هوس تصفّح الأخبار السلبية يدمّر إحساسنا بالوقت

تصفح الأخبار السلبية في الحديقة
تصفح الأخبار السلبية في الحديقة المصدر: غيتي إيمجز
Tyler Cowen
Tyler Cowen

Tyler Cowen is a Bloomberg Opinion columnist. He is a professor of economics at George Mason University and writes for the blog Marginal Revolution. His books include “The Complacent Class: The Self-Defeating Quest for the American Dream.”

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

اختبرت الأزمات المزدوجة الناجمة عن جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، حكوماتنا ومؤسساتنا ودبلوماسيتنا وشعورنا الجماعي بالوقت. يعود السبب في ذلك جزئياً، إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يبدو أن الحدثين طويلا الأمد، رغم أنه لم يمر أكثر من شهر على غزو روسيا لأوكرانيا.

واحدة من أبرز العبارات المنتشرة خلال السنوات القليلة الماضية، هي "هوس تصفح الأخبار السلبية"، حيث أصبح بإمكان الناس الحصول على معلومات جديدة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع حول "كوفيد-19" أو الحرب في أوكرانيا، من خلال تصفح وسائل التواصل الاجتماعي على هواتفهم.

اقرأ أيضاً: "تيك توك" تعلق خدمات البث المباشر في روسيا بسبب قانون "الأخبار الزائفة"

بخصوص الوضع في أوكرانيا، هناك العديد من الأحداث اليومية التي يمكن التعرف عليها والتفاعل معها، حيث يمكنني تصفح ملخص الأحداث على حساب "تويتر" الخاص بي، ورؤية الصواريخ الروسية وهي تضرب أوديسا، ورفض مدينة ماريوبول الأوكرانية الاستسلام، وتدمير مركز للتسوق في كييف. كما يمكنني قراءة تحليلات متعددة حول كيفية تطور العلاقة بين الصين وروسيا، أو الحصول على آخر الأخبار حول شائعات الانقلاب على بوتين. كل هذا، من دون الحاجة إلى بذل الكثير من الجهد.

اقرأ المزيد: "ميتا" تقيد وسائل الإعلام الروسية في الاتحاد الأوروبي

في السابق، كانت أخبار الحرب عبارة عن مطوّلات يتم تكرارها بشكل دوري، حين كان الناس ينتظرون لمشاهدة نشرات الأخبار المسائية أو يقرأون الصحف الصباحية، أو حتى تشغيل الراديو وسماع المزيد من النشرات الإخبارية المتكررة. ونظراً لعدم وجود الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة الأخرى، كانت التقارير الإخبارية أقل بكثير مما هي عليه اليوم، كما كانت مصادر تلك الأخبار أقل بكثير أيضاً.

إدراك الوقت

أما اليوم، فقد بات تدفق المعلومات اللامتناهي، يلعب دوراً في تشكيل فهمنا وإدراكنا للوقت. بالنسبة إلى الكثيرين، وخصوصاً النُخب التي تعتمد على الأخبار بكثافة في أمريكا، قد يجعل هذا الأمر الحرب تبدو أطول بكثير مما هي عليه في الواقع.

فالشعور بأنك شاهد على كل تلك الفظائع، يعزز هذا الانطباع لديك عن الحرب، حيث يدخل في ذلك تعاملك الشخصي مع كل اعتداء أخلاقي، مهما كان صغيراً. ربما سمعت الأجيال السابقة عن معركة "ديان بيان فو" المصيرية بين قوات اتحاد تحرير فيتنام والجيش الفرنسي في خمسينيات القرن الماضي. أما اليوم فيمكن لهذه الأجيال مشاهدة، وإعادة المشاهدة، ومشاركة مقاطع فيديو لأشخاص قتلوا أو جرحوا في تفجير مسرح في ماريوبول. كل حدث يبدو أكثر فظاعة مما يسبقه، ما يغذي الشعور بأن شيئاً ما يجب أن يحصل، وأن الحرب يجب أن تنتهي قريباً.

هذا شعور خطير، لأنه يجعل من الصعب على القادة اتباع إستراتيجيات الصبر. وتُظهر استطلاعات الرأي دعماً شعبياً أمريكياً كبيراً لمنطقة حظر طيران، على الرغم من أن هذا الأمر سيؤدي - من وجهة نظري - إلى زيادة مخاطر تصعيد الحرب بشكل غير مقبول. ليس من الصعب فهم هذا الموقف المتشدد. فإذا كان الوضع الحالي لا يطاق، فمن المؤكد أن شيئاً ما دراماتيكياً وحاسماً سيحدث في القريب العاجل، ويُفضل التصرف على أساسه. فعلى أقل تقدير، ستضفي الحركة شعوراً بأنك "فعلت شيئاً ما".

كما إن نفاد الصبر الناجم عن هوس تصفح الأخبار السلبية، يدفع الناس إلى التقليل من شأن الآفاق العسكرية الروسية. فمن الواضح أن روسيا فشلت بالفعل في تحقيق هدفها المتمثل في الانهيار الفوري لأوكرانيا. ومع ذلك، فقد استغرق هتلر نحو خمسة أسابيع لغزو بولندا، وعادة ما يُنظر إليها على أنها حملة عسكرية ناجحة للغاية.

لم يتضح بعد مدى جودة أو سوء أداء الروس، إذ من الصعب تقبل هذا الشك الأساسي عندما تشعر بأن كل شيء آخر غير مقبول.

مخاطر الوباء

أزمة "كوفيد-19" أطول بكثير زمنياً، حيث امتدت لأكثر من عامين، لكنها تسببت في ردود أفعال مماثلة، حيث يشعر الناس بأن الوباء قد "انتهى" الآن، أو يجب أن يكون قد انتهى. أنا شخصياً، أفضّل استئناف النشاط الطبيعي، لكنني حزين لأن الكونغرس يتعامل مع الأمر بشكل متعجرف، ويرفض التعجيل بتمويل إضافي لمواجهة الوباء. لم يُغضب ذلك الناخبين، لأن جزءاً كبيراً منهم قرر أن الوباء قد انتهى بالفعل.

يعد رد الفعل هذا، على أحد المستويات، صحياً للغاية، لأنه سيساعد في عودة النشاط الاقتصادي. وعلى مستوى آخر، فإن الأمر خطير للغاية. فإذا ظهر متحور جديد وأكثر خطورة، لن تكون الولايات المتحدة مستعدة ببساطة لمواجهته، ولا حتى بعد عامين من المعاناة ووفاة أكثر من مليون شخص.

قد يشعر الناس، على المدى الطويل، بنوع من اللامبالاة تجاه كل هذه التقارير المفصلة عن المعاناة من الوباء والحرب، بل وقد ينسون إلى أي مدى استحوذت تلك الأحداث على انتباه العالم. قد تبدو هذه اللحظات، وكأنها شرائح زمنية، وليست أحداثاً أبدية.

لكن في الوقت الحالي، لسنا في سلام في ما يتعلق باستيعابنا للوقت، ما يجعل منا مشكلة رئيسية لأمريكا والعالم.