بعيداً عن محطات البنزين.. كيف سنتأثر بارتفاع أسعار النفط؟

أسعار النفط تشهد زيادات كبيرة وسط أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا
أسعار النفط تشهد زيادات كبيرة وسط أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كانت أسعار الطاقة تواصل ارتفاعها حتى قبل أن تغزو روسيا جارتها أوكرانيا. أما الآن، فقد أدت الحرب، وما نتج عنها من حظر على واردات النفط الروسية، إلى ارتفاع هائل في أسعار النفط الخام. الأمر الذي أدى، بدوره، إلى ارتفاع أسعار كل شيء من رحلات "أوبر" إلى ألعاب الأطفال.

حالياً، تتجاوز أسعار النفط 110 دولارات للبرميل، وذلك بعدما بلغت 130 دولاراً في وقت سابق من الشهر الجاري، كما تجاوز متوسط سعر الغاز الأمريكي 4 دولارات للغالون، بل ويداني 6 دولارات في كاليفورنيا، الولاية الأكثر غلاءً في أمريكا.

هذا يعني أن تكلفة تدفئة منزلك وملء خزان سيارتك بالوقود ارتفعت أكثر، ولكن حتى بعيداً عن مواطن المعاناة الواضحة تلك، فإنه من المرجح أن يؤدي الارتفاع الحاد في أسعار النفط الخام إلى جعل جوانب أخرى من الحياة اليومية أكثر تكلفة بالنسبة للمستهلكين العاديين.

الطبقة الوسطى في بريطانيا تواجه أسوأ أزمة معيشية منذ عقود

ونظراً لأن النفط يدعم مجالات مهمة من الاقتصاد مثل الشحن وتصنيع البلاستيك، فلا توجد صناعة بمنأى عن ارتفاع الأسعار تقريباً.

يقول الخبراء، إنه من دون أمل يرجى لنهاية الحرب، فضلاً عن عودة الطلب على الوقود إلى الارتفاع بعد الإغلاق، فإن الأسعار ستستمر في الارتفاع على الأرجح.

قال ديف هاردن، مدير شركة "سوميت غلوبال إنفستمنتس" (Summit Global Investments) للاستشارات المالية: "من الواضح أننا سنشهد تلك الارتفاعات في محطات البنزين، ولكن بالنسبة للمستهلكين، فهذا يعني ارتفاع جميع الأسعار دون استثناء".

فيما يلي بعض الطرق التي من المحتمل أن تؤثر بها أسعار النفط المرتفعة على محافظ المستهلكين بخلاف محطات البنزين:

وسائل النقل

حتى إذا لم تكن تمتلك سيارة، فمن المحتمل أن تكون تكلفة رحلاتك اليومية أكبر، فأسعار البنزين المرتفعة تعني أن شركات مشاركة الرحلات سترفع رسومها للحفاظ على الأرباح.

على سبيل المثال، وضعت شركة "أوبر تكنولوجيز" رسوماً إضافية للوقود، في وقت سابق من هذا الشهر، وذلك للمساعدة في تعويض التكاليف المتزايدة التي يتحملها السائقون. وبعد بضعة أيام، حذت شركة "لايفت" (.Lyft Inc) حذو نظيرتها الأمريكية.

أسعار النفط تقفز مع اشتداد الحرب في أوكرانيا وتصاعد التوترات بالشرق الأوسط

قال جو بيري، محلل السوق في شركة "فوركس دوت كوم" للوساطة المالية وتداول النقد الأجنبي: "سيحاول الناس توفير المال بسبب الأسعار المرتفعة التي سيتم تمريرها إليهم، ولكن سيتعين على بعض هذه الشركات مثل "أوبر" و"لايفت" زيادة أسعارها".

يتزامن ذلك مع قضاء المستهلكين مزيداً من الوقت خارج منازلهم -للقاء الأصدقاء في المطاعم، ومشاهدة الحفلات الموسيقية، والذهاب إلى المباريات الرياضية- مع تراجع حالات الإصابة بـ"كوفيد" وانحسار الطقس الشتوي في العديد من المناطق.

متداول مخضرم يتوقع أن يدفع شح الإمداد النفط إلى 150 دولاراً

وقال بيري، إن الكثيرين سيختارون ارتياد وسائل نقل منخفضة التكلفة مثل النقل العام، لكن حتى الحافلات والقطارات قد لا تكون بمنأى عن زيادة الأسعار، خاصة وأن العديد من هذه المركبات تعمل بوقود الديزل.

وتابع محلل السوق لدى شركة "فوركس دوت كوم": "أعتقد أن أسعار تذاكر الحافلات والقطارات ستشهد ارتفاعاً خاصة مع عودة الناس إلى العمل، فهم لن يرغبوا في دفع تلك الأموال الإضافية لملء خزانات سياراتهم بالوقود".

النفط الروسي يجد طريقه إلى الأسواق العالمية لتهدئة مخاوف الإمدادات

خلال الأسبوع الأول من شهر مارس، ارتفعت معدلات الركاب اليومية في مترو أنفاق مدينة نيويورك بنسبة 3%، بينما سجلت أنظمة النقل في واشنطن وسان فرانسيسكو زيادات بلغت 4% و7% على التوالي.

المواد الغذائية

تتلقى أسعار المواد الغذائية ضربات على العديد من الأصعدة، وكانت عوامل مثل نقص العمالة والارتباكات التي شهدتها سلسلة التوريد قد أدت بالفعل إلى ارتفاع تكاليف الغذاء قبل الحرب، بحيث اقترب أحد مؤشرات الأمم المتحدة من أعلى مستوياته على الإطلاق في عام 2011.

ومن ثمّ، ارتفع متوسط الأسعار بنحو 28% في عام 2021، وهو أكبر ارتفاع تشهده أسعار المواد الغذائية منذ أكثر من عقد كامل.

أكثر من 80% من المصانع البريطانية تخطط لزيادة الأسعار

في الوقت الحالي، أدت الاضطرابات الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا إلى تفاقم الأمور، حيث يمثّل البَلدان أكثر من عُشر إجمالي السلع الغذائية المتداولة على مستوى العالم، كما أن روسيا تُعدّ أيضاً مورداً رئيسياً للأسمدة.

وفي فبراير، ارتفعت أسعار الغذاء العالمية إلى مستوى قياسي بزيادة تجاوزت 50% منذ منتصف عام 2020.

بالإضافة إلى ذلك، تعني أسعار النفط المرتفعة أن المزارعين سيتحملون أعباءً ماديةً إضافيةً لتشغيل المعدات الزراعية وشحن المواد الغذائية إلى جميع أنحاء العالم، حيث وصلت أسعار الديزل إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.

قال روب هاورث، كبير مديري إستراتيجيات الاستثمار في "يو إس بانكورب ويلث مانجمنت" (U.S. Bank Wealth Management): "ينطوي الحصول على أي شيء على استهلاك الطاقة. حتى بالنسبة لمحلات البقالة، هناك رسوم توصيل وعليك دفع ثمنها".

في بعض الأحيان ستمتص الشركات تكاليف المدخلات المرتفعة عندما يتلقى النظام المالي صدمة ما، لأن رفع الأسعار يمكن أن يسبب ضرراً حينئذ أكبر من المنفعة المرجوة، على حد قوله.

ولكن مع ارتفاع الأسعار لفترات مطولة، قد لا يكون لديهم خيار سوى تمرير تلك الزيادات إلى العملاء.

التسوق عبر الإنترنت

قد تضطر الآن إلى التفكير مرتين قبل شراء الأغراض عبر الإنترنت لتحسين حالتك المزاجية بعد يوم عمل طويل.

إذا كانت الشركات تدفع أكثر مقابل المدخلات اللازمة لتصنيع منتجاتها، فمن الممكن أن ترفع أسعار سلعها استجابة لزيادة تكلفة تلك المدخلات. بالإضافة إلى ذلك، فإنه من المرجح أن تزداد تكاليف شحن السلع التي سيتم تسليمها إلى باب منزلك أيضاً.

قالت ميندي يو، مديرة الاستثمار في شركة "بيترمنت" (Betterment) للاستشارات المالية: "تدفع الشركات ثمن مدخلات التصنيع، ثم بعد إنتاج السلعة، كيف تُنقل في النهاية إلى المستهلكين؟ يجري ذلك من خلال تحصيل تكاليف وقود الشحن أو تكاليف عملية الشحن برمتها. هذه هي المجالات التي ستشهد تمرير الشركات إجمالي زيادة مدخلاتها إلى المستهلكين".

في فبراير، ارتفعت أسعار السلع المبيعة عبر الإنترنت في الولايات المتحدة إلى مستوى قياسي جديد بنسبة 3.6% مقارنة بالعام السابق، وفقاً لبيانات شركة البرمجيات "أدوبي" (.Adobe Inc).

وتُعدّ تلك الزيادة الشهرية الحادية والعشرون على التوالي، وتتبع قفزة قياسية في أسعار السلع ذاتها في نوفمبر الماضي.

وقالت كريستين بنز، مديرة قطاع التمويل الشخصي في شركة "مورنينغ ستار" للخدمات المالية وأبحاث التمويل: "التوقيت مؤسف لأن زيادات الأسعار تأتي علاوة على معدلات التضخم المرتفعة إلى حد ما بالفعل، ما يجعل الأمر أشبه بضربة مزدوجة".

بالإضافة إلى تكاليف الشحن، يمكن أن تؤدي الأسعار المرتفعة للبلاستيك -المصنوع جزئياً من النفط الخام- إلى إنتاج سلع استهلاكية باهظة الثمن.

على سبيل المثال، حقق أحد المكونات الرئيسية يعرف باسم "الراتنج" (مادة صمغية) زيادة بنسبة 28% تقريباً في السنة المنتهية في 31 يناير. وتدخل هذه البتروكيماويات في تصنيع سلع مثل الألعاب، ومقابض ماكينات الحلاقة، وأكياس البقالة، وغالونات الحليب، وغيرها.

قد تدفع الأسعار المرتفعة لهذا المكون الحاسم الشركات إلى رفع أسعار منتجاتها. قالت شركة "كلوركس" (.Clorox Co)، الشهر الماضي، إن ارتفاع أسعار السلع يشكل غالبية ضغوط التضخم التي تواجهها، وأن الراتنجات تمثل المكون الأكبر في هذا الصدد.

الإجازات

مع انخفاض حالات الإصابة بـ"كوفيد" وارتفاع معدلات التطعيم، يتوق الأمريكيون إلى القيام بالرحلات التي كانوا يؤجلونها أثناء الوباء، لكن أسعار تذاكر الطيران المرتفعة قد تشكل إضافة غير مرحّب بها.

وفقاً لشركة استشارات الطيران "سيريوم" (Cirium)، كانت طاقة خطوط الطيران العالمية في نهاية عام 2021 أقل منها في 2019 بنسبة 31%، لكنها من المتوقع أن ترتفع بنسبة 47% في عام 2022 لتلبية الطلب المرتفع.

حتى مع السعة المضافة، كان من المتوقع أن ترتفع أسعار تذاكر الطيران بسبب نقص العمالة وجهود صناعة الطيران للحد من انبعاثات الكربون.

ومن ثم، ستؤدي أسعار الوقود المرتفعة إلى جعل الأمر أسوأ بالنسبة إلى المصطافين المسافرين جواً، وكذلك أولئك المسافرين على متن الرحلات البحرية والقطارات.

بحسب بيانات "بلومبرغ إنتليجنس"، يشكل وقود الطائرات ما بين 20% إلى 25% من نفقات التشغيل السنوية لشركات الطيران.

محللان لـ"الشرق": التضخم في السعودية مرشح للارتفاع بفعل أوكرانيا ورمضان

قالت نيلا ريتشاردسون، كبيرة الاقتصاديين في شركة " أوتوماتيك داتا بروسيسنغ" (ADP): "إن شركات الطيران تُعتبر مستهلكاً ضخماً للنفط". لكن الزيادات في الأسعار بالنسبة للعملاء "ستعتمد على كيفية قدرة الشركات على التحوط من هذه المخاطر ومدة استمرار ارتفاع أسعار النفط".

وفقاً لمحرك بحث السفر "هوبر" (Hopper Inc)، يبلغ متوسط تكلفة الرحلات الداخلية في الولايات المتحدة حالياً 300 دولار ذهاباً وإياباً، بزيادة 36% عن بداية عام 2022، وبمعدلات تتماشى مع مستويات ما قبل الجائحة.

بالنسبة للمستهلكين الذين يواجهون بالفعل ارتفاع الأسعار في معظم مناحي حياتهم، فإن ذلك يجعل من الصعب عليهم تحمل تكاليف الإجازات التي طال انتظارها.

قال راندي فريدريك، نائب مدير التداول والمشتقات المالية في "تشارلز شواب" (Charles Schwab) للخدمات المالية، إنه من المحتمل أن يتجنب المستهلكون الرحلات تماماً لتوفير المال.

وتابع فريدريك: "إذا كنت تعيش وفقاً لميزانية محدودة إلى حد ما، فسيبدأ ارتفاع الأسعار في التهام مخصصات إنفاقك وتقليل الإنفاق الاختياري".

الإسكان

يؤدي الارتفاع الشديد في أسعار الوقود إلى زيادة تكلفة تدفئة منازل الأشخاص العاديين، مع تضاعف فواتير الكهرباء للأسر الأمريكية.

في مدينة نيويورك، بلغ متوسط فاتورة الكهرباء الصادرة عن شركة "كونسوليديتد إديسون" (Consolidated Edison)، في يناير، 124 دولاراً لأولئك الذين يستخدمون 300 كيلوواط/ساعة، بزيادة قدرها 23% عن العام السابق.

ولكن حتى إلى جانب تكاليف التدفئة الفردية، فإن الزيادة في أسعار النفط قد تؤثر على سوق الإسكان الذي تواصل أسعاره الارتفاع دون هوادة في الولايات المتحدة.

مواد البناء تقود أسعار العقارات في مصر للارتفاع 10% في 2022

في العام الماضي، زادت قيمة المنزل النموذجي بنسبة 19% تقريباً بفضل ارتفاع الطلب ونقص المعروض.

أيضاً، أصبح بناء منازل جديدة أكثر تكلفة بسبب ارتفاع تكاليف العمالة وأسعار المواد الخام مثل الخشب. ومن المرجح أن تؤدي تكاليف الشحن المتزايدة إلى تفاقم المشكلة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المعدات المستخدمة لبناء منازل جديدة تتطلب إمدادها بالكهرباء، وعندما يكلف ذلك أكثر، يمكن للشركات أن تتقاضى أموالاً أكثر مقابل أعمال البناء.

إيلي فريدريك، البالغ من العمر 28 عاماً، والمقيم في ويلمنغتون بولاية نورث كارولينا، يمتهن تقليب المنازل (شراء المنازل بسعر منخفض وترميمها ثم بيعها بسعر أعلى)، وهو يفكر بالفعل في كيفية تأثير أسعار الطاقة المرتفعة على معيشته.

قال إيلي: "أشعر بالقلق مع ارتفاع تكلفة العمل مع المقاولين لأنهم سيدفعون المزيد مقابل البنزين للانتقال إلى مواقع العقارات. الأمر الي سيؤثر على كل من يضطر إلى مغادرة منزله للقدوم إلى العمل. قبل الأشهر الستة الماضية، لم أكن حتى أنظر إلى سعر البنزين، لكنني الآن أفكر بطريقة مختلفة".