كيف تخنق حرب أوكرانيا إمدادات العالم من الموارد الطبيعية؟

سفينة شحن محمّلة بالقمح للتصدير من ميناء مايكوليف في أوكرانيا عام 2016
سفينة شحن محمّلة بالقمح للتصدير من ميناء مايكوليف في أوكرانيا عام 2016 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تُعتبر روسيا قوة رئيسية في قطاع السلع الأساسية، حيث تنتج وتصدر كميات هائلة من المواد الخام التي يستخدمها العالم في صناعة السيارات، ونقل الأشخاص والبضائع، وتوفير الخبز، والحفاظ على إمدادات الكهرباء.

لكن غزو الدولة لأوكرانيا يقيّد هذه الإمدادات الحيوية –أو بالأحرى يهدّدها- في ظل تزايد عزلة روسيا عن الاقتصاد العالمي، مما يؤدي إلى صعود الأسعار بينما يحدث ذلك.

تربح روسيا مليار دولار يومياً من تصدير النفط والغاز، والذي تذهب معظم صادراته إلى أوروبا. وتدخل صادرات الدولة من الألومنيوم والنيكل في صناعة عبوات المشروبات، والسيارات، والبطاريات الكهربائية، في حين يُستخدم البلاديوم في الحد من انبعاثات المركبات، وتُعتبر روسيا أيضاً مُصدّرة عملاقة للقمح، ومورداً رئيسيًا لكل أنواع أسمدة المحاصيل منخفضة التكلفة.

فيما يلي نرصد بعض صادرات السلع الأساسية الروسية، والوجهات التي تعتمد عليها، وماذا يعني تشديد الخناق على هذه الإمدادات:

الطاقة


النفط الخام

حظرت الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكندا واردات النفط الروسي، وفرضت عدة شركات عقوبات عليها، وكان ذلك جزئياً بسبب الخوف من تلويث سمعتها.

تُعتبر ألمانيا وبولندا والمجر من بين الدول الأكثر عرضة لأي خسارة في النفط الروسي، إذ تعتمد مصافيها على الشحنات التي يتم ضخّها عبر الأنابيب، وقد يواجهون صعوبة في العثور على بدائل.

سيستفيد جميع منتجي النفط من ارتفاع أسعاره، لكن سيتضرر المستهلكون من قائدي السيارات وحتى ركاب خطوط الطيران من ارتفاع فواتير الوقود. وتتضمن الأسئلة الرئيسية في هذا السياق ما إذا كانت مصافي التكرير في أوروبا ستخفض معدلات المعالجة في ظل صعوبة العثور على إمدادات بديلة؟ وإلى أي مدى سيحوّل النفط الروسي تركيزه إلى آسيا بدلاً من أوروبا؟

المنتجات المكررة

تُعتبر السوق الأوروبية الأكثر عرضة لفقدان الديزل الروسي، وكانت القارة تعاني بالفعل من ضيق الإمدادات قبل الغزو، في حين أن زيت الوقود الروسي –الذي يستخدم كمواد أولية لعمليات المعالجة الإضافية- كان حيوياً بشكل خاص للمصافي الأمريكية.

يصبّ نقص إمدادات الديزل بأوروبا في صالح شركات التكرير بالشرق الأوسط وآسيا، كما بدأ المتداولون في اقتناص أي مكان متاح بسفن الشحن لنقل البراميل إلى أوروبا وسد الفجوة. وقد يستفيد منتجو الخام الثقيل من صدمة نقص العرض الروسي كذلك، وثارت تكهنات حول إمكانية لجوء الولايات المتحدة لفنزويلا، التي يخضع نفطها حالياً للعقوبات. كما أن إعادة إحياء الصفقة النووية لعام 2015 مع إيران بمقدورها تعزيز التدفقات من الدولة المطلّة على الخليج العربي.

الغاز الطبيعي

هدّدت موسكو بقطع الإمدادات عن أحد خطوط الأنابيب الرئيسية إلى أوروبا رداً على العقوبات. ولتقليل المخاطر المتوقعة على أمن الطاقة؛ يخطط الاتحاد الأوروبي لتقليص احتياجاته الاستيرادية من روسيا بنحو الثلثين خلال العام الجاري.

حالياً، تعتمد دول مثل ألمانيا بشكل خاص على الغاز الروسي. وقد يشكل هذا فرصة لمصدري الغاز الطبيعي المسال مثل الولايات المتحدة وقطر، ممن ينقلون الوقود على متن السفن.

ألمانيا تتوصل إلى اتفاق لشراء الغاز من قطر بدلاً من روسيا


لا ترفع أسعار الغاز المتزايدة فاتورة الطاقة التي تدفعها الأسر وحسب، لكنها تؤدي أيضاً إلى تضخم أوسع نطاقاً عبر زيادة تكاليف إنتاج البضائع، وتدرس بعض الدول مثل ألمانيا وإيطاليا منذ فترة استخدام محطات الفحم، مما يعرقل مبدئياً أهداف نشر الطاقة الخضراء على المدى القصير.

الفحم

تُعتبر أوروبا أكبر مشترٍ للفحم الحراري الروسي، الذي يُستخدم في محطات الكهرباء بشكل كبير بمناطق وسط وشرق القارة. ويحظى الموردون من كولومبيا، وجنوب أفريقيا، والولايات المتحدة الآن بالفعل بطلب أكبر، وقد تشتري أوروبا احتياجاتها من دول أبعد مثل أستراليا وإندونيسيا.

على غرار الغاز، يعني ارتفاع أسعار الفحم زيادة في فواتير الطاقة لدى الأسر وكبار المستهلكين مثل شركات صناعة الصلب. ويبدو أن الفحم في وضع يسمح له بالحفاظ على جاذبيته لفترة من الزمن، إذ تقل نفقات استهلاكه عن الغاز.

نفط

الأغذية


القمح

تشكل روسيا وأوكرانيا –على حد سواء- ركناً أساسياً من تدفقات القمح العالمي، وخفض المحللون توقعات المبيعات في ظل إغلاق الموانئ الأوكرانية، وتجنب السفن للمنطقة. ويُعد الأفريقيون والآسيويون من أكبر مشتري القمح الوافد من منطقة البحر الأسود، والذي عادة ما يكون رخيصاً، وبرغم إمكانية بحثهم عن بدائل، إلا أن الشراء من الوجهات الأبعد قد يكلفهم مبالغ أكبر.

قد تستفيد مبيعات دول الاتحاد الأوروبي من بحث المستوردين عن إمدادات بديلة، والأمر نفسه صحيح بالنسبة لأستراليا ودول أمريكا الشمالية. كما تشهد الشحنات الوافدة من الهند -التي لا تُعتبر غالباً مُصدّراً كبيراً- زيادة هائلة، بعدما أدى ارتفاع الأسعار العالمية إلى زيادة تنافسية صادراتها من القمح.

ستُفاقم أسعار القمح الأكثر ارتفاعاً، جنباً إلى جنب مع مخاطر النقص المحتملة لإمداداته، تكاليف الخبز، وذلك في الوقت الذي أصبح فيه الغذاء باهظاً أكثر من أي وقت مضى، مما يؤجج بدوره أزمة الجوع العالمية. ومن غير المتوقع فرض عقوبات على السلع الغذائية، لكن رغم هذا قد يحاول بعض المشترين تقليص اعتمادهم على القمح الروسي.

زيت عباد الشمس

تعرقل الحرب أيضاً الإمدادات العالمية من زيت عباد الشمس، إذ خفٌض إغلاق الموانئ الأوكرانية التدفقات الواردة من الدولة، والتي تشكل نصف صادرات العالم كله من زيت الطبخ الأساسي. كما تحتل روسيا نفسها المركز الثاني في عدد شحنات الزيت. ويدق هذا ناقوس الخطر في متاجر البقالة الأوروبية التي قد تنفد إمداداتها قريباً، مما يدعم تحليق أسعار الزيت النباتي بالقرب من مستويات قياسية.

الأسمدة

كانت سوق الأسمدة مقيدة قبل الحرب بالفعل، بسبب إغلاق المصانع، وارتفاع الرسوم الجمركية، والعقوبات المفروضة على بيلاروسيا، والآن باتت على شفا الدخول في مرحلة الفوضى. وحثّت روسيا -التي تستحوذ على قرابة خمس صادرات المخصبات الثلاثة الرئيسية في العالم- منتجيها على إيقاف الشحنات.

روسيا تشعل تضخم الغذاء في العالم عبر بوابة الأسمدة

نتيجة لذلك؛ قد تتفاقم صعوبة شراء الدول الزراعية الكبرى مثل البرازيل والولايات المتحدة وجنوب أفريقيا والهند للأسمدة الضرورية لإنبات كل أنواع المحاصيل. ويمكن أن تقفز أسعار متاجر البقالة -أكثر حتى مما هي عليه الآن- إذا تراجع إنتاج الأغذية، أو قام المزارعون بتحميل التكاليف الإضافية على عاتق تلك المتاجر.

قد تستفيد الشركات المنتجة مثل: "سي أف إندستريز هولدينغز" (CF Industries Holdings) في الولايات المتحدة، و"نيوترين" (Nutrien) الكندية، و"يارا إنترناشيونال"(Yara International) النرويجية، إذا تمكنوا من سد الفجوة التي خلّفتها الإمدادات الروسية. ومع اقتراب الربيع المقبل، سيعطي موسم زراعة الذرة في الولايات المتحدة اللمحة الحقيقية الأولى حول كيفية تأثير أسعار الأسمدة المرتفعة على المزارعين.

السلع الزراعية

المعادن


النيكل

في أوائل مارس الجاري، دخلت سوق النيكل في حالة فوضى عندما أدت المخاوف بشأن الإمدادات الروسية واقتراب نفاد المخزونات إلى قفزة كبيرة بالأسعار، مما أجبر بورصة لندن للمعادن على اتخاذ خطوة استثنائية بتعليق تداول المعدن.

سعر النيكل يتضاعف خلال 48 ساعة ويُربك أكبر بورصة معادن في العالم

تُعتبر روسيا مُورّداً رئيسيًا لنوع النيكل المستخدم في صناعة الصلب وبطاريات السيارات الكهربائية. وقال إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا"، إن أكثر ما يؤرّقه هو المعدن المطلوب للبطاريات، مضيفاً أنه يبحث عن وسائل لخفض استخدامه في بطاريات سيارات "تسلا".

الألمنيوم

عانت السوق العالمية من خفض معروض الألمنيوم بالفعل قبل أن يُفاقم اضطراب الموانئ الروسية معدلات النقص. ويقيد هذا عمل الشركات المصنعة في قطاعات الفضاء، والسيارات، والبناء، لا سيما في أوروبا. ويقول المحللون، إن الإمدادات الروسية ضرورية لتجنب حدوث شُحّ أكبر. كما منح هذا فرصاً للتجار لتحقيق أرباح جراء شحن الألمنيوم إلى أوروبا من دولٍ مثل الصين.

قد تنعكس أسعار الألمنيوم الأكثر ارتفاعاً على تكاليف البضائع الاستهلاكية، مثل: منتجات التغليف، والسيارات، والهواتف المحمولة. والقلق الأكبر هنا هو إمكانية تراكم الضغوط –بما فيها تلك الناتجة عن صعود أسعار الطاقة- بشكل هائل، مما يؤدي إلى تراجع الطلب على الألمنيوم في نهاية المطاف.

البلاديوم والبلاتين

من السابق لأوانه تحديد ما إذا كان المعروض تأثر في روسيا، التي تُصدر أغلب إنتاجها من المعدنين اللذين يُستخدمان بشكل رئيسي في المحولات الحفازة.

قد يقع أي اضطراب في الوقت الذي يستعد فيه الطلب على السيارات للتحسن، ويمكن أن يكون المشترون في أمريكا الشمالية وأوروبا الأكثر عرضة للتضرر منه. لكنه قد يصب في صالح شركات التعدين المنافسة في جنوب أفريقيا، وزيمبابوي، وأمريكا الشمالية، لاسيما فيما يخص البلاديوم.

يشكل المعدنان جزءاً ضئيلاً فقط من تكلفة السيارات، لذا من غير المرجح تغيير معارض البيع لأسعارها بشكل كبير، إلا إذا قفزت الأسعار بشدة وحافظت على ارتفاعها.

مع استحواذ روسيا على جزءٍ أكبر من سوق البلاديوم، هناك احتمال وارد بتحول المشترين نحو البلاتين، الذي يتمتع بخواص مشابهة عديدة. ويمكن أن تتأثر المجوهرات والقطاعات الصناعية الأخرى بالسلب، لكن شريحة مستهلكيها أصغر نسبياً.

الصلب

يواجه صانعو الصلب في روسيا صعوبات في التصدير إلى أوروبا بعد تحاشي المشترين لهم، ويدرس الاتحاد الأوروبي إمكانية حظر منتجات معينة.

على الأرجح ستكون تركيا وبولندا الأكثر تضرراً من اضطرابات التدفقات، في حين يستفيد المنتجون الأوروبيون أمثال "أرسيلور ميتال" (ArcelorMittal) و"تايسن كروب" (Thyssenkrupp) من ارتفاع الأسعار في ظل تضاؤل الإمدادات الروسية، على الرغم من أن هذا يقابله جزئياً زيادة تكاليف الطاقة.

يعتبر قطاع البناء الأكثر تضرراً من ارتفاع الأسعار، مع ذلك قد لا يتأثر المستهلكون بشدة بسبب تشكيل الصلب لنسبة طفيفة من تكلفة صناعة كل شيء، بدءاً من الأجهزة المنزلية وحتى السيارات.

لكن هناك خطر محدق آخر، وهو أنه حتى مع وصول الأسعار إلى مستويات قياسية، قد تضطر بعض المصاهر الأوروبية إلى الإغلاق بسبب نقص المواد الأولية الروسية، وارتفاع تكاليف الطاقة.

معادن أساسية