هل ستواصل الصين الاعتماد على السلع الأساسية الروسية؟

أكوام من صفائح كاثود النيكل المصنوعة حديثاً في متجر التحليل الكهربائي التابع لشركة "إم إم سي نوريلسك نيكل"في مونشيجورسك، روسيا.
أكوام من صفائح كاثود النيكل المصنوعة حديثاً في متجر التحليل الكهربائي التابع لشركة "إم إم سي نوريلسك نيكل"في مونشيجورسك، روسيا. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

باتت العلاقات التجارية بين الصين وروسيا أكثر تعقيداً منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا قبل أكثر من ثلاثة أسابيع، وهو ما أثار تساؤلات بشأن تدفق الطاقة والمعادن والمحاصيل في المستقبل بين القوتين.

تزايدت أهمية روسيا بالنسبة للصين كمورّد للمواد الخام قبل الحرب في أوكرانيا، وقد توطد ذلك في شكل صداقة "بلا حدود" أُعلنت بين البلدين قبل الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، واحتُفل بها من خلال توقيع صفقات جديدة لتزويد الصين بالنفط والغاز والقمح الروسي.

معادلة الصين.. دعم بوتين أمام العقوبات الأمريكية مع تفادي الخسائر الاقتصادية

بعد الغزو مباشرة، قال المسؤولون الصينيون إنَّهم لا يوافقون على العقوبات الأحادية الجانب، وسيواصلون العلاقات التجارية مع روسيا بشكل طبيعي. لكن منذ ذلك الحين، أوقفت البنوك تمويل المشتريات، وأصبح التجار يكافحون مع الخدمات اللوجستية، في حين قال وزير الخارجية الصيني مؤخراً، إنَّ بكين لا تريد أن تتأثر بالعقوبات. كما حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن نظيره الصيني شي جين بينغ يوم الجمعة من "التداعيات والعواقب" التي ستواجهها الصين في حال ساعدت روسيا في حربها على أوكرانيا.

وفيما يلي نظرة على وضع تداول السلع الأساسية مع روسيا، وكيف يمكن أن تسير الأمور:

الطاقة

ربما تكمن أكبر الفرص التجارية في مجال الطاقة؛ إذ يدل النمو الاقتصادي على أنَّ الصين لديها حاجة متزايدة للفحم والغاز لتدفئة المنازل وتشغيل المصانع. على الرغم من أنَّ الصين تعد دولة غنية بالفحم؛ إلا أنَّها ما زالت عرضة لمواجهة النقص، كما أنَّها تفتقر نسبياً للغاز، الأمر الذي يعزز أهمية الواردات لمواكبة الطلب.

في الوقت الراهن، تعد روسيا ثاني أكبر مورد للفحم إلى الصين بعد إندونيسيا، بينما نمت صادراتها من الغاز بشكل كبير منذ بدء التدفقات عبر خط أنابيب "سيبيريا" في عام 2019. ارتفعت شحنات النفط الخام أيضاً في الأعوام الأخيرة- بما فيها النفط المنقول عبر خطوط الأنابيب- فقد كانت روسيا المورد الثاني للصين في عام 2021، بعد المملكة العربية السعودية.

الصين تُعلّق شراء النفط الروسي المنقول بحراً بعد الغزو

ساعد الفحم الروسي في سد الفجوة الناجمة عن حظر الصين للشحنات الأسترالية منذ أواخر عام 2020، والاضطراب الأخير في الشحنات القادمة من منغوليا وإندونيسيا. علاوة على ذلك؛ تزوّد الولايات المتحدة وأستراليا الصين بما يزيد قليلاً عن نصف وارداتها من الغاز الطبيعي المسال، والذي يُنقل عن طريق السفن، وهذا هو الاعتماد الذي تحاول بكين التخلص منه.

لكن في أعقاب الغزو الروسي؛ تجنّب المشترون الصينيون والمقرضون، الذين يموّلون مشترياتهم، شحنات الفحم والغاز الطبيعي المسال والنفط الخام القادمة من روسيا بشكل كبير. ربما يكون هذا التردد مؤقتاً بسبب النهاية غير المعروفة للعمل الدولي ضد موسكو، لكنَّه قد يعكس أيضاً مخاوف الشركات الكبيرة من الوقوع في شرك عقوبات قد تؤثر على الترتيبات المصرفية العالمية، فضلاً عن مخاوف الحكومة من استبعادها من الأسواق الأكثر أهمية بالنسبة للسلع الصينية.

قالت مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" في مذكرة الأسبوع الماضي: "بالنسبة لأي شركة صينية لديها عمليات كبيرة في الخارج؛ يعد استمرار الوصول إلى النظام المالي الأمريكي أكثر قيمة من أي صفقات يمكن عقدها مع روسيا، برغم أنَّ بعض الشركات الصغيرة قد تكون مستعدة لتحمل المخاطر".

تعد الخدمات اللوجستية مشكلة أيضاً. فقد التقى العديد من مستوردي الفحم الصينيين وعمال المناجم الروس هذا الشهر لمناقشة زيادة أحجام الفحم، لكنَّهم سلّطوا الضوء على عقبات عدة، منها يتعلق فيما إذا كان نظام الدفع العابر للحدود الصينية القائم على اليوان سيكون قابلاً للاستخدام، بالإضافة إلى مشكلات تتعلق بقدرة النقل وجودة الفحم، وفقاً لـ"جمعية نقل وتوزيع الفحم الصينية".

الصين تضاعف نطاق تداول اليوان للروبل بعد تحركات قياسية

من المؤكد أنَّ الصين ملتزمة بالنجاح طويل الأمد لأكبر مشروعات الطاقة في روسيا. من هذا المنطلق، هناك خط أنابيب غاز آخر قيد المناقشة، كما أنَّ مؤسسة "وود ماكينزي" تقدّر استثمارات الصين في النفط والغاز لدى جارتها بـ 24 مليار دولار، بما فيها الحصص في مشروعي الغاز الطبيعي المسال "يامال" و "أركتيك" في روسيا.

نفط

استبعد نيل بيفريدج، كبير محللي الطاقة في شركة "سانفورد سي بيرنشتاين" (Sanford C. Bernstein)، ومقرها هونغ كونغ، اتباع الصين خطى الشركات الدولية، وتنهي علاقتها بأصول الطاقة الروسية. وتابع: "الصين لديها فرصة نمو هائلة بالنسبة لروسيا".

في ظل هذه الظروف، سيكون من الغريب أن تخفّض الصين مشترياتها من الغاز الطبيعي المسال الروسي على المدى الطويل، لكن تعد توقُّعات الفحم مختلفة تماماً. فأرقام المبيعات الروسية ضئيلة مقارنة بـ 4 مليارات طن من الوقود المُستخرج محلياً، كما أنَّ خطة بكين لتعزيز قدرة صناعة الفحم لديها بمقدار 300 مليون طن توحي أنَّها تسعى لتعزيز أمن طاقتها عبر التخلص من الواردات تماماً.

الصين تتجنب فحم روسيا وسط قلق البنوك حيال العقوبات

أما بالنسبة للنفط الخام؛ فإنَّ الحسابات تتعلق أيضاً بأسعار الشحن والعلاوات المرتفعة المرتبطة بالشحنات الروسية بسبب الحرب. ثمة دول كثيرة تزود الصين بالنفط اللازم، وحتى عندما تكون الأسعار مرتفعة للغاية؛ فإنَّ هذا يجعل المشترين أكثر انتقائية.

الحبوب

يعد ارتفاع تكاليف النقل عائقاً محتملاً أيضاً أمام توسيع موسكو لمبيعاتها من الحبوب. تبيع روسيا القمح لأكثر من 100 دولة، لكنَّ الصين كانت واحدة من الأسواق الكبيرة القليلة التي كافحت للوصول إليها. حتى وقت قريب، كانت الشحنات محدودة لأنَّ معظم القمح الروسي كان محظوراً بسبب مخاوف تتعلّق بالفطريات.

في فبراير، سمحت الصين باستيراد القمح من كل أنحاء روسيا كجزء من مجموعة صفقات أُبرمت أثناء زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى بكين. كان من المتوقَّع أن تمثّل هذه الخطوة تحدياً للواردات القادمة من دول مثل: فرنسا، وأستراليا، وكندا، والولايات المتحدة.

رئيس الصين: لا نستطيع الاعتماد على الأسواق العالمية لتحقيق الأمن الغذائي

لكن برغم رفع القيود؛ ستواصل الصين على الأرجح الاستيراد من مصادرها المعتادة، بحسب ما قال دارين فريدريكس، المؤسس المشارك ومدير أبحاث السوق لدى شركة "سيتونيا كونسلتنغ" (Sitonia Consulting) في شنغهاي. وأضاف: "لا أعتقد أنَّه من الممكن استيراد كميات ضخمة من مصادر جديدة مثل روسيا. سيتعيّن عليهم دفع المزيد".

السلع الزراعية

المعادن

لم يضعف اعتماد الصين على روسيا فيما يتعلق ببعض المعادن إلا في الأعوام الأخيرة، وقد برزت إندونيسيا باعتبارها مورد رئيسي للنيكل. ورغم ارتفاع حصة روسيا من واردات النحاس المكرر، فإن التوسع في صناعة الصهر في الصين يعني ازياد أهمية استيراد النحاس الخام مباشرة من عمال المناجم في أماكن مثل أمريكا الجنوبية.

على أي حال، تشتري الصين بالفعل معظم صادرات روسيا من النحاس المكرر، بحسب مذكرة صدرت عن بنك "يو بي إس" هذا الأسبوع، والتي تشير إلى أنَّ الارتفاع في المستقبل سيكون محدوداً.

كذلك، ارتفعت صادرات روسيا من البلاديوم، المستخدم بشكل رئيسي لخفض تلوث السيارات، إلى الصين في الأعوام الأخيرة، ويمكن أن ترتفع أكثر من الناحية النظرية. تنتج الشركات المدرجة في أوروبا معظم المحولات الحفازة المباعة في الصين، وقد لا ترغب في الإمدادات الروسية، وهو ما يُدرج ضمن العقبات المحتملة، وفقاً لـ "يو بي إس".

معادن أساسية