هل يوقف الأرز أزمة الغذاء العالمية؟

الأرز يعد المحصول الوحيد الذي لم يشهد ارتفاعاً عقب الحرب الأوكرانية
الأرز يعد المحصول الوحيد الذي لم يشهد ارتفاعاً عقب الحرب الأوكرانية المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تتكوّن الأزمات بمرور السنوات، لكنَّنا نجد عادة أنَّ حدثاً بارزاً يمثل نقطة الاشتعال عندما تبدأ حالة الذعر. لقد انهار بنك "ليمان براذرز" (Lehman Brothers) أثناء الأزمة المالية العالمية. وكانت أزمة الغذاء في عامي 2007-2008 هي الدافع وراء فرض فيتنام الحظر على تصدير الأرز. وأصيب المستوردون حينها بالذعر، وتضاعفت أسعار الأرز في غضون أيام، مما أدى إلى أعمال شغب بسبب الغذاء من داكار إلى بنغلاديش.

يواجه العالم حالياً منعطفاً حرجاً في أسعار المواد الغذائية، فقد تسبّب الغزو الروسي لأوكرانيا في انهيار أحد أهم سلال الخبز في العالم، مما دفع أسعار القمح إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. كما ارتفعت أسعار الزيوت النباتية والذرة بشكل كبير. أما الدول المستوردة للغذاء؛ فقد أصابها القلق لأسباب مفهومة. ولحسن الحظ؛ هناك ما يكفي من الأرز هذه المرة للحفاظ على انخفاض الأسعار.

يعد الأرز محصولاً مهماً، لأنَّه يشكل النظام الغذائي الأساسي لنصف سكان العالم، بما في ذلك حوالي مليار شخص يعانون من سوء التغذية من الذين يعيشون في آسيا وغرب إفريقيا. ولم تتعلق أسوأ أعمال الشغب بسبب أزمة الغذاء خلال أزمة 2007 - 2008 بسعر الخبز، ولكن بتكلفة وعاء من الأرز. أما في الوقت الحالي؛ فالأرز هو كل ما يحول بيننا وبين أزمة الغذاء التي تعد في مرحلة متقدمة.

اقرأ أيضاً: البنك الدولي: ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة يغذّي الاضطرابات بالشرق الأوسط وأفريقيا

لا يمكن للعالم أن يتجنّب نوبة ضخمة من تضخم أسعار الغذاء، والتي ستكون مؤلمة للغاية للدول المستوردة للغذاء مثل مصر وتركيا وإندونيسيا. ستزداد معدلات الجوع، حتى أنَّ البلدان المتقدمة ستشهد ارتفاعات حادة في أسعار المنتجات في المتاجر الكبرى. ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة؛ فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بالفعل إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق. كما استقر مؤشر منظمة الأغذية والزراعة للغذاء عند مستوى أقل من أعلى مستوى له على الإطلاق في عام 1974، حتى بعد تعديل القيمة الحقيقة، وفقاً لمعدل التضخم الحالي.

وارتفعت أسعار القمح في أوروبا العام الماضي بنسبة 65% تقريباً بالقيمة الدولارية، بينما قفزت أسعار الذرة 38% تقريباً. كما ارتفعت أسعار زيت النخيل بنحو 55% تقريباً. وفي المقابل، انخفضت الأسعار القياسية للأرز بنسبة 20% تقريباً خلال الفترة ذاتها.

اقرأ أيضاً: تعثر الإمدادات بسبب الحرب الأوكرانية يثير ذعر الحكومات بشأن الأمن الغذائي

تسبّب الاستنفاد المطرد لمخزون الأرز في وضع العالم في مكانة غير مستقرة منذ أكثر من عشر سنوات. وكان العالم يستهلك المزيد من إنتاج الأرز خلال عامي 2000-2001، حتى مع سوء الأحوال الجوية التي أضرت بالمحاصيل الزراعية. وانخفضت المخزونات من المحاصيل بحلول الفترة بين 2006-2007 لتصل إلى أدنى مستوى لها منذ 20 عاماً.

كانت المسألة تتعلق بتوقيت ارتفاع الأسعار. وأصبح العالم في مكان أفضل اليوم، وذلك لأنَّ الحكومات الآسيوية تعلمت الدرس من ارتفاع الأسعار في السابق، ولأنَّها أمضت نحو خمسة عشر عاماً في دعم زراعة الأرز محلياً. ومنذ عام 2007؛ فاق الإنتاج العالمي الطلب بشكل سنوي، مما أدى إلى زيادة هائلة في مخزونات الحبوب في العالم. وسترتفع مخزونات الأرز العالمية في موسم المحاصيل 2021-2022 إلى مستوى قياسي لتصل إلى 190.5 مليون طن متري، بزيادة بأكثر من 150% من 75.4 مليون طن قبل الأزمة السابقة مباشرة، وفقاً لوزارة الزراعة الأمريكية.

اقرأ أيضاً: أسعار الغذاء تصعد عالمياً نحو أعلى مستوياتها تاريخياً

يعد الأرز واحداً من السلع التي يتم تداولها بشكل ضعيف، لذا تتأثر الأسعار في حال حدوث تغييرات صغيرة في الصادرات والواردات. وفي حين سجل إنتاج الأرز العالمي في موسم المحاصيل الماضي 509.6 مليون طن؛ بلغ إجمالي التجارة العالمية 9.9% فقط من إجمالي تلك الكمية، أي حوالي 50.6 مليون طن. وفي المقابل، تم بيع أكثر من 25% من إجمالي إنتاج القمح العالمي خلال العام الماضي.

عندما فرضت فيتنام، وهي ثاني أكبر دولة مُصدرة للأرز في العالم، حظراً على تصدير الأرز في عام 2008، سرعان ما تبعتها دول أخرى مثل الهند والصين وكمبوديا، مما أدى إلى إغلاق السوق بالكامل بشكل فعال. وتبع ذلك حالة من الذعر، إذ اشترت الفلبين كمية من الأرز تعادل ما تستورده عادة في سنة كاملة خلال أربعة أشهر فقط.

اقرأ أيضاً: ارتفاع أسعار الأسمدة يهدد بزيادة تكلفة الغذاء عالمياً

كما قفزت واردات السعودية من الأرز بنسبة 90%، فقد عززت المملكة احتياطياتها. وكانت النتيجة هي أكبر زيادة دراماتيكية في الأسعار تشهدها سوق الأرز على الإطلاق، فقد ارتفعت الأسعار إلى حوالي 1100 دولار للطن من حوالي 480 دولاراً في ثمانية أسابيع فقط.

يتم بيع الأرز حالياً مقابل 405 دولارات للطن، مقارنة بـ 410 دولارات قبل الغزو الروسي لأوكرانيا قبل شهر تقريباً. لذا يجب أن تظل أسعار الأرز دون تغيير إذا أراد العالم أن يتجنّب حالة طوارئ غذائية كاملة.

يجب أن تساعد المخزونات العالمية الوفيرة من الحبوب في الحفاظ على الأسعار، لكن ما يزال بإمكان ثلاثة عوامل رفع الأسعار. العامل الأول خارج عن سيطرة أي شخص وهو سوء الأحوال الجوية، ولا سيما الرياح الموسمية الآسيوية. وفي الوقت الحالي، تشير التوقُّعات الأولية إلى أنَّ موسم الأمطار لعام 2022 في الهند قد يكون طبيعياً.

اقرأ أيضاً: تونس: مخزون الحبوب يكفي حتى يونيو ولن نواجه نقصاً بسبب أزمة أوكرانيا

يمكن لواضعي السياسات تشكيل العاملين الآخرين، لأنَّه أمر ضروري للغاية. فهم بحاجة إلى دعم المزارعين الآسيويين لمواجهة الارتفاع القياسي في أسعار الأسمدة والوقود. وهذا يعني تقديم الإعانات، التي يمكن للمصارف الإنمائية المتعددة الأطراف أن تساعد فيها. والأهم من ذلك؛ هو أنَّ واضعي السياسات بحاجة إلى إبقاء السوق مفتوحة. فإذا قام مصدرو الأرز، وخاصة في الهند وفيتنام، بتقييد صادرات الأرز هذا العام؛ فقد يؤدي ذلك إلى إثارة حالة من الذعر. ويجب على نيودلهي وهانوي تفادي الانسياق وراء هذا القرار، فهناك الكثير من الأمور على المحك.