لماذا تفقد الهند إيمانها بالغرب؟

بعض الدول الغربية تثبت أنها لا تأخذ بالحسبان التأثيرات العالمية لقراراتها لمعاقبة الغزو الروسي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي المصدر: بلومبرغ
Mihir Sharma
Mihir Sharma

Mihir Swarup Sharma is a Bloomberg Opinion columnist. He is a senior fellow at the Observer Research Foundation in New Delhi and head of its Economy and Growth Programme. He is the author of "Restart: The Last Chance for the Indian Economy," and co-editor of "What the Economy Needs Now."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أعلن مسؤولون بالحكومة الهندية الأربعاء عن تعاقد "مؤسسة النفط الهندية" المملوكة للدولة لشراء 3 ملايين برميل نفط من شركة "روسنفت" الروسية بخصم 20% عن الأسعار العالمية. لا تعدو الصفقة قطرة في بحر احتياجات الهند النفطية، التي بلغت 4.5 مليون برميل يومياً في يناير. لكن إذا دفعت الهند قيمة النفط بالروبية ستكون بمعزل عن العقوبات المفروضة على روسيا، وقد تفتح الباب لعديد من الصفقات.

استنكرت الولايات المتحدة الصفقة، وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي، إنه ينبغي على الهند أن تقلق بشأن ما سيرد في التاريخ عند سرد أحداث غزو أوكرانيا، وأنه سيتعين عليها توقع أسئلة حول ما إذا كان الغرب قد أخطأ حين قدم كثيراً من الدعم للهند إن أتبعتها بمزيد من الصفقات.

الهند تدرس طرقاً للالتفاف على العقوبات والاستفادة من النفط الروسي الرخيص

في المقابل، لدى الهند أيضاً أسباب للتساؤل عما إذا كانت قد أخطأت بشدة الركون للغرب. فيما تعلن فيه أوروبا والولايات المتحدة عن سعادتهما بسرعة وفعالية عقوبات ضد روسيا، أغفلتا تأثير تلك العقوبات على بقية دول العالم.

تلحظ الهند وباقي الدول النامية معايير غريبة لدى القوى الغربية والمؤسسات التي تهيمن عليها فيما يخص الصراعات القريبة منها. فيما كان "البنك الدولي" بطيئاً في الاستجابة للتداعيات التي عانت منها دول أخرى مزقتها الحرب، ووضع البنك حزمة بقيمة 700 مليون دولار لأوكرانيا في وقت قياسي، كما وصف بعض الاقتصاديين إرسال "صندوق النقد الدولي" 1.4 مليار دولار على شكل تمويل طارئ إلى أوكرانيا بالمخالف للأعراف المعهودة عن الصندوق.

لا مبالاة غربية

كما أن بعض الدول الغربية تثبت أنها لا تأخذ بالحسبان التأثيرات العالمية لقراراتها، كما الحال بإخراج العديد من البنوك الروسية من نظام سويفت للتحويلات المالية. كنا نعتقد من قبل أن التحويلات بين البنوك تمثل منفعة عالمية لكنها تحولت إلى أداة للسياسة الخارجية الغربية.

جاء قرار الدول التي تسيطر على نظام سويف وكلها أوروبية إلى جانب الولايات المتحدة واليابان من جانب واحد بلا كثير تمعن بكيفية دفع دول مثل الهند التي تعتمد على نظام سويفت ثمن النفط والأسمدة من روسيا وكيف ستتعامل مع تداعيات ذلك. لذلك لا ينبغي أن نتفاجأ من رد فعل الهند التي تبحث عن طريقة للالتفاف على العقوبات عبر تسوية تجارتها مع روسيا بالروبل والروبية.

على الهند أن تقف مع الغرب ضد روسيا

انتقاد استمرار شراء الهند للنفط من روسيا أمر غريب، خاصة أن الدول الأوروبية لم تمنع نفسها عن إمدادات الطاقة الروسية هي الأخرى ورغم أن الهند لا يمكنها تحمل فواتير باهظة مثل الدول الأوروبية. فإذا استمر سعر النفط فوق 70 دولار للبرميل لأشهر، ستنهار الروبية وتنفد سيولة الحكومة ويرتفع التضخم بشكل كبير، ما سيدفع البلاد إلى القلق بشأن أزمة في ميزان المدفوعات.

لقد عانت الهند من ذلك النوع من الاضطراب مرتين على الأقل قبل ذلك عامي 1991 و2012. يبدو أن من يفترض أنهم شركاء الهند في الغرب لا يدركون أن تجنب اضطراب جديد يعد أولوية وطنية رئيسية.

نفاق العقوبات

كما لا يقدر الغرب النفاق الذي يظهر في حديثهم عن العقوبات. فقد أمضت الولايات المتحدة معظم العقد الماضي تحاول إقناع الهند بعدم شراء النفط الإيراني. أما الآن، وبمجرد تحول التركيز إلى روسيا، تحاول الولايات المتحدة إعادة نفط إيران إلى السوق. كما أن الولايات المتحدة وأوروبا وفي الوقت الذي يتوقعون فيه تحمل دول أخرى تكاليف تلك العقوبات، يتراجعون حتى عن إرسال طائرات مقاتلة بولندية إلى أوكرانيا.

هل يجدر بالولايات المتحدة المراهنة على فنزويلا؟

أضف إلى ذلك مخاوف الهند من اندفاع روسيا على المدى الطويل باتجاه الصين نتيجة العقوبات، ما يوسع من سيطرة بكين على الاقتصاد العالمي. إذا كان البعض في الغرب يقلق من عدم دعم الهند لهم، فالأمر مشابه تماماً عندما يشعر الكثير من الهنود بالقلق من عدم وقوف الغرب لجانبهم.

يعاني كلا الطرفين من قصر نظر. تستفيد الهند من ناحيتها، سواء أحب المنادون بالقومية الهندية القوية ذلك أم لا، من دعم الغرب مواجهتها الاضطرابات الاجتماعية وضعف الأداء الاقتصادي. كما أنها بحاجة لرأس مال أوروبي، واستثمارات يابانية وتقنية أمريكية لتحديث اقتصادها، ناهيك عن الأسلحة والدعم الدبلوماسي من أجل الوقوف في وجه منافستها الصين. يجب أن تتذكر وسائل الإعلام الهندية والمؤسسة الحاكمة، أن روسيا تسببت بتلك الأزمة بغزوها غير المبرر لجار أصغر، وأنه لا يجب أن تقف الهند إلى جانب المعتدي.

لماذا تسعى دول للنأي بنفسها عن الحرب الباردة الجديدة؟

يحتاج الغرب وعلى الجانب الآخر أن يتعلم عن جديد أن أفعاله لها تداعيات. قد لا تعاني بلدان مثل الهند، التي تكافح من أجل إدارة العجز، أو كينيا، التي تعاني من تزايد فاتورة استيراد الحبوب، بنفس القدر الذي تعانيه أوكرانيا، لكن تلك الدول ضحايا لتلك الأزمة. لذلك يحتاج النظام الدولي لاتخاذ إجراءات استثنائية لمواجهة مثل تلك التحديات غير المتوقعة عبر عمليات إنقاذ ومقايضات سيولة لدى البنوك المركزية وغيرها من الإجراءات.

إنه اختبار. لا يمكن للعالم أن يبني آليات فعالة لردع المعتدين، سواء روسيا أو الصين، إلا إذا كان لدول مثل الهند قدرة على التصويت، وإلا كما هو الحال مع نظام سويفت، سيتجاهلون العقوبات ويقوضون تلك الأنظمة من أجل مصالحهم الوطنية.