تزويد أوكرانيا بخدمات "ستارلينك" للإنترنت يسلط الضوء على سباق الفضاء الجديد

خلال إطلاق صاروخ تابع لشركة "سبيس إكس" يحمل 49 قمراً من أقمار "ستارلينك" الصناعية، من مركز كينيدي للفضاء في كيب كانافيرال، فلوريدا، يوم 2 فبراير
خلال إطلاق صاروخ تابع لشركة "سبيس إكس" يحمل 49 قمراً من أقمار "ستارلينك" الصناعية، من مركز كينيدي للفضاء في كيب كانافيرال، فلوريدا، يوم 2 فبراير المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في الوقت الذي تقدم فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها المساعدات إلى أوكرانيا، تحصل حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي على الدعم من جهات أخرى، مثل: إيلون ماسك. بعد فترة وجيزة من بدء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحرب، طلبت أوكرانيا الدعم علناً، فقامت شركة "سبيس إكس" (SpaceX) المملوكة لماسك، بتزويدها بخدمة أقمار "ستارلينك" (Starlink) الصناعية لإنترنت النطاق العريض. وقد بدأت الشركة بالفعل، شحن أطباق إضافية إلى أوكرانيا، حيث تزداد قيمة تلك الأطباق، لا سيما في ظل استهداف الجيش الروسي البنية التحتية الأوكرانية.

اقرأ أيضاً: ماسك يستجيب لنداء حكومة أوكرانيا ويُفعِّل أقمار "ستارلينك"

غرد ميخايلو فيدوروف، وزير التحول الرقمي الأوكراني، في 9 مارس قائلاً: "استلمت الشحنة الثانية من محطات (ستارلينك)!". وأضاف: "إيلون ماسك، يحافظ على كلمته!".

الأطباق التي قدمها ماسك لأوكرانيا، وقبلها لمملكة تونغا عقب تعرضها لتسونامي في يناير، تلقي الضوء على الأقمار الصناعية التي تدور في مدار منخفض حول الأرض، والتي تمثل جيلاً جديداً من الأقمار الصناعية، التي يمكنها الدوران حول الكرة الأرضية في 90 دقيقة فقط وتوصيل المستخدمين بالإنترنت. وتعتبر أقمار "ستارلينك" صغيرة ورخيصة، حيث يزن القمر الصناعي الواحد 260 كيلوغراماً (573 رطلاً)، ويتراوح سعره بين 250 ألفاً و500 ألف دولار، في الوقت الذي يبلغ وزن وسعر القمر الصناعي الثابت الذي تقدمه "إنمارسات غروب هولدنغز" (Inmarsat Group Holdings) 4 أطنان، بسعر 130 مليون دولار.

اقرأ المزيد: استحواذ "فياسات" على "إنمارسات" يُنشئ أكبر شركة أقمار صناعية بالعالم

يمكن لشبكات الأقمار الصناعية من هذا النوع، توفير الوصول إلى إنترنت النطاق العريض لعشرات الملايين من الناس في أماكن مثل المناطق الريفية في الهند، التي تفتقر ليس للإنترنت فقط، بل إنها غير قادرة أيضاً على الوصول إلى شبكات الهواتف المحمولة وخطوط الاتصالات الثابتة التقليدية. يقول أنيل بهات، مدير عام "جمعية الفضاء الهندية": "هناك فرصة كبيرة لسد الفجوة الرقمية في المناطق النائية، حيث تكلفة الاتصالات الأرضية مرتفعة. لذلك، لم يتم إنشاء الاتصالات الصوتية واتصالات النطاق العريض".

ماسك.. والمنافسون

تفاخر ماسك في 9 مارس، بإطلاق "سبيس إكس" 48 قمراً صناعياً إضافياً إلى المدار، في الوقت الذي يدور بالفعل أكثر من 2000 قمر حول الأرض. ولدى ماسك منافسون لديهم طموحاتهم الخاصة بالأقمار الصناعية التي تدور في المدار الأرضي المنخفض، ومن بينهم، زميله ملياردير الفضاء، جيف بيزوس، الذي يهدف من خلال مشروع "كويبر" (Kuiper) التابع لشركة "أمازون"، إلى إطلاق أكثر من 7000 قمر صناعي. كما أطلقت شركة "غلاكسي سبيس" (Galaxy Space)، ومقرها بكين، في 5 مارس، صاروخاً صينياً يحمل 6 أقمار صناعية في مدار أرضي منخفض، بينما تخطط الشركة لإطلاق نحو 1000 قمر صناعي. كذلك أعلن "الاتحاد الأوروبي" في فبراير، عن خطة شاملة بتكلفة تبلغ نحو 6 مليارات يورو (6.6 مليار دولار). وبدوره، يستثمر الملياردير الهندي سونيل ميتال من خلال شركته "بهارتي غلوبل" (Bharti Global)، ومعها الحكومة البريطانية، في شركة "ون ويب" (OneWeb)، التي تخطط لإطلاق مجموعة من الأقمار الصناعية في مدار منخفض حول الأرض يصل عددها إلى 648 قمراً صناعياً هذا العام. وكانت الشركة تنوي إطلاق مجموعة من الأقمار الصناعية في 5 مارس على متن صاروخ روسي، إلا أنها ألغت العملية، بعد طلب وكالة الفضاء التابعة للكرملين بيع بريطانيا حصتها، فيما تبحث "ون ويب" عن خدمات بديلة لست عمليات إطلاق في المستقبل.

تضع الشركات التقليدية التي تطلق عدداً صغيراً نسبياً من الأقمار الصناعية، أقمارها في مواقع ثابتة على ارتفاع 36 ألف كيلومتر (22369 ميلاً) فوق مستوى سطح البحر. وفي المقابل، تضع الشركات التي تطلق أقماراً صناعية في مدار منخفض، أقمارها على ارتفاعات تتراوح من 550 إلى 1200 كيلومتر.

يقول ماركو كاسيريس، المحلل في شركة تحليل سوق الطيران والدفاع "تيل غروب" (Teal Group)، إن وضع الأقمار الصناعية في مدار منخفض، يسهل تقديم خدمات سريعة مقارنة بالموجودة في الفضاء. وأضاف كاسيريس: "سوف يصنعون الكثير من ديناصورات الأنظمة التقليدية بين عشية وضحاها". وأوضح كاسيريس، أن "ستارلينك" وحدها قد يكون لديها 4500 قمر صناعي قيد التشغيل بحلول منتصف العقد، قائلاً: "إنهم يتحركون بسرعة البرق".

في بعض الحالات، قد يكون الأمر سريعاً جداً.

الدخول إلى الهند

فقد بدأت "سبيس إكس" تسجيل العملاء في الهند في عام 2021، رغم عدم امتلاكها ترخيصاً لتقديم خدمة "ستارلينك". وفي يناير الماضي، طالبت الحكومة الهندية الشركة بإعادة الأموال من العملاء المحتملين. وفي الوقت الذي تسعى فيه "سبيس إكس" إلى وضع إستراتيجيتها لدخول الهند، قامت شركة "ريلاينس جيو إنفوكوم" (Reliance Jio Infocomm) - مشغل الاتصالات المملوكة لموكيش أمباني، أغنى شخص في الهند - في فبراير، بتأسيس مشروع مشترك مع شركة تشغيل الأقمار الصناعية "سيس سا" (SES SA)، ومقرها لوكسمبورغ، لتوفير الوصول إلى الإنترنت عبر الأقمار الصناعية التي تدور في مدار ثابت ومتوسط من الأرض.

يقول ماثيو بلوكسهام المحلل في "بلومبرغ إنتليجنس"، إنه في الوقت الذي تتباهى فيه شركات الأقمار الصناعية الجديدة بقدرتها على الوصول إلى المجتمعات المحرومة، يكافح الكثير من أجل توفير معداتهم في بعض الأسواق المستهدفة.

تبلغ التكلفة التقديرية لـ"ستارلينك" 499 دولاراً للأجهزة، بالإضافة إلى رسوم شهرية قدرها 99 دولاراً، حسبما ذكرت "بلومبرغ إنتليجينس". لكن بلوكسهام يرى أن هناك أسباباً أخرى قد تدفع الحكومات إلى تقديم دعم مالي للإنترنت عبر الأقمار الصناعية، حيث يقول: "إنه يوفر مرونة في حالة وقوع هجوم إلكتروني يتسبب في انقطاع الإنترنت العادي الذي نعرفه اليوم".

في المقابل، يرى بعض المنتقدين، أن ماسك وآخرين لا يفكرون في مخاطر وجود عدد كبير جداً من الأقمار الصناعية في نطاق ضيق نسبياً فوق الأرض، حيث يقول مارك دانكبرغ، رئيس "فياسات" (Viasat)، مشغلة الأقمار الصناعية الموجودة على مدار ثابت من الأرض، ومقرها كاليفورنيا، والتي استحوذت على منافستها "إنمارسات" في نوفمبر مقابل 4 مليارات دولار: "ما يحدث الآن هو سباق لوضع أكبر عدد من الأقمار وحفظ الحقوق مسبقاً، حتى لو لم يكن ذلك مبرراً اقتصادياً، أو آمناً، أو مستداماً".

60 صفقة اندماج واستحواذ

وصل حجم صفقات الاندماج والاستحواذ في صناعة الأقمار الصناعية خلال عام 2021 إلى أعلى مستوى له منذ عام 2007، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ"، حيث عقدت الشركات 60 صفقة بقيمة 18 مليار دولار، في ظل سعي المشغلين إلى زيادة حجم أنشطتهم استجابة لتحدي الوافدين الجدد.

كانت الصين قد أعلنت في ديسمبر الماضي، عن اقتراب اثنين من أقمار "ستارلينك" بشكل خطير من محطتها الفضائية. وبينما قالت الولايات المتحدة، إنه لم يكن هناك "احتمال كبير" لحدوث تصادم بين أقمار "ستارلينك" والمحطة الصينية، إلا أن بعض الخبراء أبدوا قلقهم من أن الموقف يعتبر مؤشراً لما يمكن أن يحدث.

يرجع تاريخ الاتفاقيات الدولية التي تحكم الفضاء إلى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، عندما لم يكن لدى المليارديرات برامج فضائية خاصة بهم. تقول ماريا بوزا، المديرة في "غرافيتي لويرز" (Gravity Lawyers) في كرايستشيرش، نيوزيلندا، التي تقدم الاستشارات للعملاء بشأن قانون وتنظيم الفضاء: "لدينا الكثير من الممثلين الجدد، وليس لدينا قانون دولي قوي بما فيه الكفاية. لدينا القليل من الفوضى".