أين سيذهب طهاة مطاعم الشركات بعد التوجه للعمل من المنزل؟

العمل بمطاعم شركات التكنولوجيا يفقد زخمه مع التوجه للعمل من المنزل
العمل بمطاعم شركات التكنولوجيا يفقد زخمه مع التوجه للعمل من المنزل المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

احترف محمد بدري الطهي وعمل في مقهى "تاك شوب" (Tuck Shop)، الموجود داخل شركة "دروب بوكس" في أوائل عام 2019. وكان العمل فيما يعرف بأفضل المقاهي في منطقة وادي السيليكون يمثل حلما بجميع المقاييس. وقام بدري بتحضير أطباق مثل تونة آهي المنقوعة في ماء البطيخ المتبل والخضروات المخللة، والكفتة مع الخبز وسلطة الجرجير، ولم يضطر يوماً أن يحضّر نفس الطبق مرتين.

ولم يكن بدري موظفًا في شركة "دروب بوكس"، حيث تم تعيينه في الوظيفة عن طريق جهة تعاقدية خارجية. ومع ذلك، كان العمل في مطبخ إحدى أكبر شركات التكنولوجيا يعطيه أجراً تنافسياً ويوفر له نوعاً من الاستقرار مقارنة بوظائفه السابقة في المطاعم. كما أنه لم يكن مضطراً للعمل في نوبات عمل قاسية تتراوح من 12 إلى 15 ساعة كما كان يفعل في عالم الضيافة التقليدية.

ولكن كل شيء تغير في شهر مارس الماضي، عندما كتب درو هيوستن، الرئيس التنفيذي لشركة "دروب بوكس" في تغريدة عبر تويتر أن الشركة ستطلب من موظفيها العمل عن بُعد لمدة أسبوعين للمساعدة في إبطاء انتشار فيروس كورونا. واستمرت شركة "دروب بوكس" في دفع أجر لبدري حتى أواخر شهر أبريل. ولايزال بدري قابع في منزله منذ ذلك اليوم.

وقد تردد بدري، 31 عاماً، في تولي وظيفة جديدة في مطعم، حتى عندما تم إغلاق مطاعم منطقة خليج كاليفورنيا إلى حد كبير بسبب الجائحة، وذلك خوفا على أطفاله في المنزل وقلقه بشأن بروتوكولات السلامة المتبعة في المطابخ. ويقول بدري: "إنه مرض مخيف".

أصبحت المقاهي الفخمة على مدار العقد الماضي إحدى السمات المميزة لثقافة مكاتب التكنولوجيا، تماماً مثل القبعات التي تحمل شعارات الشركات والسياسات المتساهلة التي تتبعها هذه الشركات الحديثة مثل السماح بإحضار الموظف لكلبه معه إلى العمل. وقد وظفت شركات التكنولوجيا الآلاف من العمال من بعض أفضل المطاعم في منطقة خليج كاليفورنيا للعمل في مطابخها، وقامت بتزويدهم بالمنتجات المحلية الوافرة لتحضير وجبات الإفطار والغداء والعشاء للموظفين.

وأصبحت الوجبات المجانية عنصراً أساسياً في مكاتب التكنولوجيا لدرجة أن مدينة سان فرانسيسكو فكرت في حظر أو تقييد مقاهي الموظفين الجدد، لأن بعض المسؤولين أحسوا بالقلق من أن تلحق هذه المقاهي التي توفر خيارات تناول الطعام داخل المكاتب، الضرر بالمطاعم المحلية. ولكن، وفي الوقت نفسه، أدى الازدهار في مطاعم الشركات إلى خلق فئة جديدة من الوظائف التي وفرت استقراراً أكثر من الوظائف النموذجية في المطاعم وبرواتب أكثر بنسبة من 20%.

ويقول غابرييل كول، والذي كان مديراً لبرنامج الطعام العالمي لشركة "إير بي أند بي" قبل أن يؤسس شركة "فير ريسورسز" التي تصمم برامج الطعام للشركات، أن فورة التوظيف في مجال التكنولوجيا جعلت من الصعب على المطاعم الاحتفاظ بأفضل المواهب. ويقول: "لقد رفعت أيضاً من نوعية ومستوى المعيشة للكثير من الطهاة، وهذا هو الجانب الإيجابي من الأمر. لقد زاولت هذا العمل لأنني أردت وظيفة تبدأ في الساعة 9 وتنتهي في الساعة 5، وأردت الفوائد التي تأتي معها، وأردت نوعية حياة أفضل."

وتعهدت العديد من الشركات خلال الأيام الأولى للجائحة بمواصلة دفع رواتب عمال هذه المطاعم والمقاهي التابعة لها، ولكن زاد تبني شركات التكنولوجيا للعمل عن بعد والذي تحول إلى ظاهرة دائمة. وصحيح أنه من المحتمل ألا تختفي هذه المنشآت تماماً، إلا أنها ستحتاج على الأرجح إلى عدد أقل من الموظفين وقد لا تقدم ثلاث وجبات يومياً، ووجبات خفيفة دائما.

وبينما واصلت شركة "غوغل" التابعة لشركة "ألفابيت"، بالإضافة لبعض الشركات الأخرى دفع رواتب العمال الذين يعملون بأجر الساعة بما في ذلك موظفو المقاهي. ووجد تقرير نشرته مجموعة العمل "سيليكون فالي رايزينغ" في شهر نوفمبر 2020، أن شركات التكنولوجيا في مقاطعتي سانتا كلارا وسان ماتيو، المقاطعتان اللتان تغطيان جزءاً كبيراً من وادي السيليكون - ولكن ليس سان فرانسيسكو - لا تزالان توظفان 14,000 عامل نقابي في المقاهي التابعة لها وخدمات الحراسة والأمن. وتقدر المجموعة أن نسبة 70% من عمال هذه المنشآت هم من السود أو اللاتينيين.

مستقبل مجهول

تقول ماريا نويل فرنانديز، مديرة حملة مجموعة "سيليكون فالي رايزينغ": "تعد هذه (الكافيتريات) بمثابة منزل لهؤلاء العمال". وقد أظهر تقرير المجموعة أن معظم شركات التكنولوجيا الكبرى لم تسمح لموظفي الخدمة فيها بالرحيل. قالت: "كيف سيبدو المستقبل؟ إن كنت صادقة جداً في الاجابة فالجواب هو أنني لا أدري".

وقد فقد العديد من عمال خدمات الطعام، سواء المتعاقدين أو الموظفين المباشرين، وظائفهم. والبعض، مثل بدري، قد رحلوا من منطقة خليج كاليفورنيا بالكامل. وفي غياب أي دخل لتغطية الإيجار، قام بدري مؤخراً بنقل عائلته إلى منزل والديه في ضواحي باريس، حيث نشأ، وهو يبحث الآن عن وظيفة. ويقول إنه ما كان ليغادر، على الأقل ليس الآن، لولا أنه فقد وظيفته في شركة "دروب بوكس".

وكانت متحدثة باسم شركة "دروب بوكس" قد أكدت أن الشركة أنهت عقود عمال الكافتيريا، إلا أنها قالت إنها احتفظت ببعض الموظفين المباشرين في خدمة الطعام. وأضافت أن الشركة لا تزال تدرس ما ستقدمه من طعام في المكتب بعد الجائحة. والأمر لم يختلف بالنسبة لشركات مثل "إير بي أند بي"، و"تويتر"، و"فيرايزن كوميونيكيشنز" التي سرحت الطهاة والطباخين وعاملي المطبخ من العمل. وقال مدير سابق في مقهى لشركة "إير بي أند بي"، والذي طلب عدم ذكر اسمه بسبب اتفاقية عدم إفصاح، إن الشركة استمرت في دفع رواتب موظفي المطبخ المتعاقد معهم حتى شهر يونيو وقدمت لهم منحاً بقيمة 3000 دولار. ويذكر أن شركة "إير بي أند بي" رفضت التعليق على الأمر.

وقد أمضت إبريل وورد خمس سنوات من العمل في صنع المعكرونة والشواء والعمل في مطعم في مدينة بيركلي الشهير "شي بانيسيه" قبل الانضمام إلى شركة "ثامب تاك" لسوق الخدمات المحلية، حيث أصبحت في النهاية رئيسة برنامج الطهي لديها. وما جذب وورد للعمل في شركة "ثامب تاك" هو أن الشركة وظفتها مباشرة ولم تعينها من خلال شركة وسيطة، على عكس العديد من وظائف المقاهي والمطاعم الأخرى في الشركات. وقام فريقها المكون من 17 شخصاً بتحضير وجبات الإفطار والغداء والعشاء والوجبات الخفيفة، مثل "باتيسيري دي ناتا" وفطائر البيض البرتغالية، والذرة المكسيكية لموظفي الشركة.

وأنشأ فريق وورد في بداية الجائحة قناة على منصة "سلاك" أسموها #مساندة_الشيف ( #ChefSupport) لمساعدة الموظفين في المنزل على إطعام أنفسهم. كما قامت وورد بتنظيم دروس طبخ عبر تطبيق "زوم" للموظفين.

ولكن مع نهاية شهر مارس، تم تسريح معظم الفريق من العمل ضمن عمليات التقليص التي قامت بها الشركة والتي أدت إلى الاستغناء عن ثلث القوى العاملة فيها. ولم تخسر وورد وظيفتها ولكن أخبرتها الشركة خلال الصيف أن وظيفتها ستنتهي في شهر أكتوبر. وأمضت وورد الأشهر المتبقية لها في التبرع بالطعام وتوزيعه من مطبخ الشركة، والتأكد من تنظيف مصائد الشحوم وأن شفاطات المطبخ تتماشى مع المقاييس.

ويقول متحدث باسم شركة "ثامب تاك" إن طاقم المطبخ كان "جزءاً محبوباً ضمن فريقنا" ووصف إنهاء عقودهم على أنه كان واحداً من أصعب القرارات التي تعين على الشركة اتخاذها بسبب الجائحة. وتتوقع الشركة أن يستمر موظفوها بالعمل عن بُعد حتى شهر يوليو على الأقل.

وكانت إيريكا سانشيز، والتي أمضت عقداً من العمل في كافتيريا شركة "فيرايزون" في مدينة صانيفيل، قد علمت في شهر أغسطس أنه سيتم إنهاء خدمتها في غضون أسبوع. ودفعت الشركة تعويضاً عن إجازاتها، وتقول سانشيز، 46 عاماً، إن لديها مدخرات تكفيها حتى شهري فبراير أو مارس. إلا أنها في هذه الأثناء تبحث عن عمل، وهي تتطوع في أحد بنوك الطعام أيضا، حيث تتلقى أيضاً وجباتها الخاصة.

ولا تعرف سانشيز ما إذا كانت شركة "فيرايزون" سوف تتصل بالعاملين عند إعادة فتح مكاتبها في النهاية. وكانت سانشيز سعيدة بالعمل هناك حيث كانت تكسب حوالي 19 دولاراً في الساعة، أو ما يقرب من 38,000 دولار في السنة. وتقول: "كانت الشركة من الأماكن القليلة التي كنت أذهب فيها إلى العمل ويقول لك الناس فيها شكراً لك على ما تقدمه".

توصيل الوجبات للمنازل

قامت شركات مثل "أوبر تيكنولوجيز" و"دور داش" بإنشاء أو توسيع برامج تسمح لأصحاب العمل بتوزيع أرصدة الوجبات على موظفيهم. وتحولت المزارع التي كانت تقدم المنتجات في السابق إلى مطابخ الشركات إلى العمل على خدمات التوصيل المنزلية للخضار، لتعويض الإيرادات المفقودة.

وفتح فينسينت أتالي، والذي كان طاهي معجنات تنفيذي في شركة "لينكد إن"، متجراً مؤقتاً للحلويات الفرنسية في مدينة سان فرانسيسكو بعد جمع بعض الأموال عبر منصة "كيك ستارتر". ويقول إن العديد من الذين دعموه مالياً كانوا موظفين في الشركة. كما يقوم أتالي أيضاً ببيع صناديق تحتوي على أنواع مختلفة من الحلويات والمعجنات، عن طريق دفع اشتراك مالي، في محاولة منه لخوض غمار عالم توصيل الطعام الرائج.

وأسس مارتن نغوين، وهو طاهٍ سابق في شركة "لينكد إن" شركة تموين تسمى "كريفينغ فودز". ويقول إن بدء عمل تجاري أثناء الجائحة أمر صعب. وقد باع نغوين حوالي 24 وجبة كاملة لعيد الشكر، ولكن الطلبات الأسبوعية انخفضت بنحو 50% منذ افتتاحه هذا الصيف. ويقول: "من الصعب جداً اختراق هذا المضمار فالناس لم يعودوا للتجمع".