الاحتياطي الفيدرالي يعتمد على التخمين في تحديد أسعار الفائدة

مدى عدم فهم الاقتصاديين لتأثير أسعار الفائدة على الأسواق والتضخم والبطالة مقلق

جيروم باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي
جيروم باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي المصدر: بلومبرغ
Allison Schrager
Allison Schrager

Allison Schrager is a Bloomberg Opinion columnist. She is a senior fellow at the Manhattan Institute and author of "An Economist Walks Into a Brothel: And Other Unexpected Places to Understand Risk."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بقدر ما يتلهف العالم لاستعادة حال طبيعية بعد سنتين من معاناة جائحة كورونا، يسعى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لبلوغ سياسة نقدية حيادية تكبح التضخم ولا تتسبب بركود الاقتصاد. لكن اكتشاف نقطة حيادية لضبط الاقتصاد ربما ليس أسهل من تعريف الحال الطبيعية في هذه الأيام.

إن دقة السياسة النقدية أدنى بكثير مما نود أن نظن، فلا نستطيع حتى أن نعرف ما هو معدل الفائدة الحيادي. قد ينزعج الناس إذا عرفوا إلى مدى لا يفهم الاقتصاديون كيف يؤثر تغيير أسعار الفائدة بمختلف الأسواق ويؤثر في المحصلة على التضخم والبطالة.

خبراء يحذرون من الرهانات الاستثمارية الكبيرة بعد رفع الفائدة الأمريكية

نعرف أننا نعاني من ارتفاع التضخم وأن تلك المعاناة لن تنتهي قريباً، فقد ارتفعت الأسعار الشهر الماضي 7.9% على أساس سنوي، وفي ظل حرب روسيا على أوكرانيا والإغلاقات في الصين، قد تشهد الأسعار مزيداً من الارتفاع.

رد الاحتياطي الفيدرالي برفع الفائدة الأساسية 25 نقطة أساس الأربعاء وألمح لزيادتها مجدداً على مدى العام. قد تبلغ الزيادة 50 نقطة أساس في المرة القادمة. طبيعي أن يتساءل الجميع عن الحد الذي ستبلغه أسعار الفائدة بالضبط مع تخوف أساسي بأن يتجاوز الاحتياطي الفيدرالي مستوى الفائدة الحيادي فيدفع الاقتصاد للركود.

طبعا لا يريد الاحتياطي الفيدرالي أن يرفع أسعار الفائدة لتتخطى فاصل الركود، على الأقل حتى الآن. لكن تتمثل المشكلة تتمثل بأن الوقت ربما تأخر كثيراً حتى أننا لن نبلغ نقطة الحياد إن أردنا السيطرة على التضخم.

سياسة جريئة؟

يصعب كبح التضخم بعد انفلاته، ويتوقع الاقتصاديون رفع الأجور في العام الحالي لمواجهة التضخم، ما يهدد ذلك بدفع الأسعار إلى أعلى في موجة صعود ستتطلب سياسة نقدية أجرأ.

كيف سيبدو ذلك؟ للسياسة النقدية أحوال ثلاثة: تيسيرية وحيادية وتقشفية. تستطيع أن تصنف حال سياسة الاحتياطي الفيدرالي استناداً لمدى ارتفاع سعر الفائدة الأساسي مقارنة مع سعر الفائدة الطبيعي. أو بالأحرى مقارنة مع سعر الفائدة المحتمل بلوغه بلا تدخل حكومي، وهو ما يفترض حالياً أن يتراوح بين 2% و 3%.

توقعات الاحتياطي الفيدرالي لا توافق حسابات أسواق الديون

تكون سياسة الاحتياطي الفيدرالي تيسيرية حين تحدد سعر الفائدة المستهدف عند مستوى أدنى من سعر الفائدة الطبيعي، وهي الحالة التي نحن عليها الآن، حتى بعد رفع سعر الفائدة هذا الأسبوع، مع تراوح السعر المستهدف بين 0.25% و 0.50%. في الحالة التيسيرية يحاول الاحتياطي الفيدرالي تحفيز الاقتصاد عبر خفض تكلفة رأس المال. يفترض أن ذلك سينشط سوق العمل، غير أنه قد يؤدي أيضاً لزيادة التضخم.

الحالة المحايدة تتلاءم مع السعر الحيادي، وحين تكون سياسة الاحتياطي الفيدرالي محايدة فهي لا تنشط الاقتصاد لكن لا تلجم حركته أيضاً.

قد ينتقل الاحتياطي الفيدرالي إلى الحالة التقشفية لضبط اقتصاد يعاني من فرط النشاط، وهي حال يرفع فيها سعر الفائدة الأساسي بما يتجاوز السعر الطبيعي، بمعنى زيادة تكلفة حصول البنوك على رأس المال، فينكمش الاقتصاد ويتراجع التضخم. يزعم الاحتياطي الفيدرالي حالياً أنه لا يرمي لبلوغ حال الحياد.

ضبط التضخم

غير أن الانتقال إلى الحالة الحيادية نفسه يبدو مشكلة كبيرة لأن الاحتياطي الفيدرالي كان في حال سياسة تيسيرية لمعظم الوقت منذ الأزمة المالية العالمية، فيما عدا شهر أو شهرين. لم يقل رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إلا خلال الأشهر القليلة الأخيرة أنه سيدرس رفع سعر الفائدة قليلاً إن لم يهدأ التضخم.

إن كنت في حالة حيادية، سيكون التضخم نظرياً بطيئاً ومستقراً وقابلاً للتنبؤ. غير أن ذلك يفترض احتواء التضخم من البداية، فالسياسة الحيادية لا تفعل شيئاً في مواجهة التضخم. لذلك يبدو أن الاحتياطي الفيدرالي حسب الإستراتيجة الحالية يأمل أن تتلاشى مشكلة التضخم من تلقاء نفسها حين يتوقف عن سياسته التوسعية وتُحل تعقيدات سوق النفط وسلاسل التوريد.

التجار يراهنون بالكامل على رفع "الفيدرالي الأمريكي" للفائدة سبع مرات في 2022

يشك عدد كبير من الاقتصاديين بكفاية ذلك، حيث تتأثر التوقعات بمجرد أن يرتفع معدل التضخم ويظل مرتفعاً لفترة طويلة. كان البنك المركزي فيما مضى يتبنى سياسة انكماشية ليتباطأ نشاط الاقتصاد وتُراجع التوقعات وينخفض التضخم.

إلى أي مدى ينبغي أن نقلق حيال تسبب الاحتياطي الفيدرالي بركود اقتصادي إن قرر رفع سعر الفائدة فوق سعر الحياد؟ لا يوجد مستوى سحري لسعر الفائدة ندرك عنده خطر الركود. قد يتحقق هذا الخطر لو ارتفع سعر الفائدة إلى مستوى كبير جداً، مثلاً 12%، غير أن إمكانية وقوعه عند مستوى 4% أو5% غير واضحة. كان هذا هو نطاق سعر الفائدة الأساسي لعدة سنوات ولم يحدث أي ركود.

مصداقية ضئيلة

اختلف الزمن، لذا نعتقد أن سعر الفائدة الطبيعي الآن منخفض عن ذلك، فتوقعات المستقبل تلعب دوراً كبيراً بمعدل التضخم والتوظيف، لكن لا نعرف كيف تتشكل هذه التوقعات أو كيف نقيس تأثيرها. تبنى الاحتياطي الفيدرالي سياسة تيسيرية مدة 15 عاماً تقريباً ونادراً ما تجاوز معدل التضخم 2%.

قد يكفي التحول لسياسة نقدية حيادية، أو ربما رفع سعر الفائدة بما يتجاوز السعر الحيادي بمقدار 50 نقطة أساس، لإقناع الأسواق بأن الاحتياطي الفيدرالي جاد في موقفه بشأن مواجهة التضخم فينخفض، رغم أن سلوك الاحتياطي الفيدرالي حتى الآن لا يضفي كثيراً من المصداقية.

العريان: الحرب في أوكرانيا قد ترفع التضخم الأمريكي إلى 10%

قد يثير عدم الاستقرار المالي من القلق ما يتجاوز الركود، فأعضاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي لا يمتلكون خبرة كبيرة بالأسواق المالية، ناهيك عن أسواق أوراق الدخل الثابت، كما أن أسعار الفائدة متدنية جداً منذ فترة طويلة.

إن الأصول منخفضة المخاطر، وهي التي تتأثر بسعر الفائدة الأساسي، ذات أهمية أساسية في النظام، فهي تحدد كمية النقود التي تقرضها بنوك لأخرى، وتكلفة الضمان، وكيفية تسعير الأصول.

أسهم البنوك الأمريكية الكبرى تنتعش مع بداية رفع أسعار الفائدة

قد يمثل رفع أسعار الفائدة فوق الصفر بنسبة كبيرة صدمة للأسواق، وقد يتسبب في خلل كبير في المواقع. حتى لو استقر معدل التضخم عند 4%، وقرر الاحتياطي الفيدرالي أن يتعايش مع ذلك المستوى، سيعني ذلك سعراً مرتفعاً في الفائدة، وربما يكون سبباً لعدم استقرار الأسواق المعدة بعد سنوات طويلة لأسعار فائدة صفرية.

قد يكون ذلك سبب أمل الاحتياطي الفيدرالي بأن يكفي تبني سياسة حيادية وبعض الخطب المحكمة للسيطرة على التضخم دون الإضرار بمستوى التوظيف. لكن السياسة النقدية، مثل الحياة تماماً، تقوم على المقايضة. فلا تستطيع أن تفوز بكل شيء، وسيضطر الاحتياطي الفيدرالي لقبول بعض الأضرار أو الخسائر حتى يضبط الأسعار . قد لايؤدي ذلك لركود الاقتصاد، لكن قد تنخفض أسعار الأصول والأجور الحقيقية مع زيادة عدم اليقين وغموض مستقبل الاقتصاد.