التعطش للنفط يجبر بايدن على توثيق علاقات أمريكا مع السعودية

جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة
جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كتب: نِك وادهامز، وأنماري هوردين، وماثيو مارتن، وبن بارتنشتاين - بلومبرغ

يُدفع الرئيس جو بايدن على مضض إلى علاقات أوثق مع الملك المنتظَر للمملكة العربية السعودية، إذ أجبره الغزو الروسي لأوكرانيا على إعادة التفكير في نهجه الفاتر وغير الودّي، في ظل نضال الولايات المتحدة للحدّ من أسعار النفط المرتفعة.

لكن المشكلة تكمن في أن ولي العهد محمد بن سلمان ليس مستعداً لمسايرة هذا التوجه الجديد.

في الواقع، جاء الموقف الأمريكي الليّن، كما وصفه عشرات الأشخاص المطلعين على النقاش، بعد شهور من الجهود التي بذلها بعض كبار المسؤولين في الإدارة لإقناع رئيسٍ حذرٍ بأن تجاهل ولي العهد الذي يدير شؤون المملكة يعوق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، لكن الحاجة إلى عزل موسكو أعطت هذه الجهود دفعة جديدة، إذ وصف أحد المسؤولين العدوان الروسي بأنه حدث يغيّر الطريقة التي تنظر بها الولايات المتحدة إلى المملكة العربية السعودية.

يُشار إلى أن المملكة العربية السعودية هي القوة الاقتصادية في الشرق الأوسط، ولسنوات كانت ثقلاً سياسياً في شؤون المنطقة وقوة مهيمنة في "أوبك+"، وهو تحالف قوي بين منظمة الأقطار المصدرة للنفط وروسيا، كما أنها أيضاً من أكبر مشتري الأسلحة الأمريكية.

ما من شك في أن هذا التحول هو في جزء منه اعتراف بأن بايدن حشر نفسه في الزاوية خلال حملته الرئاسية التي وصف فيها المملكة العربية السعودية بأنها "منبوذة"، وهو انعكاس لاشمئزازه من جريمة قتل المُعارِض جمال خاشقجي في 2018 ورغبته في التراجع عن علاقات سلفه الأكثر قرباً، إذ استعان دونالد ترمب بصهره جاريد كوشنر للعمل مباشرة مع الأمير محمد بن سلمان، مع استبعاد دبلوماسيي ترمب الأعلى في كثير من الأحيان.

وفي الواقع، ترسم المحادثات مع أشخاص في الرياض وواشنطن صورة لإدارة تدرك أنه يتعيّن عليها الحفاظ على شراكة عمرها عقود تضمن نفوذاً للولايات المتحدة في أكبر منطقة مصدرة للطاقة في العالم، وتريد أيضاً معاقبة الأمير محمد البالغ من العمر 36 عاماً، على سجلّه في مجال حقوق الإنسان.

المكالمة الهاتفية

قال ثلاثة أشخاص مطلعين إنّ الجانبين كانا يحاولان ترتيب مكالمة بين بايدن وولي العهد للمرة الأولى، لكن التوترات أصبحت حالياً عميقة لدرجة أن الأمر سيستغرق بعض الوقت.

وفي هذا الصدد قالت متحدثة باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض يوم الاثنين إنه من "الخطأ القاطع" القول بأن البيت الأبيض قدّم طلباً رسمياً لإجراء مكالمة مع ولي العهد، ونفت أن يكون السعوديون قد رفضوا التحدث مع الرئيس.

اقرأ أيضاً: بنقديته الوفيرة.. الأمير السعودي يصدّ بايدن ويرسل رسالة

كما أضافت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي إميلي هورن: "تحدّث الرئيس مع الملك سلمان في 9 فبراير. وخلال تلك المكالمة وضعا أجندة ثنائية إيجابية تبدأ من قضايا المناخ، مروراً بالأمن، ووصولاً إلى التعاون في مجال الطاقة. ومنذ تلك المكالمة المهمة انخرطت فرقنا في العمل على كل المستويات، ولم تكن هناك مناقشات حول مكالمات لاحقة على مستوى الرئيس في ضوء هذه المشاركة المنتظمة والمستمرة".

علاوةً على ذلك، قال مسؤول أمريكي طلب عدم نشر اسمه إنّ السعوديين يوافقون على بروتوكول تحدُّث الرئيس مع نظيره الملك. وقال المسؤول أيضاً إنّ بايدن منفتح على المحادثات مع الأمير محمد، مشيراً إلى أنه لو حضر ولي العهد إلى روما في أكتوبر خلال اجتماع مجموعة العشرين لكان بايدن قد التقاه.

تحدٍّ خطير

وضع بايدن نفسه في مواجهة تحدٍّ خطير بعد توليه منصبه في يناير 2021 من خلال الوعد بإعادة توجيه سياسته الخارجية بعيداً عن الشرق الأوسط وجعل حقوق الإنسان أولوية أكبر. وفي ذلك الوقت قالت المتحدثة باسمه إن نظيره هو الملك سلمان، وصاغت هذا التحول على أنه "إعادة معايرة" للعلاقات.

ومع ذلك تعتمد الولايات المتحدة على المملكة العربية السعودية في 7% من وارداتها النفطية، وهو رقم لن يتزحزح كثيراً ما لم تحفز الولايات المتحدة مزيداً من الإنتاج المحلي، وهو أمر سيقاومه التقدميون في حزب بايدن.

كما تُعَدّ المملكة العربية السعودية أيضاً ثقلاً إقليمياً مهماً مقابلاً لإيران، التي يشن وكلاؤها المسلحون هجمات شبه يومية على حلفاء الولايات المتحدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

ضرب الحوثيون اليمنيون المدعومون من إيران ستة مواقع في المملكة مؤخراً، بما في ذلك بعض المواقع التي تديرها شركة النفط العملاقة "أرامكو".

اقرأ أيضاً: مَن سيشتري 1% من "أرامكو" عملاقة النفط السعودي؟

كما لقي جفاء بايدن استقبالاً سيئاً بشكل خاص في ظل سعيه إلى إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 الذي من شأنه أن يمنح إيران مكاسب نفطية غير متوقعة دون معالجة مثل هذه المخاوف الأمنية.

وجهة نظر السعودية

قالت المملكة العربية السعودية في بيان لها يوم الاثنين إنها ترفض تحميلها المسؤولية عن أي نقص نفطي في الأسواق العالمية ما دامت منشآتها للطاقة تواجه هجوماً من الحوثيين المدعومين من إيران، وحثّت المجتمع الدولي على بذل مزيد لتأمين الإمدادات.

أما الآن فيضيف الغزو الروسي لأوكرانيا مزيداً من التعقيد، إذ أسهم في ارتفاع أسعار البنزين، وهو ما تحرص إدارة بايدن على خفضه قبل أن يتوجه الأمريكيون إلى انتخابات التجديد النصفي التي قد تُسلّم زمام السيطرة على الكونغرس إلى الجمهوريين.

اقرأ أيضاً: الأزمة الأوكرانية تبرز مكاسب السعودية في أسواق الطاقة والسياسة العالمية

لكن إعادة بناء العلاقات لن تكون سهلة، إذ يُنظر إلى قرار بايدن بتجاوز الأمير محمد والتعامل مع والده فقط على أنه إهانة شخصية لن تُغفر بين عشية وضحاها.

كما يشعر قادة المملكة بالاستياء من الاهتمام الذي أولته الولايات المتحدة جارتهم الصغيرة قطر، وهم يدركون أن الولايات المتحدة تتواصل فقط عندما تحتاج إلى خدمة.

هذه المرة، تريد المملكة العربية السعودية -إلى جانب إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة- من الولايات المتحدة معالجة المخاوف طويلة المدى بشأن دعم إيران للجماعات المسلحة وتقديم ضمانات أمنية دائمة، قبل أن يحتشدوا وراء جهود بايدن لعزل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويمدّوا يد العون لأسواق الطاقة.

وفي إشارة إلى أن الرسالة بدأت تصل، أدانت الولايات المتحدة الهجمات الأخيرة، وتعهد مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بأن الولايات المتحدة "ستدعم بالكامل شركاءنا في الدفاع عن أراضيهم".

كذلك نقلت الولايات المتحدة عدداً كبيراً من صواريخ باتريوت الاعتراضية المضادة للصواريخ إلى السعودية في الأسابيع الأخيرة، بناءً على طلبات عاجلة وسط توترات في العلاقة، وفقاً لمسؤول مطلع.

وقال أحد المسؤولين الأمريكيين إنهم يُجْرون مناقشات مستمرة بشأن النفط، وتعتقد الإدارة أنهم يتجهون إلى مستوى جيد في ما يتعلق بالتعاون في ضغط الأسعار.

الاتجاه شرقاً

وفي مقابلة حديثة مع مجلة "ذا أتلانتيك"، أجاب ولي العهد عندما سئُل عما إذا كان بايدن يسيء فهمه، قائلاً: "ببساطة، لا يهمني"، مضيفاً أن "الأمر متروك له للتفكير في مصالح أمريكا". وقد أجاب عن فكرة إبعاد السعودية بقوله: "عليهم بها".

فضلاً عن ذلك، يناقش مسؤولو الإدارة ما إذا كانت هذه التصريحات مجرد مواقف أو تحول حقيقي في نظرة المملكة العربية السعودية، التي بنت علاقات أعمق مع روسيا والصين في ظل سعي الولايات المتحدة إلى تحويل التركيز بعيداً عن المنطقة. وحتى مع نمو هذه العلاقات يجادل معظم المسؤولين بأن السعوديين يدركون أن بكين ليست بديلاً عن واشنطن.

ووصف شخص مطلع على موقف الإدارة، طلب عدم نشر اسمه، الأمير محمد بأنه متبرم، وهو توصيف يدل على موقف الولايات المتحدة من حليف رئيسي في وقت أزمة دولية.

كما قال كوري شاك، مدير دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد "أمريكان إنتربرايز": "إنّ الأمور لا تسير على ما يرام، وليس من المرجح أن تسير على ما يرام، ففي السياسة الخارجية الأمريكية ميل قوي لتوقع أن يتخلى كل شخص آخر عما يفعله ويحول انتباهه على الفور لمساعدتنا في معالجة كل ما يقلقنا".

لم تستجِب وزارة الخارجية السعودية ومركز الاتصال الحكومي على الفور لطلبات التعليق على علاقة المملكة بالولايات المتحدة أو احتمال إجراء مكالمة مع بايدن.

الرافضون

قال أشخاص مطلعون على الأمر إنّ أكبر الرافضين لتيسير نهج الولايات المتحدة كانا الرئيس ووزير الخارجية أنتوني بلينكين.

ووفقاً لأشخاص مطلعين، يشعر بايدن بالقلق من ردود الفعل السلبية في واشنطن، بما في ذلك من الديمقراطيين في الكونغرس الذين وصفوه بأنه ليّن للغاية، ومن صحيفة "واشنطن بوست" المؤثرة التي نشرت مقالات خاشقجي.

وفي الواقع، يشعر بلينكين بالقلق من أن الأمير محمد بن سلمان لا يزال يفعل أشياء تستدعي الإدانة، إذ أعدمت المملكة مؤخراً 81 شخصاً، وتزايد عدد الضحايا المدنيين في اليمن مع قصف السعودية للحوثيين منذ أن أطاحوا بالحكومة المعترف بها دولياً في عام 2015.

علاوةً على ذلك، قال المدير التنفيذي لـ"هيومن رايتس ووتش" كينيث روث، في مقابلة عبر الهاتف مع بلينكين، إنّ الدبلوماسي الأمريكي "اعترف بالقيود التي تواجهها الحكومة في ما يتعلق بقيمها ومصالحها الموازية".

من المحتمل أن بايدن ابتعد كثيراً عن السعوديين في وقت مبكر من فترة ولايته، لكن البعض في واشنطن قلق حالياً من أنه قد بالغ في تعويض ذلك من خلال اندفاعه لحشد الشركاء ضد بوتين.

وقال مات داس، كبير مستشاري السياسة الخارجية للسيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز: "من المقبول والجيد القول إننا بحاجة إلى العمل مع جهات فاعلة سيئة ضد جهات فاعلة أسوأ، لكن يجب أن نتذكر أن هذا هو نفس المنطق الذي دفع الولايات المتحدة إلى معاملة فلاديمير بوتين شريكاً في الحرب على الإرهاب".

نفط