إجراءات "الاحتياطي الفيدرالي" لا تتماشى مع خطاب باول للأسواق

لماذا ندعو المستثمرين لوضع افتراضات خاطئة.. لا سيما إن كان ذلك يضعف المرونة التي قد نحتاج إليها؟

جيروم باول رئيس "الاحتياطي الفيدرالي"
جيروم باول رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" المصدر: بلومبرغ
Clive Crook
Clive Crook

Clive Crook is a Bloomberg Opinion columnist and writes editorials on economics, finance and politics. He was chief Washington commentator for the Financial Times, a correspondent and editor for the Economist and a senior editor at the Atlantic.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

شرع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع الماضي بسلوك مسار تشديد السياسة النقدية الذي أعلن عنه منذ أمد طويل، فرفع أسعار الفائدة ربع نقطة، ملمحاً إلى ست زيادات أخرى بحلول نهاية العام، ويخطط لتقليص مخزونه من الدَّين الحكومي. لكن كان هذا الإجراء متوقعاً على نطاق واسع، لذا لم يكن حدثاً.

ما يثير الانتباه كان طريقة شرح جيروم باول، رئيس "الاحتياطي الفيدرالي"، للإجراء الذي اتخذه البنك المركزي. كان الأمر محيراً للغاية ويثير عدداً من التساؤلات حول ما سيترتب على ذلك.

باول: "الاحتياطي الفيدرالي" مستعد لرفع الفائدة أسرع إذا لزم الأمر

بلغ التضخم أعلى مستوى له في أربعة عقود، ولا يزال يجاوز توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي. تُظهِر توقعاته الجديدة أن معدل التضخم ستصل نسبته إلى 4.3% بنهاية هذا العام، بزيادة 1.7 نقطة مئوية عما كان متوقعاً قبل ثلاثة أشهر. يُتوقع مع ذلك أن يكون معدل الفائدة الذي تحدده السياسة بنسبة 1.9% فقط في نهاية العام، بزيادة نقطة مئوية واحدة فقط عن التوقعات السابقة، وهو لا يزال أقل بكثير مما يعتبره معظم الاقتصاديين "معدلاً محايداً" عند نسبة 2.5%، وهو لا يرفع الطلب ولا يقلصه.

لذلك كان لا بد أن يبادر باول بتوضيح سبب التحول البطيء للغاية في السياسة، مع الأخذ في الاعتبار أن التضخم قد ارتفع أكثر، واستمرّ أعلى مما توقعه "الاحتياطي الفيدرالي"، وأن الصدمة جراء العقوبات الروسية ستفاقم الأمور.

تباين النظر

إليكم شرحاً منطقياً جيداً: تُبرِز خطة أسعار الفائدة التباين بين الاقتصاديين الذين يريدون إبقاء أسعار الفائدة قريبة من الصفر لتجنب دفع الانتعاش الهش إلى مستوى الركود، وأولئك الذين يعتقدون أن "الاحتياطي الفيدرالي" قد ترك التضخم يخرج عن نطاق السيطرة، ويريدون تصحيحاً أبلغ تأثيراً.

يمكن قول كثير حول هذا المسار الوسطي، إذ يشوب التوقعات عدم اليقين، ويجب على "الاحتياطي الفيدرالي" أن يتعامل مع المخاطر الناجمة عن الصعود والهبوط. إن كان تأثير الصدمة الروسية في الغالب على جانب العرض، كما يبدو محتملاً، فيجدر على الأرجح أن تتجاهلها السياسة النقدية للسبب نفسه الذي دعم تجاهل ارتفاع التضخم نتيجة تأثر جانب العرض بسبب صدمة الوباء. يتعين على البنوك المركزية، واستناداً إلى وجهة النظر القياسية، أن "تتجاهل" التقلبات المؤقتة في العرض.

"الاحتياطي الفيدرالي" يعتمد على التخمين في تحديد أسعار الفائدة

لذا ربما كانت الرسالة هي: نعم، يشهد الطلب ارتفاعاً بعض الشيء، لذا يجب عدم إرجاء التشديد أكثر من ذلك. لكن دعونا نحرص على ألا نبالغ في ذلك.

لم يحقق باول هذا التوازن، ولدى سؤاله حول مخاطر الجانب السلبي، أجاب: "احتمالية حدوث ركود خلال العام المقبل ليست مرتفعة بشكل خاص. لماذا أقول ذلك؟ لأن إجمالي الطلب قوي حالياً، ويشير معظم التوقعات إلى أن ذلك سيستمر. إذا نظرتم إلى سوق العمل فستجدون أيضاً أنها قوية للغاية. ظروف التشديد تفرض نفسها، ونمو الوظائف يواصل مساره عند مستويات مرتفعة للغاية. تتسم الميزانيات العمومية للأُسَر والشركات بالقوة. وهكذا فإنّ الدلائل كلها تشير إلى أن هذا الاقتصاد قوي، بل سيكون في الواقع قادراً على الازدهار، حتى لا يُقال إنه يقاوم فحسب، ولكن بالتأكيد يزدهر أيضاً، على الرغم من سياسة نقدية أقل تكيّفاً".

حاجة إلى التكيُّف

هل يحتاج هذا النوع من الاقتصاد حقاً إلى عام آخر من التحفيز النقدي، الذي بات يتناقص بشكل واضح، أم يحتاج إلى "التكيّف"، كما يسمّيه باول؟ ما يحاجج باول ضده فعلياً هو تأجيل التشديد مرة أخرى، كما لو أن الرأي القائل إنه قد أُجِّل لفترة طويلة غير جدير بالذكر، لكن هذا الرأي مقبول على نطاق واسع ومعقول بشكل متزايد.

باول: الاقتصاد الأمريكي يمكنه الصمود أمام تشديد السياسة النقدية

سُئل باول مباشرة عما إذا كان يعتقد أن "الاحتياطي الفيدرالي" كان "متخلفاً عن الركب"، وذكّره السائل بأنه أبلغ لجنة في مجلس الشيوخ هذا الشهر بأن "الاحتياطي الفيدرالي" لو كان يعلم مسبقاً ما بات يعرفه حول مسار الاقتصاد لكان بكّر بالتشديد. أجاب باول أن الفهم المثالي لما جرى لا يساعد كثيراً في وضع سياسة استشرافية. هذا صحيح، لكن ليس في سياقه. لو كان "الاحتياطي الفيدرالي" يعرف ما يعرفه حالياً واتبع سياسة تشديد في أقرب وقت، فسيكون لديه المجال للتسوية، ولا بد أن يرفع أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية أو أكثر، وليس ربع نقطة.

تسيطر حالة من الحيرة على الاقتصاديين الذين يرون أن "الاحتياطي الفيدرالي" لديه كثير ليواكب التطورات، فقد سمعوا البنك المركزي يقول إنه يتفق مع تحليلهم، ولكن لسبب ما لن يمتثل لمطالبه.

ماذا لو؟

السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو ما إذا كان "الاحتياطي الفيدرالي" كان سيتصرف بشكل مختلف الأسبوع الماضي لو لم يبذل كثيراً من الوقت في توعية الأسواق لتتوقع أبسط بداية ممكنة. يبدو ذلك محتملاً جداً، وهو يلفت الانتباه إلى وجود مشكلة مستمرة في ما يتعلق بتواصل "الاحتياطي الفيدرالي".

تحدد تعليقات البنك وتنبؤاته توقعات راسخة للسياسة، وهي توقعات بأن "الاحتياطي الفيدرالي" لا يريد أن يخيّب الآمال حينها. لدى قراءة ما يسمى "مخطط النقط" لأسعار الفائدة المستقبلية لـ"الاحتياطي الفيدرالي"، توقّع المستثمرون ست ارتفاعات بربع نقطة أخرى بحلول نهاية العام قبل أن ينتهي باول من حديثه.

توقعات "الاحتياطي الفيدرالي" لا توافق حسابات أسواق الديون

ما تشير إليه توقعات هذا المخطط في الواقع هو أن صانعي السياسة في "الاحتياطي الفيدرالي" تسيطر عليهم حالة من التشتت بشأن ما يجب أن يحدث لأسعار الفائدة. يتراوح التباين في تقديرات معدل الفائدة للربع الرابع من 1.4% إلى 3.1%، ولم يُعلَن عن أي من هذه الأرقام بقناعة كبيرة، وأنا أراهن على ذلك. إنه لخطأ فادح أن تسترشد توقعاتنا بأوسط التقديرات وهو 1.9%، ما يعني ضمناً ست زيادات أخرى بمقدار 25 نقطة أساس.

حين يشوب المستقبل حالة من عدم اليقين، التي نادراً ما تسود كما هي الآن، لماذا ندعو المستثمرين إلى وضع افتراضات خاطئة، لا سيما إن كان ذلك يضعف المرونة التي يُرجح أن نحتاج إليها؟ يجب أن يعيد "الاحتياطي الفيدرالي" الإمعان بدقة حول كيفية تواصله مع الأسواق.