بنوك "وول ستريت" تباشر إنهاء الروابط مع الشركات الروسية

ركاب يقفون أمام ملصق يعرض صورة الؤئيس الروسي فلاديمير بوتين في محطة مترو أنفاق وول ستريت في نيويورك، الولايات المتحدة بتاريخ 9 نوفمبر 2016.
ركاب يقفون أمام ملصق يعرض صورة الؤئيس الروسي فلاديمير بوتين في محطة مترو أنفاق وول ستريت في نيويورك، الولايات المتحدة بتاريخ 9 نوفمبر 2016. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بدأ عدد من أكبر البنوك في العالم سحب عملياتها من روسيا، من خلال خفض أعداد آلاف الموظفين ومليارات الدولارات وثلاثة عقود من العلاقات المتشابكة، لكن الأمر لن يكون سهلاً.

فقد أصبح "غولدمان ساكس" أول البنوك التي أعلنت انسحابها وذلك يوم الخميس الماضي، بعد أن نقل بالفعل عدداً من موظفيه المقيمين في موسكو إلى دبي. وحذا حذوه "جيه بي مورغان" الذي قال، إنه يتخذ إجراءات فعلية من أجل إنهاء أعماله في روسيا ويشارك حالياً بأنشطة محدودة في البلاد.

ويعد "سيتي غروب" الذي يمتلك حوالي ثلاثة آلاف موظف تقريباً في روسيا، أكبر مؤسسة مصرفية أمريكية رئيسية تحظى بحضور بارز في البلاد. ووفقاً لبيان يوم الأربعاء الماضي، يعمل البنك "بشكل أكثر محدودية في ضوء الظروف والالتزامات الحالية"، ويواصل الجهود للتخارج من الأعمال التي بدأت قبل غزو أوكرانيا.

يأتي ذلك فيما يدرس "مورغان ستانلي" نقل عدد من فريق العمل المكون من 20 فرداً في روسيا إلى دولة الخليج ومراكز مالية أخرى، وذلك وفقاً لما ذكره شخص مطلع على الوضع، ويقيّم "دويتشه بنك" خيارات لمركز تكنولوجيا المعلومات التابع له في روسيا.

أما مجموعة "كريدي سويس"، وهي واحدة من أوائل البنوك الأجنبية التي دخلت روسيا على نحو هادف بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فتجري تقييماً لفريقها المكوّن من 125 موظفاً في موسكو، لكنها لم تتخذ أي قرار بعد. وقال توماس غوتستين، الرئيس التنفيذي للمجموعة في بيان يوم الخميس الماضي، إن مجلس إدارة البنك أعرب عن "حزنه الشديد" بسبب اندلاع الحرب، لكنه لم يصل إلى حد القول بأنه سيسحب عملياته.

تتزايد الضغوط من أجل القيام بالمزيد. فقد أعلنت مؤسسات عملاقة عاملة في صناعات أخرى، بما في ذلك "جنرال إلكتريك" و"ماكدونالدز" و"برايس ووترهاوس كوبرز" (PricewaterhouseCoopers)، إنها ستوقف عملياتها في روسيا. لكن البنوك ستواجه مهمة صعبة بشكل خاص تتمثل في الخروج من شبكة مبادلات تجارية واتفاقيات إقراض وعلاقات مصرفية طويلة الأمد، والذي يفسّر في الوقت نفسه العقوبات الآخذة في التضاعف بشكل يومي تقريباً.

قالت جوستين والكر، رئيسة قسم العقوبات والمخاطر العالمية في "إيه سي إيه إم إس" (ACAMS)، وهي مجموعة متخصصين في مكافحة الجرائم المالية، أمام المشرّعين البريطانيين هذا الأسبوع: "تتواصل هذه المؤسسات المالية بشكل تفصيلي مع بعضها البعض عبر الواتساب بشأن معاملاتها، والتي تقدر قيمتها بمليارات المليارات. فهل نتصور أن هذه يتم الاستيلاء عليها؟ هل يمكننا الاستغناء عنها؟ نريد فعلاً التخلص منها، أو نريد تجميدها، أم "أننا نريد أن نفعل بها شيئاً آخر".

وأضافت: "إنها (المؤسسات) تحاول فهم الأساس القانوني للقيام بذلك، وإذا كانت تحاول الانسحاب وتقليل انكشافها على المخاطر، فكيف يمكنها إدارة ذلك بطريقة تضمن استقرارها المالي".

روابط وثيقة

اشترت بنوك مثل "دويتشه بنك" و"يو بي إس" مشاريع مشتركة أو قامت بتكوينها بالتعاون مع وسطاء محليين بهدف الانخراط مع نخبة رجال الأعمال في روسيا. في عام 2013، وقّع "غولدمان ساكس" اتفاقية مدتها ثلاث سنوات مع الحكومة الروسية للمساعدة في تحسين صورتها الدولية وجذب المزيد من الاستثمارات.

وعلى الرغم من تراجع شهية "وول ستريت" تجاه روسيا خلال السنوات الأخيرة، إلا أنها تظل حلقة وصل جوهرية بين الشركات المحلية والأسواق الدولية.

عمل "جيه بي مورغان"، وهو البنك المهيمن على إصدار سندات الروبل، لصالح عدد من الشركات، أمثال "غازبروم" (Gazprom PJSC) و"لوك أويل" (Lukoil PJSC) و"ألفا بنك" (Alfa Bank AO).

يضم المجلس الاستشاري الدولي للبنك بين أعضائه أيضاً هيرمان غريف، وهو الرئيس التنفيذي لمؤسسة "سبيربنك" (Sberbank PJSC) والوزير السابق في الحكومة. وقال متحدث باسم "جيه بي مورغان"، في بيان أرسل بالبريد الإلكتروني، إنه "نظراً للعقوبات المطبقة حالياً، فهو لا يشارك في المجلس".

من جانبه، رفض "سبيربنك" التعليق على الأمر.

تتعاون بنوك روسية أيضاً بشكل وثيق مع مؤسسات إقراض أمريكية وأوروبية للاستفادة من أسواق الأسهم والديون. وكان كلٌّ من "سيتي غروب" و"جيه بي مورغان" و"يو بي إس" من بين أفضل وسطاء الأسهم بالنسبة لـ "سبيربنك سي آي بي يوكيه" (Sberbank CIB UK)، وفقاً للإيداعات العامة لوحدة الخدمات المصرفية الاستثمارية التي تتخذ من لندن مقراً لها، وأظهرت الإيداعات العامة أن "سيتي غروب" تعامل أيضاً مع جزء محدود من تداول الأسهم لشركة "في تي بي" (VTB).

وسرعان ما تسمّمت هذه العلاقات الطويلة الأمد. قالت فيرجيني أوشيا، الرئيسة التنفيذية لشركة "فايربراند ريشيرش" (Firebrand Research)، المتخصصة في أبحاث واستشارات أسواق رأس المال ومقرها لندن: "إنك تريد بالأساس تجنب أي نوع من المعاملات التجارية مع كيانات خاضعة للعقوبات."

وأصافت: "إذا نظرت إلى الغرامات التي تم فرضها على حالات الفشل في تطبيق مبدأ اعرف عميلك، والتي تندرج تحتها هذه الحالة، ستجد أرقاماً بملايين الدولارات، وقد وصلت إلى المليارات من قبل في الولايات المتحدة."

خروج سريع

في الأسبوع الماضي، طلبت بنوك من حكومة المملكة المتحدة مزيداً من الوقت لإنهاء عقود المشتقات مع "في تي بي"، الأمر الذي أظهر مدى صعوبة إنهاء كافة العلاقات، حتى ولو كان ذلك من متطلبات القانون الدولي.

تتمثل إحدى مشكلات البنوك في أن المؤسسة الخاضعة للعقوبات قد يكون لديها الكثير من البطاقات. الاتفاقية الرئيسية للاتحاد الدولي لضبط عقود المشتقات والمقايضة (Isda Master Agreement) لعام 2002، وهي نموذج شائع يستخدم في الصفقات المشتقة، تحدد الشركات كيف يمكنها إغلاق العقود استناداً إلى بند المعاملات "غير القانونية".

ومع ذلك، يُحدّد سعر الإغلاق من قبل الكيان المستهدف، ما يجعل الخروج منه مكلفاً للغاية قبل سريان العقوبات.

قال روبرت دانييل، وهو محامي مشتقات في "ماكفارلانز" (Macfarlanes LLP): "الأمر ينطوي على مشكلة يصعب حلّها. تفاوضت منذ سنوات بشكل مثالي حول الطريقة الصحيحة للتعامل مع هذه الأمور في العقد الخاص بك، ولكن لم يقدّر الجميع بشكل تام القلق في ذلك الوقت."

انكشاف مباشر

أحد الجوانب الإيجابية بالنسبة للبنوك هو أن انكشافها المباشر على روسيا محدود نسبياً. فعلى سبيل المثال، بلغ إجمالي الأصول المملوكة لوحدة "إتش إس بي سي هولدينغز" في روسيا 89 مليار روبل (700 مليون دولار) بنهاية يونيو 2021، أي حوالي 0.02% من إجمالي الأصول التابعة للبنك، وفقاً للحسابات المؤقتة للوحدة. كان هناك حوالي 250 مليون دولار من هذا المبلغ مرتبطاً بالبنك المركزي الروسي، الذي يخضع لعقوبات من قبل الولايات المتحدة. أما "إتش إس بي سي" فلم يتبق له سوى فرع واحد في روسيا بعد انسحابه قبل عدة سنوات، وقد رفض البنك التعليق على الأمر.

من جانبه، قال "كريدي سويس" هذا الأسبوع إن صافي انكشافه الائتماني في روسيا بلغ 848 مليون فرنك سويسري (914 مليون دولار) بنهاية عام 2021 وانخفض منذ بداية العام. وبلغ صافي انكشاف القروض لـ "دويتشه بنك" حوالي نحو 600 مليون يورو (710 مليون دولار) بنهاية العام.

كان "سيتي غروب" يحاول بالفعل إعادة هيكلة أعماله في روسيا، والتي تضم حوالي 1200 عميل من الشركات و500 ألف من الأفراد، قبل اندلاع الحرب ويحاول بيع وحدته المصرفية الاستهلاكية المحلية. وقال البنك إنه في ظل سيناريو الضغط الشديد فإنه قد يخسر نحو 4.9 مليار دولار.

ليس من الواضح حجم التكلفة النهائية التي قد تتكبّدها هذه الشركات، في ظل تسابقها من أجل مواكبة المناورات السياسية.

ويقول ماريو مانكوسو، الشريك في شركة المحاماة "كيركلاند آند إيليس" (Kirkland & Ellis LLP): "المؤسسات التي تفرض عقوبات كالذي يحمل أثقالاً يصعب عليه تحملها، لذا فهي مُجهدة أيضاً. لكن هذا الإجهاد يسفر عنه قدرٌ كبيرٌ من الالتباس إزاء الوضع الحالي."

الأميركيتان