حرب أوكرانيا وتداعياتها على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

فريد بلحاج، نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
فريد بلحاج، نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المصدر: البنك الدولي
 فريد بلحاج
فريد بلحاج

فريد بلحاج نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ 2018. وبين عامي 2012 و 2017، عمل بلحاج مديرا إقليميا لدائرة المشرق بالبنك الدولي

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لقد كانت التطورات السريعة للحرب في أوكرانيا وعواقبها الإنسانية المروعة مثار دهشة لكثير منّا. ومن المؤسف أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مُعرَّضة لتداعيات عنفية.

فالمنطقة بمثابة جار لأوكرانيا، لا تفصلها عنها سوى مسافة تبلغ قرابة ألف كيلومتر (إذا رسمنا خطاً مستقيماً مُتصوَّراً من أوكرانيا إلى بلدان الشرق الأوسط).

على الصعيد الاقتصادي، فإن بعض بلدان المنطقة أيضاً قريب جداً من أوكرانيا وروسيا كشركاء تجاريين، وبالتالي فإنّ آثار الأزمة ستكون ملموسة -وإن كانت بدرجات متفاوتة- على اقتصادات المنطقة، ومما يبعث على الأسى أنه قد تكون لها تبعات سلبية مضاعفة على مستويات الأمن الغذائي والرفاه عبر أرجاء المنطقة، فضلاً عن جائحة كورونا، وتعطُّل سلاسل الإمداد، ومشكلات داخلية تخص كل بلد من بلدانها.

القنوات الرئيسية لتأثير الأزمة

  1. صدمات أسعار الغذاء (لا سيما القمح).
  2. زيادات أسعار النفط والغاز.
  3. عزوف المستثمرين عن المخاطر/ جنوحهم إلى الاستثمارات الآمنة (الأمر الذي قد يؤثّر في تدفقات رؤوس الأموال الخاصة على الأسواق الصاعدة ككل).
  4. تحويلات المغتربين.
  5. السياحة.

لا رابح من الحرب

لا يمكن أن يكون هناك رابح من حرب مدمرة كتلك الدائرة في أوكرانيا، لكن البلدان المصدرة للمواد الهيدروكربونية مثل قطر والسعودية والكويت وليبيا والجزائر قد تشهد تحسناً في أرصدة المالية العامة وميزان المدفوعات الخارجية وتعزيز معدلات النمو. ومن المحتمل أيضاً أن تشهد البلدان المصدرة للغاز، على وجه الخصوص، زيادة هيكلية في الطلب من أوروبا، إذ أعلنت سلطات الاتحاد الأوروبي عن اهتمامها بتنويع مصادر إمداداتها من منتجات الطاقة، أمّا البلدان غير المنتجة للنفط فسوف تتعرض لتداعيات سلبية قد تقود إلى توترات اجتماعية إضافية.

في ما يتعلق بالتحويلات -لا سيما تلك التي يرسلها المغتربون في دول مجلس التعاون الخليجي- فإنها لن تعوّض إلا جزءاً يسيراً من صدمة الهيدروكربونات (مثل الأردن ومصر)، أمّا البلدان الأكثر تأثراً بحركة السياحة مثل مصر (التي يشكّل الروس والأوكرانيون على الأقل ثلث السياح الوافدين إليها)، فمن المتوقع أن تشهد ركوداً في هذا القطاع، وما لذلك من تداعيات سلبية على معدلات التشغيل وميزان المدفوعات.

سيؤثّر الصراع في أوكرانيا تأثيراً ملموساً وسلبياً في عدة اقتصادات في المنطقة (مثل لبنان وسوريا وتونس واليمن)، فهذه البلدان تعتمد اعتماداً أساسياً على أوكرانيا و/أو روسيا في الحصول على وارداتها الغذائية، لا سيما القمح والحبوب.

من المتوقع أن تؤدي الأزمة إلى تعطُّل سلاسل توريد الحبوب والبذور الزيتية، وزيادة أسعار الأغذية، وارتفاع كبير في تكاليف الإنتاج المحلية في قطاع الزراعة.

سيكون لانخفاض غلات المحاصيل والدخول، لا سيما لصغار المزارعين، آثار سلبية في سُبل كسب العيش، وقد يؤثّر ذلك في المنتمين إلى الفئات الفقيرة والأكثر احتياجاً الذين يعتمدون على الزراعة في كسب أرزاقهم أكثر من غيرهم.

الاقتصادات الهشة

تأتي على رأس اهتماماتنا البلدان الهشة بالفعل في المنطقة مثل سوريا ولبنان واليمن التي تنذِر الأزمة الأوكرانية بتعريض أمنها الغذائي لخطر بالغ. فسوريا تستورد نحو ثلثي احتياجاتها من المواد الغذائية والنفط، ويأتي معظم وارداتها من القمح من روسيا. ولبنان يستورد من أوكرانيا وروسيا أكثر من 90% من احتياجاته من الحبوب، واحتياطاته من الحبوب لا تكفي إلا لمدة شهر تقريباً.

ويستورد اليمن نحو 40% من احتياجاته من القمح من هذين البلدين المتحاربين، في الوقت الذي قفز فيه عدد من يعانون من الأزمة أو -الأسوأ- من نقص حادّ في الأمن الغذائي في اليمن من 15 مليوناً إلى أكثر من 16 مليوناً في ثلاثة أشهر فقط في أواخر عام 2021. وستؤدي الحرب في أوكرانيا حتماً إلى تفاقم هذه الدينامية القاتمة بالفعل في اليمن.

تداعيات فاجعة

قد تكون للصدمات المُضاعَفة للحرب في أوكرانيا تداعيات فاجعة على بعض بلدان المنطقة إذا لم تُعزَّز المساعدات الإنسانية والإنمائية إليها في 2022. وللإحساس بضخامة الأزمة وهول الخطب، على الصعيد الإقليمي، فلننظر إلى أن المنطقة وإن كانت تمثّل 6% فقط من إجمالي سكان العالم فإن بها أكثر من 20% من الذين يعانون من نقص حادّ في الأمن الغذائي في العالم.

إننا في البنك الدولي على أهبة الاستعداد للاستجابة بكل الأدوات المتاحة الملائمة لطبيعة مَواطن الضعف والقصور على المستوى القطري، ففي بلدان مثل المغرب وتونس ومصر يمكن أن يكون لعملياتنا الخاصة بدعم موازناتها دورها الفعّال، إذ من المتوقع أن تكون آثار الأزمة أكثر شدة على مستوى قيود المالية العامة الكلية الوطنية بهذه البلدان.

نحن على استعداد أيضاً لزيادة مساندتنا للإنتاج المحلي والتسويق التجاري للأغذية الزراعية، وإدارة المخاطر الزراعية والاحتياطيات الغذائية في البلدان التي تتعرض لصدمات على ذلك المستوى، سواء من خلال زيادة تكاليف الطاقة أو الأسمدة، أو عوامل أخرى مثل الأزمات المرتبطة بالجفاف/ تغير المناخ (مثل العراق واليمن وتونس ولبنان ومصر).

برامج الحماية الاجتماعية

في الأجل القريب، نحن على استعداد لتوسيع برامجنا للحماية الاجتماعية الموجَّهة للتغذية في بلدان مختارة عن طريق البناء على الأعمال التي أُنجزت منذ 2020 في سياق الاستجابة والتصدي لجائحة كورونا.

وأخيراً، نحن ملتزمون الاستمرار في تقديم مساعدات فنية وتحليلية وثيقة ومُوجَّهة، لا سيما للبلدان التي ستكون أشد تضرراً في مجالات تتراوح من استدامة المالية العامة، وإصلاح أنظمة الدعم، والأمن الغذائي، ورصد المعاملات التجارية، وإدارة المخاطر الزراعية.

كما كانت الحال حينما ألمّت أزمات أخرى بالمنطقة، نحن في البنك الدولي على استعداد مرة أخرى أن نمضي قُدماً للاضطلاع بهذه المسؤولية وتأكيد مساندتنا التي لا تتزعزع لشعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.