يحصل ما يكفي من التغيير، مقارنة مع فترة ما قبل الوباء، حين كان أصحاب العمل يتعاملون مع مسائل الصحة النفسية بالكلام أكثر من الأفعال، على الرغم من أنَّ الموظفين اليوم يواجهون سياسات متغيرة باستمرار فيما يخص العودة إلى المكاتب، وتحديات التنسيق بين العمل والمنزل، ونقص فرص التطور الوظيفي. وقالت جودي جايكوبسون فراي، الأستاذة في كلية العمل الاجتماعي في جامعة مريلاند: "لا يوجد كمّ كافٍ من اليوغا والتدريب على اليقظة يمكن أن يساعد على تحسين بيئة عمل سامة". وأضافت: "كما قال ديزموند توتو: علينا أن نتوقف عن انتشال الناس من النهر، والتوجه إلى المنبع، ومعرفة لماذا يقعون؟".