رحيل والد الأوليغارشية الروسية لن يكون الأخير

أناتولي تشوبايس
أناتولي تشوبايس المصدر: بلومبرغ
Clara Ferreira Marques
Clara Ferreira Marques

Columnist for Bloomberg Opinion in Hong Kong. Commodities, ESG, Russia & more. Via Singapore, Mumbai, London, Milan, Moscow, Paris, Cape Town, Lisbon.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يُوصف الانشقاق الذي يتجاهله الكرملين بالفعل بأنَّه مسألة شخصية؛ لكنَّ الحقيقة هي أنَّه مع غرق موسكو في حرب أوكرانية أكثر تكلفة بكثير مما كان متوقَّعاً؛ فإنَّ الرحيل المفاجئ لشخصية مهمة في سنوات ما بعد الاتحاد السوفيتي - الرجل الذي ساعد في دفع فلاديمير بوتين إلى السلطة من خلال إعطائه وظيفته الأولى في الكرملين - سيكون مؤلماً.

في الواقع، يُثير اسم أناتولي تشوبايس ذكريات الفوضى والأمل في ذلك العقد الأول من حياة ما بعد الشيوعية؛ فقد كان خبيراً اقتصادياً، ومصلحاً للسوق، ورائداً أحمر الشعر في عهد بوريس يلتسين الذي أطلق آلاف مبيعات الأصول. وبسرعة فائقة، فكك تشوبايس نظاماً اقتصادياً متهالكاً، إذ حوّل من خلال هذه العملية حفنة من الرجال إلى مليارديرات. وكثيراً ما كان يُلام بل يُستهدف حتى على التوزيع غير المتكافئ للثروة الذي نتج عن ذلك؛ إلا أنَّه وصف اختياره في ذلك الوقت بأنَّه "بين شيوعية العصابات أو رأسمالية العصابات".

لم يعد متنفذو روسيا الأثرياء مهمين في عهد بوتين

طابور خامس

الآن، ترك تشوبايس وراءه روسيا المعزولة بشكل متزايد، متجهاً نحو تركيا على ما يبدو، في رحيل يوصف بأنَّه أعلى مستوى منذ بدء غزو بوتين المشؤوم لأوكرانيا قبل شهر. لكن لا مجال للمشككين؛ حيث تحدّث بوتين في تصعيد للهجته التهديدية عن تطهير البلاد، وحذّر من "طابور خامس" من "الخونة الوطنيين".

عند تقييم ما تعنيه هذه المغادرة اللافتة للنظر لنظام تحت الضغط، من المهم التفكير فيما لا تعنيه أيضاً.

في الواقع؛ فإنَّ تشوبايس ليس من الأوليغارشية، لذا فإنَّ هذا الخروج ليس علامة على تمرد بين المليارديرات - الذين لم يعودوا على أي حال يدعمون النظام السياسي كما فعلوا في عهد يلتسين. كما لم يعد في الدائرة المقربة من بوتين، والتي تتكوّن بشكل متزايد من شخصيات من الأجهزة الأمنية، أو أولئك الذين يرتبطون بالنظام من خلال إيجارات المحروقات. وكان آخر منصب شغله تشوبايس هو دور مبعوث المناخ لـِ بوتين - الرئيس الذي بالكاد يهتم بميزانية الكربون العالمية.

(الأوليغارشية هي مجموعة صغيرة من الأشخاص الذين يسيطرون على بلد أو منظمة أو مؤسسة، ويتّسمون بالثراء الفاحش وقدر كبير من التأثير السياسي).

يُشار إلى أنَّ انشقاقه هو الأعلى مستوى حتى الآن، ولكن يمكن القول، إنَّه الأكثر توقُّعاً من بين الانشقاقات رفيعة المستوى، كما قال لي بن نوبل، الذي يبحث في السياسة المحلية الروسية في يونيفرسيتي كوليدج لندن.

طائرات المليارديرات الروس ويخوتهم ما زالت تجوب العالم

مضطر إلى الانحياز

مع ذلك؛ فقد كان أيضاً واحداً من عدة رجال في النظام ممن تمكّنوا لسنوات من الوجود خارجه، فيما يصفه نوبل بأنَّه فضاء محدود، حتى عندما كانت روسيا بوتين مظلمة؛ وهو الآن مضطر إلى الانحياز.

الأهم من ذلك أنَّ تشوبايس ليس وحده؛ فقد أفادت "بلومبرغ نيوز" يوم الأربعاء أنَّ محافظة البنك المركزي المرموقة، إلفيرا نابيولينا، سعت إلى الاستقالة بعد الغزو، لكن أُعيد تعيينها الأسبوع الماضي لفترة جديدة، وتُرِكت لتدير تداعيات الحرب التي جعلت روسيا معزولة اقتصادياً، ومحت كل ما حقّقته في عملها لسنوات. كما أبدى آخرون في النخبة الاقتصادية - إن لم يكن النخبة السياسية - استياءهم.

بالطبع، أولئك الموجودون في أبعد مدار حول الكرملين يتحدّثون أو يغادرون أولاً. كما أنَّ خسارة تشوبايس هي أقل من زملائه في الإدارة الليبرالية في سانت بطرسبرغ مثل أليكسي كودرين، وزير المالية السابق ورئيس غرفة المراجعة الروسية حالياً، أو هيرمان غريف، الذي يقود أكبر بنك في البلاد "سبيربنك" (Sberbank). حيث ستكون تعليقاتهم وأفعالهم جديرة بالمراقبة.

لكن لا ينبغي لأي من هذا أن ينتقص من أهمية خروج تشوبايس. إذ لا تدعو الشخصيات البارزة من خارج الكرملين الآن إلى السلام فقط، كما فعل الملياردير أوليغ ديريباسكا، إلا أنَّهم يغادرون أيضاً لإبراز موقفهم بالرغم من كل التكاليف التي ينطوي عليها الموضوع. إنَّها نقطة لا عودة فيها. وفي بيئة يتوهم فيها القليلون أنَّ العملية في أوكرانيا هي النجاح السريع الذي كان من المفترض أن تُحققه؛ فإنَّ كل رحيل يجعل الآخرين أكثر جرأة.