بطء البنك المركزي وإمكانية توقع سياسته لهما ثمن

حيوان السلوث (Sloth) رمز الكسل
حيوان السلوث (Sloth) رمز الكسل المصدر: غيتي إيمجز
Richard Cookson
Richard Cookson

Richard Cookson was head of research and fund manager at Rubicon Fund Management. He was previously chief investment officer at Citi Private Bank and head of asset-allocation research at HSBC.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

هناك العديد من ردود الأفعال الممكنة والمعقولة على خطوة البنك الاحتياطي الفيدرالي المتأخرة برفع سعر الفائدة المستهدف بواقع ربع نقطة مئوية في الأسبوع الماضي.

سيتعذر عليَّ أن أشبه رئيس الاحتياطي الفيدرالي الحالي جيروم باول برئيسه الأسبق بول فولكر مثلما فعل بعضهم.

ربما تتذكرون أنَّ فولكر كان رئيس الاحتياطي الفيدرالي الذي أجرى سلسلة من زيادة أسعار الفائدة بشكل حاد، واضعاً حداً لارتفاع الضغوط التضخمية بعد أكثر من عقد من الرضوخ لها، برغم أنَّ ذلك كلّف الاقتصاد فترتين من الركود العميق في أوائل ثمانينيات القرن الماضي.

ربما تكون المقارنة أفضل مع آرثر بيرنز. فقد أشرف الاحتياطي الفيدرالي تحت رئاسته على معدل سنوي للتضخم بلغ 6.5%. غير أنَّ ذلك قد يكون حكماً قاسياً على بيرنز. فعلى الأقل؛ استطاع الاحتياطي الفيدرالي تحت إدارته أن يفعل شيئاً، مع وصول سعر الفائدة المستهدف على الأرصدة لدى البنوك الفيدرالية إلى 13% في عام 1974.

كانت المشكلة في عهد بيرنز أنَّ أسعار الفائدة انخفضت بالسرعة نفسها التي ارتفعت بها. أما في وضعنا الراهن؛ فلم ينجح الاحتياطي الفيدرالي حتى في إنجاز الجزء الأول. في الحقيقة، ربما نتسامح معك إذا اعتقدت أنَّ الاحتياطي الفيدرالي حالياً يسعى بكل ما لديه لرفع معدل التضخم، الذي وصل الآن إلى 8%، وهو يظهر عكس ذلك.

اقرأ أيضاً: ليس من مهام الاحتياطي الفيدرالي وقف التضخم الناتج عن أزمة العرض

عندما يتعلق الأمر بزيادة أسعار الفائدة، فإنَّ التدرج إلى أقصى درجة والتلميح لذلك بكثافة؛ هما الطابعان الرئيسيان السائدان في عمل البنك المركزي.

كانت آخر مرة رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية في مايو 2000. بعد ذلك لم يرفع الفائدة إلا بمقدار ربع نقطة مئوية بطريقة متوقَّعة بقدر الإمكان.

في عام 1979، رفع الاحتياطي الفيدرالي في عهد فولكر أسعار الفائدة بمقدار 2.5 نقطة مئوية مرة واحدة. وهذه النسبة تعادل الحركة الكاملة لأسعار الفائدة على أرصدة الاحتياطي منذ عام 2008 حتى الآن.

بنوك غير جادة

إنَّ إمكانية توقُّع الحركة مع البطء الشديد في تنفيذها لهما تكلفة؛ فلم يكن مصادفة أن وقعت الأزمة المالية العالمية بعد زيادة أسعار الفائدة بطريقة أوتوماتيكية خلال الفترة بين منتصف 2004 ومنتصف 2006. في ذلك الوقت، ظهرت الضغوط التضخمية بصورة أساسية في أسعار الأصول؛ والآن انعكست هذه الضغوط في كل من أسعار الأصول وأسعار المستهلكين.

سيحافظ هذا الحذر الذي يبلغ حده الأقصى على انتعاش أسواق المال مؤقتاً، غير أنَّه لن يسهم على الإطلاق في ترويض التضخم في أسعار المستهلكين.

لو أنَّ البنوك المركزية جادة في مواجهة التضخم، لرفعت أسعار الفائدة بنسب أعلى كثيراً من النسب الحالية وفي وقت مبكر جداً عن وقتنا الراهن.

إنَّ نسبة زيادة أسعار الفائدة التي نحتاجها تعتمد على مستوى سعر الفائدة الأساسي الذي نعتقد أنَّه حيادي- أي سعر الفائدة الذي لا يتسبّب في زيادة سرعة النشاط الاقتصادي ولا إبطاء حركته. والمشكلة أنَّ أحداً لا يعرف ما هو هذا السعر الحيادي؛ إذ إنَّه نظري تماماً. غير أنني، في ضوء مستوى التضخم الذي يدور حول 8%، أستطيع أن أقول إنَّ سعر الفائدة الحيادي ليس هو 0.5% المطبّق حالياً، ولا 2.8% الذي يتوقَّع بنك الاحتياطي الفيدرالي أن ينتهي إليه في غضون سنتين.

النتيجة الإيجابية التي تسر الحكومات أنَّ هذه الطفرة "غير المتوقَّعة" في معدل التضخم تخفف عنها أعباء الديون. ففي الربع الثاني من عام 2020؛ بلغت ديون الولايات المتحدة 136% من الناتج المحلي الإجمالي، وبحلول الربع الأخير من العام الماضي، انخفضت هذه النسبة إلى نحو 123%، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى نمو قوي في إجمالي الناتج المحلي الاسمي وانخفاض شديد في أسعار الفائدة. ستنخفض هذه النسبة مرة أخرى بسبب أنَّ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي سيظل مرتفعاً، وسينخفض عجز الموازنة بشدة، كما أنَّ تدني أسعار الفائدة بشكل كبير لا يعكس مخاطر التضخم بأي حال من الأحوال.

تنخفض أعباء الديون إذا كان سعر الفائدة على ديون الحكومة أقل كثيراً من معدل نمو الناتج المحلي الاسمي، حتى إذا سجلت الحكومة ما يسمى بالعجز الأولي (أي زيادة في إنفاقها عن إجمالي الضرائب التي تحصلها، مع استبعاد تكاليف فوائد الديون).

يشكك الاقتصاديون منذ زمن بعيد في مدى استفادة الحكومات من حدوث طفرة في معدل التضخم بأي صورة إلا على المدى القصير، إذ إنَّ الأسواق سترفع أسعار الفائدة على ديونها طويلة الأجل التي ستضطر الحكومات إلى سدادها. غير أنَّ عوائد السندات برغم ارتفاعها قليلاً مازالت قاصرة بدرجة كبيرة عن تعويض المستثمرين عن خسائر فترة طويلة من ارتفاع التضخم. فالعوائد الحقيقية -التي تحتسب بعد استبعاد أثر التضخم- على جميع السندات التي تصدرها حكومة الولايات المتحدة من جميع الآجال هي عوائد سلبية.

إنَّني أشك في أنَّ سبب استمرار عوائد السندات منخفضة يعود جزئياً إلى أنَّ البنوك المركزية تمتلك قدراً كبيراً من السندات في جميع الأسواق المتقدمة. فالاحتياطي الفيدرالي وحده يمتلك نحو 30% من إجمالي سندات الخزانة الأمريكية. وكذلك تشتري البنوك كمية كبيرة من هذه السندات.

أدت التغييرات الرقابية التي أعقبت الأزمة المالية إلى أن أصبح كل الاقتراض المصرفي الآن مضموناً، مع تركّز هذه الضمانات في أوراق الديون الحكومية. ونتيجة ذلك؛ أصبحت البنوك مضطرة إلى شراء ديون الحكومة مما يساعد في جعل مستوى العائد في مصلحة الحكومات.

سياسة شديدة التقشف

مهما يقول بعضهم، مازالت الأسواق إجمالاً تعتقد ببساطة أنَّ موجة صعود التضخم مؤقتة. وسبب ذلك هو أنَّها تتوقَّع تباطؤاً حاداً في نمو الاقتصاد يدفع معدلات التضخم نحو الهبوط. وهذا هو سبب توقُّع الأسواق أن يبلغ سعر الفائدة على الأرصدة لدى البنوك الفيدرالية ذروته عند مستوى منخفض عما يتوقَّع بنك الاحتياطي الفيدرالي. تكمن المشكلة في أنَّ الأسواق ترجع ذلك إلى أسباب خاطئة. فمشكلة الولايات المتحدة ليست في أنَّ الاحتياطي الفيدرالي يطبّق سياسة نقدية مفرطة في تقشفها؛ وإنما في كونه يطبق سياسة تقشفية أضعف مما ينبغي. إنَّ أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة هي التي يرجح أن تضعف مستوى الاستهلاك، وتتسبب في ركود الاقتصاد.

إذا استطاعت الحكومات أن تخفض أعباء الديون عن كاهلها بسبب زيادة التضخم، وتواطأت البنوك المركزية -في أقل تقدير- للسماح باستمرار معدل التضخم مرتفعاً، فنتيجة ذلك أنَّك لن ترغب في أن تصبح دائناً– سواء لحكومة الولايات المتحدة أو لأي جهة أخرى تقترض، ويتم تسعير ديونها بعائد مخاطرة فوق التزامات الديون الأمريكية.

إنَّني أتبنى موقفاً سلبياً صارماً من أداء أوراق الدخل الثابت في الولايات المتحدة وفي معظم بقية العالم المتقدّم. مع اضطرار البنوك المركزية إلى الانسحاب من الأسواق -وإن كان على غير إرادتها- فمن المرجح أن ترتفع عوائد السندات، وخاصة طويلة الأجل، ارتفاعاً كبيراً.

الأمريكيتان - عائدات السندات الحكومية 10 سنوات